أكد ممثل المرجعية الدينية العليا الشيخ عبد المهدي الكربلائي، أن الرعاية الحقيقية للمنتسبين تبدأ من بناء الشخصية الإيمانية والفكرية والأخلاقية، لا من الجوانب المادية فقط، مشددا على ضرورة الاستمرار في إقامة الدورات الفقهية لما تحققه من أثر في تطوير المستوى الديني والسلوكي لخدمة الإمام الحسين (عليه السلام)، وجاء ذلك خلال كلمة ألقاها في حفل تكريم المشاركين الدورات الفقهية الخاصة بالمنتسبين والمشايخ والأساتذة، التي أقامها وحدة الدورات الفقهية التابعة لشعبة الشؤون الاجتماعية في قسم الشؤون الدينية في العتبة الحسينية المقدسة.
وعبر ممثل المرجعية الدينية العليا في كلمة له أمام جمعا من اساتدة الحوزة العلمية وطلاب الدورات "نشكر الإخوة في قسم الشؤون الدينية في وحدة الدورات الفقهية على هذا الجهد الكبير الذي يبذلونه من أجل مصالحكم الأخروية والدنيوية والدينية، كما نشكر أبناءنا المنتسبين على نجاحهم في هذه الدورات".
وبين، أن "هناك دواعي وبواعث أساسية وراء التشديد على إقامة هذه الدورات وعدم التساهل في حضورها، إذ يتم تسجيل الغياب لكل من يتخلف عن المشاركة"، مبينا أن "هذه الإجراءات تهدف إلى أن يكون لدى المنتسب دافع قوي للحضور والتفاعل، والتفكير في أهداف الدورة قبل النظر إليها كمسألة مرتبطة بالعمل الإداري أو الوظيفي".
وأشار إلى أن" المطلب الأساس والباعث الأول لهذه الدورات هو تصحيح نظرتنا إلى مفهوم الرعاية"، موضحا أن "الرعاية الأبوية مطلوبة وتكون من قلب رحيم وعطوف يسعى لتوفير فرص العمل والراتب والتقاعد، إلا أن هذا المفهوم ضيق، ويجب أن ننظر إلى الرعاية بمنظور أوسع وأعمق، وهي الرعاية التي تأخذ بالإنسان من الجهل إلى المعرفة والعلم، ومن الغفلة إلى البصيرة، وهي الغاية التي من أجلها خلق الإنسان".
وأضاف أن" الرعاية الحقيقية تتمثل في تهيئة الظروف التي تمكن المنتسب من الوصول إلى مراتب الفقه والمعرفة والبصيرة، والمنازل الرفيعة في الدنيا والآخرة"، مشيرا إلى أن "هذه الرعاية تمثل الأساس الذي تنطلق منه العتبة الحسينية المقدسة للوصول إلى أهدافها في بناء الإنسان الرسالي الواعي".
وأكد أن" من بين أهداف هذه الدورات أيضا بناء الشخصية التربوية والأخلاقية والأسرية والاجتماعية للمنتسب"، لافتا إلى أن "العتبة الحسينية المقدسة لا تقتصر في اهتمامها على المنتسب داخل موقع العمل فقط، بل تسعى إلى بناء شخصيته ليكون إنسانا ناجحا في حياته الأسرية والاجتماعية والاقتصادية"، معتبرا أن "هذا الفهم هو جوهر مفهوم الرعاية الذي تتبناه العتبة الحسينية المقدسة".
ونوه إلى أن"العمل في العتبة لا يعد عملا عاديا كغيره من المؤسسات، بل هو خدمة عند الإمام الحسين (عليه السلام)، وأن الأئمة (عليهم السلام) يراقبون أعمال الخدام، خصوصا القريبين منهم، الأمر الذي يفرض مسؤولية كبيرة على الجميع في الحفاظ على السمعة الطيبة والحسنة للعنوان العام الذي ينتمون إليه، وهو عنوان العتبة الحسينية المقدسة والمرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف".
وتابع أن "الهدف من هذه الدورات هو تعريف المنتسب بواجباته ومسؤولياته الشرعية والأخلاقية تجاه المرقد الشريف، وأن فهم هذه المسؤولية يتطلب حضورا معرفيا وروحيا متجددا".
واستطرد قائلا: إن "جزءا أساسيا ممن يتصدون للإدارة العليا أو الأقسام المهمة في العتبة هم من أهل العلم، بعكس بعض الدوائر التي تتولى إدارتها شخصيات أكاديمية فقط، دون خلفية علمية شرعية، وأن الله سبحانه وتعالى منَ علينا بأن تعلمنا هذه العلوم، وحق علينا أن نعلمها للآخرين، وحق التعليم هذا يكون أولا لمن ينتمي إلى العتبة الحسينية المقدسة".
وأكد أن "أداء هذا الواجب هو ما يجعل العتبة الحسينية المقدسة تعمل على إقامة الدورات الفقهية والعقائدية والأخلاقية، في مختلف مجالات العلوم، وأن من واجب القائمين عليها التصدي لهذه المسؤولية والعمل على تحقيقها بأفضل الصور".
وأشار إلى"أهمية المتابعة العملية لمخرجات هذه الدورات وليس الاكتفاء بالجانب النظري، داعيا إلى تقييم مدى الاستجابة والتطبيق العملي لمضامينها في مجالات العبادة والسلوك والأخلاق، وأن ذلك يمكن أن يتم من خلال اختبارات عملية مستقبلية".
ولفت إلى أن " المسؤولية الأساسية للعاملين في العتبة الحسينية المقدسة هي بناء شخصية الخادم عند الإمام الحسين (عليه السلام)، تلك الشخصية التي تستحضر حضور الإمام في كل عمل وسلوك، وتشعر برقابته الدائمة على الخدم الذين يقومون بخدمته"، داعيا المنتسبين إلى أن "يسعوا للوصول إلى مرتبة التقوى والورع والإيمان العالي".
وفي ختام كلمته دعا ممثل المرجعية الدينية العليا، إلى التأكيد على أهمية العلاقة الروحية والأخلاقية بين المنتسبين وأساتذتهم، مبينا أن "الأساتذة أصبحوا أصحاب معروف عليهم، لأنهم يأخذون بأيديهم إلى رضا الله تعالى والجنة، وينقذونهم من النار، لذا ندعو إلى استمرار هذه العلاقة على أساس الاحترام والتقدير والتعاون في طريق العلم والعمل الصالح".
اترك تعليق