أبو الفضل العبّاس.. ساقي العطاشى ورايةُ الوفاء التي لم تنحنِ
حينما يُذكَر العطش، لا يُستحضَر الماء، بل يُستحضَر العبّاس، وعند ذكر الوفاء، لا تُروى حكاية إلّا ويكون أبو الفضل بطلها الأوحد، فهذه الصورة المشرقة، حيث يجثو قمر بني هاشم على ضفاف نهر العلقمي، حاملاً القربة والراية، تتجاوز كونها لوحة فنية إلى أن تكون شهادة خالدة على أرفع مراتب الإيثار وأسمى درجات الطاعة.
إنها لحظة مفصلية في واقعة الطف، لحظة كتب فيها العباس (عليه السلام) مجداً لا يُمحى، يوم نزل إلى النهر، لا ليشرب، بل ليُروِي، يوم حاز الماء ورفضه، ليعود بقربة ملأى، وقلبٍ قد تفطّر ظمأً لأخيه الحسين وأطفال آل بيت النبوّة.
العلم والشهادة:
فيما تُجمع كتب السير والتاريخ، منها اللهوف في قتلى الطفوف لابن طاووس، ومقتل الحسين لأبي مخنف، وبحار الأنوار للعلّامة المجلسي، على أن أبا الفضل العباس كان حامل اللواء في كربلاء، وفدائيّ النهضة الحسينية، فقد أثبتت الروايات الموثوقة أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يُسلّم رايته إلّا لرجل جمع بين الشجاعة والحكمة، بين البصيرة واليقين، بين الطاعة المطلقة والعقل الواعي، فكان العباس كما أراده الحسين، عينه التي ترى، ويده التي تحمي، وقلبه الذي ينبض بمظلومية الرسالة.
الوفاء المطلق:
تذكر الرواية أن العباس (عليه السلام) لما وصل إلى نهر الفرات، وملأ القربة بالماء، مدّ يده ليشرب، ثم وقف وقال: "يا نفس من بعد الحسين هوني ... وبعده لا كنتِ أن تكوني".
فأسقط الماء من يده، وفضّل العطش على شربة ماء يرى فيها الخيانة لأخيه ولقضيته، أي وفاء هذا؟، وأي قلب هذا الذي ينبض تحت خوذة العطاء، لا بالدم، بل بالمحبّة والتضحية؟.
راية لا تسقط:
في الصورة، يتجلّى العباس واقفاً، يرفع راية خضراء تخفق على ضفة الماء، تذكّرنا بأن رايته لم تسقط، وإن سقط الجسد، لأن من حملها كان يحمل معها وعداً بأن تبقى الثورة، وتبقى المبادئ، ويبقى الحسين خالداً في الضمائر.
صورة النهر ومشهد البطولة:
الصورة تجسد بعمق مشهديّ لحظةً ما زالت تنبض في ذاكرة الشعوب، حيث تجتمع رمزية النهر، وهدوء المغيب، ولهيب العطش، والراية الخفّاقة، فالعباس لم يكن فقط ساقي العطاشى، بل كان نبعاً من الفداء، جفّ منه الماء، لكن فاضت منه الكرامة.
هكذا عاش العباس... خادماً للحسين، حاملاً لرايته، وحين استُشهد، لم يكن جسده هو الذي انهار، بل كانت السماء هي التي انثنت خشوعاً أمام رجلٍ لم يكتب التاريخ مثله في الوفاء.
وإن كان الماء قد أفلت من بين يديه، فقد ارتوى منه كل حرّ أبيّ، وارتوت به قلوب الموالين عبر العصور، لأنه ساقي العطاشى لا بالماء، بل بالموقف، لا بالقطرات، بل بالدمع، لا بالقربة، بل بالعقيدة.
ملاحظة: هذا النص تم توليده عبر الذكاء الاصطناعي
اترك تعليق