مشهد العمامة في غدير خم
التتويج بالولاء: مشهد العمامة في غدير خم
في مشهد يفيض بالنور والروحانية، تُجسّد هذه الصورة لحظةً خالدة في تاريخ الإسلام، حين وقف النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) في غدير خم، بعد أداء حجة الوداع، ليُعلن للناس أمراً إلهياً جللاً.
لم يكن يوماً عادياً، بل كان مفترق طريق في مسيرة الأمة، وفيه أتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) رسالة السماء حين رفع يد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أمام آلاف المسلمين وقال: "من كنت مولاه، فهذا علي مولاه. اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه".
العمامة في غدير خم: رمز السيادة والقيادة
من المشاهد الرمزية التي نقلها المؤرخون، قيام النبي (صلى الله عليه وآله) بربط عمامته على رأس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتُعرف العمامة بـ"العمامة السحاب"، وذلك تعبير عميق عن تفويض القيادة والرمزية السياسية والدينية، فقد كانت العمامة في العرف العربي آنذاك رمزاً للسيادة والقيادة، ووضعها على رأس الإمام علي كان إعلاناً واضحاً بخلافته الروحية والسياسية.
قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية": "قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني أمرت أن أُبلِّغ ما أنزل إليّ من ربي، وإن عليّاً مني وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي".
ونقل ابن حجر في "الصواعق المحرقة": "أن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عمّم عليّاً بيده يوم غدير خم".
وهذا الفعل يرمز إلى إعطاء البيعة والاعتراف بالولاية، فقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) لا يفعل شيئاً عبثاً، وإنما بأمر من الله، كما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67].
السحاب: تاج النور والإمامة
العمامة التي وضعها النبي (صلى الله عليه وآله) على رأس الإمام علي، والتي عُرفت بـ"السحاب"، كانت لها دلالة فريدة، حيث قال الإمام الصادق (عليه السلام) كما في "وسائل الشيعة": "إن رسول الله عمّم عليّاً بيده، فأدارها عليه، ثم قال: أدرّ العمائم فإنها سُنّة"
وفي رواية أخرى، قال: "عمّم رسول الله علياً بالسحاب، فسدلها من بين يديه ومن خلفه، ثم قال: هكذا تيجان الملائكة."
فهذا المشهد يجسّد ارتباط السماء بالأرض، حين تضع يد النبوّة عمامة الولاية على رأس من اختاره الله خليفة بعد الرسول، وهذه الصورة ليست مجرد فن تعبيري، بل هي نافذة تُطل بنا على لحظة من أعظم لحظات التاريخ الإسلامي، حيث تتلاقى النبوة بالإمامة، ويُتوّج عليّ بعمامة النور، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من الهداية، إنها دعوة لتأمل معنى الولاية، ومسؤولية استمرار خط الرسالة بعد رحيل خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله).
اترك تعليق