مفاد الشبهة: يقول البعض لا توجد حاجة ضرورية للدين، فيمكن للإنسان من خلال القوانين الوضعية، وبعض القيم الاخلاقية ان يدير شؤون حياته ويتقرب الى الله عز وجل، فهل هنالك حاجة ضرورية للدين ام لا؟
الجواب:
أولا: ماهي حقيقة الدين
مفردة الدين تعد من المفردات المشتركة ولذا صنف على انه من الاضداد لاشتماله على معان مختلفة وذلك من قبيل اطلاقه على (المذهب)، (والشريعة) و(المنهاج) ( والحساب ) ( والقضاء ) ، (والجزاء )، و ( القصاص ) ، ( والعبادة ، ( والطاعة ) ، وغيرها من المعاني التي قد تكون مختلفة فيما بينها .
تعريف الدين عن مفكري الغرب
ذكر المفكرون الغرب تعريفات عدة للدين منها معيارية ، وماهوية وصفية واخرى وظائفية فمثلا ، من التعاريف القيمية المعيارية ما ذكره مؤسس اللاهوت المعتدل شلايرماخر ذكر ان الدين موضوع للتجربة وهو احساسنا بالتعلق والتبعية المطلقة وان الشعور بالتناهي امام اللامتناهي هو العنصر المعياري المشترك بين جميع الاديان[1] .
ويعرفه تي ميل الدين بانه وضع روحاني وحالة فذة محترمة تسمى الخشية [2]، ويعرفه وليام جيمس بانه الاحاسيس والافعال والتجربيات التي يجدها الناس في خلواتهم مع الله [3] ، ويرى سبنسر ان الدين هو الاعتراف بحقيقة مفادها ان جميع الموجودات تجليات لقوة اسمى من علومنا ومعارفنا[4] ، ويعرفه بارسونز بانه مجموعة من المعتقدات والافعال والطقوس والمؤسسات الدينية التي شيدها الناس في شتى المجتمعات [5] . ويذهب ريناخ الى ان الدين مجموعة من الاوامر والنواهي التي تقف مانعا في وجه الاداء الحر لقدراتنا ، بينما يذهب دوبيلاري الى ان الدين نظام موحد من المعتقدات والاداب المرتبطة بحقيقة سامية ومتعالية على التجربة هي توحد كل اتباعها والمؤمنين بها . وغيرها من التعاريف التي يمكن ان نقول عنها انها شاملة لبعض الظواهر غير الدينية التي لا يمكن عدها من اسس الدين من قبيل الاشتراكية والليبرالية، والماركسية التي لا يخفى عدائها للدين، ومع كل هذا فاغلب هذه التعاريف تفتقر للجامعية والمانعية المطلوبة من التعريف حيث انها لا تنطبق على الاديان الحاضرة في المجتمعات البشرية بل تنطبق فقد على بعض المدارس الفكرية.
الدين في المنظور الاسلامي
ذكر العلماء والحكماء والمفكرون المسلمون تعريفاتهم لبيان حقيقة الدين ، ولم يقتصروا في تعاريفهم على جانب معين عقائدي ، او اخلاقي ، او بمنحى وجودي فقط وانما اختاروا تعريفا شاملا جامعا مانعا ، فعلى سبيل المثال يقول العلامة الطباطبائي قدس سره ( الدين هو مجموعة المعتقدات والقوانين التي تناسبها مما له جانب عملي في الحياة )[6] ، ويرى الشيخ جوادي املي ان الدين مجموعة من العقائد والاخلاق والقوانين التي جاءت لإدارة شؤون المجتمع البشري وتربية الانسان فاذا كانت حقة سمي الدين بالدين الحق ، وعليه فان الدين الحق هو دين نزلت عقائده وقوانينه من الله عز وجل والدين الباطل هو الذي جاء ووضع ونظم من عند غير الله[7] ، ويقول الشيخ مصباح اليزدي ان الدين كلمة عربية ذكرت في اللغة بمعنى الطاعة والجزاء ، واما في الاصطلاح فتعني : الايمان بخالق الكون والانسان وبالتعاليم والاحكام العملية الملائمة لهذا الايمان[8] .
لماذا نحتاج الى الدين؟
أولا: الدين يحقق هدف الخلقة ويعطي طعم للحياة.
بما العقل يقر بان لهذا العالم خالق وصانع حكيم وعالم وقادر وذلك بدليل الأثر والمؤثر وان الايمان به ضرورة عقلية فطرية وجدانية لا يمكن النقاش فيها ومخالفتها للمحاذير التي تقدمت.
المقدمة الثانية: ان الخالق عادل وحكيم وله غاية من الخلق
وهذه المقدمة قد تم الحديث عنها في مباحث العدل، فلا شبهة ولا ريب بان الله عز وجل عادل لا يفعل العبث، وكذا حكيم يضع الامور في مواضعها المقررة، وانه منزه من العبث قال تعالى (وما خلقنا السماء والارض لاعبين).
المقدمة الثالثة: الغاية من خلق الانسان
لا شك ولا ريب ان الهدف الاسمى الذي خلق من اجله الانسان هو الوصول بلوغ الكمال وايصاله الى الطهارة الباطنية والقرب الالهي بحيث ينعكس التوحيد في ذاته وصفاته، وافعاله ولذا نجد ان جميع المعارف الاسلامية تصب في هذا الهدف وهو الوصول الى الله تعالى الا ان هذا لا يعني عدم وجود اهداف اخرى قد تعد مقدمات للهدف الاساس والنهائي ومن جملتها سعادة الانسان في الدارين، فلابد ان ينتهي الانسان الى هذه الحقيقة ، لأنه لو لم يك بعد الموت شيئا ، لما كان هنالك غاية وهدف من الخلق اصلا ولكانت مخالفة للحكمة الالهية في الجزاء كما بينا فيما سبق ، فلا مناص باننا نتظر بعد الموت عالما اخر يوفى فيه المطيع ثواب طاعته ويلقى العاصي جزاء معصيته .
اذن ان الله عز وجل لم يخلق الانسان عبثا وانما خلق لاجل هدف عالي واسمى وهو البقاء ابدا في النشاة الاخرى.
وهذا الهدف يحتاج الى معرفة ما يريده الخالق في عالم الدين من الاوامر والنواهي والتعاليم التي تصب في مرضاته عز وجل، ومن هنا جاءت الحاجة الى الدين لأنه هو الطريق الوحيد في تحقيق الهدف الالهي من الخلقة.
اما ما يقال من ان العقل يكفي في تحقيق ذلك فجوابه هو: مع ان الانسان يمتاز عن بقية الحيوانات بالعقل لكنه غير كاف لوحده في ايصال الانسان الى سعادته ، لان العقل لا يعرف المصالح والمفاسد الواقعية وراء اموره وشؤونه ، وقد يخطئ في تشخيص المصالح الواقعية او المفاسد ، ولذا نجد كثيرا ما يخرج الانسان من حد الاعتدال الى الافراط والتفريط ، وان سلمنا فان العقل يستطيع ان يشخص المصالح الدنيوية ، ولا يمكن له ان يشخص المصالح والمفاسد الاخروية .
وقد يقال: ان عوامل سعادة الانسان يمكن تحصيلها عن طريق العلم والتقنية الحديثة؟
قلنا: ان العلوم التجريبية او الطبيعية كلها قائمة على اساس الفرضية والاحتمال ولذا يتوقع ابطالها في كل لحظة، وقد شهد الواقع لذلك، فلولا وجود الفرض والاحتمالات لما تطورت تلك النظريات، ومع كل هذا فان العلم لا يمكن له تشخيص المصالح الواقعية التي يريدها الخلق والتي تحقق الغاية من الخلق، اي غير قادر على تشخيص المصالح المفاسد الاخروية، وعلى هذا فلا سبيل لدينا الا الوحي والدين في تحقيق هدف الخلقة.
الهوامش:-----
[1] الدراسات الدينية ج1 ص 85 .
[2] العقل والايمان الديني ص 18 .
[3] فلسفة الدين ص 2
[4] المصدر السابق ص 2
[5] نفس المصدر .
[6] الشيعة في الاسلام ص 3
[7] الشريعة في مرآة المعرفة ص 93 ، 95 .
[8] دروس في العقيدة الاسلامية ، الدرسي الاول .
اترك تعليق