إحياء الأمر وفق منهج أهل البيت عليهم السلام

مفهوم أحياء الأمر

إن مسالة إحياء الأمر وردت في روايات كثيرة عن أهل البيت عليهم السلام فعن الامام الرضا عليه السلام قال: ( أن من تذكَّر مصابنا وبكى لما ارتُكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ومن جلس مجلسا يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب)[1].

معاني الإحياء لأمر أهل البيت عليهم السلام

إن هناك وجود عدة لمعاني الإحياء؛

- الوجه الأوّل: الإحياء من الإعراض والهجران: إن أحد معاني الإحياء لأمر أهل البيت عليهم السلام  هو جعله حياً في كل زمان على مستوى امامتهم وفضائلهم ومقاماتهم والولاء لهم وحبهم وجميع المراتب المتقدمة التي يسعى الأعداء في كل زمان إلى إبعاد الناس عنها، ومن هنا ينبغي التمسك بهم بشكل يكون أمرهم حياً في نفوسنا وقلوبنا وأعمالنا وحياتنا اليومية ، وان يكون منهجهم هو الحاكم بيننا .

- الوجه الثاني: (الإحياء) في سيرة وفكر وأخلاق وعلوم أهل البيت عليهم السلام  ولا يعني البعث من الموت، لأنه حي ما بقيت الحياة، ولأنه من نورا اللّه، ونور اللّه تعالى لا يُطفأ .. ولا يعني أيضاً إخراجه إلى التداول، فهو متداول ولكن ربما بنطاق محدود، بل يعني إخراجه من الأطر الضيقة أو المحدودة لمفاهيمه ونشره على أوسع نطاق لينعم العالم كله بنعيمه.

- الوجه الثالث: (الإحياء) يعني إدخال أفكارهم العملية في نسق وسياق الحياة.. وبمعنى آخر، إخراجها من بطون الكتب إلى مسارات الحياة المتشعبة فان فكر وعلوم وأخلاق أهل البيتعليهم السلام  ليست ثقافة ترفيهية أو استعراضية، أو أحاديث مجردة وإنما تعبر عن مسيرة عملية تساهم في بناء الفرد والمجتمع .

احياء الأمر في منهج اهل البيت عليهم السلام :

إن المتتبع لروايات أهل البيت عليهم السلام سيجد أن هناك مصاديق عديدة لإحياء أمرهم :

الأول: التعلم لعلومهم وتعليمها الناس

 عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: سمعت أبا الحسن على بن موسى الرضا عليه السلام يقول: رحم الله عبدا احيا امرنا فقلت له: وكيف يحيى امركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)[2]، وهذه الرواية تدل على أمور عدة أساسية:

1- أهمية تعلم علم أهل البيت عليهم السلام لا علم غيرهم .

2- أهمية التعليم للناس محاسن كلام آل محمد صلوات الله عليهم .

3- إن الرواية واضحة وصريحة إن أحد أهم مصاديق أمر أهل البيت عليهم السلام  هو التعلم والتعليم ، فمن لم يتعلم علومهم لا يمكن أن يحقق معنى الإحياء بجوهره الحقيقي وكذلك من تعلم علومهم ولم يعلم الناس محاسن كلامهم أيضا هذا لم يحقق جوهر إحياء الأمر .

4- إن الرواية الشريفة تنص على أن الواجب على المؤمنين تعليم الناس محاسن كلام أهل البيت عليهم السلام ولم يقل الامام عليه السلام علينا أن نظهر مثالب الأعداء .

وانما المراد من محاسن كلامهم هو الكلام الذي يقرب الناس جميعا والبشرية جمعاء الى حبهم ومودتهم ومنهجهم وسيرتهم وإمامتهم وقد أشار الى ذلك أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشئ ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشرا) .

الثاني: التلاقي والتذاكر في شأن أمر أهل البيت عليهم السلام 

وورد في بعض الروايات الشريفة أن أحد أهم مصاديق إحياء الامر هو التلاقي بين المؤمنين والتزوار فيما بينهم وعقد الجلسات، والندوات التي تخص ذكر آل محمد صلوات الله عليهم فان في ذكرهم المنفعة والرفعة وإنارة الطريق والهداية ، فعن الامام أبي جعفر الثاني عليه السلام  قال: ( رحم الله عبداً أحيا أمرنا قلت ما إحياء ذكركم قال التلاقي والتذاكر عند أهل الثبات ) .

وقد أوضحت النصوص الشريفة ان التلاقي والجلوس بين المؤمنين ينبغي أن يحف بالتذاكر في أمر اهل البيت عليهم السلام  من خلال معرفة الاطلاع على احاديثهم ومحاسن كلامهم فان في ذلك حياة للقلوب، وبناء للعقل والفكر السليم، فقد روي عن ابي عبدالله عليه السلام : ( تلاقوا وتحادثوا العلم فان بالحديث تجلى القلوب الرائنة وبالحديث إحياء امرنا فرحم الله من أحيا أمرنا).

 

الثالث: التزاور في البيوت

ومن أهم مصاديق احياء الامر هو تزوار شيتعهم في البيوت وذكر اهل البيت عليهم السلام فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: ( تزاورا في بيوتكم فان ذلك احياء لأمرنا رحم الله عبدا احيا امرنا)[3].

الرابع : إحياء الامر يكون عن طريق صيانته وكتمانه عن غير أهله

ومن أهم مصاديق إحياء الامر هو ليس فقط بقبول منهج أهل البيت عليهم السلام وانما بصيانته وحفظه عن المنحرفين والمكذبين والمشككين والمدلسين وأن لا يذيع علمهم الى من ليسوا اهله، فان الذي لا يعترف بمقامات اهل البيت عليهم السلام ، ومنزلتهم وامامتهم ومودتهم وطاعتهم وعصمتهم ينبغي ان لا يذاع ذلك اليهم وانما علينا كتمانه عن هؤلاء فلا يذاع امرهم الا لمن هم اهله وان لا يحدثهم الا بما يعرفون أما ما ينكرونه في خصوص مقامات اهل البيت عليهم السلام فلابد من كتمانه وعدم التحدث به لهم، فقد روي عن الامام الصادق عليه السلام قال: ( يا مدرك ان امرنا ليس بقبوله فقط ولكنه بصيانته وكتمانه عن غير اهله أقرئ اصحابنا السلام ورحمة الله وبركاته وقل لهم رحم الله امرأً اجتر مودة الناس الينا وحدثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون)[4].

الخامس: إقامة مجالس العزاء وإحياء مصائبهم

ومن مصاديق الإحياء أيضا المواظبة والالتزام بإحياء أمرهم عن طريق إقامة العزاء والمآتم وذكر مصائب النبي وأهل بيته  عليهم السلام في المناسبات وغيرها وقد ورد في ذلك روايات كثيرة فعن الامام الرضا عليه السلام قال ابْنَ شَبِيبٍ: (إن كنتَ باكِياً لشيء فابك للحسينِ بن علِي عليه السلام فإِنه ذبِح كما يذبح الكبش، وقتل معه من أهلِ بيته ثمانِيَة عشر رجلا مَا لهم في الأرض شبيهونَ، وَلَقَدْ بكتِ السماوات السبع والأرضُون لقتله.

يا ابن شبيب: إن بَكيت عَلَى الحسين عليه السلام حتى تصيرَ دموعك على خديك غفر الله لك كل ذنب أذنبته، صغِيراً كان أو كبِيراً، قلِيلا كان أو كثِيراً)[5].

 

 

 

الهوامش:-------

[1] بحار الأنوار ج44 ص 278

[2] عيون اخبار الرضا ص 275

[3] البحار ج71 ص 354.

[4] الامالي للطوسي ص 86

[5] بحار الأنوار ج98 ص 103

المرفقات

: الشيخ وسام البغدادي