انّ لهذا العالم خالقا ورباً انّ الخالق عادل وحكيم وله غاية من الخلق الغاية من خلق الانسان
مفاد الشبهة: يقول البعض لا توجد حاجة ضرورية للدين، فيمكن للإنسان من خلال القوانين الوضعية، وبعض القيم الاخلاقية ان يدير شؤون حياته ويتقرب الى الله عز وجل، فهل هنالك حاجة ضرورية للدين ام لا؟
الجواب: وذلك من خلال بيان مقدمات عدة:
المقدمة الاولى: انّ لهذا العالم خالقا ورباً
وهذه المقدمة تقدم اثباتها من خلال مباحث التوحيد، التي تدل على ان لهذا العالم خالق وصانع حكيم وعالم وقادر، وان الايمان به ضرورة عقلية فطرية وجدانية لا يمكن النقاش فيها ومخالفتها للمحاذير التي تقدمت.
المقدمة الثانية: انّ الخالق عادل وحكيم وله غاية من الخلق
وهذه المقدمة قد تم الحديث عنها في مباحث العدل، فلا شبهة ولا ريب بان الله عز وجل عادل لا يفعل العبث، وكذا حكيم يضع الامور في مواضعها المقررة، وانه منزه من العبث قال تعالى (وما خلقنا السماء والارض لاعبين).
المقدمة الثالثة: الغاية من خلق الانسان
لا شك ولا ريب ان الهدف الاسمى الذي خلق من اجله الانسان هو الوصول بلوغ الكمال وايصاله الى الطهارة الباطنية والقرب الالهي بحيث ينعكس التوحيد في ذاته وصفاته، وافعاله ولذا نجد ان جميع المعارف الاسلامية تصب في هذا الهدف وهو الوصول الى الله تعالى الا ان هذا لا يعني عدم وجود اهداف اخرى قد تعد مقدمات للهدف الاساس والنهائي ومن جملتها سعادة الانسان في الدارين ، فلابد ان ينتهي الانسان الى هذه الحقيقة ، لانه لو لم يك بعد الموت شيئا ، لما كان هنالك غاية وهدف من الخلق اصلا ولكانت مخالفة للحكمة الالهية في الجزاء كما بينا فيما سبق ، فلا مناص باننا ننتظر بعد الموت عالما اخر يوفى فيه المطيع ثواب طاعته ويلقى العاصي جزاء معصيته .
اذن ان الله عز وجل لم يخلق الانسان عبثا وانما خلق لأجل هدف عالي واسمى وهو البقاء ابدا في النشأة الاخرى.
وهذا الهدف يحتاج الى معرفة ما يريده الخالق في عالم الدنيا من الاوامر والنواهي والتعاليم التي تصب في مرضاته عز وجل، ومن هنا جاءت الحاجة الى الدين لأنه هو الطريق الوحيد في تحقيق الهدف الالهي من الخلقة.
اما ما يقال من ان العقل يكفي في تحقيق ذلك فجوابه هو: مع ان الانسان يمتاز عن بقية الحيوانات بالعقل لكنه غير كاف لوحده في ايصال الانسان الى سعادته، لان العقل لا يعرف المصالح والمفاسد الواقعية وراء اموره وشؤونه، وقد يخطئ في تشخيص المصالح الواقعية او المفاسد، ولذا نجد كثيرا ما يخرج الانسان من حد الاعتدال الى الافراط والتفريط، وان سلمنا فان العقل يستطيع ان يشخص المصالح الدنيوية، ولا يمكن له ان يشخص المصالح والمفاسد الاخروية.
وقد يقال ان عوامل سعادة الانسان يمكن تحصيلها عن طريق العلم والتقنية الحديثة؟
قلنا: ان العلوم التجريبية او الطبيعية كلها قائمة على اساس الفرضية والاحتمال ولذا يتوقع ابطالها في كل لحظة، وقد شهد الواقع لذلك، فلولا وجود الفروض والاحتمالات لما تطورت تلك النظريات، ومع كل هذا فان العلم لا يمكن له تشخيص المصالح الواقعية التي يريدها الخلق والتي تحقق الغاية من الخلق، اي غير قادر على تشخيص المصالح المفاسد الاخروية، وعلى هذا فلا سبيل لدينا الا الوحي والدين في تحقيق هدف الخلقة.
اترك تعليق