إن قصص القرآن الكريم بما فيها قصة أصحاب السبت هي تتبع لأثر من سبقنا من أنبياء وصالحين، ومرسلين، وهي أيضًا أخبار عن حال الأمم الماضية، وقضايا ذات مراحل متتابعة ، فهي حوادث واقعية نتعلم منها كثيرا في حياتنا اليومية، وقد اشتملت على كثير من وقائع الماضي.
ومن هذه القصص العظيمة التي نحن بصدد التحدث عنها “قصة أصحاب السبت” تلك القصة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في عديد من سور القرآن الكريم؛ لتكون موعظة للمؤمنين.
تلك القصة وإن حدثت في الأمم السالفة، وإن لم يكن زمانها هو زماننا، إلا أننا قد تعلمنا منها كثير من العبر، فقصص القرآن ليست مجرد حكايات للتسلية، بل يجب التعلم منها، وأن نطبقها في حياتنا وواقعنا، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم من أكثر الناس استفادة من قصص القرآن، وخطابة السابقين وتتبع لسننهم وتطبيقها.
أبطال هذه الحادثة، جماعة من اليهود، كانوا يسكنون في قرية ساحلية اختلف المفسّرون في اسمها، ودار حولها جدل كثير. أما القرآن الكريم، فلا يذكر الاسم ويكتفي بعرض القصة لأخذ العبرة منها.
كان اليهود لا يعملون يوم السبت، وإنما يتفرغون فيه لعبادة الله، فقد فرض الله عليهم عدم الانشغال بأمور الدنيا يوم السبت بعد أن طلبوا منه سبحانه أن يخصص لهم يوما للراحة والعبادة، لا عمل فيه سوى التقرب لله بأنواع العبادة المختلفة.
وجرت سنّة الله في خلقه ، وحان موعد الاختبار والابتلاء اختبار لمدى صبرهم واتباعهم لشرع الله ,ابتلاء يخرجون بعده أقوى عزما، وأشد إرادة تتربى نفوسهم فيه على ترك الجشع والطمع، والصمود أمام المغريات.
لقد ابتلاهم الله عز وجل، بأن جعل الحيتان تأتي يوم السبت للساحل، وتتراءى لأهل القرية، بحيث يسهل صيدها ثم تبتعد بقية أيام الأسبوع فانهارت عزائم فرقة من القوم، واحتالوا الحيل –على شيمة اليهود- وبدوا بالصيد يوم السبت لم يصطادوا السمك مباشرة، وإنما أقاموا الحواجز والحفر، فإذا قدمت الحيتان حاوطوها يوم السبت، ثم اصطادوها يوم الأحد كان هذا الاحتيال بمثابة صيد، وهو محرّم عليهم.
فانقسم أهل القرية على ثلاث فرق :
١- فرقة عاصية تصطاد بالحيلة.
٣- وفرقة لا تعصي الله وتقف موقفا إيجابيا مما يحدث، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحذّر المخالفين من غضب الله.
٣- وفرقة ثالثة، سلبية، لا تعصي الله لكنها لا تنهى عن المنكر.
وكانت الفرقة الثالثة، تتجادل مع الفرقة الناهية عن المنكر وتقول لهم: ما فائدة نصحكم لهؤلاء العصاة؟ إنهم لن يتوفقوا عن احتيالهم، وسيصيبهم من الله عذاب أليم بسبب أفعالهم. فلا جدوى من تحذيرهم بعدما كتب الله عليهم الهلاك لانتهاكهم حرماته.
وبصرامة المؤمن الذي يعرف واجباته، كان الناهون عن المكر يجيبون: إننا نقوم بواجبنا في الأمر بالمعروف وإنكار المنكر، لنرضي الله سبحانه، ولا تكون علينا حجة يوم القيامة. وربما تفيد هذه الكلمات، فيعودون إلى رشدهم، ويتركون عصيانهم.
بعدما استكبر العصاة المحتالوا، ولم تجد كلمات المؤمنين نفعا معهم، جاء أمر الله، وحل بالعصاة العذاب لقد عذّب الله العصاة وأنجى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر .لقد كان العذاب شديدا. فقد مسخهم الله، وحوّلهم لقردة عقابا لهم لإمعانهم في المعصية.
الآيات القرآنية الورادة في بهذه القصة .
١- قال تعالى : {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } الأعرف الآيات 163-166.
٢- وقال تعالى :{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} البقرة: ٦٥ - ٦٦ .
٣- قال تعالى : { ذُكرت قصة أصحاب السبت في سورة النساء بقوله الله تعالى: }نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} النساء:47 .
٤- قال تعالى : {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} النحل:124.
٥- قال تعالى : { {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ }المائدة:60.
موطنهم وعصرهم :
كان أصحاب السبت يسكنون على شاطئ البحر، وورد في رواية عن الإمام الباقرعليه السلام أن قريتهم تسمّى أيلة، وقال الفخر الرازي مثله،ويحتمل أنها مدينة إيلات التي تقع على شاطئ البحر الأحمر المجاور لفلسطين المحتلة، وقيل إنهم سكنوا مدين، وقيل الطبرية.
وذكرت أكثر الروايات أن قصة أصحاب السبت حدثت في عصر النبي داود.
مسخهم :
بناء على الآيات القرآنية مسخ الله أصحاب السبت قردة؛ عقوبة لاعتدائهم، ثم هلكوا بعد ثلاثة أيام، كما ورد في بعض الروايات.
وقال صاحب تفسير الميزان ، بناء على الآية 165 من سورة الأعراف، فإن الذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر نجوا من العذاب، وأما الفريقان الآخران أي المعتدون والساكتون على اعتدائهم فأخذهم العذاب، وقال البعض بحق الفرقة الثالثة، التي لم تعص الله لكنها لم تنه عن المكر، فقد سكت النصّ القرآني عنها.
المسخ حقيقيّ أو تمثيلي؟
وقد اعتقد بعض المفسرين الشيعة كمجاهد بن جبر (ت: 104 هـ)، وبعض المفسرين السنة كمحمد عبده بأن المسخ لم يكن حقيقيا ولم يتحقق المسخ الجسماني، وما ذكره القرآن في الآية 65 من سورة البقرة ليس إلا تمثيلا، ولا يدلّ إلا على مسخ القلوب.
اترك تعليق