الحسين (عليه السلام) مشروعٌ إلهي وتخطيط ربَّاني

الحمد لله ربِّ العالمين حمدًا كثيرًا كما يستحقُّه وكما هو أهله، والصلاة والسلام على خير خلقه محمَّد وآله الطاهرين...

الحسين (عليه السلام) اسم لامع في كلِّ أرجاء المعمورة من أقصاها إلى أقصاها، لا يختلف على قدسيَّته إلَّا أعمى بصيرةٍ أو صاحب عاهةٍ في عقله، وهم نادرون جدًّا على مرِّ التاريخ، وإلَّا فالجميع ما بين مقدِّسٍ له ومؤمنٍ بمنهجه القويم، وهذا ليس على دائرة الإسلام فحسب؛ بل على عموم النَّاس على اختلاف مناهجهم ومشاربهم الفكرية والعقدية، ويكاد أن يكون الحسين (عليه السلام) الخط الوسط الذي لا تختلف عليه الإنسانيَّة جمعاء؛ وذلك لأنَّه لم يختصر نفسه عند نمطٍ معيَّن أو حدَّد منهجه بإطارٍ فكريٍّ ضيِّق، وإنَّما كان مناديًا لتحرير الإنسان من الظلم والفساد والطغيان، ومضحيًا في سبيل تحقيق العدالة المجتمعيًّة، ورافضًا لنهج بني أميَّة في استعباد البلاد والعباد، وكان في غاية الإيمان بمبادئه فلم يداهن، ولم يتخلَّ عن أيٍّ منها لأمرٍ دنيوي؛ بل كان لآخر لحظةٍ من حياته الشريفة صامدًا أمام الطاغوت بأعلى درجات الشجاعة والثبات على المبدأ، ومن هنا صار الحسين (عليه السلام) رمزًا إنسانيًّا متجاوزًا كلَّ الأطر المحدِّدة، وصار الثوار والمصلحون على اختلاف انتماءاتهم الدينيَّة والثقافيَّة يتَّخذون منه رمزًا وشعارًا لثوراتهم وحركاتهم الإصلاحيَّة، ويجعلون منه منهلًا يسقون به أرواحهم كلَّما ظمئت، ودافعًا لقواهم كلَّما خارت، ومعزِّزًا لأنفسهم كلَّما وهنت .

لقد أطلَّ الحسين بنوره فأشرقت الأرض به، وتزينت السماء بضيائه، وذلك حينما تشرَّف المسجد النبوي الشريف به وليدًا، وبذلك يتبع أباه في شرفية مكان الولادة، فأبوه ولد في مكَّة المكرَّمة بيت الله الأعظم، وهو يولد في المسجد النبوي الشريف([1]). ثمَّ يتولَّى الرسول مراسيم استقبال الوليد فيؤذن بإذنه اليمنى ويقيم في اليسرى، وما إن أتمَّ ذلك حتَّى هبط الأمين جبرائيل (عليه السلام) باسم للوليد النبوي الجديد فأسماه الرحمن حسينًا([2]), وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد بشَّر ابته الزهراء به من قبل وهي حامل به؛ إذ كان يقول لها: (فأنِّي أرى في مقدم وجهك ضوءًا ونورًا وذلك أنَّك ستلدين حجةً لهذا الخلق)([3]). ولمَّا ترعرع ونما صارت شواخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) تتوضَّح به يومًا فيومًا، فكان يُقاسم مع أخيه الشبه بجدِّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد شهد بذلك أبوه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بقوله: ((مَن سَرَّه أن يَنْظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن (عليه السلام)، ومَن سَرَّه أن يَنْظر إلى أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى كعبه خلقًا ولونًا؛ فلينظر إلى الحسين بن علي (عليه السلام))([4])، وهذه الشهادة شهد بها عبد الرحمن بن عوف([5])، وكذلك أنس بن مالك بقوله واصفًا الحسين (عليه السلام): ((كان أشبههم برسول الله (صلى الله عليه وآله))([6]). أمَّا من أبيه فقد أخذ الشجاعة والإقدام وقد قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك: ((وأشبه أهلي بي الحسين))([7])، وقال أيضًا: ((وأما أنا وحُسين فنحنُ مِنكم وأنتم منَّا))([8]) .

وهكذا تنمو في الحسين (عليه السلام) فرعي النبوة والوصاية، فهو أشبه النَّاس بجدِّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبيه الوصي أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن كلا هذين الفرعين يخرج مشروعه الإلهي في محاربة الاستبداد والظلم والطغيان، وإلى هنا فقد سقنا الدليل لما قدَّمناه أولًا من أنَّ الحسين (عليه السلام) مشروعًا إلهيًّا في تحرير الإنسان، وقد توافقت على مشروعه الآراء، واتَّحدت اتِّجاهه المواقف، وقبلته النَّاس على اختلاف مشاربهم وأفكارهم، وكيف لا يكون كذلك وهو من نسل خاتم الأنبياء وسلالة الأوصياء، وليس هذا فقط؛ بل قد اختار الله تعالى له سلالة طهرٍ من جميع الجهات، فجمع له المفاخر والمعالي من جهة الآباء والأمهات والأجداد والجدات، وقد أبان عن هذا المعنى حذيفة بن اليمان فقال في جواب رجلٍ سأله عن الأفضل بين النَّاس فأجابه بذكر جملةٍ من الرجال الفضلاء، ومنهم الحسين (عليه السلام) فقال في صفته ((خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كأنِّي أنظر إليه الساعة, كما أنظر إليك الساعة حامل الحسين بن علي (عليه السلام) على عاتقه، كأنِّي أنظر إلى كفِّه الطيبة، واضعها على قدمه يلصقها بصدره، فقال: أيُّها الناس لأعرفن ما اختلفتم بعدي، هذا الحسين بن علي خير الناس جدًا وخير الناس جدّة، جدّه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، سيد النبيين وجدّته خديجة بن خويلد سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله ورسوله، هذا الحسين بن علي خير الناس أباً وخير الناس أماً، أبوه علي بن أبي طالب أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووزيره وابن عمه، وأمُّه فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين, هذا الحسين بن علي خير الناس عمًا وخير الناس عمةً، عمُّه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء, وعمته أم هاني بنت أبي طالب، هذا الحسين بن علي خير الناس خالاً وخير الناس خالة, خاله القاسم بن محمد بن رسول الله، وخالته زينب بنت محمد رسول الله، هذا الحسين بن علي جدُّه وجدَّته في الجنة وأبوه وأمه في الجنة, وعَمّه وعَمَّته في الجنة وخاله وخالته في الجنة، هو وأخوه في الجنة، إنَّه لم يؤت من ذرية النبيين ما أوتي الحسين بن علي))([9]). وهذا التكامل الإيماني والنسبي جعل من الحسين (عليه السلام) مشرعًا إلهيًّا يتَّفق عليه الجميع، ويلحق بركبه عامَّة المفكِّرين والمصلحين، وهنا أودُّ أن أُهدي القارئ الكريم هديَّةً بمناسبة الولادة الميمونة للحسين (عليه السلام) فيما لو أحبَّ أن يكون بركبه في الجنَّة بعمل عباديٍّ بسيط، لا يُكلِّفه من الجهد شيئًا، وهو أن يقرأ سورة الفجر في صلوات الفرائض والنوافل، ومن يفعل ذلك يكون مع الحسين (عليه السلام) في درجته في الجنَّة، وقد ورد بذلك روايةً عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قوله: (( اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنَّها سورة للحسين بن علي (عليهما السلام)، من قرأها كان مع الحسين (عليه السلام) يوم القيامة في درجته من الجنة، إنَّ الله عزيز حكيم))([10])، وفي نصٍّ آخر أكثر تفصيلًا عن الصادق (عليه السلام) أيضًا: ((اقرؤا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم، فإنَّها سورة الحسين، وارغبوا فيها رحمكم الله، فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس: كيف صارت هذه السورة للحسين (عليه السلام) خاصة ؟ فقال: ألا تسمع إلى قوله تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)﴾ [الفجر]، إنَّما يعني الحسين بن علي (صلوات الله عليهما)، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية، وأصحابه من آل محمد (صلوات الله عليهم) هم الراضون عن الله يوم القيامة وهو راضٍ عنهم، وهذه السورة في الحسين بن علي (عليه السلام) وشيعته، وشيعة آل محمد خاصة، فمن أدمن قراءة الفجر كان مع الحسين (عليه السلام) في درجته في الجنَّة إنَّ الله عزيز حكيم))([11]) . جعلنا الله وإيَّاكم مع الحسين (عليه السلام) في الدُّنيا والآخرة .

[1])) ينظر: التهذيب: 6/770 .

[2])) علل الشرائع, الصدوق: 1/131 .

[3])) الخراج والجرائح، الراوندي: 2/842

[4])) المعجم الكبير، لطبراني: 3/95 , مختصر تاريخ دمشق، ابن منظور: 3/124.

[5])) أنساب الأشراف, البلاذري: 3/176, مختصر تاريخ دمشق,: 3/124 .

[6])) مسند أحمد بن حنبل: 1/99 .

[7])) أسد الغابة, ابن الأثير: 2/13, مختصر تاريخ دمشق: 7/128.

[8])) شرح الأخبار, القاضي المغربي: 3/396 .

[9])) مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) محمد بن سليمان الكوفي: 422 .

([10]) البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني (ت: 1107 هـ): 5/649 ، تفسير مقتنيات الدرر، مير سيد علي الحائري الطهراني (المفسر): 12/136 .

([11]) بحار الأنوار، العلامة المجلسي (ت: 1111 هـ): 24/93 ، العوالم ، الإمام الحسين (عليه السلام)، الشيخ عبد الله البحراني (ت: 1130 هـ): 98 .

: د. عمار حسن عبد الزهرة : دار القرآن الكريم