من أهم الأسس العقائدية في حركة المؤمنين هي معرفة الله تعالى، وقد جعل أهل البيت عليهم السلامالمعرفة الإلهية أول الدين وأولية الشي تدل على شرفه حيث روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ( أول الدين معرفته )[1]، وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : ( إنما يعبد الله من عرف الله ، فأما من لا يعرف الله كأنما يعبد غيره هكذا ضالا )[2]، وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام ان المعرفة مقدمة على الإنتظار حيث قال:( أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج )[3]، وقال علي عليه السلام:( سبحان من إذا تناهت العقول في وصفه كانت حائرة دون الوصول اليه وتبارك من إذا غرقت الفطن في تكيفه لم يكن لها طريق اليه غير الدلالة عليه )[4]، وروي عن الإمام الصادق عليه السلامفي حديثه حول فضل وشرف المعرفة الإلهية حيث قال: ( لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلى ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم اقل عندهم مما يطأونه بأرجلهم، ولينعموا بمعرفة الله جل وعز وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله )[5]، وقد ورد في بعض النصوص أن من أهم صفات أنصار الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف المعرفة الإلهية، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام أن من صفات الأنصار أنهم: ( رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله اشد من الحجر )، وهذا تعبير عن معرفتهم بالله عز وجل .
حدود المعرفة الإلهية
إن للمعرفة الإلهية حدوداً يقف عندها العقل والنقل، فإن المعرفة الإلهية ليس معرفة الذات الإلهية لأن ذلك من المحال عقلا و المراد من المعرفة هي معرفة الله تعالى بصفاته وأسمائه الحسنى، عن أبي جعفر عليه السلامقال:( دعوا التفكر في الله فان التفكر في الله لا يزيد الا تيها لان الله تبارك وتعالى لا تدركه الابصار ولا تبلغه الاخبار)[6]، وقد روي سئل الإمام الهادي عليه السلامحول أدنى المعرفة بالله تعالى قال:( الإقرار بانه لا اله غيره ، ولا شبه له ولا نظير، وانه قديم مثبت موجود غير فقيد وانه ليس كمثله شيء )[7]، وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام في بيان حدود المعرفة الإلهية أنه قال: ( واعلم أنّ الله تعالى وأحد، أحد، صمدٌ، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا ولا شريكًا، وأنّه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتق ، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل وانه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير (ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم اينما كانوا ) وهو الأوّل الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى عن صفات المخلوقين علوًّا كبيرًا )[8].
طرق المعرفة الإلهية
أن الطريق لمعرفة الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق فكل شيء في هذا الوجود يدل على الخالق العظيم، وقد ذكر في النصوص الإسلامية بعض هذه الطرق واهمها:
الطريق الأول: معرفة الله بالله
من الطرق التي رسمها أهل البيت عليهم السلام لمعرفة الله عز وجل هي معرفة الله تعالى بالله ، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: (يامن دل على ذاته بذاته )، وروي عن الإمام السجاد عليه السلام في دعائه الذي علمه لأبي حمزة الثمالي: ( الهي بك عرفتك وانت دللتني عليك ودعوتني اليك ولولا انت لم ادر ما انت )، وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (اعرفوا الله بالله والرسول بالرسالة وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان)[9]، ويقول الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد: (عرفنا الله بالله لأنا إن عرفناه بعقولنا فهو عز وجل واهبها وإن عرفناه عز وجل بأنبيائه ورسله وحججه عليهم السلامفهو عز وجل باعثهم ومرسلهم ومتخذهم حججا وإن عرفناه بأنفسنا فهو عز وجل محدثها فبه عرفناه)[10].
الطريق الثاني: العقل
ومن الطرق الأساسية المهمة في الوصول إلى المعرفة الإلهية هي طريق العقل وقد ذكر العلماء الأعلام براهين عقيلة كثيرة في إثبات وجوده الله تعالى ومعرفته ومن هذه البراهين برهان النظم ، وهو عبارة عن التدقيق في حقيقة النظم والتناسق والترابط السائد على أجزاء هذا الكون الفسيح من الذرة وحتى المجرة من دون استثناء وتتبع علته، فعندما يتأمل الانسان في هذا الكون بجميع مخلوقاته وموجوداته فأنه يرى بأنها موجودة ومصنوعة بأحسن نظم وأتقن تدبير من الترابط والتناسق العجيب، فيحكم العقل بأنه لابد لهذا النظم من وجود منظم حكيم ولابد لهذا التدبير من مدبر عليم، لأنه يستحيل عقلاً أن يوجد شيئاً منظماً من غير منظم وهذا كافٍ في إثبات ضرورة وجود الصانع الخالق القادر العالم الحكيم .
وقد نبهت النصوص الشريفة إلى هذا النوع من البرهان قال تعالى:( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ الله مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجل مُسَمّىً يُدَبِّرُ الأمر يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رواسي وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[11] .
ودخل أبو شاكر الديصاني ـ وهو زنديق ـ على الإمام الصادق عليه السلام فقال له : ( يا جعفر بن محمد دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي فقال له أبو عبد اللّٰه عليه السلام اجلس فإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال أبوعبد الله عليه السلام يا غلام ناولني البيضة فناولها إياها - فقال أبوعبد الله عليه السلام يا ديصاني هذا حصن مكنون له جلد غليظ و تحت الجلد الغليظ جلد رقيق و تحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة و فضة ذائبة - فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة - فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدرى أللذكر خلقت أم للأنثى؟ تنفلق عن مثل ألوان الطواويس، أترى؟ لها مدبرا قال فأطرق مليا ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك إمام، وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه)[12].
الطريق الثالث: النبي والأئمة عليهم السلام
ورد في بعض الروايات الشريفة أن الطريق إلى معرفة الله تعالى هو معرفة النبي والأئمة عليهم السلام، فقد روي عن بريد قال: ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: بنا عبد الله وبنا عرف الله وبنا وعد الله محمدا صلى الله عليه واله وسلم حجاب الله )[13] وروي عنه عليه السلام قال: ( إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف امامه منا اهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل، ولا يعرف الإمام منا اهل البيت فانما يعرف ويعبد غير الله هكذا ضلالا)[14] وعن أبي بصير قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: (الاوصياء هم أبواب الله عز وجل التي يؤتى منها ولولاهم ما عرف الله عز وجل وبهم احتج الله تبارك وتعالى على خلقه)[15]، وأما كيف يكون أهل البيت هم الطريق إلى معرفة الله عز وجل ولولاهم لما عرف الله تعالى وذلك لأن عظمة الخالق تعالى أرفع من أن يصل اليه كل طالب ورفعته أجل من أن ينظر اليه كل شاهد وغائب وصراطه أدق من أن يتطرق اليه قدم الأوهام وشرعه أشرف من أن يقبل مخترعات الأفهام فلولا هداية الأوصياء وارشاد الأولياء لبقى الإنسان متحيراً في تبة الجهالة وراقد في مرقد الضلالة، كما ترى من أعرض عن القول بإمامة أهل البيت عليهم السلام وعصمتهم والتمسك بهم فأنه ذهب إلى القول بالتجسيم والتصوير والتحديد والتخطيط والحلول وانه قابل للحركة والانتقال إلى غير ذلك من المذاهب والفرق التي قالت المقولات الباطلة في الله عز وجل.
الهوامش:------
([1]) نهج البلاغة ج13 ح1.
([2])([2]) تفسير العياشي ج2 ص 155.
([3]) تحف العقول ص 403.
([4]) غرر الاخبار ج1 ص 341.
([5]) الكافي ج8 ص 247.
([6]) التوحيد للشيخ الصدوق ب 67 ح13.
([7]) التوحيد للصدوق مصدر سابق.
([8]) التوحيد للصدوق مصدر سابق ص 76.
([9]) الكافي ج1 ص 85.
([10]) التوحيد للصدوق ص 290.
([11]) الرعد الاية 2، 4 .
([12]) الكافي للكليني ج1 ص 79.
([13]) بصائر الدرجات ص 84.
([14]) الكافي للشيخ الكليني ج1 ص 181.
([15]) نفس المصدر ج1 ص 193.
اترك تعليق