حلقات مسير الامام الحسين (عليه السلام) الى العراق سنة ٦٠ هجرية - الحلقة (5)

منازل العراق 

الحلقة السادسة

بطن العقبة

هو منزل في طريق مكة بعد واقصة وقبل القاع لمن يريد مكة وهو ماء لبنى عكرمة من بكر بن وائل وهو أول منزل من منازل العراق الان وقال ابو مخنف أن أحد عمومة لوذان أحد بني عكرمة من بني وائل طلب من الحسين( الانصراف من وجهته تلك وقال له فوالله لا تقدم الاعلى الاسّنة وحد السيوف وأن اللذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطئوا لك الاشياء فقدمت عليهم لكان ذلك رأيا( صائبا) فأما على هذه الحال فأني والقول للعكرمي لا أرى لك أن تفعل فقال الحسين ( (( إنه ليس بخفي عليّ الرأي مارأيت ولكن الله لا يغلب على أمره )) ثم واصل مسيره الى الكوفة.

شراف

وهوالمنزل الثاني للحسين عليه السلام في العراق، وقال الكلبي: شراف وواقصة ابنتا عمرو بن معتق بن زمرة بن عبيل ابن عوض ابن ارم بن سام بن نوح عليه السلام، ومن شراف الى واقصة ميلان، وفيها ثلاثة ابار كبار، وشاؤها أقل من عشرين قامة، وماؤهم عذب كبير، وبها قُلُبُ كثيرة طيبة الماء، يدخلها ماء المطر. وهناك بركة تعرف باللوزه وفي السحر أمر الحسين عليه السلام فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ثم ساروا منها فرسموا صدر يومهم حتى أنتصف النهار ثم أن رجلا قال: الله أكبر! فقال الحسين عليه السلام: ((مِمَّ كبرت؟))، قال: رأيت النخل! فقال له الاسديان ( عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل): إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط!، فقال الحسين عليه السلام: (( فما تريانه؟))، قالوا: نراه هوادي الخيل أي ( رؤوسها)، فقال الرجل: وأنا والله أرى كذلك!، فقال الحسين عليه السلام: (( أما لنا ملجأ نلجأ اليه نجعله في ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد؟))، فقال له الاسديان: بلى! هذا ذوحسم الى جنبك تميل اليه عن يسارك فأذا سبقت القوم فهو كما تريد!.. وفعلا سبق الحسين وجماعته الحر وعسكره ونزلوا وذوحسم خلفهم٠

ذو حسم

نزل الحسين عليه السلام وأمر بأبنيته فضربت، وجاء قوم عبيد الله بن زياد وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد الرياحي اليربوعي التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين عليه السلام حر الظهيرة والحسين عليه السلام واصحابه معتمون متقلدون أسيافهم فقال عليه السلام لفتيانه: أسقوا القوم وأرووهم الماء ورشفوا الخيل ترشيفا!

فقام فتيانه بالارواء والترشيف، وملؤا القصاع والطساس من الماء، وسقوا الخيل كلها، والتي قدمت بامرة الحر من القادسية، وحضرت صلاة الظهر فامر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق الجعفي أن يؤذن فأذن ولما حضرت الاقامة خرج الحسين عليه السلام في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: - الخطبة الاولى-

((أيها الناس! إنها معذرة إلى الله وإلى من حضر من المسلمين، إني لم أقدم على هذا البلد حتى أتتني كتبكم، وقدمت علي رسلكم أن اقدم إلينا إنه ليس علينا إمام، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما يثق به قلبي من عهودكم ومن مواثيقكم، دخلت معكم إلى مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي عليكم انصرفت إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم)) فسكتوا عنه وقالوا للمؤذن أقم، فأقام الصلاة فقال الحسين ( للحر ((أتريد أن تصلي باصحابك؟))قال لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك فصلى بالجميع ( وأنصرف الحر الى مكانه الذي كان به وعندما حان العصر أمر الحسين ( للرحيل وامر مناديه فنادى بصلاة العصر وأقام فأستقدم الحسين ( فصلى بالقوم ثم سلم ثم خاطبهم وقال - الخطبة الثانية- ((أما بعد: أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم، ونحن أهل بيت محمد، وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان،وإن أبيتم إلا كراهية لنا والجهل بحقنا، فكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت به علي رسلكم، انصرفت عنكم)).

ثم جرى حديثا مشحونا بين الحسين عليه السلام والحر بن يزيد اليربوعي التميمي جاء فيه:

الحر للحسين عليه السلام :إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر.

الحسين ( لعقبة بن سمعان: ((أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم اليّ)) فأخرج خرجين مملؤين صحفاُ فنشرها بين أيديهم.

الحر للحسين عليه السلام : إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد أمرنا اذا نحن لقيناك الا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد.

الحسين عليه السلام للحر: ((الموت ادنى من ذلك)) ثم قال لاصحابة ((قوموا فأركبوا)) فركبوا وأنتظروا حتى ركبن نساؤهم فقال ( لاصحابة (( أنصرفوا بنا ))فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف.

الحسين عليه السلام للحر: ((ثكلتك أمك ما تريد؟))

الحر للحسين عليه السلام: أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل إن أقوله كائنا من كان ولكن والله ما لي الى ذكر أمك من سبيل الا بأحسن ما يقدر عليه.

الحسين عليه السلام للحر: (( فما تريد)).

الحر للحسين عليه السلام ( : أريد والله ان أنطلق بك الى عبيد الله بن زياد.

الحسين عليه السلام للحر: (( أذن والله لا أتبعك))

الحر للحسين عليه السلام : أذن والله لا أدعك .

فترادد القول ثلاث مرات ولما كثر الكلام بينهما قال الحر للحسين عليه السلام : اني لم أومر بقتالك وأنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فأذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك الى المدينة، تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب الى أبن زياد وتكتب أنت الى يزيد بن معاوية أن اردت أن تكتب اليه أو الى عبيد الله إن شئت فلعل الله الى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية أن أبتلي بشيء من أمرك فخذ ها هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب (38) ثمانية وثلاثون ميلا ثم سار الحسين ( والحر يسايره .

خطبة الحسين عليه السلام الثالثة في ذي حسم بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: ((إنَّهُ قَد نَزَلَ مِنَ الأَمرِ ما تَرَونَ ، وإنَّ الدُّنيا قَد تَغَيَّرَت وتَنَكَّرَت ، وأدبَرَ مَعروفُها وَاستَمَرَّت ، حَتّى لَم يَبقَ مِنها إلّا صُبابَةٌ كَصُبابَةِ الإِناءِ ، وإلّا خَسيسُ عَيشٍ كَالكَلَأِ الوَبيلِ . ألا تَرَونَ الحَقَّ لا يُعمَلُ بِهِ ، وَالباطِلَ لا يُتَناهى عَنهُ ! لِيَرغَبِ المُؤمِنُ في لِقاءِ اللّه ِ ، فَإِنّي لا أرى المَوتَ إلّا سعادَةً ، وَالحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إلّا بَرَما)).

ثم تحدث زهير بن القين وقال للحسين عليه السلام بعد ان حمد الله وأثنى عليه عليه السلام: قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، والله لوكانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لاثرنا الخروج معك على الاقامة فيها.فدعا له الحسين عليه السلام ثم قال خيراً.

: السيد طه الديباج