"بسم الله الرحمن الرحيم"
يقول الله تعالى في معرض الامتنان والتفضل: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) (١)
كثيرة هي الآيات القرآنية الواردة حول استجابة الدعاء للمؤمن وهناك حثٌ قرآني بكثير من الآيات الدالات على وجوب الدعاء والتضرع لله لغرض الاستجابة ومنها قوله عز من قائل :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) (٢)
وعند الحديث عن الدعاء كثير ما نستذكر هذه الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣) في هذا النص القرآني وكثير من النصوص القرآنية الأخرى حول استجابة الدعاء للمؤمن ولكن!
في الدعاء هُناك حقيقة ألا وهي التوسل والذي هو من الأمور التي تَضمن استجابة الدعاء إذا ما حجب حاجب أو منع مانع لسبب أو لآخر هُنا لابد من تدخل ما يسمى بالوسيلة .
فمن رأفة الله ورحمته بعبده أنه لا يتركه ، فقد خلق الله أولياءه وخاصته وجعلهم وسيلة للتقرب له في سبيل الاستجابة، وحقيقة لا توجد وسيلة أفضل من محمد وآل محمد (عليهم السلام).
وفي هذا حقيقة لا يمكن إنكارها بأنهم أولياء الله وخاصته كما جاء في قوله تعالى : (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )(٤)
ولكن يوجد من يعتقد أنه (شرك) بحجة أنه دعاء لغير الله.
وهذه المسألة يبرهنها الله تعالى بقوله : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )(٥) ، ومن الخطأ ما يذكره المبغضين من أنّ المراد من الوسيلة الأعمال والطاعات إذ لا دليل على إحضار الوسيلة بذلك ، بل هذه الآية الشريفة عامّة تشمل التوسّل بالأنبياء والرسل
والأئمّة (عليهم السلام) لأنّ الوسيلة بمعنى التقرّب والعرب استعملت الوسيلة في التوسّل بالإنسان كما في شعر عنترة بن شداد العبسي :
إنّ الرجال لهم إليك وسيلة * أن يأخذوك تكحلي وتخضبي (٦)
بل ورد في رواياتنا أنّ المراد من الوسيلة المعصومون :
عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : « الأئمّة من ولد الحسين ، من أطاعهم فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله ، هم العروة الوثقى والوسيلة إلى الله »(٧) .
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى : ( وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )(٨) قال : « أنا وسيلته »(٩).
وفي خطبة الزهراء عليها السلام المرويّة في « دلائل الإمامة للطبري » وفي « شرح نهج البلاغة » لابن أبي الحديد المعتزلي : « فاحمدوا الله الذي بنوره وعظمته ابتغى من في السماوات ومن في الأرض إليه الوسيلة فنحن وسيلة في خلقه ونحن آل رسوله ».(١٠)
ومن باب الاستشهاد بروايات أهل السنة والجماعة فإن في صحيح البخاري باب مناقب علي بن أبي طالب روي عن عمر استسقاؤه بالعبّاس قائلًا : « اللهم إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا »(١١)
قال الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا )(١٢).
وهذه الآية تذكر أن من شروط قبول التوبة التوسّل بالنبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) حيث قال تعالى : ( جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرّسول ) (١٣) ولم يقلّ ولو أنّهم استغفروا الله لكان الله توّابًا رحيمًا .
وهكذا بالنسبة إلى أولاد يعقوب النبي (عليه السلام ) : ( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين )(١٤) فتوسّلوا إلى أبيهم ليستغفر لهم مع أنّه كان بإمكانهم أن يستغفروا بينهم و بين الله تعالى. ثم أن يعقوب النبي (عليه السلام) لم يردعهم عن ذلك بل وافقهم ووعدهم بقوله : ( سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ )(١٥).
وخير دليل على ذلك حصل الكثير من الكرامات المنقولة والمشهودة لهم ليس هُنالك متسع لذكرها والتي بيّنت صدق عصمتهم وذلك من خلال التوسل بهم إلى الله .
وبهذا تعتبر كرامات من الله عزّ وجلّ حول عصمة أوليائه باستجابة الدعوات عن طريق التوسل فبذلك ألهم الله أولياءه وخاصته من الأئمة المعصومين هذه الكرامات.
فضلًا عن ذلك فقد وردت أيضًا الكثير من الأذكار والأوراد عنهم ( عليهم السلام) حول استجابة الدعاء ، ومن ذلك حديث منقول عن الإمام الحسن عن أمه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قالت : قال لي رسول الله: "يا فاطمة ألا أعلمك دعاء لا يدعو به أحد إلّا استجيب له...ولا يحيك (لا يؤثر) في صاحبه سم ولا سحر ولا يعرض له شيطان بسوء، ولا ترد له دعوة، وتقضى حوائجه كلها، التي يرغب إلى الله فيها عاجلها وآجلها؟" قلت: أجل يا أبه لهذا والله أحب إليّ من الدنيا وما فيها، قال: تقولين : "يا اللهُ يا أَعَزَّ مَذْكُورٍ وأَقْدَمَهُ قِدَمًا في العِزَّةِ والجَبَروتِ. يا اللهُ يا رَحِيمَ كُلِّ مُسْتَرْحِمٍ ومَفْزَعَ كُلِّ مَلْهُوفٍ. يا اللهُ يا راحِمَ كُلِّ حَزِينٍ يَشْكُو بَثَّهُ وَحُزْنَهُ إِلَيْهِ. يا اللهُ يا خَيْرَ مَنْ طُلِبَ المَعْرُوفُ مِنْهُ وأَسْرَعَهُ إعْطَاءً. يا اللهُ يا مَنْ تَخَافُ المَلائِكَةُ المُتَوَقِّدَةُ بِالنُّورِ مِنْهُ." وإلى آخر الحديث (١٦) . يروي أحد العلماء ما جربه أحد إلّا والتمسوا فيه حاجاتهم بفضل الله والسيدة الزهراء ( عليها السلام) وهذه الأوراد لا تختص فقط بالسيدة الزهراء (عليها السلام) كما ذكرنا سابقًا وقد كُتبت الآلاف من الكُتب التي دَونت وقائع الأحداث . فبذلك كانت استجابة الدعاء بالتوسل لسببين:
الأول هو لكي لا يحرم الله سبحانه عبده من شموله تحت سقف رحمته لسببٍ أو لآخر .
والثاني لبيان ما أُختلف عليه من عصمة المعصوم ولذلك أعطاهم الله سبحانه الكرامات باستجابة الدعوات.
وفي الختام نسأل الله عزّ وجلّ أن يثبتنا على الولاية واتباع الحق أينما كان وعلامَ.
الهامش :
١- سورة غافر ، رقم الآية ٦٠
٢- سورة البقرة ، رقم الآية ١٨٦
٣- سورة المائدة ،رقم الآية ٣٥
٤- سورة يونس ،رقم الآية ٦٢
٥- سورة المائدة ،الآية ٣٥
٦- راجعها في الإتقان ١ / ١٢٠
٧- بحار الأنوار، ج٣٦ ،ص ٢٤٤
٨- سورة المائدة ، الآية ٣٥
٩- مستدرك سفينة البحار ،ج١٠ ص، ٣٠١
١٠- مستدرك سفينة البحار ،ج١٠ ص، ٣٠٤
١١- صحيح البخاري (2/ 27)
١٢- سورة النساء ، الآية ٦٤
١٣- سورة النساء ، رقم الآية ٦٤
١٤- سورة يوسف ، الآية ٩٧
١٥- سورة يوسف ، الآية ٩٨
١٦- بحار الأنوار، ج٩١، ص٢١٩
اترك تعليق