تدمير المجتمع في انعدام المسؤولية

ان من اهم الأهداف في قضية الامام الحسين (عليه السلام) هو التغيير الاجتماعي ذلك ان أي تحول في مختلف المستويات لايمكن ان ينجح اذا لم يكن هناك تحول اجتماعي، فمثلا حين تبني أفضل مدرسة وفيها أكفأ المدرسين ولكن القيم فيها بائسة، قائمة على العنف والتلقين سيكون التعليم فاشلا لأنها سلسلة مترابطة فتحتاج الى قيم حقيقية صادقة قائمة على ممارسة اللين والاقناع والحوار لتحقيق التعليم العميق والابداع وبناء الاخلاقيات الإنسانية، لذلك فإن الذي يمارس العنف ضد ابناء مجتمعه لايمكن ان يكون من اتباع المعصوم (عليه السلام) لان منهجهم ضد العنف والظلم والاكراه. وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله عز وجل رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويحب كل قلب خاشع حزين رحيم، يعلم الناس الخير ويدعو إلى طاعة الله). وعنه (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): (يا علي، من صفات المؤمن أن يكون... ضحكه تبسما، واجتماعه تعلما، مذكّر الغافل، معلم الجاهل).

وأول شيء نحتاجه من اجل التحول الاجتماعي هو بناء المسؤولية الانسانية في المجتمع. ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم). والمسؤولية هي اساس المجتمع الناجح واذا تحملنا المسؤولية جميعنا ساهمنا في بناء المجتمع لبنة لبنة.

والطاقات موجودة ولكن الاغلبية سلبيون سلبية مدمرة مقتنعين اننا نعيش في مجتمع متهالك لا جدوى منه ولاتنفع معه الإصلاحات، وهناك مفردات يستخدمها البعض مثل (شعلية معلية شبدية) فاذا الاغلبية تقول هكذا انتشر وباء اللامبالاة والتهرب من المسؤولية، فاذا التاجر تهرب والموظف ورجل الدين والجامعي فنصل الى مجتمع اناني غير مصلح يستولي عليه الانحراف والعبث.

على الرغم من ان الله تعالى دائما في قرآنه الكريم يوجه الانسان نحو الامام (وعلى الله فليتوكل المتوكلون) ومعناه العمل بكل إيجابية. فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (لما سئل عن حد التوكل: أن لا تخاف مع الله شيئا). وقال (عليه السلام): (أدنى حد التوكل أن لا تسابق مقدورك بالهمة، ولا تطالع مقسومك، ولا تستشرف معدومك، فتنقض بأحدهما عقد إيمانك وأنت لا تشعر). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله). وعنه (صلى الله عليه وآله): (من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى). وعن الإمام الباقر (عليه السلام): (من توكل على الله لا يغلب، ومن اعتصم بالله لا يهزم).

واهم نقطة ان تراكم القيم السيئة تصنع مجتمعا سيئا والعكس بالعكس، لذلك نحن نحتاج ان نذهب الى رواية اهل البيت (عليهم السلام) ونستخرج منها القيم النبيلة مثل الصدق والأمانة واللين والصفح والعفو والتعاون، وننبذ القيم السلبية مثل: الاستبداد، الاحتكار، التهميش، التعصب الكذب الكراهية، فهذه السلوكيات هي من تدمر المجتمع وتسلب الثقة وتفكك المجتمع.

وهناك من لايحترم اي شيء مثل الشارع، الاماكن العامة، المال العام. برغم ان ثقافة الاحترام قيمة كبيرة طرحها اهل البيت كثيرا في رواياتهم. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها، أو مجلس يكرمه، لم يزل في ظل من الله تعالى ممدود عليه الرحمة، ما كان في ذلك). وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى الكعبة فقال: مرحبا بالبيت ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله؟! والله للمؤمن أعظم حرمة منك، لان الله حرم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يظن به ظن السوء.

بلوغ معايير اهل البيت عليهم السلام

ان عملية ترسب الصراعات وتولدها هي نتيجة لعدم وجود ثقافة اجتماعية قائمة على كيفية التعامل مع الآخر فيقولون –مثلا- يعبر عن منطق الظالمين (اذا ضربك احدهم ارجعها بقوة) نحن نحتاج اليوم الى التعامل بالاحتواء والصبر لان الصبر فضيلة والقرآن ذكر كثيرا الصبر، وزائر الحسين الحقيقي هو صبور ومتسامح لأنه من المفترض ان يعرف المعرفة الحقة منهج اهل بيت رسول الله. وقد قال الله تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)، وروي عن الإمام علي (عليه السلام): (أيها الناس عليكم بالصبر، فإنه لا دين لمن لا صبر له).

الدول العالمية تضع مؤشرات لقياس مستوى تقدمها او تأخرها وتسمى معايير مثل معايير الجودة والربح والاستقرار، والمسلم الحقيقي والشيعي عليه ان يقرأ ويستكشف هذه المعايير التي وضعها اهل البيت ويطبقها على نفسه وينشرها بين الناس.

ومن المعايير ان يمارس زائر الامام الحسين (عليه السلام) الاخلاقيات الجيدة وأن يأتي الى قبر الحسين (عليه السلام) بقلبٍ سليم وإخلاص صاف، لكي نستنقذ أنفسنا بالخلق الحسن والتعايش والتصالح.

المرفقات

: الشيخ مرتضى معاش