بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ جامعية القرآن من القضايا التي أثيرت حول رسالة القرآن و موقع الإنسان من الدين، و هناك خلاف بين المفكرين الإسلاميين حول كمية و کيفية جامعية القرآن . يعود تاريخ إثارة جامعية القرآن إلى زمن الصحابة [2] و طبعًا منذ عهد الإمام علي(عليه السلام)[3] و الأئمة من بعده [4]. هناك اختلاف في الرأي بين المفكرين الإسلاميين حول كمية و نوعية الجامعية، و في هذا الصدد هناك ثلاث وجهات نظر مهمة: أقصى الجامعية للقرآن يعني تغطية القرآن على جميع العلوم،[5] و الجامعية الشاملة للقرآن[6] و الحد الأدنى من جامعية القرآن يعني معالجة القضايا الأخروية. [7] تواجه كل من وجهات النظر هذه تحديات وانتقادات. تعبر آيات القرآن و روايات المعصومين (عليهم السلام) عن الجامعية المطلقة للقرآن في الأوامر الإرشادية. إنّ القرآن هو كتاب شامل و جامعيته مطلقة؛ بمعنى أن الحاجات الإرشادية للإنسان معبر عنها في هذا الكتاب الإلهي. بتدقيق الآيات و الروايات في جامعية القرآن يتضح أن القرآن الكريم له استقلالية متأصلة في الشمول المطلق في المسائل الإرشادية. هذه الآيات:
«وَ يَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهيدًا عَلى هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمين»[8]؛
«ما كانَ حَديثًا يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْديقَ الَّذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ تَفْصيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون»[9]
إنها تذکر جيدًا أن القرآن هو تبيان و تفصيل لكل شيء و أن هذا التفسير للقرآن لا يقتصر على أي قيد. و قد ورد في روايات المعصومين (عليهم السلام) الجامعية المطلقة لهداية القرآن، بما في ذلك هذه الروايات:
«عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلوات الله عليه و آله و سلم وَ أَنَا أَعْلَمُ كِتَابَ اللَّهِ وَ فِيهِ بَدْءُ الْخَلْقِ وَ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ فِيهِ خَبَرُ السَّمَاءِ وَ خَبَرُ الْأَرْضِ وَ خَبَرُ الْجَنَّةِ وَ خَبَرُ النَّارِ وَ خَبَرُ مَا كَانَ وَ خَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ أَعْلَمُ ذَلِكَ كَمَا أَنْظُرُ إِلَى كَفِّي إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ»[10] ؛
«عَنْ مُرَازِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى وَ اللَّهِ مَا تَرَكَ اللَّهُ شَيْئًا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعِبَادُ حَتَّى لَا يَسْتَطِيعَ عَبْدٌ يَقُولُ لَوْ كَانَ هَذَا أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ- إِلَّا وَ قَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِيهِ»[11].
من جهة أخرى و في روايات المعصومين (عليهم السلام) تم التأكيد على الجامعية المطلقة للمعصومين (عليهم السلام). و هذا يعني أن جميع المعارف موجودة في القرآن و لكن لا يمكن للجميع استخلاص هذه التعاليم و لا يدرك هذا الأمر سوى المعصومين (عليهم السلام). للقرآن الكريم جامعية مطلقة في شؤون الدين و الدنيا للإنسان، و بالإضافة إلى تلك الجامعية فهو يتضمن معارف و مواضيع أخرى و فهمها المطلق و الكامل خاص بالمعصومين (عليهم السلام). يقول الإمام علي (عليه السلام) في هذا الصدد:
«ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ وَ لَنْ يَنْطِقَ وَ لَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ أَلَا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي وَ الْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي وَ دَوَاءَ دَائِكُمْ وَ نَظْمَ مَا بَيْنَكُم»[12] تشير بعض الروايات الأخرى إلى الجامعية المطلقة للقرآن، لكنها وجدت الآخرين غير قادرين (تمامًا) على الوصول إلى هذه النقطة:«قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَا مِنْ أَمْرٍ يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ إِلَّا وَ لَهُ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَكِنْ لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُ الرِّجَالِ»[13] يطلب الإمام علي (عليه السلام) أثناء تقديمه الجامعية المطلقة للقرآن من جمهوره أن يسأله عن هذا:«عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيًّا وَ هُوَ يَخْطُبُ وَ يَقُولُ: سَلُونِي فَوَ اللَّهِ لَا تَسْأَلُونِّي عَنْ شَيْءٍ يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ [بِهِ] وَ سَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا مِنْهُ آيَةٌ إِلَّا وَ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ نَزَلَتْ- بِلَيْلٍ أَوْ بِنَهَارٍ أَوْ بِسَهْلٍ نَزَلَتْ أَوْ فِي جَبَل»[14] في بعض الروايات نفي المطالبون بالجامعية المطلقة للقرآن، و لم يصرح هذا الأمر إلّا للمعصومين (عليهم السلام): «عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ كُلِّهِ ظَاهِرِهِ وَ بَاطِنِهِ غَيْرُ الْأَوْصِيَاء»[15] «عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ مَا ادَّعَى أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ كَمَا أُنْزِلَ إِلَّا كَذَّابٌ وَ مَا جَمَعَهُ وَ حَفِظَهُ كَمَا نَزَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام وَ الْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ »[16]
إن إسناد الجامعية المطلقة للقرآن إلى المعصومين (عليهم السلام) لا يعني حرمان غيرهم من البشر من معارف القرآن و لكنه يعني أن فهم الظهر و البطن، التفسير و التاويل للقرآن بمعناه الكامل للمعصومين (عليهم السلام) و يستفيد الآخرون من هذه المعارف من خلال فهمهم و رتبتهم يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في تصنيف معارف القرآن في منهجه الموجه للجمهور:«كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ- عَلَى الْعِبَارَةِ وَ الْإِشَارَةِ وَ اللَّطَائِفِ وَ الْحَقَائِقِ- فَالْعِبَارَةُ لِلْعَوَامِّ وَ الْإِشَارَةُ لِلْخَوَاصِّ- وَ اللَّطَائِفُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَ الْحَقَائِقُ لِلْأَنْبِيَاء.» [17] وقفًا لذلك، يجب على الآخرين الرجوع إلى القرآن و أهل البيت معًا، لفهم تعاليم الدين بشكل صحيح و السير على صراط الله المستقيم كما أكّد النبي الأعظم على هذا حيث قال :«إِنِّي تَارِكٌ فِيکُمُ الثَّقَلَينِ مَا إِنْ تَمَسَّکْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا، کِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي؛ أَهْلَ بَيتِي وَ إِنَّهُمَا لَنْ يفْتَرِقَا حَتَّى يرِدَا عَلَي الْحَوْضَ»[18]
الهوامش
[1]- الباحث في علوم القرآن و الحديث، الأستاذ المساعد جامعة الشهركرد جمهورية إيران الإسلامية، قسم علوم القرآن و الحديث .tahmasebiasghar@yahoo.co m
[2]- سعيد بن منصور، سنن سعيد بن منصور، المجلد 1، ص7.
[3]- ينظر: نهج البلاغة، خطبة 158، ص224.
[4]- ينظر: الكليني، الكافي: المجلد 1، ص60.
[5]- الغزالي، محمد، إحياء علوم الدين، المجلد 1، ص 384-383.
[6]- الطوسي، محمد بن حسن، التبيان في تفسير القرآن، ج6، ص 418.
[7]- سروش، عبدالکريم، أسمن من الأيديولوجيا، ص48.
[8]- النحل/ 89.
[9]- يوسف/ 111.
[10]- الكليني، الكافي، محمد بن يعقوب، المجلد 1، ص: 62.
[11]- المصدر نفسه، المجلد 1، ص: 60.
[12]- نهج البلاغة، خطبة 158، ص224
[13] - نفس المصدر، المجلد 1، ص: 61.
[14] - الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، المجلد 1، ص، 43.
[15]- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، المجلد 1، ص، 229.
[16]- المصدر نفسه: المجلد 1، ص: 229.
[17]- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار،ج 47، ص338.
[18]- محمد بن مسلم، صحيح مسلم ، المجلد 2، ص1873؛ الترمذي، سنن الترمذي، المجلد5، ص663.
اترك تعليق