الجواهر السنية في الأحاديث القدسية

صدرعن شعبة التحقيق في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة كتاب (الجواهر السنية في الأحاديث القدسية) للشيخ محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن الحسين المعروف بـ (الحر العاملي) (المشغري)، أحد أفذاذ العلماء وكبار الفقهاء، وأعلام الأدباء، لقب بـ (المشغري) نسبة إلى قريته مشغرة في جبل عامل والتي ولد فيها، وعُرف بـ(صاحب الوسائل) نسبة إلى كتابه (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة).

مقدّمة المؤلّف:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الّذي أوضح في كلامه سبيل الهداية، وأطلع في أفلاك القلوب من مشارق النصوص أقمار الولاية، ومحا بأكفّ النبوّة والإمامة آيات الضلال والغواية، وفتح بأحاديث الأئمّة المعصومين عليهم السلام أبواب العلم والدراية، وفجّر لأهل التسليم والانقياد ينابيع الحكمة فأنقذهم من العماية، فرووا علومهم عن العلماء، عن الأئمّة الأمناء، عن النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله النجباء، عن الجناب المقدّس الإلهي، فأكرم برواة تلك الرواية، والصلاة والسلام على رسوله محمّد وآله ذوي الذوات القدسيّة، والكمالات العليّة، والكرامات الجليّة، صلاةً وسلاماً دائمين ما درّ شارق، أو لاح بارق[1].

وبعد، فيقول الفقير إلى الله الغنيّ، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي عامله الله بلطفه الخفيّ[2]: لا يخفى ما لكلام الله سبحانه من المزيّة على كلّ كلام، فمنه تظهر أنوار الرشاد ظهور الأنوار من الأكمام، وبه تجلّت شمس الهدى من أفق النبوّة - على صاحبها الصلاة والسلام - فهو جدير بصرف الهمم إليه، وإقبال القلوب والأفهام عليه.

وقد وردت جملة منه يرويها العلماء الأخيار، عن الأئمّة الأطهار، عن النبيّ المختار عليه وعليهم السلام، عن الذات المقدّسة الإلهيّة، وهي المشهورة بـ (الأحاديث القدسيّة)، غير أنّي لم أجدها مجموعة في كتاب، ولا تعرّض لتأليفها فيما أعلم أحد من الأصحاب، فأحببت إفرادها بالتأليف، وجمع شملها في كتاب لطيف، يجمع المهمّ من أحكام الإيمان، ويقمع بمواعظه البالغة رؤوس مكائد الشيطان، ويفضل على غيره بقوّة الدليل ومتانة البرهان، ويفخر على كلّ كتاب بأنّه أخو القرآن. فجمعت منها هذه النبذة الّتي وصلت إلَيَّ، راجياً أن تعود بركتها علَيَّ بعد التوقّف عن ذلك اعترافاً بالقصور عن سلوك تلك المسالك، ثمّ استخرت الله سبحانه وأقدمت بعد الإحجام، مستعيناً بالله جلّ جلاله على الإتمام، وسمّيته:

(الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة) ورتّبته أبواباً بحسب ترتيب مَنْ خوطب بذلك الكلام من الأنبياء عليهم السلام، راجياً من الملك العلّام المعونة على إتمام المراد والمرام، وأخّرت ما لم يدخل تحت عنوان تلك الأبواب، فأفردت له أبواباً في أواخر الكتاب بحسب ترتيب المخبرين به عن الله جلّ جلاله، من أئمّتناعليهم السلام، وجمعت الأحاديث القدسيّة التي وردت في شأن أمير المؤمنين عليّ والأئمّة من ولدهعليهم السلام، والنصّ عليهم من الله عزّ وجلّ وجعلتها بابين:

أحدهما: فيما ورد من طرقنا وذكره علماؤنا في مصنّفاتهم، والآخر فيما ورد من طرق العامّة وكتبهم، فخرج في البابين ما يروي الغليل، ويشفي العليل، ويهدي إلى سواء السبيل.

ولا ريب أنّ الأحاديث الشريفة القدسيّة التي ذكرت في هذين البابين، واتّفق على نقلها كلا الطائفتين، وصحّت أسانيدها من الطريقين، وانعقد عليها إجماع الفريقين، قد تجاوزت بكثرتها حدّ التواتر المعنوي، وأوجبت لذوي الإنصاف العلم اليقيني، وحكمت بالبرهان الصحيح القطعي بوجوب اتّباع مذهب الإمامية، وأنّ الحقّ مع الفرقة الناجية الإثني عشريّة، وأنّ مذهبهم واجب الاتّباع، قد انعقد على برهانه الإجماع، وارتفع فيه النزاع، وكم قام لهذه الدعوى من دليل قاطع، واتّضح لها من برهان ساطع، وحسبك ما اشتمل عليه كتاب الألفين[3] مع تواتر الأحاديث من الجانبين، والفضل ما شهدت به الأعداء. وإذا وقفت على ما ورد في هذا المعنى من الأحاديث القدسيّة، علمت بورود أضعاف أضعافه من السنّة النبويّة[4] مضافاً إلى النصوص القرآنية والبراهين[5] العقلية القطعية[6]، والحقّ جديد وإن طالت عليه الأيّام، والباطل مخذول وإن نصره أقوام، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام[7] ، وأرجو أن يكون هذا الكتاب فائقاً على جميع المصنّفات، مختصّاً بالمحاسن التي لا توجد في غيره من المؤلّفات، إذ تفرّد بجلالة الموضوع، وجمع المهمّ من الاُصول والفروع، واشتماله على المواعظ اللّطيفة الشافية، والوصايا الكافية الوافية، والفوائد العالية الغالية، واشتمل مع ذلك على بيان الفرقة الناجية، لتضمّنه النصوص الصريحة الظاهرة على إمامة الإثني عشر من العترة الطاهرة، ونقلتُ الأحاديث المودعة فيه من كتب صحيحة معتبرة، واُصول معتمدة محرّرة، وسأذكر الطرق إلى مؤلِّفيها في آخر الكتاب، وإن كان تواتر هذه الكتب وشهرتها يرفع عنها الشكّ والارتياب، وإنّما نذكر طرقها للتبرّك باتّصال سلسلة الخطاب، وهو أمر مرغوب فيه عند اُولي الألباب، وما نقلته في شأن الأئمّة عليهم السلام من كتب العامّة[8] تعلم صحته بموافقته لما تواتر من أحاديث الخاصّة، والله أسأل أن يثبته لي في صحائف الحسنات، إنّه قريب مجيب الدعوات.

لمطالعة وتحميل الكتاب انقر على رابط القسم: قسم الشؤون الفكرية والثقافية

الهوامش:------------------------------------------------------------------------------------

[1].الشارق: الشمس، والبارق: السحاب. لسان العرب 14:10(برق)، و175 (شرق).

[2]. في نسخة (ل): «أمّا بعد» بدل قوله: «وبعد فيقول الفقير إلى الله الغنيّ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي عامله الله بلطفه الخفيّ».

[3]. كتاب الألفين للعلّامة الحلّي K تعالى، يشتمل على ألف دليل لإثبات مذهب أهل البيت عليهم السلام، وألف دليل لإبطال مذهب غيرهم.

[4]. في نسخة (ل): (المحمدية) بدل (النبوية).

[5]. في نسخة (ل): «الأدلّة» بدل «البراهين».

[6].   (القطعية) أثبتناها من نسخة (ح).

[7]. لم نعثر عليه في نهج البلاغة، بل ذكره الحرّ العاملي في وسائله 434:25/كتاب إحياء الموات، باب 17حكم مَنْ عطّل أرضاً ثلاث ...، ح3.

[8]. كلمّة (العامّة) من نسخة (ل).

: الشيخ الحر العاملي