صفات انصار سيد الشهداء عليه السلام

(مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ، فَلْيَرْحَلْ مَعَنا فإنَّني راحِلٌ مُصْبحاً إنْ شاء اللهُ تَعالى).

الحديث عن أنصار الإمام الحسين عليه السلام هو حديث عن أفضل الأنصار رتبة وأسماهم مقاماً لا لأنهم قتلوا في سبيل الله تعالى بل لأنهم قتلوا في مقطع زمني قل فيه الناصر وتهافت فيه الناس على الدنيا ولأنهم كانوا غرباء لا يخالطهم أحد ولا يوافقهم على نهجهم من ذلك الجمع فرد يخاف الله تعالى، ولقد امتاز أنصار الإمام الحسين عليه السلام دون غيرهم من الأنصار بأنهم كانوا يعلمون بشهادتهم ومتيقنين من عدم بقائهم في الحياة ومع ذلك ذهبوا مع إمامهم موطنين أنفسهم على لقاء الله تعالى، متدرعين بالقلوب فوق الدروع مستبشرين بما ادخر الله تعالى لهم يتسابقون على الشهادة، ويوصي بعضهم بعضا بإمامهم عليه السلام يتمنون لو أن لهم أكثر من جسد وروح ليبذلوا ذلك في سبيل الدفاع عن إمام صادق اليقين وعن دين سفكت من أجله الدماء وبذلت المهج وسهرت العيون وتعبت الأجساد.

ولكي تتضح صورة هؤلاء الأبطال نستشهد بقول الإمام الحسين عليه السلام في حقهم إذ يقول: «والله ما رأيت أصحابا كأصحابي».

يقسم الإمام بالله تعالى وهو لا يقول كذبا ولا يقسم باطلاً ولا ينطق عاطفة ولا يلقي الكلام جزافا لكونه الإمام المعصوم الذي جعله الله تعالى حجة على الناس بعد أبيه وأخيه، فبيّن الإمام الحسين عليه السلام رتبة هؤلاء الأصحاب رغم علمه بأصحاب جده المصطفى وأبيه المرتضى وأخيه المجتبى، وما قال ما قال إلا لأنه رأى أصحابا باعوا الدنيا بشراء الآخرة، وبذلوا المهج لنجاة الدين، وفارقوا الأحبة من الأهل والولد لنيل رضا المحبوب الحقيقي، وعانقوا الرمال كعناقهم للحور العين، وتوضأوا بالدماء لأداء الصلاة، وصافحوا السيوف بوجوه مستبشرة، وجابهوا السهام بنحور مشرقة وأرواح ثابتة وأقدام راسخة.

أنصار الإمام الحسين عليه السلام يعني الشهامة والعلو والرفعة والسمو، ونفوس طاهرة وأجساد مطهرة وقلوب خاشعة وعيون دامعة، وضمائر حيّة وأفكار سليمة وإيمان قوي وجأش رابط وثبات دائم وعزيمة قوية وفروسية وصدق وإخلاص ووفاء وإيثار وسخاء ومولاة وبراءة، وبصر وبصيرة، وتواضع وشرف وزهد وعبادة، فهم السابقون السابقون، أنصار الإمام الحسين عليه السلام وصفهم العدو قبل الصديق (بأنهم أهل البصائر وفرسان المصر).

فيقول: (صاح عمرو بن الحجّاج بأصحابه: أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلاّ قتلوه على قِلَّتهم، والله! لو لم ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم)[1].

ووصفهم الإمام المعصوم بأنهم أصحاب الأقدام الثابتة على الصدق والإخلاص بقوله:

«اللهم ثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام»[2].

فهم الأبرار الأخيار الذين جاء وصفهم على لسان إمامهم الحسين عليه السلام إذ يقول:

«فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي».

فهو بهذا الوصف ينفي أن يكون مثل أصحابه أصحاب لا في الماضي أو الحاضر ولا حتى في المستقبل.

أنصار الإمام الحسين عليه السلام ضربوا مثلا في الشجاعة لا يرقى إليه أحد فلذا يقول أحد الأعداء: (عضضتَ بالجندل، أنّك لو شهدتَ ما شهدنا لفعلت ما فعلنا، ثارت علينا عصابة أيديها على مقابض سيوفها، كالأسود الضارية، تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، تُلقي نفسها على الموت، لا تقبل الأمان، ولا ترغب بالمال، ولا يحول حائل بينها وبين المنية أو الاستيلاء على الملك، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها، فما كنّا فاعلين، لا أمّ لك)[3].

وكان، كما قال إمامهم الحسين عليه السلام بأنهم وطنوا أنفسهم على بذل المهج وقتل الأنفس ويظهر هذا من خلال خطبهم التي أدلوا بها بين يدي سيد الشهداء عليه السلام وهي كالآتي:

1ــ العباس عليه السلام

قال العبّاس ــ عليه السلام ــ ممثّلاً آل عليّ من إخوته وبني أخيه:

(لِمَ نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبداً).

ويلتفت الحسين عليه السلام إلى بني عقيل قائلاً:

«حسبكم من القتل بمسلم، اذهبوا قد أذِنتُ لكم».

فقالوا:

فَماذا يَقولُ النّاسُ لَنا، وَماذا نَقُولُ لَهُم؟ إنّا تَرَكْنا شَيْخَنا وَكَبِيرَنا وَسَيِّدَنا وإمامَنا وابْنَ بِنْتِ نَبِيِّنا، لَمْ نَرْمِ مَعَهُ بِسَهْمٍ، وَلَمْ نَطْعَنْ مَعَهُ بِرُمْحٍ، وَلَمْ نَضْرِبْ مَعَهُ بِسَيْفٍ، لاَ وَاللهِ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ لاَ نُفارِقُكَ أبَداً، وَلكِنّا نَقِيكَ بِأنْفُسِنا حَتّى نُقْتَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ، ونَرِدَ مَوْرِدَكَ، فَقَبَّحَ اللهُ الْعَيْشَ بَعْدَكَ)[4].

2ــ سعيد بن عبد الله الحنفي ــ رضي الله عنه ــ

قال سعيد بن عبد الله الحنفي: (لا نُخلّيك حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك، والله! لو علمت أنّي أُقتل، ثمّ أحيا، ثمّ أُحرق، ثمّ أُذرى، يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة، ثمّ الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً)[5].

3ــ زهير بن القين ــ رضي الله عنه ــ

ويجيبه زهير بن القين بمثل ذلك قائلاً: (والله! لوددت أنّي قُتلت، ثُمّ نُشرت، ثمّ قُتلت حتّى أُقتل على هذه ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.

وقام زهير يسمعه جميع أصحابه، ومَن حضر من أهل بيت الحسين عليه السلام فقال:

لَقَدْ سَمِعْنا يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ مَقالَتَكَ، وَلَو كانَتِ الدُّنْيا باقِيَةً وَكُنّا فِيها مُخَلَّدِينَ لآثَرْنَا النُّهوضَ مَعَكَ عَلَى الإقامَةِ فِيها)[6].

4ــ برير ــ رضي الله عنه ــ

وشيخ قرّاء الكوفة وفقيهها ينبري هاتفاً على بصيرةٍ من أمره وأمر أصحابه:

(يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ مَنَّ اللهُ بِكَ عَلَيْنا أنْ نُقاتِلَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَتُقَطَّعَ فِيكَ أعْضاؤُنا، ثُمَّ يَكُونَ جَدُّكَ شَفِيعَنا يَوْمَ الْقِيامَةِ)[7].

الهوامش:-----------------------------------------------------

[1] أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوّار، السيد محمد علي الحلو: ص48.

[2] زيارة عاشورا: ذكر السجدة بعد الزيارة.

[3] أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوّار، السيد محمد علي الحلو: ص50 ــ 51.

[4] المصدر السابق: ص55 ــ 56.

[5] المصدر السابق: ص55.

[6] المصدر السابق: ص57.

[7] أنصار الحسين عليه السلام الثورة والثوّار، السيد محمد علي الحلو: ص57 ــ 58.

المرفقات

: الشيخ علي الفتلاوي