(فَأَسْالُ الله الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ ومَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ورَزَقَنِي الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ)- زيارة عاشوراء-
من أهم النعم على المؤمنين هو أنَّ الله هداهم لمعرفته وعرفهم الوسائل إلى طاعته وهم النبيّ وأهل بيته عليهم السلام ورزقهم ولايتهم وموالاة أوليائهم والبراءة من أعدائهم؛ ولذا صار من الواجب العقلي أداء شكر هذه النعمة العظيمة بمجموعة من التكاليف المتفرعة عن الاعتقاد بالإمامة حيث إنَّ بعضها وهي على درجات منها قلبية وبعضها لفظية ومنها عملية، وهذه بعض المصاديق التي ذكرتها زيارة عاشوراء:
الأول: طلب الثبات معهم في الدنيا والآخرة.
(أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ وأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ).
وذلك بالسير بسيرتهم والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم حتى تنصبغ حياته بصبغتهم ويكون نسخة مصغرة منهم ومصداقاً فعلياً للدعاء حتّى تكون عاقبته عاقبة محمد وآل محمد.
(اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ومَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ).
الثاني: طلب الشفاعة
(وأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ).
(اللهم أرزقني شفاعة الحسين يوم الورود).
والدّعاء بهذه الأُمور يُثبّت عند المؤمن الاعتقاد الراسخ بما دعا به لأنَّ الله تعالى أعطى التّفويض وحاكمية عالم القيامة بيد آل محمد.
ومن الطّبيعي من يعتقد بذلك ويسعى ليكون أهلاً لنيل هذه الكرامة يكون رابحاً، ومن لا يعتقد يكون خاسراً.
الثالث: الدعاء بطلب ثأر الحسين عليه السلام مع صاحب الزّمان
(فَأَسْالُ الله الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ وأَكْرَمَنِي أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ).
وهذا من التّكاليف الضرورية وذلك لأمرين:
1 - الاعتقاد بقيام الإمام المهدي عليه السلام وانتظاره ونصرته من أفضل الأعمال والواجبات.
2- لأنَّ دم الحسين عليه السلام وطلب ثأره مسؤولية في عنق الجميع، فإنَّ الله (ضمّن الأرض ومن عليها دمك وثأرك يابن رسول الله)[1].
الرابع: الدّعاء بنزول الرّحمة والصلوات والمغفرة
(اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ ورَحْمَةٌ ومَغْفِرَةٌ).
الخامس: الحمد والشكر على مصيبة الحسين عليه السلام العظيمة
هذه العقيدة من الأُمور المتقدّمة في درجات التّسليم والصبر والرضى بالقضاء والقدر عند المصائب، لأنَّ الإنسان معرّض في هذه الأحوال للانهيار وعدم الرّضى والسخط بما جرى على الحسين وأهل بيته عليهم السلام من امتحان، وربمّا وصل للشّك في عدالة ربِّ العالمين، ولكنَّ أهل البيت يعلموننا أنْ نصبر حتى نصل عند المصاب إلى درجة الحامدين الشاكرين على عظم المصيبة، لينال المؤمن درجات الصابرين الشّاكرين فقد ورد في أدعية شهر رجب: (اللهم إنِّي أسألك صبر الشَّاكرين لك). ونقول أيضاً في دعاء الندبة: (اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك).
وربما يسأل أحد كيف نحمد الله ونشكره عند مصيبة الحسين عليه السلام وأليس الأجدر بنا أنْ نجزع ونحزن كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام؟
الجواب: لا تنافي بين الجزع والحمد والشكر على مصيبة الحسين عليه السلام، فإذا كان الجزع رقةً ومواساةً لولي الله وحزناً عليه فهو نصرةٌ له وصرخةٌ له ضد ظالميه، وفيه رضا لله تعالى، وهو لا يعارض الحمد والشّكر هنا، لأنَّهما تفويض لأمر الله وتسليم لقضائه وقدره، وإنَّما يكون متعارضاً مع الجزع إذا جعل الإنسان الحمد والشكر ضدّ المواساة، ويصيّره إلى شماتة وفرحة على مصيبة ولي الله، كما صنع بنو أُمية عندما جعلوا يوم عاشوراء يوم عيد وفرح وشماتة على أهل البيت عليهم السلام.
فعندما استنكر بنو يعقوب على أبيهم إطالة الحزن على يوسف أجابهم: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى الله وأَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ}[2].
فجعل حزنه وبكاءه على يوسف مساوق الشكوى إلى الله تعالى وهو يكشف مرغوبية الحزن والبكاء على أولياء الله المظلومين.
السادس: من المثالب الكبيرة على بني أُمية أنَّهم جعلوا يوم قتل الحسين عليه السلام يوم بركة وعيد وشماتة
وهذا لعمري من الأُمور التّي عظّمت المصيبة على أهل البيت عليهم السلام وعلى جميع المؤمنين.
وقد قام بنو أُمية بتزوير أحاديث نسبوها لرسول الله صلَّى الله عليه وآله افتراءً عليه، مضمونها بأنَّه يُستحبُّ الصِّيام في ذلك اليوم شكراً لله! وقد ردّ أهل البيت عليهم السلام على هذه البدعة وحذّروا من صيام هذا اليوم وردوا على هذه الشبهة بأنَّ الصيام يكون شكراً للسَّلامة لا للمصيبة.
فعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي غُنْدَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: «عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ ويَوْمُ دُعَاءٍ ومَسْأَلَة» قُلْتُ: فَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام فَإِنْ كُنْتَ شَامِتاً فَصُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ آلَ أُمَيَّةَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله ومَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ أَهْلِ الشَّامِ نَذَرُوا نَذْراً إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام وسَلِمَ مَنْ خَرَجَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام وصَارَتِ الْخِلَافَةُ فِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً لَهُمْ يَصُومُونَ فِيهِ شُكْراً ويُفَرِّحُونَ أَوْلَادَهُمْ فَصَارَتْ فِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ سُنَّةً إِلَى الْيَوْمِ فِي النَّاسِ واقْتَدَى بِهِمُ النَّاسُ جَمِيعاً فَلِذَلِكَ يَصُومُونَهُ ويُدْخِلُونَ عَلَى عِيَالاتِهِمْ وأَهَالِيهِمُ الْفَرَحَ ذَلِكَ الْيَوْمَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الصَّوْمَ لَا يَكُونُ لِلْمُصِيبَةِ ولَا يَكُونُ إِلَّا شُكْراً لِلسَّلَامَةِ وإِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام أُصِيبَ فَإِنْ كُنْتَ مِمَّنْ أُصِيبَ بِهِ فَلَا تَصمْ وإِنْ كُنْتَ شَامِتاً مِمَّنْ تَبَرَّكَ بِسَلَامَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فَصُمْ شُكْراً لِلَّهِ تَعَالَى»[3].
الهوامش:-----------------------------------------------
[3] الأمالي للشيخ الطوسي: ج1، ص667. لمزيد من الاطلاع ينظر: العبد الصالح العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام للمؤلف: ص542-547.
اترك تعليق