الهوية الوطنية بين مهرجانين

توافرت الأدلة على العمق التاريخي للعراق بوصفه مهدًا للديانات والحضارات, وازدان علوًّا ورفعة بعد أن تشرف ترابه باحتضان أجساد أولياء الله تعالى, ولطالما أكَّدت النقول الروائية على مكانة العراق الدينية والتراثية  لاسيما بعض المدن العريقة كالكوفة والبصرة ونينوى وسامراء وبغداد وغيرها من البقاع التي توسّدت فيها أجساد الأولياء واختلط ترابها بدماء الشهداء الذين سقوا أرض الوطن بأغلى المياه التي سكنت عروقهم فأهدروها كرامة وحبًا, فثبتت هوية الإباء واستقرت عنوانات الخصال الحميدة فبات الغريب ساقطًا وبعيدًا عن القبول ممن شربوا ماء العراق وتخلّقوا بالوفاء والتمسك بالعهود التي انتقلت من أصلاب الرجال إلى أرحام الأمهات.

إنَّ العمق الحضاري للعراق يرفض كل أشكال الفسق الذي كشف عنه مهرجان العري والسقوط والذي أقامته بعض المؤسسات التي لا تمتّ للواقع العراقي الأصيل بصِلة؛ بل يمثل إرادة بعض السفهاء الذين أصبحوا مخدوعين بالثقافات الدخيلة التي غزت الوطن عبر مختلف المنصات الإعلامية أو التي تمَّ استيرادها من الخارج المريض الذي يعيش العولمة المقيتة التي فرضت الثقافات الخبيثة على الأوطان لتمزيق وحدتها وإبعادها عن أصالتها وعفتها كالتي انكشفت عبر مظاهر التعري والسفور في مهرجان بغداد الدولي لتكريم الفنانين الذين تصوَّروا أنَّ الفنَّ بمعنى السقوط في البئر الذي لا قاع له.

ومن جهة أخرى فإنَّ البلاد تتشرف  بكراديس المواهب القرآنية التي كشفت عنها دار القرآن الكريم في العتبة الحسينية المقدسة  وبتخريج ثلة طيبة من حفظة القرآن الكريم ضمن مشروع أصيل يمثل حضارة العراق وعمقه الديني وتوسّم باسم مشروع التحفيظ الوطني الذي يضّمّن عددًا يربو على عشرة آلاف حافظ وحافظة للقرآن الكريم ينتشرون في مختلف المحافظات العراقية برعاية أبوية من العتبة الحسينية المقدسة التي أكَّدت قدرتها على المحافظة على الهوية والوطن في المجالات المختلفة مستندة إلى المرجعية الرشيدة التي كانت ولا تزال سدَّا منيعًا ترعى الواقع الإسلامي بشكل عام والعراقي بشكل أخص من دون تمييز بين أبناء الوطن كخيمة تظلل بالأبوّة على الجميع عطفًا وحنانًا.

إنَّ من الحكمة أنْ تبحث المؤسسات الإعلامية عن الجهات التي تعمل على إثبات الهوية الوطنية للعراق وأهله, وتجانب الوقوف إلى جانب المرتزقة وأهل الطبول الذين باعوا آخرتهم بدنيا معاوية اللعين الذي أسس لمعالم السقوط بتمرُّده الكبير على وليِّ الله تعالى وحاول أنْ يتستر على فعلته الشنيعة بتسفيه المجتمع, وإبعاده عن ثوابته فغلب أهل الشقاق والنفاق وباتت الغايات تبرر الوسائل فعمدوا إلى طمس التراث الإسلامي بالترويج للغناء والزنى وغيرهما من مظاهر السقوط والانحدار؛ وأصبح أتباعهم يتصورون أنَّ الثبات على نهجه من مظاهر القوة والتحضر فاستقرَّ الصراع بين أهل الحق والباطل وكلٌّ يعمل على شاكلته.    

المرفقات

: الشيخ الدكتور خيرالدين الهادي