المدخل إلى الشعر الحسيني .. الجزء الثاني أصالة في الرأي وابتكار في الطرح

ما الغاية من الشعر ؟ وما الهدف منه ؟ وما هو تأثيره ومؤثراته ؟ وما هو موقف الإسلام منه ؟ ثم ما يحل وما يحرم منه ؟ وما هي أغراضه وأنماطه ومذاهبه وخصائصه ؟ وما مدى تأثير الشعر الحسيني خاصة على الأدب في البلاد العربية ؟

هذه المواضيع وغيرها مما يخص الشعر بشكل عام والحسيني منه بشكل خاص بحثها بشكل مفصل ودقيق وشرحها شرحا وافيا بما لا يترك للقارئ علامة استفهام أو مجالا للرجوع إلى غيره من المصادر في هذا الموضوع الشيخ محمد صادق الكرباسي في الجزء الثالث والأربعين من أجزاء موسوعته الخالدة (دائرة المعارف الحسينية) تحت عنوان المدخل إلى الشعر الحسيني الجزء الثاني.

فمما لا شك فيه أن نظرة القرآن الكريم إلى الشعر ميزّت بين الشعر الذي يساير الحقيقة والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والمثل العليا وبين الشعر الذي يدعو إلى الانحلال والنفاق والكذب والرذيلة، وقد حدد القرآن الكريم هذين المفهومين للشعر في الآية الكريمة:

(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)

وجاءت أقوال الرسول الأكرم (ص) لتؤكد هذا المعنى، فالنبي هو أفصح العرب وهو القائل: (لا تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل حنينها) والقائل: (إن من البيان لسحراً، وإن من الشعر لحكمة) وقد لخص (ص) نظرته إلى الشعر وفق منهج القرآن الكريم فقال: (إنما الشعر كلام مؤلف فما وافق الحق فهو حسن، وما لم يوافق الحق فلا خير فيه).  

ووفق هذا المنهج فقد اعتمد الكرباسي في نظرته للشعر على ضوء القرآن الكريم واستقى آراءه واستنتاجاته من هذا المفهوم مبتدئاً كتابه بباب (الأغراض الشعرية) موزّعاً إيّاها على مختبرات النقد الأدبي ومشخّصاً خصائصها ومميزاتها كاشفاً عن رأي الدين بها وما أحله منها وما حرم جاعلاً لها محوراً رئيسياً تدور حوله وهو الوصف

وتتجلى نظرته الثاقبة للشعر وباعه الطويل به في استشهاداته على آرائه وتوسعه في التاريخ وخاصة عند حديثه عن أدب الملاحم حيث استعرض الملاحم اليونانية والفارسية لينتقل بالحديث إلى الملاحم العربية والإسلامية وخاصة الحسينية التي  مثّلت أوج الفن الملحمي التاريخي الذي ينتصر للحق والعقيدة والثورة على الظالمين ويمجد المبادئ السامية والأخلاق العظيمة والصفات الفاضلة التي حملها سيد الشهداء (عليه السلام).

كما تتجلى موسوعيته في الشعر في مبحث (الرثاء ومفرداته) حيث استعرض مشاهير شعراء الرثاء العرب والعالميين من القدماء والمحدثين وقد ركز الكرباسي على هذا النمط لما يمثله من خاصية لموضوعه حيث ينتقل بالحديث عن شعراء الحسين ومراثيهم التي تفيض ولاءً واخلاصاً وحزناً

وقد استوفى الكرباسي الحديث عن هذه الأغراض وهي الغزل والرثاء والهجاء وتفرعاتها مبيّناً بعرض نماذج منها خصائصها ثم ينتقل بالحديث إلى المصطلحات العروضية موضحاً الغاية منها بقوله:

(لبيان ما يرتبط بعملنا كشعر والتي عادة لا تذكر في كتب العروض أو لها تأثير في تبويب الشعر في الدواوين أو أن لنا فيه رأياً خاصاً لا بد من توضيحه أو يعتبر من المستجدات التي اعتمدناها)

فالكتاب رغم أنه احتوى على الأغراض الثابتة والمعروفة للشعر إلا أنه تميّز بابتكار في آراء لم يتطرق إليها النقاد قبله في الشعر فأول ما يلاحظ في هذه الآراء هو التشخيص الدقيق لكل غرض ومنحه كل خصائصه الفنية وسماته الموضوعية التي من خلالها يستطيع الناقد وحتى المطالع ان يكتشف مدى أهميته, ثم ينتقل الكرباسي إلى أنماط الشعر مثل الحدي والروضة والتذييل والتشطير والمسمطات وغيرها.

وفي باب شرعية الشعر يستعرض الكرباسي الآيات القرآنية التي تعرضت للشعر وتفسيرها ثم يستعرض الأحاديث الشريفة عن الشعر ومواقفه (ص) مع الشعراء في صدر الإسلام

فكان (ص) يحث شعراء المسلمين على نصرة الإسلام وله في ذلك أقوال كثيرة، فكان للشعر دور بارز في نصرة الإسلام والإنسانية وأدى رسالة كبيرة في نشر مبادئ الدين الحنيف فواجه الشعراء المؤمنون شعراء قريش وردوا كيدهم إلى نحورهم.

كما استعرض الكرباسي مواقفه وأقواله للشعراء المسلمين الذين دافعوا عن الرسول والإسلام وعلى رأسهم أبو طالب عمه وجعفر بن أبي طالب وحسّان بن ثابت وحمزة بن عبد المطلب وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك الأنصاري وغيرهم وعرض نماذج من شعرهم

ثم ينتقل إلى أقوال أئمة الهدى (ع) في الشعر وحثهم الشعراء على رثاء الإمام الحسين لما له من تأصيل للثورة الحسينية وتأجيج النفوس ضد الظلم والظالمين وتأتي (أهمية الشعر في الحسين) وهو الباب التالي في الكتاب لأنه سيخلد شاعره بشعره و(ليسجل هو لنفسه في التاريخ غصنا زاهرا على شجرة الخلود)

أما في باب خصائص الشعر الحسيني فإن السمات التي عرضها دالة على مدى انصهاره في هذا الشعر وتأثره به كما يدل استعراضه لهذا الشعر في البلدان العربية على مدى عميق تقصّيه له

وبالجملة فإن هذا الكتاب هو موسوعة بحد ذاته كونه ألم بكثير من الأمور الخافية على أكثر قراء الأدب العربي وخاصة النماذج التي عرضها من الشعر الحسيني لشعراء عرب لم يطلع عليها القارئ في العراق إلا في هذا الكتاب

كاتب : محمد طاهر الصفار