إنْ كنتَ ذا جلَدٍ

الى سيد الشهداء وأبى الاحرار الإمام الحسين ( عليه السلام )

إنْ كنتَ ذا جلَدٍ أنِخْ وتجلَّدِ

واحبسْ دموعَكَ عن عقيلةِ أحمدِ

وامرُرْ على جدَثِ الحسينِ وقلْ لهُ:

بأبي الذبيحُ من القفا بمهنَّدِ

ضنَّ الفراتُ عليه باردَ مائهِ

وهو الذي روّاهُ بالهَتنِ الندي

ترتجُّ باللججِ الضفافُ وحولَها

أكبادهُ كالجمرِ من قلبٍ صدي

الماءُ يسفعُ بالسهوبِ رعيدُهُ

صفواً كخدِّ القينةِ المتورّدِ

ولَغَتْ شواطيهِ كلابُ أميةٍ

وتواثبَتْ ظمأى بناتُ محمدِ

يصرخنَ (وا عطشاهُ) ليسَ يجيبُها

إلا الصدى ونشيجُ وجدٍ مكمدِ

من ينتخينَ وفي العراصِ صقالبٌ

هجعَتْ فبينَ مسلّبٍ وموسّدِ

رحلَ الذينَ إذا ادلهمّتْ طخيةٌ

عمياءُ هبُّوا بالحسامِ الأجردِ

للهِِ فتيةُ غالبٍ لمّا دعا

داعي المنونِ بغلّةٍ لم تبردِ

شدُّوا على اللُّجُمِ الضلوعَ وأوتروا

سهمَ الكريهةِ (قلبَ) ليثٍ أصيدِ

كرعوا من البِيضِ الكؤوسَ كأنّها 

ريقٌ يُدافُ من الكِعابِ الخُرَّدِ

تلجُ السهامُ على السهامِ وكلّما

نشبت قِسِيُّ الموتِ قيلَ لها: زدي

حمِيَ الوطيسُ وأوردتْهُم حوضَها

لُجُبُ المنايا في رميضِ الصيخدِ

لمّا كبَتْ بالمرهَفاتِ شفارُها

وتنكّبَتْ عنهُمْ بمقلةِ أرمدِ

هجم الطغامُ على الخيامِ وأضرموا

ناراً بقلبِ المصطفى لم تُخمدِ

فتفاررَ الأطفالُ من وكناتِهم

كالطيرِ مذعورَ الجَنانِ بمشهدِ 

وبناتُهُ متراكضاتٌ في العرا

متستّراتٌ بالأكفِّ وباليدِ

هذي مروَّعةٌ وتلك سليبةٌ

قرطاً بأذنيها وحليةَ عسجدِ

تبكي وزينبُ لا يجيشُ فؤادُها

لكأنّها في الجأشِ صفوى جلمدِ

غذّت على الضُّمْرِ العجافِ رحالُهم

تطوي المواجعَ فدفداً عن فدفدِ

ما راعَها إلا الرؤوسُ رفيعةً

فوقَ الذوابلِ كالبدورِ السُجَّدِ

يا ليتها عَمَتِ العيونُ وما رأت

رأسَ ابنِ فاطمةٍ يشالُ ويغتدي

كالشمسِ في كُللَِ الضياءِ فما لها

هبطَتْ وكانت في المدارِ الأبعدِ ؟

شاعر : جعفر المدحوب