قراءة في كتاب الصحيفة الحسينية الكاملة .. الجزء الأول

اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك، وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمن سواك، ففرّجته وكشفته، وأنت وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة.

ما أروع هذا الدعاء؟ وما أروع هذه الكلمات التي هي منتهى التوجّه إلى الخالق عز وجل والاستغناء عن المخلوقين، وهي أعمق ما يمكن أن يتوسّل بها العبد إلى خالقه بها؟

هذا الدعاء العظيم الذي دعا به الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، وغيره من الأدعية العظيمة له (عليه السلام)، تناولها المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي في مبحث آخر من مباحث موسوعته الكبيرة دائرة المعارف الحسينية تحت عنوان: الصحيفة الحسينية الكاملة.

في هذا الجزء وهو الأول من هذا المبحث، والجزء الثالث والثلاثون من دائرة المعارف الحسينية، يستهل الكرباسي مبحثه بالدعاء قبل الدخول إلى محراب الحسين فيمهد لحقيقة حتمية: وهي حاجة كل إنسان بغض النظر عن دينه ومذهبه وايديولوجيته، ومختلف وضعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلى الدعاء.

هذه النقطة هي الإضاءة الأولى التي ينطلق منها إلى كل ما يتعلق بالدعاء الذي هو الوسيلة الوحيدة للتحدث مع الله، فيسلط الضوء على حقيقته التي هي: (حالة روحية، بل حالة من التجلّي الروحي العميق، تحصل للإنسان من خلالها رؤية تزيل عنه الجهل بالله، وهو أعمق من مجرد ترديد بعض العبارات وتكرار الجمل، إنه إذا اتصال حقيقي بالله)

بهذه الكلمات التي لا تقل روعة عن كلمات العرفاء والأولياء الصالحين المؤمنين الذين غمرت قلوبهم بحب الله، يؤدي الكرباسي طقوس توجّهه إلى أنوار الدعاء وفوائده وآثاره، فيستعرضها، ويبسط الحديث عنها بأدلة وقرائن وأمثلة في ثلاث نقاط هي: الشفاء، الراحة والطمأنينة، الحصانة، كما يعزز هذه النقاط بعدد من الروايات والأحاديث عن المعصومين عليهم السلام.

وفي عقد مقارنة بين الطلب من الله تعالى عبر الدعاء والطلب من الإنسان يبرز لنا بون شاسع، فشتّان بين طلب يُشعرك بالعز، وآخر يؤدي إلى الذل، ثم شتّان ما بين العطاءين، فالله هو القدرة المطلقة التي لا حدود لها وكل شيء محدود غيره.

إن الدعاء إضافة إلى جوانبه الروحية والأخلاقية وما يحمله من قيم ورُقي هو طريق سليم لنشر العلم من خلال آياته وبنوده التي تضمنت كثيراً من التعاليم الإسلامية حول مختلف القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية إلى غيرها من المجالات المختلفة التي نمارسها في حياتنا اليومية، هذا ملخص ما جاء به الكرباسي في باب حدود الدعاء.

ثم ينتقل إلى آداب الدعاء فيضع في سبع عشرة نقطة مهمة معززة بروايات وأحاديث المعصومين عليهم السلام ما يخلق للإنسان أجواءً روحية صافية نقية، وهذه النقاط هي: الطهارة، استقبال القبلة، عدم الجهر بالدعاء، اختيار الزمان، اختيار المكان، التصريح بالحاجة، البدء بالبسملة، تقديم الدعاء بالتحميد والتمجيد، تقديم الصدقة، الدعاء بالمأثور، اتخاذ الوسيلة، التضرع والرقة، تعميم الدعاء، رفع اليدين، التزين، التجمع، الابتعاد عن اللحن ــ وهو الخطأ في القواعد والاعراب ــ

ولم يكتف الكرباسي في شرح هذه النقاط وتعزيزها بالآيات القرآنية وروايات وأحاديث أهل البيت المأثورة بل ضرب لها أمثلة من العلم الحديث وأسبقيتها على ما اكتشفه علماء الغرب من أمور مطابقة لها غاية المطابقة.

أما في شرائط إستجابة الدعاء فهناك ثمانية أمور تتعلق بالموضوع والداعي، ومثلها أيضاً في عوامل عدم استجابة الدعاء والتي هي إحدى عشرة نقطة.

أما أدب الدعاء وأسلوبه فإن أروع ما يمكن أن يدعو به الإنسان هو ما جاء في القرآن الكريم من الدعاء ودعاء النبي وأهل بيته الذي هو من سنخ كلام الله لأنهم (عليهم السلام) كتاب الله الناطق وأولياء الله في خلقه وحججه على عباده.

هذا هو أرقى ما يدعو به الإنسان ربه معنىً مضموناً وبلاغةً وبياناً وأدباً، وهو الذي يميِّز الأصيل من الدعاء على الدخيل.

ثم يشرع الكرباسي في سياحة روحية مع الآيات الشريفة التي ورد فيها الدعاء، ثم يذكر باقة عطرة من أدعية النبي (صلى الله عليه وآله)، فالصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام، فأمير المؤمنين ثم بقية المعصومين من أولاده (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) حتى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف).  

ثم يلقي الكرباسي الضوء على اتجاهي الدعاء اللفظي والمعنوي وانسجامهما في تكامل عملية الأدب في الدعاء.

وفي دراسة في نصوص الأدعية، يبحث الكرباسي ظاهرة السجع واتحاد الخطاب والاسترسال في ذكر صفات الخالق الموجبة للعطف ثم طلب العفو والمغفرة في أدعية المعصومين عليهم السلام.

أما معاني الدعاء، فضرب لها مثلاً من أدعية الإمام الحسين عليه السلام وهي الاستغاثة، وطلب الخير لبعض الشخصيات، ودعاؤه على بعض المنبوذين من أعداء الله، وقارنها مع أدب القرآن في كثير من آياته في هذه المضامين الثلاثة. 

وعن أهمية الدعاء، فإنه يتلخص بما جاء فيه من إنه أفضل العبادة، وبدونه لا تتم الصلاة، كما أن لدعاء المعصوم من الأهمية ما يجعله وثيقة تعليمية ومنهاجاً تربوياً للأجيال في أدب الدعاء والحديث مع الخالق عز وجل.

ولا ينسى الكرباسي بعد أن يفصل الحديث عن كل ما له علاقة بالدعاء أن يذكر كل من صنَّف وألّف في هذا الموضوع، وهو أدعية الإمام الحسين عليه السلام، ويناقش بعض ما نسب إلى الإمام الحسين من أدعية، ثم يدعونا أن ننصت خاشعين لآيات أدعية الإمام الحسين عبر نفحات عطرة من كلماته المقدسة

كاتب : محمد طاهر الصفار