يواصل المحقق الكبير الشيخ محمد صادق الكرباسي في هذا الجزء وهو الثاني من سلسلته الرباعية سرد أخبار وسِير أجداد الإمام الحسين (عليه السلام) وجدّاته من أبويه عبر عشرة فصول وتصنيفها إلى طبقات عشر، من الأعلى إلى الأسفل كالتالي: كعب بن لوي وزوجته مخشية بنت شيبان وأبوهما وأمهما وهكذا يقف على سيرة مرة بن كعب وزوجته هند بنت سرير، وكلاب بن مرة وفاطمة بنت عمرو، وقصي بن كلاب وحبى بنت حليل، وعبد مناف بن قصي وعاتكة بنت مرة، وهاشم بن عبد مناف وسلمى بنت عمرو، وعبد المطلب بن هاشم وفاطمة بنت عمرو، وأبي طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد، وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء (صلوات الله عليهما) والحسين وأبيه وأمه (عليهم السلام)
وقد ترجم الكرباسي في الجزء الأول سِير فهر بن مالك، والحارث بن فهر، وربيعة بن حران، ورزاح بن ربيعة ولوي بن غالب وزوجاتهم، ثم توسع في الفصل الثاني من الأصل إلى الغصن والفرع بذكر آباء الأمهات والجدات ثم يضع في نهاية الكتاب جدولاً توضيحياً يحتوي على أسماء الشخصيات وارتباطها بمن قبلها وبعدها.
في هذا الجزء وهو الثاني يكمل الكرباسي ما بدأه في الجزء الأول فيستعرض سِير وتاريخ أجداد الإمام الحسين (عليه السلام) وجداته ففي الفصل الثالث يبدأ بالطبقة السابعة من الجد السابع والجدة السابعة وعددهم مائتان وستة وخمسون جدّاً وجدة في ثمانية أفرع، وفي الأصل الثاني ــ الغصن الأول ــ من الفصل الثالث مائة وثمانية وعشرون جَداً وجدة، وفي الغصن الثاني من نفس الأصل والفصل أربعة وستون جداً وجدة، أما الفصل الرابع فهو في الطبقة السادسة وعدد الأجداد والجدات فيه مائة وثمانية وعشرون، وهكذا يسترسل الكرباسي في تعداد أسماء الشخصيات من الجنسين حتى الفصل التاسع وهو مخصص للطبقة الأولى، وفي الجد الأول والجدة الأولى للإمام الحسين (عليه السلام) من جهة أبيه علي بن أبي طالب وهما أبو طالب بن عبد المطلب وفاطمة بنت أسد.
يستعرض الكرباسي سيرة الشخصية العظيمة لأبي طالب حصن الإسلام المنيع وكهف الرسول الحصين الذي وقاهما بنفسه وولده وكل ما يملك من كيد الكافرين, حيث كفلَ محمداً (صلى الله عليه وآله) صغيراً, ونصره على مشركي قريش نبياً, وآمن به إيماناً راسخاً, وكان وصي أبيه سيد البطحاء عبد المطلب في كفالة النبي حيث عهد إليه تربيته ورعايته.
كما يستعرض بعض أشعاره في مدح النبي ودعوة قومه وحثهم على نصرته والإيمان به، ثم ينتقل لسيرة عظيمة أخرى ألا وهي سيرة السيدة فاطمة بنت أسد التي كان النبي يناديها (أمي..) وقال عند وفاتها: (إنها كانت من أحسن خلق الله بي بعد أبي طالب، إن هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني..)
وقد تزوجها ابن عمها أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم فولدت له من الأولاد طالب، وعقيل، وجعفر، وعلي، ومن البنات جمانة، وفاختة (أم هاني), فكان هذا البيت هو حصن الإسلام، وحاضنة الرسول، والذائد عنه، والمضحي في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
أما الأصل الثاني فهو في الجد الأول والجدة الأولى للإمام الحسين (عليه السلام) من جهة أمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهما: نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله) وأم المؤمنين الصديقة الطاهرة خديجة بنت خويلد (عليها السلام)
فالجد هو سيد البشرية الذي أخرجها من الضلال إلى الهدى، ومن العبودية إلى الحرية, ومن الذل إلى الكرامة, ومن الاستعباد إلى المساواة, ومن الاستبداد إلى الإخاء, ومن الظلم إلى العدل, ومن الرذيلة إلى الفضيلة, من الهاوية إلى النجاة، فأشرقت على يديه الحقيقة، وانطلقت منها إلى الآفاق بالنور الذي نزل على صدره، فتبدد الظلام الدامس وانقشعت غياهب الجهل، عندما صدع بأمر السماء من قبل رب السماوات والأرض
يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ...
أما الجدة .. خديجة التي يقول عنها (صلى الله عليه وآله): (والله ما أبدلني الله خيراً منها، لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء).
خديجة... التي تشرّفت بالإسلام وتشرّف بها, فمع الإسلام احتلت خديجة موقعها الحقيقي, وأدّت دورها العظيم وأبدلت تجارة الدنيا ومتاعاً يفنى إلى تجارة لن تبور فكانت تنتظر هذه التجارة وهذا الشريك الصادق الأمين الذي اختاره الله واصطفاه على عباده لحمل أمانة خاتمة الشرائع ورافقت بواكير نزول القرآن، فتوضأت بنداه واستنشقت شذاه ورددت صداه.
ثم ينتقل الكرباسي في الحديث عن أبوي الإمام الحسين وهما علي وفاطمة (عليهم السلام)
علي .. الإمام الذي تفخر باسمه الأئمة، والإنسان الذي تخشع لذكره الإنسانية, الذي ولد في داخل الكعبة فكان لولادته إيذاناً بعهد جديد لها من المنزلة والعبادة، مثّل الإيمان كله بأروع وأكمل صوره، فلم يجد التاريخ لعظمته مثيلاً, فهو مبدع أروع دستور خطته يد إنسان لهذه الأمة, وهو نهج البلاغة الذي احتوى كلاماً فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.
أما أمه الزهراء فقد نشأتْ وصوتُ الوحي يترنّم في أذنيها فاستيقنه قلبُها وشبَّ عليه, وتبرعم الإيمانِ في روحِها فتملّكته وتملّكها, ولازمته ولازمها, وغذته من روحِها فحصنّها, وآنسَ بها وأنستْ به, واقترنتْ به واقترنَ بها.
اترك تعليق