980 ــ هادي الشربتي (1354 ــ 1415 هـ / 1931 ــ 1994 م)

هادي بن محمد بن كاظم بن حسن الشربتي، شاعر وباحث وناقد، ولد في كربلاء، من أسرة فقيرة وكان جد هذه الأسرة حسن قد نزح إلى كربلاء من ديالى، فولد هادي فقيرا معدما وقد مات أبوه وهو صفير فعانى كثيراً من المشاق والصعوبات لكن طموحه كان أكبر من فقره.

هادي الشربتي (1354 ــ 1415 هـ / 1931 ــ 1994 م)

قال من قصيدة تبلغ (25) بيتاً:

كلفتُ بأرضِ (الطفِّ) مُنذُ طفولتي     وأرجو بأن تمسي لدى الموتِ مهجعي

فـــــــــلي عندَها في كلِّ شبرٍ لبانةٌ      مِـــــن العمرِ تبدو لي على كلِّ موضعِ

وأودعتها أحلى الأماني فما ابتغى      فؤادي ســـــــــواها فهيَ بيتي ومفزعي (1)

الشاعر

هادي بن محمد بن كاظم بن حسن الشربتي، شاعر وباحث وناقد، ولد في كربلاء، من أسرة فقيرة وكان جد هذه الأسرة حسن قد نزح إلى كربلاء من ديالى في مطلع القرن الثاني عشر الهجري، وكانت أسرته معدمة فولد هادي فقيراً معدماً وقد مات أبوه وهو صغير فعانى كثيراً من المشاق والصعوبات لكن طموحه كان أكبر من فقره. (2)

قال عنه الشيخ إبراهيم موسى الكرباسي: (لم تقعده هذه الظروف القاسية ولم يمنعه انشغاله في المدرسة من مطالعته لفنون الأدب ودراسة دواوين الشعراء ليشغل باله وفكره من مسؤولية حياته اليومية التي وجد من ألوانها المعتمة ضروبا من القسوة والألم وليكون بعيدا عن وادي همومه وأحزانه...) (3)

درس الشربتي مبادئ العلوم كالقراءة والكتابة في الكتاتيب، وحفظ القرآن الكريم في الصحن الحسيني الشريف، ثم درس في المدارس الرسمية وأكمل الإعدادية وعمل موظفا في المؤسسات الحكومية.

قال الأديب طه الربيعي: (وكانت وفاة والده جعلته يعيش سنوات طفولته محروما من المال وعلى الرغم من حرمانه الجاه والمال إلا أن أمه عزمت على أن تعوض ما فقده بالثقافة وسعت بكل قواها على ذلك فسعت على تعليمه القرآن الكريم وحفظته آيات كثيرة منه ثم استكمل تعليمه في الكتاتيب وعلى يد الشيخ محمد أبو خمرة في الروضة الحسينية حتى عام 1942 حيث دخل المدرسة الابتدائية...) (4)

ورغم معوقات الحياة وشظف العيش الذي جعل الشربتي يترك مدرسته والتوجه للعمل من أجل سد حاجة عائلته إلا أنه واصل دراسته فحصل على البكالوريوس في القانون والسياسة من الجامعة المستنصرية ببغداد عام 1972 ــ 1973، وعمل بالمحاماة وكان خلالها متواصلا مع نشاطه الأدبي فقرأ الشعر العربي القديم والحديث وتضلع باللغة وتأثر بكبار الشعراء العرب.

اتقن الشربتي اللغة الفارسية وكان ضليعاً في الأدب الفارسي، وقد ترجم رباعيات الشاعر الإيراني بابا طاهر عريان، كما اهتم الشربتي بالتراث والأدب الفلكلوري وله بحوث ومقالات في هذا الفن نشرها في المجلات العراقية والعربية مثل (التراث الشعبي) و(أهل النفط)، و(الإذاعة والتلفزيون)، و(المكتبة)، (و(العرفان)، أما شعره فقد نشره في الصحف والمجلات، وجمعه في ديوانه (أهازيج الجنوب) وكان الشربتي نشطا في حضور الأماسي الثقافية والندوات الأدبية التي تقام في كربلاء وخاصة (ندوة الخميس) وله علاقات صداقة وثيقة مع أدباء وشعراء المدينة. (5)

قال عنه الشيخ إبراهيم موسى الكرباسي: (إنه صورة صادقة لأسمى معاني البؤس ومعدن دفاق لألطف أحاسيس العدم فقد قطبت في وجهه جميع ثغرات الحياة وسدت أبواب العيش أمامه فاندفع وكله حماسة يصور مشاعره بأسلوب متين قوي ومعان حافلة بالروعة والسمو وبألفاظ تجلى فيها حسن التركيب...) (6)

وقال عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (يمتاز شعر هادي الشربتي بواقعيته، حيث يغوص فيه إلى أعماق مشاعر الناس ومشاكلهم في غالب نتاجه، كما أنه طرق فنون الشعر كافة، والصفة الغالبة لشعره قوة السبك ومتانة اللغة مع سلاسة في اللفظ وتدفق في الأحاسيس، وكذلك يمتاز نثره بالسلاسة وغلبة روح الفكاهة عليه، ولا أعدو الحقيقة إن قلت إنه متوهج العطاء، أغنى حركة الإبداع بقصائده في المجالات كافة، نشر قصائده في مختلف الصحف والمجلات الأدبية الصادرة في العراق والوطن العربي، وقد توزعت القصائد وفق موضوعات مختلفة وأغراض شتى، فمن الحكم إلى النقد السياسي والاجتماعي، إلى طرق أبواب الوطنيات والرثاء وما إلى ذلك) (7)

ومثلما لوعته الحياة فقد سخر منها ولم يعبأ بها فقد عرف أديباً ساخراً قال عنه الربيعي: (طغت على أسلوبه الفكاهة فقد كان خفيف الدم شفافا في تعامله مع أصدقائه يريد الخير لهم، وإذا القى طرفة نثرية أو شعرية فلا يملك السامع نفسه من أن يغرق في الضحك فلم يكن رحمه الله يرى إلا مبتسما...) (8)

وقال عنه الأديب الأستاذ محمد علي هدو: (شاعر طريف ملأ الأجواء والمحافل ببديهته المعهودة ونكتته الظريفة ونقده الساخر لكل ما هو معوج من ظواهر المجتمع..) (9)

وقال عنه الشاعر عدنان الغزالي: (شاعر مبدع فلكلوري يشار له بجمال الأسلوب المتميز والساخر ... يحمل بين جنبيه روحاً إنسانية شاملة...) (10)

وقال عنه الأستاذ توفيق حسن العطار: (إن أغلب قصائد هادي الشربتي تسجل لنا أحاسيسه الوطنية الرفيعة... ) (11)

وقال عنه الأستاذ غالب ناهي: (هل هناك شهر أجدر من شعر الألم، فإذا تألم الشربتي فإنما ألمه من قلب كليم بلغ حده في المرارة والعذاب، وشعر الألم هو الشعر الصادق لأنه شعر القلب والعاطفة..) (12)

وقال عنه الدكتور عبود جودي الحلي: (وجد هادي الشربتي في الشعر سلوه في غربته حملها همومه وأشجانه، كما وجد في النجوم نديما في لياليه المشحونة بالبكاء والألم، وقد جعل الشعر بعض نفثات العشاق في التعبير عن أشواقهم..) (13)

توفي الشربتي في بغداد ودفن في مسقط رأسه، كربلاء (14)

شعره

قال الشربتي من قصيدة (الإمام علي صوت الحق والحرية):

يَكفيكَ بعضَ الذي أسديتَ مِـن نعمٍ      للناسِ فانــــــفجرتْ منهنَّ أنهارُ

سلمانُ بعضَ الذي أسديتَ موعظةً      قد ناله وإلى عمَّارَ مِــــــــــقدارُ

رحَّبتَ بالعسرِ في دنياكَ مُـــحتسباً      وطوعُ كفِّكَ بيـــــتُ المالِ دوَّارُ

الفقرُ عندكَ داءٌ كــــــــــــنتَ تمقتُه      وأيّ داءٍ كـــــمثلِ الفقرِ ضرَّارُ

وكنتَ تحســـــــــــبُه كفــراً فربَّتما      قد شطّ مِن وطأةِ الإملاقِ أخيارُ

ولمتَ صاحبَ أيسارٍ يــعضُّ على      ما في يديــــــــــهِ فإثراءٌ وإفقارُ

والناسُ عـــندكَ في فـيءٍ سواسيةً      فلنْ تُميَّزُ أخوانٌ وأصــــــــــهارُ

كرهتَ نــومَكَ مِبطاناً ومـِن عُسرٍ      تضجُّ بــالجائعينَ الكثرِ أمـصارُ

حزمتَ بطنَكَ مِن جوعٍ تشـاركهمْ      وحشوُ رأسِكَ فرط الجـوعِ دوَّارُ

فـــــالفيءُ عندكَ حقُّ الناسِ كـلّهمُ     وأنتَ مِن بينهمْ يأتيكَ مِـــــعشارُ

فـــــــــأنتَ شرَّفتَ تأريخاً بِرمَّــتِهِ      إذ شرَّفَ الناسَ تأريخٌ وأخـــبارُ (15)

وقال من قصيدة في ذكرى مولد الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (32) بيتاً:

لقد عادَ باليُمنِ ذكــــرى الحسينِ      فأنعشَ مـــــــــقدمُه خاطري

وأيّ فتىً كــــــابنِ بنتِ الرسولِ      تـــــــــــــخلّدَ مِن زمنٍ غابرِ

ومَن مثله في رفيعِ الخــــــصالِ      وفي نـسبِ الخالدِ الـــــظاهرِ

تكوَّنَ في رحمِ خــــــــيرِ النساءِ      ومِن صلبِ حيــــدرةَ الطاهرِ

وأرضِعَ مِن طـــيبِ ثدي البتولِ      وأشبِعَ مِن عــــــــلمِها النادرِ

رعته الحـــــــــــرائرُ مِن مريمٍ      إلى أمِّ مـــــــوسى إلى هاجرِ

فـــــــــــــيا ليلةً فيكِ هبَّ النداءُ      مِن الخــــلدِ في عدنِها العامرِ

إلى الأرضِ يُنهى بيومِ الحسينِ      وفضلاً على المنتهى فاخري

ويا ليلةً قُدِّستْ في الــــــــزمانِ      وتـــــــاهتْ على الفلكِ الدائرِ

وذاكَ لأنَّ حــــــــــــسينَ الإباءِ      تــــــــلألأ في جنحِكِ الشاعرِ

حسينُ الإباءِ وهـــــذي النفوسُ      تحنُّ إلــــــــــى ذكرِكَ السائرِ

تحيي بكَ الشِيَمُ الطـــــــاهراتِ      وتفديكَ مِن مُـــــــــصلحٍ ثائرِ

يقولُ الحقيـــــــــــــقةَ لمْ يلتفتْ      لـــــــــــجعجعةِ الحاكمِ الجائرِ

يداوي الجروحَ بفيضِ الضميرِ      ويـــــــــــدرأ عنها يدَ الجازرِ

شــــــهيدَ الإباءِ وهذا القريضُ      تقطَّرَ مِـــــــــــــن قلبيَ النافرِ

نفثتُ بـــــــهِ مثلَ شجوِ الهزارِ      وذوبَ نسيمِ الصــــبا العاطرِ

أحيي بــــــه ذكرَكَ المستطابَ      بفيضٍ يجيشُ به خـــــاطري (16)

......................................................

1 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 193 ــ 194

2 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 363

3 ــ نفس المصدر ص 363 ــ 364

4 ــ هادي الشربتي سيرة وذكريات من الزمن الجميل ص 34

5 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 184 / هادي الشربتي سيرة وذكريات من الزمن الجميل ص 40

6 ــ البيوتات الأدبية في كربلاء ص 364

7 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 184 ــ 185

8 ــ هادي الشربتي سيرة وذكريات من الزمن الجميل ص 45

9 ــ نفس المصدر / المقدمة ص 9

10 ــ جريدة كربلاء العدد 63 في 1 / 6 / 2002 ص 6

11 ــ الوطنية في شعر كربلاء ص 78

12 ــ مجلة العرفان اللبنانية آذار 1962

13 ــ الأدب العربي في كربلاء ص 133

14 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 233

15 ــ هادي الشربتي سيرة وذكريات من الزمن الجميل ص 166

16 ــ شعراء كربلاء ج 6 ص 191 ــ 193

كاتب : محمد طاهر الصفار