اختص الانسان وحده بوعي جمالي يجعله موضوعاً وذاتاً ، فهو كموضوع جزء من نظام جمالي واحد يتمثل بالكون، وهو قادر على ان يأخذ بواسطة وعيه الجمالي وفكره موقفاً خارج العالم الملموس من خلال تأمل النسق الجمالي في موضوعات الخلق وجمالها.
وهنا اصبح هذا المنطلق الفكري والروحي وازعاً للفنان المسلم لأن يجعل فنه يحمل طابعا جمالياً موحداً على مدى العصور واختلاف الاماكن، مما اكسب فنه حركة قل نظيرها في الفنون الاخرى، تلك الحركة التي شكلت جزء من جمال الموضوع الفني وعاملاً اساسياً في تكامل جماله، فهي حركة ليس مادية فحسب، بل هي جمالية ايضاً ، فالنهر يبلغ غاية جماله بحركة جريانه، وسر جمال الكواكب يكمن في حركة دورانها، والوردة يتكامل جمالها باطراد حركة نموها، هذه الحركة بالنسبة للمستجمل هي مصدر المتعة الجمالية وهي مصدر قيمة وجودية لها دلالاتها ووظيفتها في نسق الحياة، وهذا ما نلمسه من مجريات تطور الفنون الاسلامية بأساليبها وخاماتها وتقنيات تنفيذها.. ومنها تقنية الحفر والتجميل على مادة الخشب.
وتعد تقنية الحفر على الخشب من اقدم تقنيات الفنون اجمالاً، وقد برزت بهدف التزيين وإضفاء الجمال على العمائر وكثير من الصناعات الابداعية الاخرى، حيث تجلّت جمالياتها أكثر من خلال الحضارة الإسلامية واصبحت كفن راقٍ مميز من الفنون الإسلامية، وبالرغم من المستوى العالي الذي بلغته اليوم الصناعات والتي كانت طوال عهود طويلة، وحتّى وقت قريب مصدرها الحرف اليدوية ، إلاّ أن النقش لا يزال يحتل مكانة رائدة في كل البقاع كحرفة جمالية وفنّية راقية .
استخدم الخشب في مداخل وابواب المشاهد والاضرحة المقدسة واصبح من السمات الجمالية التي تمتاز بها الاماكن المقدسة، فقد صنعت منه الشبابيك القديمة والمشربيات والصناديق التي تعلوا قبور الائمة الاطهار عليهم السلام والاولياء لغرض ابراز معالم الزينة وتعزيز الاجواء الروحية للمكان، وتختلف الاخشاب المستخدمة في فن الحفر وتقنيته من حيث استخدامها وقابليتها للتشكيل فمنها ما يتميز بمرونته او جمال سمرته او قابلتيه للصقل ومنها ما هو مطواع للحفر او عكسه ومنها ما يتميز بأليافه الصلبة او المرنة .. وهناك انواع مختلفة من الاخشاب وبمسميات مختلفة ونذكر منها :
خشب الماهوجني : وهو خشب صلب غني بالتجازيع ولونه مقارب للحمرة وأليافه مستقيمة وهو من أحسن الأخشاب الصلبة التي تتمدد ولا تنكمش ، ومن الممكن حفره بلطف وله قابلية التشقق .
خشب البلوط : ويتميز بلونه الفاتح ، ومن سماته الجميلة انه يتميز بالقوة والمرونة وتراكم الالياف ، وايضا له القابلية بتحمل التقلبات الجوية وقابل للتنعيم والصقل ، وهو خشب مثالي للتصاميم القوية والجريئة والتفاصيل الدقيقة ويكون لونه ذهبيا وبه تجازيع حسنة المظهر .
خشب الزيتون : وهو ممتاز لأشغال الحفر ويتميز بلونه الداكن البني المخضر وهو مناسب للأشغال ذات التفاصيل الدقيقة .
خشب الحور : وهو لين و غير سهل في القطع كما يبدو من تأثيره على الالات عند الاستعمال حيث تحتاج الى ضغط وبالتالي تتثلم رؤوس القطع بسرعة اثناء قطعه ، ولونه يتدرج من اللون الكريمي الى الاخضر الفاتح عند قطعه حديثا وهو جيد الاستهلاك والاستعمال حيث انه قابل للصدمات والخدش .
خشب الصنوبر الأبيض : ويتميز بلونه الفاتح ، وهو كثير العقد والشروخ لين ولا يستحسن استخدامه في الحفر .
خشب الابنوس : وهو من اصلب الأخشاب لونه اسود ويستعمل بكثرة في اشغال التطعيم وحواف المساطر.
خشب الزان : ويجمع بين الصلابة والليونة وهو من اكثر الاخشاب استخداما في الحفر والاثاث لأنه سهل التشغيل صالح للتشكيل مندمج الالياف ولونه بني فاتح .
الخشب الموسكي : لونه فاتح خالي من العقد والتشقق والالتواء وهو لين القوام واستخدامه في الحفر محدود جيدا.
الخشب العزيزي : وهو لين راتنجي .. وهو من أجود الاخشاب لحسن سمرته ومقاومته للرطوبة .
اما انواع الحفر التي تتم على الخشب في هذه التقنية فهي متعددة ونذكر منها :
الحفر البارز المسطح - وفيه يصل ارتفاع الزخارف المحفورة الى حوالي 5 ملم ويكثر غالبا في تصميم الميداليات والحفر الاسلامي .
الحفر البارز المشكل - وفيه يزيد ارتفاع الزخارف والاشكال المحفورة على الارضية بأكثر من نصف 0.5 سم ويصل الى حوالي 7سم في الحفر الروماني على ان تكون الارضيات في الشكل جميعها متساوية وبعمق واحد .
الحفر البارز المجسم - وهو كالحفر البارز المشكل ولكنه اكثر بروزا وعمقا في الارضيات التي يجب ان تكون متساوية في عمق واحد ايضا وقد تصل فيه ارتفاعات الزخارف المحفورة الى بروز 25سم لتعطي تأثير اقوى ويصلح استخدام هذا النوع من الحفر في الاماكن البعيدة عن النظر ، ومعظم موضوعاته من الكائنات الحية .
الحفر المفرغ - وهو الحفر لتشكيلات مفرغة بمنشار الآركت والمحفورة في الوقت نفسه على ان تتماسك وحداته ، ويستعمل في اشغال الاطارات ( البراويز) الثمينة .
الحفر الغائر - عكس الحفر البارز من الانواع السابقة وفيه تكون الزخارف المحفورة الى الداخل مع ترك الارضيات كما هي بدون حفر او نقش وقد لجأ قدماء المصريين الى استخدامها بكثرة في المعابد والمقابر القليلة الضوء لتساعد الظلال على وضوحها ولتعمر طويلا .
الحفر المجسم - وهو ادق انواع الحفر ويشمل الحفر على كتل بقصد تشكيلها وتجسيمها واكثر استخدامه في النحت وعمل التماثيل .
التخريم و التخريق – وهي من التقنيات الحديثة العهد التي يقوم الحرفي بواسطة الات دقيقة بتفريغ الخشب على شكل لوحات مختلفة تمثل رسوماً لنباتات وأزاهير معينة، أو حيوانات وطيور، أو آيات وحكم، يعنى بصناعتها لدرجة كبيرة، الأمر الذي يضفي على منتجاته مظهراً من الدقة يستهوي النظر.
الخراطة الخشبية - تعتمد هذه الحرفة على مقدرة الصانع في حسن تكييفه للقطع الخشبية بوساطة مخرطة يدوية، فينتج بذلك قوالب المعجنات وهياكل الكراسي الخشبية، وغيرها... وقد تحولت إلى الإنتاج الآلي مؤخراً.
التطعيم - يعتمد على إبراز التناظر في الأشكال المرسومة بتطعيم الخشب بمواد متعددة كالصدف والعظم والقصدير والنحاس وحتى الفضة، وذلك بحفر خطوط دقيقة تمثل الرسوم المطلوبة، ثم تملأ بالمادة المطلوبة، وينتج الحرفيون بهذه الطريقة علب الموزاييك، وصناديق المجوهرات والمكاتب الفخمة والطاولات والكراسي وإطارات الصور وغيرها.
اترك تعليق