مسجد المنصوري بين الامس واليوم..

لا شك ان كثير من عمليات النقل الفنية الواسعة قد جرت على جمالية المعاني القدسية الإسلامية، حيث الانتقال من العقيدة ومبادئ الفكر الاسلامي إلى عالم مكتظ بالإشارات والرموز المحاكية للروح، أي إلى صيغ جمالية دنيوية تتساوق مع المناخ الروحي الذي أشاعه دين الإسلام بين الناس، فالفن الإسلامي كما هو معهود هو ليس عملاً طقوسياً بحتاً أو فكرة موجهة أو تعريف بالدين، بل هو صيغة التعامل الفني مع الواقع بطريقة جمالية و روحية لا مادية، فقد كان ومازال للفن الإسلامي مصادره المتنوعة والمؤثرة والتي تتمثل بالقرآن الكريم ومجريات الفلسفة الإسلامية، تلك المصادر التي أعطت للفن الاسلامي طابعاً مميزاً عن غيره من الفنون، وبالتأكيد فالعقيدة الواحدة قد ساهمت بشكل كبير على تقديم فن متماسك وموحد الشخصية في كل بقاع العالم الإسلامي، وقد استطاع الفنان المسلم في تعبيراته الفنية الوصول إلى هدفه وتحقيق هويته، إذ لجأ إلى بعض الاشكال الفنية المميزة التي استطاع من خلالها تحقيق رؤيته الجمالية والفنية النابعة من عقيدته .

 لا شك ان كثير من عمليات النقل الفنية الواسعة قد جرت على جمالية المعاني القدسية الإسلامية، حيث الانتقال من العقيدة ومبادئ الفكر الاسلامي إلى عالم مكتظ بالإشارات والرموز المحاكية للروح، أي إلى صيغ جمالية دنيوية تتساوق مع المناخ الروحي الذي أشاعه دين الإسلام بين الناس، فالفن الإسلامي كما هو معهود هو ليس عملاً طقوسياً بحتاً أو فكرة موجهة أو تعريف بالدين، بل هو صيغة التعامل الفني مع الواقع بطريقة جمالية و روحية لا مادية، فقد كان ومازال للفن الإسلامي مصادره المتنوعة والمؤثرة والتي تتمثل بالقرآن الكريم ومجريات الفلسفة الإسلامية، تلك المصادر التي أعطت للفن الاسلامي طابعاً مميزاً عن غيره من الفنون، وبالتأكيد فالعقيدة الواحدة قد ساهمت بشكل كبير على تقديم فن متماسك وموحد الشخصية في كل بقاع العالم الإسلامي، وقد استطاع الفنان المسلم في تعبيراته الفنية الوصول إلى هدفه وتحقيق هويته، إذ لجأ إلى بعض الاشكال الفنية المميزة التي استطاع من خلالها تحقيق رؤيته الجمالية والفنية النابعة من عقيدته .

 وعلى ذلك نشاهد ان اشكال وفنون الفنان المسلم قد خضعت إلى فلسفة خاصة من خلال تكويناته التي انتجها وفق مبادئ تجريدية لتكون في أعلى مراتب التعبير الجمالي الإسلامي، وهي في حقيقة بنائها الفني بنية متحركة وليست ساكنة، وهي أسس وقواعد قادرة دائماً على توليد جملة من التكوينات المتآلفة، فالعناصر العمارية و التشكيلات الزخرفية التي تزينها مثلا، لا يمكن وصفها كوحدات منفصلة أو كيانات طبيعية مأخوذة بحرفية عن الواقع بل هي تعبير عن مستوى عال من القيم الثقافية للعمل الفني، والذي يعطل بدوره العلاقة بين الشيء ودلالته الطبيعية.. فيسمو بالمحصلة بذلك الشيء إلى مستوى الصورة الفنية ذات المدلولات الروحية المؤثرة في المشاهد، اذ تتغير صور الاشياء وتبتعد عن أصلها وتدخل ضمن نسق مميز من الإشارات والرموز التي تترك للمشاهد حرية تأمل الاشكال ومحاولة فهم معانيها التي قد تبقى قائمة بانتظار الفهم والتفسير وبالخصوص في الاشكال الزخرفية لمزينة للعمائر الاسلامية، مما يضفي عليها قيم فنية متجددة كلما نظر اليها المتلقي فهي في محصلة الامر تنطق بروحية الفنان المسلم وزمان ومكان ابداعها وانتاجها كما هو الحال في بعض العمائر الاسلامية التي اقيمت في مختلف البلدان العربية الاسلامية والتي هي في الاساس عمائر قائمة على بقايا او اطلال فنون حضارات اخرى مثل مسجد وجامع المنصوري الكبير في مدينة طرابلس اللبنانية وبرجه المرتفع على احدى مداخله الرئيسية.

يشكِّلُ مسجد المنصوري الكبير - الظاهر بعض من اجزاءه في المصورة اعلاه والصور الملحقة - محطّة هامّة في تاريخ مدينة طرابلس اللبنانية، وهو يعد بمثابة العمود الفقري الذي شكلت منه المدينة المملوكية والتطورات العمرانية اللاحقة له،  وتشير الدلائل التاريخية ان الجامع قد شُيد عام1294م، أي بعد ما يقارب الخمس سنوات على دخول المماليك طرابلس وتحريرها من الصليبيين الذين سيطروا على المنطقة آنذاك، فبعد فتح المماليك للمدينة بعد تمكّنهم من طردِ الصليبيين منها، ثُبتت اللبنات الاولى لهذا الجامع على يد  الناصر محمّد بن قلاوون الذي تابع بناء اروقته وأتمَّها سنة 1315م  أما منبر الجامع فيعود إلى العام 1326 م إذ أمرَ بصنعه -كما تشير بعض المصادر التاريخية- شهاب الدين قرطاي، ويقع الجامع المنصوري الكبير في حيّ النوري وهو الجامع الأكبر في طرابلس اذ تبلغ مساحته الإجمالية الثلاثة آلاف متر مربع، بينما تبلغ مساحة حَرَمه قرابة 1630 متراً مربعاً ، وقوامه كان مبنى على شكل مُربّع مُقْفَل الجوانب ، وله أربعة أبواب تؤدي الى فنائه الوسطي المحاط بثلاثة اروقة مميزة  وفي وسط الفناء بركة للوضوء ومُصلَّى، وتعلو الرواق الشمالي منه مئذنة ضخمة على شكل برج مستطيل الشكل يذكر انه كان من بقايا كنيسة صليبية، فشكل المئذنة الحالي هو شكل لبرج  كنسي لومبادي الطراز .

يقع الباب الرئيسي للجامع في الجهة الشمالية، ومن المُرجَّح أن هذا الباب كان باباً للكنيسة الصليبية ذات طراز قوطي تهدمت جراء حصار قلاوون عليها، ومن آثار البوابة القديمة العمودان الرُخاميان القائمان عند طرفيها ، وتعلو الباب لوحة تاريخية وثقت تاريخ بناء الجامع، نُقِشَ عليها ثلاثة أسطر بخط النسخ المملوكي، كما يوجد فوق الباب كتابة بخط عُثماني فحواها ( لا إله الا الله محمّد رسول الله)، اما الباب الشرقي من الجامع فيؤدي بدوره الى الرواق الشرقي المُطلّ على باحة الجامع، وتعلوه زخرفة تُشكِّل قوساً نصف دائريتسوده تشكيلات زخرفية بيزنطية الهيئة.

ولو انتقلنا الى اجزاء الجامع الاخرى من اروقة وباحة وسطية لوجدنا ان الباحة تتوسطها بركة كبيرة للوضوء ترتفع من فوقها قبَّة ترتكز على أربع اقواس ضخمة، ويقع الى جوار البركة جنوباً مصلى مرتفعا عن ارض الجامع، ولو توجهنا بأنظارنا نحو حرم الجامع لوجدنا ان واجهته المُطلَّة على الباحة قد تكونت من سبعة عقود وكل عقد منها يمثل بابا كبيرة تؤدي كل منها الى جناح من اجنحة الجامع العبادية او الخدمية التي اعتاد الطرابلسيون على ارتيادها والتعبد فيها.

المرفقات

كاتب : سامر قحطان القيسي