ابتعد الفنان المسلم في اغلب اعماله الفنية عن تجسيد الرؤية البصرية الكلاسيكية، كونها تعمل في نطاق زاوية نظر محددة محكومة بالمنظور الخطي والشروط التي يفرضها العالم المادي بشكل حصري، إذ نجد إن آلية المنظور الخطي تفرض وجود فاصل ،وتحديدات بعدية فراغية تفصل بين الفنان وموضوعه الفني المراد اسقاطه على السطح التصويري.
فلو تتبعنا الية الرسم الاسلامي من خلال المنظور الروحي الذي ابدعه الفنان المسلم لوجدنا ان الأشعة الضوئية تسقط من الأعلى على الاشكال المرسومة.. فتأخذ جميع الكتل أبعادا متساوية ومكافئة لأبعادها الأصلية، سواء كانت في مقدمة اللوحة أو في عمقها فتبدو بحركة دائرية حول المركز الذي يمثل المطلق والقدرة الالهية في الخلق، مما حدا بالفنان على عدم ترك فراغ في سطح اللوحة ليحقق التوازن، والتناسب، والانسجام، فبكل مكان هناك وجود للخالق عبر مخلوقة كما في قوله الحق ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله) فنجد هنا ان لا شكل منفصل عن مضمونه، فالرمزية هنا تتجسد من خلال العلاقة الاعتباطية الغير معللة بين الدال والمدلول، حيث لا يوجد أي شبه بين العلامة والشيء الذي تشير اليه او تمثله، فالفن الإسلامي يتجاوز علاقة الموضوع الايقونية، فهو فن روحي يحاول الاقتراب من فهمه للمطلق .
لقد استخدم الفنان المسلم تكرار الوحدات الزخرفية ذات العناصر الهندسية المربع، والدائرة في تقسيمات شريطية، أو إشعاعية ،وحسب طبيعة الموضع ،حيث شكلت الأضلاع ،والأقطار بالنسبة للمربع والأقواس والأقطار بالنسبة للدائرة ومسارات أو مساند أو نقاط دلالة لتوزيع وربط عناصر التكوين الفني لأشكال الوحدات الزخرفية، أو قد تكون لتوصيل وتعاشق هذه الوحدات فيما بينها ضمن حدود هذه التقسيمات، وفي هذا الجانب بالتحديد تلتقي هذه التجريدات النباتية مع التجريدات الهندسية والخطية من جهة البناء والتأليف.
اي بمعنى أخر أن هذه الخاصية الموحدة لأنماط التجريدات الإسلامية التي تغطي معظم الشواهد المعمارية والأعمال الفنية الأخرى أظهرت هوية وشخصية الفن الإسلامي، وذلك من خلال تقسيم الفنان للسطح التصويري إلى مساحات ذات أشكال مختلفة، تعطي دلالات واضحة على إن الفنان المسلم يمتلك وعيا، وبراعة في إتقان مجمل أنماط التصوير الإسلامي المجرد، مما أدى إلى سعي الفنان المسلم لإذابة وتبديد الكيفية الحجمية للأشكال، وإحالتها إلى كيفية مسطحة، لعرض حركة تحولها من وسطها المادي المنظور، وارتباطاتها الزمانية والمكانية، إلى وسط آخر ذهني مجرد، وكل ذلك من اجل اكتساب زمان الفعل التصويري معاني ذهنية جديدة خارج الحدود المادية البصرية، إذ يأتي المكان الثنائي البعد ملائماً لجعل الحركة المتوهمة في هذا الحيز تمتلك قدرة الامتداد خارج الوسط المكاني الذي وجدت فيه لاستحداث فضاء تصويري غير مقيد متجاوز القوانين البصرية المألوف.
وهنا يمكن تلمس رؤية حركية تدرك الفضاء في تمثيل العناصر المكونة للوحة بوضعيات مختلفة كما في المنمنمات الاسلامية والشخوص المكونة لها ادمية كانت او حيوانية، فهي حركة مهيأة لان تفارق هذا الحيز بما يشير إلى تناهي زمانية الأشياء المادية ، فالفنان اكد من خلالها على مبدأ تسطيح الأشكال وبمفردات تشكيلية ثرة بالوانها وحركتها، مع اهتمامه بعنصر التوازن ليؤلف به تكوينا يحوي جوهراً، قد تجلى للعيان من خلال عمليات التكرار المتغاير والمتباين لونياً وخطياً للزخرفة، مما يدل على قدرة الفنان المسلم على ان يجعل الفضاء متلاشياً من خلال تقسيم اللوحة او الاشكال المكونة لها إلى مساحات ذات أشكال وهيئات والوان مختلفة
اترك تعليق