اللوحة من ابداع الفنان الرائد ضياء العزاوي، وقد نفذت بتقنية الزيت على قماش الكانفاس وبالأسلوب التجريدي في الرسم وبابعاد 50*50 وبمزيج متجانس من الالوان الحارة والباردة ، عمد من خلالها على بناء الاشكال بعناية ودقة فائقتين،
فالمعروف عن العزاوي ومنذ بداياته الفنية انه عمل بحصيلة الفنان والآثاري معاً، الأمر الذي سمح له بتنوع وسعة عالم مفرداته الفنية، وبناه التصميمية التي تستلهم أنماطاً مختلفة من التركيبات المستوحاة غالباً من الأشكال التراثية أو المشاهد البصرية المأخوذة عن البيئة العراقية، وهي في الغالب من مخزونات ذاكرة الفنان، ففي هذا العمل نشاهد تجميعة لعناصر وعلاقات ضمن كتلة واحدة عائمة فـي فضاء معتم ، تبرز منها بشكل واضح أشكال أشبه بأوراق الشجر الكبيرة ، وبعض الأشرطة الملونة مستقيمة أو منحنية وبعض الحروف العربية ونقاط هي جزء من كلمات غير محددة ونقاط متكررة هنا يترك الفنان للمتلقي حرية تجذيرها وتأويلها .
العمل المجرد لدى الفنان العزاوي يبدأ غالباً من نقطة مركزية تتشعب حولها البنية التصميمية وتتصل وتتكامل حول محور جوهري راسخ يتمثل هنا في العلاقة الثابتة بين الحرف العربي بصوره الجمالية المتعددة وبنيته الفنية الانسيابية ومدلوله المعرفي والتاريخي، فيما تنمو من جانب اخر باقي البنية التصميمية حولها بوصفها تفرعات وتراكمات تعزز وجود الحرف وتشير إليه ولا تلغي وجوده أو قيمته المركزية .
ومثل هذه البنى التصميمية رغم بساطتها الظاهرية إلا أنها لا تكشف أسرارها بسهولة ، فالمبدأ المهيمن هو مبدأ الكتلة المتماسكة المكونة من عدة كتل صغيرة متجاورة أو متداخلة لكنها تظل في كل الأحوال ذات مظهر مشدود مترابط بقوة ، والحس التصميمي للفنان يعمل هنا على عدد من المستويات أولها حجم الكتل الذي يبدو هنا متقاربا حيث لا فوارق كبيرة فـي حجومها ، والمبدأ الثاني الذي يعمل الفنان وفقا له في المركز، أما المبدأ الثالث فهو الطابع اللوني حيث يعمل الفنان على تكرار نغمات لونية محددة هي الأخضر بتدرجات متقاربة تفصل بينها دائما مناطق لونية مضادة لكنها محدودة لاتؤثر على الطابع اللوني العام الذي يسوده الأخضر والذي يرتبط بعنوان اللوحة (حديقة حروفية ).
يحاول العزاوي هنا إيجاد وتأكيد العلاقة الحية والفعالة التي يمكن إنشاؤها بين فكرتين يؤمن الفنان بأن لهما كل خصائص الحياة والنمو والاستمرار، فالحرف العربي وجود حي نامي متجذر في أصل الحياة والثقافة العربية والإنسانية مثله مثل الأشجار والأوراق والنباتات ، ورغم مظهره السكوني فهو متحرك قادر على بعث المعنى والحركة والاستمرارية في كل ما يحيط به والإبحار به إلى حدود الأبدية ، فالحرف أو الصورة أو الشكل ماهو إلا طريقة للرؤية والتعبير ، والحرف موقف ثقافـي فاصل بين حدود الإحساس والفهم والتأويل والتبصر ، وهو مثمر عن طريق ارتباطاته اللغوية والمعرفية أو الفنية التشكيلية الجمالية ، وهو نابض بالحياة غير مستقر في ماضيه القريب أو البعيد .
البنية التصميمية لهذه اللوحة تستمد تركيزها من علاقتها بالفضاء الذي نفذه الفنان بلون اسود معتم يعمل كبنية عازلة للأشكال فوقها وهي تمنحها قوة حضورها وتركيز ألوانها وتزيد من ترابط أجزائها المتنافرة إن خبرة وحرفية الفنان تقوده إلى إضافة لمسات تمثل عنصر التنويع على العمل الفني ، حيث يتعامل ضياء العزاوي مع البنى التصميمية لعمله هذا بدقة وحذر مؤكداً إلمامه الكبير بقواعد اللغة التشكيلية فهو ماهر في توظيف الحركة والاتجاهات فهو يوازن عمله بالتحكم المدروس بالخطوط العمودية التي تبدو هنا بمثابة جذوع الأشجار إضافة إلى كونها تؤسس لاستقرار الكتل الكبيرة فوقها باعتبارها كتلاً من أوراق الأشجار وهذه الكتل المستديرة غالبا محددة تبدو أشكالها اقرب إلى الورق المقصوص وليس إلى الكتل المرسومة أي أن الفنان يستفيد من عدد كبير من التقنيات الفنية والمعالجات التشكيلية التي يؤسس منها بنية التصميم العامة لعمله الفني وصولا إلى تحقيق التنويع والمغايرة في أعماله الفنية .
اترك تعليق