858 ــ السيد محمد حسين الكيشوان (1295 ــ ١٣٥٦ هـ / 1878 ــ 1938 م)

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (45) بيتاً:

أينَ الحفاظُ وفي (الطفوفِ) دماؤكمْ     سُفكتْ بــــــــسيفِ أميةٍ وقناتِها

أينَ الحفاظُ وهـــــــــــــذه أشلاؤكمُ     بقيـــــــتْ ثلاثاً في هجيرِ فلاتِها

أينَ الحفاظُ وهذه فتيــــــــــــــــاتُكمُ     حُملتْ على الأكوارِ بين عِداتِها

وقال من حسينية أخرى تبلغ (40) بيتاً:

فقد هشّمتْ بـ(الطفِّ) أعظمَ هاشمٍ     وما بقيتْ إلا الضلوعُ الجراشعُ

غــــــداةَ رسا ما بينها ثقـلُ أحمـدٍ     فــــخفّت إليـهِ بالضلالِ تُسـارعُ

أتتْ طمعاً تنزو على الحقدِ خيلها     فخابـتْ بها عندَ اللقـاءِ المطالـعُ

ومنها:

فدارعهم للـ(طفِّ) والغربِ حاسرٌ     وحاسرُهم بالبأسِ والصبرِ دارعُ

ولـمّا قضوا حقَّ المعالي تنازعتْ     وشيـــــجَ القنا منهمْ نفـوسٌ نزائـعُ

كــــــرامٌ بإيثـارِ النفـوسِ تنافسـوا     فجــــادوا بها والمكرمـاتُ طبائـعُ

ومنها:

زهتْ فيهمُ أرضُ (الطفوفِ) كأنّها     سماءٌ وهمْ فيها نجـومٌ طوالـعُ

لــــهمْ جُثثٌ فوقَ الرمـالِ وأرؤسٌ     بهـا تتثنّـى الذابلاتُ الشـوارعُ

وعــــارينَ مِن وصمِ القتيلِ تلفّهـم     غلائــلُ لمْ تُنسـجْ لهـنَّ وشائـعُ

الشاعر

السيد محمد حسين بن كاظم بن علي بن أحمد الموسوي القزويني المعروف بـ (الكيشوان)، عالم وفقيه وأديب وشاعر، من أعلام الأدب، ولد في النجف الأشرف، في أسرة علمية علوية شريفة، تدرج أبناؤها في ميادين العلم والأدب، فدرس العلوم الدينية والعربية في النجف ومن أساتذته فيها الشيخ محمد بن الشيخ عبد الحسين آل عبد الرسول العبسي النجفي، حتى أصبح من كبار العلماء المجتهدين في النجف، سافر إلى سوريا ولبنان وبقي هناك سنوات والتقى بعلمائها وأدبائها وكان له معهم مطارحات ومساجلات ثم رجع إلى النجف

ألّف الكيشوان وصنّف في اللغة والأدب والفقه والعقائد ومن مؤلفاته:

تحفة الخليل في العروض والقوافي، رسالة في علم الجبر، منهج الراغبين في شرح تبصرة المتعلمين ــ بجزأين، منظومة في علم الحساب تقع في ٢٢١ بيتاً، تعليقة على فرائد الأصول للأنصاري، ديوان شعر، منظومة في العروض، وأخرى في الحساب والجبر والمقابلة، وأخرى في الهندسة، وله شرح على تبصرة العلامة الحلي في الفقه برز منه كتاب الطهارة.

قال عنه السيد محسن الأمين: (العالم الشاعر الأديب المشارك في جملة فنون. لطيف الفكر عالي الطبع، قرأ العلوم العربية والمنطق والأصول في مقتبل شبابه وحضر تدريس جماعة من العلماء الاعلام في الفقه).

وقال الشيخ علي كاشف الغطاء: (فاضل مشارك في العلوم سابق في المنثور والمنظوم له فكرة تخرق الحجب وهمة دونها الشهب، وشعر يسيل رقة وخط يشبه العذار دقة، إلى حسن أخلاق وطيب أعراق وحلو محاضرة مع الرفاق، ونسك وتقى بعيد عن الرياء والنفاق، وله شعر كثير بديع التركيب).

وقال عنه السيد جواد شبر: (مشهور بعلمه وتحقيقه ، ذو نظر صائب وفكر وقاد، أديب له الصدارة في المجالس والمكانة السامية عند العلماء وأهل الدين...) ثم يقول: 

(لا زلت أتمثله سيداً وقوراً مربوع القامة حسن الهندام بهي المنظر والعمة السوداء متناسبة مع وجهه ومنسجمة معه كل الانسجام رأيته عشرات المرات في عشرات من المجالس الحسينية وقد طلب منه أبي مقابلة نسخة: مصابيح الأنوار في حلّ مشكلات الأخبار، للجد الأكبر السيد عبدالله شُبّر على نسخة المؤلف وبخطه، فأجاب في حين لم تكن بينه وبين أبي صلة قوية أو لأبي عليه دالة تستوجب الإجابة لكنه لخلقه العالي وسجاحة أخلاقه تنازل لرغبته فكان يحضر كل يوم عصراً إلى دارنا وتكون بيده نسخة الأصل ومع الوالد نسخة أخرى فيقرأ أحدهما مرة ومرة فلم أسمع صوته ولا أقدر أن أُميّز نبراته ولكني أتصور كلامه، لقد كان هادئ الطبع وديع النفس إلى أبعد ما تتصور.

وقال لي أحد الأذكياء يوماً ونحن في محفل غاص بالمعممين في دار المرحوم الشيخ مرتضى الخوجه، والسيد المترجم له في صدر المجلس: هل رأيت ذلك السيد ــ وأشار عليه ــ زجّ نفسه في كلام أو خاض في مسألة دون أن يُسأل فيجيب بالرغم من أنه أعلم الموجودين والكل يعلم بذلك).

وقال عنه الأستاذ علي الخاقاني: (لقد أفنى زمناً طويلاً في إحياء كثير من الكتب النادرة بخط جميل وضبط قوي وأتذكر أنه كتب تحرير المجسطي بدوائره وأشكاله فكانت مخطوطته من أروع المخطوطات، وكتب الأصول الأربعمائة وكثيراً من مؤلفات الشيخ المفيد والصدوق..)

وقال السيد محمد علي الحلو: (وكانت له حلقة تدريس يحضرها الكثير من رجال الفضل، فهو من المجتهدين المحققين وله إحاطة بكثير من العلوم الحديثة كالرياضيات والفلك..)

توفي الكيشوان في النجف ودفن في الصحن العلوي الشريف   

شعره

قال السيد محسن الأمين عن ديوانه: (له ديوان شعر يزيد على ألفي بيت وله مراث في سيد الشهداء وفي أمه الزهراء وأخيه المحسن المجتبي عليهم السلام).

أما عن شاعريته فيقول الأستاذ المحقق علي الخاقاني: (نشأت وأنا أسمع أساتذة المنبر الحسيني يروون شعره ويعطرون به المحافل ويرون شعره من الطراز العالي ورثاءه من النوع الممتاز على كثرة الراثين للحسين عليه‌ السلام)

ويقول شبر السيد جواد شبر: (وبقيت روائعه ترددها ألسنة الخطباء ومنها ما يعتز به مخطوطنا (سوانح الأفكار في منتخب الأشعار) الجزء الأول منه:

١ ـ رائعته الحسينية التي تتكون من ٧٢ بيتاً وأولها:

هيَ الدارُ لا وردي بها ريّقٌ غمرُ     ولا روضُ آمالي بها مورقٌ نضرُ

٢ ـ قصيدته في رثاء شهداء كربلاء وتتكون من ٤٢ بيتاً وأولها:

لعلّ الحيا حيّا ببرقةِ ثهمدِ     معاهدَ رسمِ المنزلِ المتأبِّدِ

٣ ـ الثالثة في الزهراء عليها ‌السلام وهي ٥٧ بيتاً وأولها:

مالك لا العين تصوب أدمعا     منك ولا القلب يذوب جزعا

وقال السيد محمد علي الحلو: (أطّر مشروعه الأدبي بطموحات مدرسته العقائدية التي تأمل في القصيدة الشعرية الملتزمة أن تكون رسالتها المعبّرة عن ذاتها وطموحاتها، لذا جاءت مقطوعته الفاطمية خلاصة هذه التوجهات وانعكاساً لقيمها، فالمأساة الفاطمية حالةً وجدانية ناضجة يبثها الشاعر تعبيراً عن توجهاته الملتزمة التي تمليها عليه أدبيات عقيدته، ومعالجتها تعبيراً عن حالة وعي يصل اليها الشاعر لمعرفة واقع الأمة وسلامة موقفه من قضاياها العقائدية المصيرية).

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (45) بيتاً:

وانصاعَ حاميةُ الشريعةِ ظــــــــامياً     ما بلَّ غلّــــــــــــتَه بعذبِ فراتِها

أضحى وقد جعلــــــــــــــته آلُ أميةٍ     شــــــــــبحَ السهامِ رميّةً لرماتِها

حتى قضى عطشاً بمعتــركِ الوغى     والسمرُ تصدرُ منه فـــي نهلاتِها

وجرتْ خيولُ الشركِ فوقَ ضلوعِه     عدواً تجولُ عليـــــــهِ في حلباتِها

ومخدراتٍ مِن عـــــــــــــقائلِ أحمدٍ     هجمتْ عليهــــا الخيلُ في أبياتِها

مِن ثاكلٍ حــــــــرّى الفؤادِ مروعةٍ     أضحتْ تجـــاذبُها العدى جبراتِها

ويتيــــــــــــمةٍ فزعتْ لجسمِ كفيلِها     حسرى الــقناعِ تعجُّ في أصواتِها

أهوتْ على جسمِ الحسينِ وقلبُها الـ     ـمصدوعُ كادَ يذوبُ مِن حسراتِها

وقـــــــعتْ عليهِ تشمُّ موضعَ نحرِه     وعيونُها تنـــــــــــهلُّ في عبراتِها

ترتاعُ مِــــن ضربِ السياطِ فتنثني     تدعـــــــــو سرايا قومِها وحماتِها

وقال من قصيدة في الإمام الحسن المجتبى (عليه ‌السلام) وتبلغ (٥٨) بيتاً:

الله أيّ فـــــــــــــتىً يكابدُ محنةً      يشجى لها الصخرُ الأصمُّ ويجزعُ

ورزيّةٌ جــرَّتْ لقـــــــلبِ محمدٍ      حـــــــــزناً تكادُ له السما تتزعزعُ

ما زالَ مُــضطهداً يقاسي منهمُ     غصصاً بـــها كأسُ الردى يتجرّعُ

حتــى إذا نفذَ القضاءُ مــــحتّماً     أضحى يُـــــــــــــدسُّ إليهِ سُمٌّ منقعٌ

وغــدا برغمِ الدينِ وهوَ مُـكابدٌ      بالصبرِ غلّةَ مكمّــــــــــــــدٍ لا تنقعُ

وتــفتّتَتْ بالــــــسُمِّ مِن أحشائهِ      كبدٌ لها حتى الـــــــــــصفا يتصدَّعُ

وقضى بعينِ اللهِ يـــقذفُ قــلبَه      قطعاً غدتْ ممّا بها تتقـــــــــــــطّعُ

وسرى به نعشٌ تودُّ بــــــــناتُه      لو يرتقي لـــــــــــــلفرقدينِ ويُرفعُ

نعشٌ له الروحُ الأميــنُ مُشـيِّعٌ      وله الكتابُ المستبيـــــــــــنُ مُودَّعُ

نعشٌ أعزَّ اللهُ جـــــــانبَ قدسِه     فغدتْ له زمرُ الملائكِ يخــــــضعُ

نعشٌ به قلبُ البتولِ ومهجةُ الـ     ـهادي الــــرسولِ وثقلُه المستودعُ

نثلوا له حقدَ الصدورِ فما يُرى      منها لقوسٍ بـــــــــــــالكنانةِ مَنزعُ

ورمــــوا جنازتَه فعادَ وجسمُه     غرٌضٌ لراميةِ السهـــــــامِ وموقعُ

وقال من قصيدة في الزهراء (سلام الله عليها) تبلغ (53) بيتاً:

وأودعَ الـــــــــثقلينِ فيهمْ فأبوا     أن يحفظوا لأحمدٍ ما استودعا

وجـمَّعوا النارَ ليحرقوا بها الـ     ـبيتَ الذي به الهدى تـــــجمّعا

بيتٌ علا سمكَ الضراحِ رفعةً     فكانَ أعلا شرفــــــــــاً وأمنعا

أعزَّه اللهُ فما تهـــــــــــبطُ في     كعبتِه الأمــــــــلاكُ إلّا خضعا

بيتٌ من القدسِ وناهيـــــكَ به     محطّ أســرارِ الهدى وموضِعا

فعادَ بعدَ المصطفى مُنتهــــكاً     حريمَه وفيأه مُوزّعـــــــــــــــا

واقبلتْ فــــــــاطمُ تعدو خلفَه     والعينُ منها تــــــــستهلُّ أدمعا

فانتهروها بسيـــــــــــاطِ قنفذٍ     وكسروا بالضربِ منها أضلعا

فانعطفتْ تدعو أباها بــحشى     تســــــاقطتْ مـعَ الدموعِ قِطعا

يا أبتا هذا عليٌّ أعرضـــــوا     عنه ضــــــــلالاً وابـنُ تيمٍ تُبِعا

أهتفْ فيــــهم لا أرى واعيةً     تـــــــــعي ندائي لا ولا مُستمعا

أمسى تراثـــي فيهمُ مُغتصباً     مني وحــــــــــقي بينهم مُضيَّعا

وقال في الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (40) بيتاً:

فشمّرَ دونَ الضــــــيمِ يستأثرُ الإبا     بمعتركٍ فيه الضــــواري ضوارعُ

وأقبلَ يـــــــــــستـنُّ الـنـزالَ بفتيـةٍ     بهم يستقيمُ الكـــونُ والخطبُ ظالعُ

بمـــــــزدلفٍ ما فيـهِ للريـحِ معبـرٌ     سوى أنَّ ريـحَ الموتِ فيه زعازعُ

يــريكَ سماءَ الحربِ تمطرُ بالدما     إذا بـــــــرقتْ فيه السيـوفُ اللوامعُ

به اصطفَّتِ الأبطالُ حينَ دعا بها     لـــسانُ الـفنا والموتُ للصفِّ جامعُ

فمِن راكعٍ في رأسِهِ السيفُ ساجدٌ     ومِن ساجدٍ في صدرِه الرمحُ راكعُ

فـللبيضِ مِن فيضِ النحورِ مواردٌ     وللسمرِ مِن حبِّ القلـــــوبِ مراتـعُ

كأنَّ مذاكـــــــيهـمْ عقـاربُ والقنـا     أراقمُ في أنيابِهـا السـمُّ نــــــــــاقـعُ

مصاليتَ ثـــاروا للكفاحِ فأيقظـوا     جنونَ المواضي والمنايا هواجـــــعُ

عزائمَهمْ وهــــــيَ السهـامُ نوافـذٌ     وأيديهمْ وهيَ الـــــــسيـوفُ قواطـعُ

وقال من حسينية أخرى تبلغ (٤٢) بيتاً:

سروا يـــطلبونَ العزَّ بالبيضِ والظبا     ضحىً والمنايا السودُ منهمْ بمرصدِ

إذا مـا خبتْ نارُ الوغى شعشعوا لها     سيوفُــــــــــــهم جمراً وقالوا توقّدي

ثـــــــقالُ الخطى لكن يخفّونَ للوغى     سِــــراعاً بخـرصانِ الوشيجِ المُسدَّدِ

إذا شرعوا سمرَ الــــــرماحِ حسبتَها     كواكبَ في ليـــــــــلٍ مِن النقعِ أسودِ

أو اصطدمتْ تـــحتَ العجاجِ كتائبٌ     جرى أصــــــــيدٌ منهم لها إثرَ أصيدِ

يكرّونَ والأبـــــطالُ طائشةُ الخُطى     وشـــــخصُ المـنايا بالعجاجةِ مُرتدي

لووا جانباً عَـن موردِ الضيمِ فانثنوا     علـى الأرضِ صـرعى سيداً بعدَ سيدِ

هووا للثرى نهبَ السيوفِ جسومُهم     عَـوارٍ ولكن بالمكــــــــــــارمِ ترتدي

وأضحى يـديرُ السبطُ عينيهِ لا يرى     سـوى جُثثٍ منهمْ عـلى الأرضِ رُكّدِ

أحاطـــــــــتْ به سبعونَ ألفاً فردَّها     شـواردَ أمـــــــــــــثـالِ النعامِ المشرَّدِ

وقــــــامَ عديمُ النصرِ بين جموعِهم     وحــــــــيداً يحامي عـن شريعةِ أحمدِ

إلى أن هوى لـلأرضِ شلواً مبضَّعاً     ولـم يروِ مِن حرِّ الظمـا قلبُه الصدي

...........................................................................

ترجم له:

السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة ج ٩ ص ٢٧٧

الشيخ محمد السماوي / الطليعة من شعراء الشيعة ص 574

السيد جواد شبر / أدب الطّف ج 9 ص 164

أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 5 ص 213

الشيخ محمد الري شهري / موسوعة الإمام الحسين عليه السّلام في الكتاب والسّنّة والتّاريخ ج 7 ص 182

كاظم عبود الفتلاوي / مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف ص 285 ــ 286

السيد محمد علي الحلو / أدب المحنة ص 432

معجم الشعراء العرب ص 2065

فهرس شعراء الموسوعة الشعرية ج 1 ص 1073

 

 

 

 

 

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار