ان النتاج الفني الاسلامي الهادف سواء كان في الرسم والخط والزخرفة أوفي النحت والخزف أم في العمارة وغيرها، نشأ من التأثير الديني العقائدي أكثر من أي عامل آخر، وذلك نتيجة قوة علوية لا مرئية قاهرة ، يخضع لها الإنسان ويرضى بقضائها ،و يؤمن بأقدارها ...
فالفنان المسلم يحاول جاهداً ان لا ينحرف عن رسالة الدين الأخلاقية وما حرمته من التصوير التفصيلي للواقع ، وبما ينسجم ومعتقده الديني، المؤمن بالعدل وبالحق و المتمثل بالتوحيد ، فالدين في الرؤية الإسلامية بالإضافة الى كونه وضع الهي ووحي سماوي، هو الروح السارية في كل مجالات النشاط الإنساني المتمثل بالإبداع ، والذي يضبط بدوره علاقة جدلية بين الإنسان وخالقه جل وعلا وبمحيطه وبأمته وبالإنسانية جمعاء، كما يضبط علاقة الدنيا بالآخرة والفن بالقيم والوسائل بالحكم والغايات، فالصراع الجدلي بين الفكر و الفن ، وبين التيارات الدينية والفرق الكلامية في الإسلام ، اخذ يتفاعل بجدية ، فيعكس كل الأفكار المتناقضة بدأ من النزعات والأفكار والأراء وحتى التوجهات مذهبية .. ليفترش بها ساحة الفكر البناء .
ومن الثوابت ان الدين الإسلامي يمثل الكل الذي تتفرع عنه وتتجسم من خلاله المظاهر الحضارية للمُسلم، والإسلام كعقيدة وعبادات وشعائر، نجده قد تجسد في بناء معمار المدينة الإسلامية ، فأنتج الفنان أعمالا فنية معمارية وزخرفيه ، بما جاء ترجمة لأركان الإسلام الخمسة الشهادة- الصلاة و الصوم والحج والزكاة والتي تنتظم على وفق الحقيقة الربانية المستندة الى فكرة التوحيد ونفي الشرك، والذي عدّ الشهادة أعلى مراتب الوجود ، بل هي جوهر الوجود ، ضمن جدلية فكرية ما بين عالم الشهادة وعالم الغيب وما بينهما من مستويات إدراكية مثل الحس و التخيل والعقل و الحدس والروح المطلق، باتجاه تحقيق فكرة توحيد الله تعالى .
ان النتاج الفني كغيره من النتاجات العلمية والفكرية والفلسفية هو انتاج ابداعي مستند لمبدأ جدلي يوفق ما بين مكونات الوجود الظاهر والوجود اللامرئي الغيبي، فقد حاول الفنان المسلم كما الفيلسوف أو المتصوف أو المتكلم، ان يبتعد بنتاجات فكره عن كل معطيات الشكل المرئي المنظورة ، لما له علاقة جزئية أو محدودية بالمادة ، وبمساعدة البنية الضاغطة في الفن باتجاه استلهام الأشكال المجردة ذات النسب والقوانين الرياضية ، والتي مثلت كينونات النظير الجمالي والمعرفي للمطلق، والمتخيل من الفكر الديني المؤدي الى مرضاة الله ، كما هي متمثلة في نتاجات عناصره المعمارية كالقبة والمئذنة والإيوان والمحراب والمنبر وغيرها من نتاجات العناصر الزخرفية بأنواعها المتعددة.
من ذلك نجد ان الدين الإسلامي الحنيف قد عزّز النظرة إلى صورة الخالق سبحانه وتعالى من خلال إخراج تلك الصورة عن حدود ما هو دنيوي ، وهذا ما ألقى بظلاله على الفنان المسلم الذي أهتم بالجوهر وأندفع وراء المطلق، ( يَاأَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ )
ويتضح بذلك أن الفن الإسلامي، كان كما هو كائن الان مواكباً لانتشار الإسلام وتعاليمه، مما أعطاه طابعاً مميزاً بتوجيه فكري ووجداني، أمتد ليشمل المنطقة العربية وما حولها وظل ينمو ويتطور في جميع البلدان التي دخلها الإسلام ، والتي تواصل معها فكرياً ومعرفياً وثقافياً ، حتى بلغ قمة ازدهاره اليوم.
وعليه يمكن القول بأن التأكيد على بلورة خصائص مشتركة للفن الإسلامي مع الفنون السابقة أو المعاصرة له ، كان يؤسس بحقيقة الأمر في ذات الفنان المسلم خلاصات جمالية، يبتكرها ضمن مستويات طرحهِ لنماذج التصوير والزخرفة والعمارة والخزف والفنون الأخرى، وبالتالي تشكيل رؤية خاصة تعبر عن معطيات الفن الإسلامي ودلالاته المتنوعة .
اترك تعليق