عمق الالوان..

يعد الفن عملية تنظيم معين للألوان والخطوط وعناصر تكوين صورية، و يتحقق هذا التنظيم في الأعمال الفنية وهو الذي يكسبها القيم الفنية والجمالية، و الصورة الفنية تتحدد عموما بالعلاقات المكانية والزمانية والسببية التي تنسق بين العناصر المحسوسة المستمدة من الطبيعة مثل الأصوات والألوان والأشكال او الأفكار، مما يؤدي بالذات الواعية إلى أن تستحضر الجمال من خلال الخصائص الذاتية للموضوع، وعمليات التنظيم البنائي ،وما يتحقق من اثر هذه العملية من تداخل وتراكب وانسجام وتباين ... فالإحساس بالجمال ينتج عن اللذة الجمالية الممثلة في الموضوع التي تتوضح ،وتبرز من خلال البنية الفنية للعمل الفني كذلك فان لكل عمل أو موضوع حالة جمالية خاصة ترتبط بكينونة البنية التصميمية للأشكال الفنية وبالخصوص الاشكال التراثية الاسلامية وهيئتها، وذلك ينسحب بالنتيجة على مضمون العمل الفني ومحتواه والذي يمنحه قيمة جمالية معبرة.

      يعد اللون من العناصر المهمة في بناء الشكل وتكوينه في الفنون التشكيلية بشكل عام فهي محددة للاشكال، وقد تكون هذه الألوان ألوان الطيف النقية أو مشتقاتها أو لون محايد، فاللون وسيلة لتنمية كل العناصر الأخرى ، والشكل ذو البعدين لا يمكن أن يوجد بغير اللون ، فلا يمكن رؤية شكل معين إلا إذا كان موجودا على لون ما. .وتتخذ الألوان بعدا رمزيا وجماليا؛ إذ استعملت الألوان منذ الأزمنة الغابرة كرموز، فالأحمر بارتباطه بالدم ما يزال يعبر عن الخطر، بينما الأسود قد مثل منذ زمن طويل الموت أو الشر، وبذلك فان لكل من هذه الألوان دلالاتها الخاصة التي يعبر من خلالها الفنان عن مقاصده، فالألوان قادرة على نقل الإحساس العاطفي، وفي الواقع هي مسؤولة عن ذلك بدرجة كبيرة .

ويمكن مراقبة اللون وتأثيراته وقراءة فعالياته على الوجهين العلمي والفني، فالفنان كما تشير الدراسات يحتاج المعرفتين العلمية والفنية للون ، كما ان اللون يأتي بالمرتبة الثانية بعد متطلبات الشكل فهو خاضع لها ، ويعبر الفنان سيزان عن موقفه نحو الشكل وعلاقته باللون في مقولته :(عندما يكون اللون على اكبر قدر من العمق يكون الشكل على اكبر قدر من الامتلاء) ، أي اكبر قدر من الوضوح، وهنا نجد ان للون بعدا جماليا له اثراً كبير على المتلقي من الناحية السايكولوجية، ويتصاعد هذا التأثير كلما استطاع الفنان من التصرف الحسي بالألوان وعلاقاتها مع بعضها البعض، وهذه الفعالية الجمالية لا تقتصر على ألوان دون أخرى ، اذ ان عنصر اللون يكتسب صفاته الجمالية من تكامله مع العناصر الأخرى، وهو أهم وأكثر العناصر التكوينية تأثيرا في الجذب والإثارة البصرية لما له من قدرة على توليد الأشكال.

 إذن.. اللون له خاصية ظاهرية لجميع الأشكال ومنها الاشكال التراثية هندسية كانت ام نباتية او آدمية او كتابية ، وهو الذي يساعد في التأكيد على الطبيعة الفيزيائية وعلى نسيج تلك الأشكال، على اعتبار ان اللون كصبغة جمالية لذاتها لها اثر كبير على المتلقي من الناحية النفسية ويتضاعف هذا التأثير كلما تمكن الفنان من التصرف العلمي والحسي بالألوان وعمد على تنسيق علاقتها مع بعضها البعض، وهذه الطاقة الجمالية لا تقتصر على ألوان دون أخرى لان اللون يكتسب خواصه الجمالية مما يحيطه، ولا يخفى ايضاً ان للون أهمية كبيرة في قيمته الظاهرة ومضامينه التعبيرية الدالة، فاللون هنا هو دلالة رمزية - كما هو في اللوحة - اعلاه مؤثرة في التكوين، ويستخدم الفنان التشكيلي عنصر اللون للتأكيد على مناطق معينة ضمن المجال المرئي لتحقيق اعلى درجات الجذب البصري نحوها بشكل مقصود ، كذلك نلاحظ إن للون دلالات رمزية وجمالية تعد كعامل مؤثر على نفسية المتلقي .

 ومن جهة اخرى فإن التلاعب بكنه اللون من خلال خلطه بكنه لون آخر، وبدرجات متفاوتة يسهم في خلق انتقالات داخل الفضاء التصميمي لأي لوحة.. الأمر الذي يولد الإحساس بالبعد الثالث المتمثل بعمق اللوحة في النص التشكيلي، فضلاً عما تولده الألوان الصريحة كما هو حال اللون الأحمر والأزرق من انتقالات سريعة تخلق إيحاء بالانتقال من موضع إلى آخر، وهو بحد ذاته اظهار لعمق اللوحة ومنظورها، فعلى سبيل المثال نلاحظ إن الألوان الفاتحة الحارة تبدو اقرب إلى بصر المتلقي من الألوان الغامقة الباردة التي تبدو في عمق اللوحة، لذلك فان اختلاف القيم الضوئية يزيد من الإحساس بطاقات تعبيرية مع إضفاء الإحساس بالبعد الثالث، واللون يعد صفة أو مظهر للسطوح التي تبدو لنا نتيجة لوقوع الضوء عليها ، وهو تأثير فسيولوجي ناتج عن شبكية العين سواء أكان ناتجاً من المادة الصبغية الملونة أم عن الضوء واللون، فنلاحظ أن اللون هو الانطباع الذي يولده النور على العين ، أي انه النور الذي يتم نشره بواسطة الأجسام المعرضة للضوء، مما يؤدي بنا للقول بان الون يظهر نتيجة تفاعل الشكل مع الضوء الساقط ، وعند تجاور مساحتين لونيتين متضادتين ، فانهما بذلك يصنعان خطاً يمثل التقاءهما .

كاتب : سامر قحطان القيسي