847 ــ أبو طالب الفتوني (1087 ــ ١١٥٠ هـ / 1676 ــ 1737 م)

أبو طالب الفتوني (1087 ــ ١١٥٠ هـ / 1676 ــ 1737 م)

قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (23) بيتاً:

أفديهِ فرداً في (الطفوف) وقد قضى     عـطشاً ونالَ مِن العدى ما نالا

لـــــــــــهفي له بين الطغاةِ وقد غدا     فــــــــرداً ينازلُ منهمُ الأبطالا

لهفي علـــــــــــــيه مُضمَّخاً بـدمائِهِ     تسفي عـــــليه السافياتُ رمالا (1)

الشاعر

الشيخ أبو طالب ابن الشريف أبي الحسن بن محمد طاهر بن عبد الحميد بن موسى بن معتوق بن عبد الحميد الفتوني العاملي النباطي، (2) فقيه وعالم وأديب وشاعر، من أعلام الشيعة، وهو والد الاسرة الفتونية العلمية العريقة التي يعود أصلها إلى جبل عامل في لبنان، ثم نزحت إلى كربلاء والنجف وبرز منها العديد من أعلام الفقه والأدب.

يقول السيد جواد شبر: (وآل الفتوني أسرة عريقة في العلم متقدمة في الفضل لمعت بالفضل في القرن التاسع الهجري واعتزّت بها النجف من (فتون) وهي إحدى قرى جبل عامل، جنوب لبنان) ثم نقل عن الحر العاملي قوله عن أصل هذه الأسرة فقال:

وذكر صاحب أمل الآمل نسب هذه الأسرة وإنها تمتُ بأصلها إلى الصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري فكان بعض العلماء المتتبعين يخاطب رجالاً من هذه الأسرة وينعته بالفتوني العاملي الجندلي الغفاري). (3)

نشأ الفتوني في ظلال العلم والأدب فوالده هو الشريف أبي الحسن بن محمد طاهر الذي كان من كبار العلماء الفقهاء المتبحرين ومن تلاميذ الشيخين الجليلين محمّد باقر المجلسي والحر العاملي، يقول عنه الميرزا حسين النوري: (أفقه المحدثين وأكمل الربانيين الشريف العدل أفضل أهل عصره واطولهم باعاً) (4)

وقال عنه الشيخ يوسف البحراني: (كان محققاً مدققاً ثقةً عدلاً صالحاً، اجتمع به الوالد لمّا تشرف بزيارة النجف سنة ١١١٥ ووقع بينهما بحث في مسائل جرت). (5)

وأبو طالب هو أسمه لا كنيته، ذكر ذلك السيد محسن الأمين حيث قال: (المولى أبو طالب، أبوه مذكور في حرف الشين ذكره بهذا العنوان السيد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في ذيل إجازته الكبيرة الذي هو بمنزلة تتمة أمل الآمل وظاهره ان اسمه كنيته. فقال: كان فاضلاً محققاً متتبعاً في غاية الذكاء وحسن الادراك متقياً متعبداً متوسعاً في العقليات والشرعيات، يروي عن أبيه وغيره من فضلاء العراق، قدم إلينا بعد وفاة والده وأقام أياماً وتباحثنا في كثير من المسائل وأفادني فوائد عظيمة ثم صعد إلى بلاد العجم وتوفي رحمه‌ الله). (6)

كما أن الشريف هو أسم أبيه لا لكونه من نسل النبي (صلى الله عليه وآله) وقد ترجم له السيد الأمين في حرف الشين فقال: (وقد يُعبّر عنه بأبي الحسن العاملي وأبو الحسن كنيته والشريف اسمه وليس هو من السادة الأشراف ويُوصف في بعض التراجم بالعدل وعشيرته في جبل عامل آل الفتوني كثيرون). (7)

أما أم أبي الحسن الشريف فينقل الأمين عن المحدث الغروي قوله: (هي أخت السيد الشريف المير محمد صالح الخاتون آبادي الذي هو صهر المجلسي على ابنته وهو جد صاحب الجواهر من طرف أم والدة الشيخ باقر، وهي آمنة بنت فاطمة بنت المولى أبي الحسن، وبعضهم قال أن أم الشيخ باقر والدة صاحب الجواهر هي بنت الفتوني). (8)

ويؤكد ذلك الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر حيث يقول: (جدّي الفاضل المتبحّر الآخوند الملا أبو الحسن الشريف) (9)

وقال الشيخ جعفر محبوبة: (إنه عرف بالشريف لأن والدته من نسل الإمام علي (عليه السلام) وهي بنت السيد عبد الواسع أخت السيد محمد صالح خاتون آبادي) (10) وعلى هذا القول يكون أسمه أبو الحسن.

وقد ولد الشريف أبو الحسن في أصفهان وسكن النجف ومات فيها، أما ابنه أبو طالب فيشير السيد جواد شبر إلى أن ولادته كانت في النجف ووفاته في إيران حيث يقول: (ضايقه الدهر وحاربه الزمان فترك مسقط رأسه النجف وسافر إلى إيران ومات هناك) (11)

لكن المحقق الشيخ محمد صادق الكرباسي يستدل من خلال ترجمة الشيخ يوسف البحراني للشريف أبي الحسن على أن أبا طالب ولد في إيران حيث يذكر رواية البحراني التي تقول: (اجتمع به ــ بأبي الحسن ــ الوالد ــ أي الشيخ أحمد والد يوسف البحراني ــ رحمه الله تعالى لما تشرف بزيارة النجف الأشرف في السنة الخامسة عشرة بعد المائة والألف وكان بصحبة والده وولده وجمع من الرفقاء) (12)

ثم يقول الكرباسي معقبا على هذه الرواية: (بل الظاهر أن فاعل تشرف هو أبو الحسن الشريف مع والده وولده لا والد الشيخ يوسف من حيث يقول بعد ذلك وفي هذه السنة مات والده وقبر في جوار الكاظمين (عليهما السلام) وعليه فولادته تكون في إيران وسنة وروده النجف تكون عام (1115 هـ) ولا مجال للقول بأن المراد بولده غير أبي طالب لأنه لم يخلف غيره وغير ابنته فاطمة كما أكد عليه الصدر في التكملة وغيره لدى ترجمة والد المترجم له) (13)

قالوا فيه

نهج أبو طالب منهج أبيه في العلم والأدب وأصبح من كبار العلماء والفقهاء، قال الشيخ الكرباسي: (نشأ نشأة علمية على أبيه الذي كان من العلماء الفقهاء البارزين صاحب مؤلفات عشرة في الفقه والأصول والكلام والتفسير أشهرها الفوائد الغروية فتخرج الابن من حلقة درس الأب عالماً فاضلاً وأديباً شاعراً) (14)

وقال عنه الشيخ عبد الله الجزائري: (كان فاضلاً، محقّقاً متتبّعاً، في غاية الذكاء، وحسن الإدراك، متّقياً متعبّداً، متوسّعاً في العقليّات والشرعيّات، يروي عن أبيه وغيره، من فضلاء العراق. قدم إلينا بعد وفاة والده، وأقام أياماً باحثنا في كثير من المسائل وأفادني فوائد عظيمة، ثم رجع إلى بلاد العجم، وتوفّي) (15) ‌

وقال السيد حسن الصدر: (وهو أبو طائفة في النجف إلى اليوم، كان والده الشريف وقف أملاكاً في النجف عليه وعلى أخته فاطمة، فرجع الوقف بعد وفاته إلى ولده الشيخ علي، ثم بعده إلى ولد الشيخ علي، وهو الشيخ حسن، وبعده إلى ولديه الشيخ حسين والشيخ محمد المعاصرين للشيخ صاحب الجواهر محمد حسن بن الشيخ باقر بن آمنة بنت فاطمة المذكورة، صاحبة الوقف، بنت الشيخ أبو الحسن الشريف ومن هنا عبر الشيخ في الجواهر في مبحثي الاستخارة والرضاع عن الشريف أبى الحسن بجدي، لان أم أبيه بنت بنت الشريف كما عرفت) (16)

وقال فيه الشيخ جعفر محبوبة: (من العلماء الادباء اجتهد في العلم حتى اطاعه عاصيه وغرف من بحره فأخذ ما يكفيه القى عصاه يوم كان شاباً يافعاً من الشعراء فكان في عدادهم) (17)

وقال عنه محمد علي بن بشارة آل موحي الخاقاني النجفي: (تشاغل في الأدب فصار من أربابه وتعلق بغصن البلاغة فترك قشره وأخذ من لبابه فنظم فأبدع وأكثر واوزع) (18)

وقال الخاقاني: (الشيخ أبو طالب بن أبي الحسن الشريف الفتوني، من العلماء المشتهرين، كان فاضلاً محققاً متتبعاً في غاية الذكاء وحسن الإدراك.. ) (19)

أما عن ولادته ووفاته فيقول السيد جواد شبر: (ولم يذكر السيد سنة وفاته ولا سنة ولادته ولكنه عندما ترجم والده المولى أبو الحسن الشريف بن محمد طاهر الفتوني أو الأفتوني العاملي النباطي قال: إنه توفي سنة ١١٣٩ هـ، فإذا كان الأب في أواسط القرن الثاني عشر يكون الولد عادة في أواخر القرن الثاني عشر إذا لم يكن من المعمرين). (20)

غير أن الكرباسي حدد تاريخ ولادته ووفاته كما ذكرناه (21)

شعره

قال من قصيدته في الإمام الحسين (عليه السلام):

عمرٌ تصرّمَ ضـــــــــــــيعةً وضلالا     ما نلتُ فيه من الرشـــــادِ منالا

يا نفسُ كــــفّي عن ضلالِكِ واعلمي     إنَّ الإلهَ يُشـــــــــــاهدُ الأحوالا

وذري المساوي والذنوبَ وراقــــبي     ربَّ العبـــادِ وأحسني الأعمالا

فإلى متى تبكينَ رســــــــــماً دارساً     وتخـــــــاطبينَ بجهلِكِ الأطلالا

هلا بكيتِ الـــــــــــسبطَ سبطَ محمدٍ     نــــــجلَ البتولِ السيدَ المفضالا

بأبـــــــــــي إماماً ليس يُنسى رزؤه     في الناسِ ما بقيَ الزمانُ وطالا

أفديهِ فرداً في (الطفوف) وقد قضى     عـطشاً ونالَ مِن العدى ما نالا

لـــــــــــهفي له بين الطغاةِ وقد غدا     فــــــــرداً ينازلُ منهمُ الأبطالا

لهفي علـــــــــــــيه مُضمَّخاً بـدمائِهِ     تسفي عـــــليه السافياتُ رمالا

فالأفقُ أظلمَ والـكــــــواكبُ كـوِّرتْ     حزناً عليهِ وأبـــــدتِ الإعوالا

يا سادتي يا آلَ أحـمدَ حــــــــــــبُّكم     دينُ الإلهِ به استـــــــــتمَّ كمالا

وعليكمُ صلّى المـــــــــــهيمنُ كلّما     جرَّ النسيمُ على الربى أذيــــالا

......................................................

1 ــ شعراء الغري ج 1 ص 332 ــ 333 / أدب الطف ج 4 ص 227

2 ــ أعيان الشيعة ج 7 ص342

3 ــ أدب الطف ج 5 ص 231

4 ــ المستدرك على الوسائل ج 2 ص 54

5 ــ لؤلؤة البحرين ص 108

6 ــ أعيان الشيعة ج ٢ ص ٣٦٦

7 ــ أعيان الشيعة ج ٧ ص ٣٤٢

8 ــ نفس المصدر والصفحة

9 ــ جواهر الكلام ج 29 ص 313

10 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 43

11 ــ أدب الطف ج 5 ص 229

12 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 123 ــ 124 عن لؤلؤة البحرين ص 107

13 ــ نفس المصدر ص 124

14 ــ نفس المصدر والصفحة

15 ــ الكواكب المنتثرة لأغا بزرك الطهراني ص 390 عن الإجازة الكبيرة للجزائري

16 ــ تكملة أمل الآمل ص 444 ــ ٤٤٥

17 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 3 ص 49

18 ــ شعراء الغري لعلي الخاقاني ج 1 ص 331 عن نشوة السلافة للخاقاني

19 ــ شعراء الغري لعلي الخاقاني ج 1 ص 332 ــ 333

20 ــ أدب الطف ج 5 ص 231

21 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 2 ص 125

كاتب : محمد طاهر الصفار