827 _ ابن جبر المصري (من شعراء القرن الخامس)

ابن جبر المصري (من شعراء القرن الخامس)

قال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (101) بيت:

وإذا ذكرتُ مصابَكمْ قال الأسى     لجفونيَ: اجتنبي لذيذَ كراكِ

وابكي قـتيلاً بـ(الطفوفِ) لأجلِه     بكتِ السماءُ دماً فحقَّ بكاكِ

إن تبكِهمْ فـــي اليومِ تلقاهمْ غداً     عــيني بوجهٍ مسفرٍ ضحّاكِ  (1)

الشاعر

ابن جبر الجبري المصري، لم يذكر لنا التاريخ حتى اسمه واكتفى بقصيدة واحدة من شعره، دلت على شاعرية كبيرة، وقد سماه السيد محسن الأمين بـ (جبر الجبري) فقال في ترجمته: (جبر الجبري شاعر آل محمد (صلى الله عليه وآله) شاعر مجيد له قصيدة في مدح أهل البيت عليهم السلام من جيد الشعر يظهر من بيت في آخرها أن اسمه جبر حيث يقول:

وأجبرْ بها الجبريَّ جبراً وأبره     من ظالمٍ لدمائهمْ سفّاكِ

ولا نعلم من أحواله شيئاً غير ذلك. وهذه القصيدة يستشهد ابن شهرآشوب في المناقب بأبيات منها، فعلم من ذلك أنه متقدم عليه، وابن شهرآشوب توفي سنة 588 وقد وجدناها في مجموعة نفيسة مخطوطة وهي من كنوز هذا الكتاب ولست تجدها في غيره. وهذه صورة ما وجدناه هكذا: الجبري شاعر آل محمد عليهم السلام....) ثم يذكر القصيدة (2)

ويقول الشيخ عبد الحسين الأميني أن الشاعر هو ابن جبر معتمداً على المقريزي فيقول: (ابن جبر المصري أحد شعراء مصر على عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله المولود سنة 420 والمتوفى 487، ذكر المقريزي في الخطط ج 2 ص 365 موسماً من مواسم فتح الخليج في أيام المستنصر وقال: وتقدم شاعر يقال له: ابن جبر وأنشأ قصيدة منها....) (3)

وقال المروج الخراساني عن القصيدة (وقد أخذها العلامة من نسخة عتيقة جداً مكتوبة في القرون الوسطى وتوجد ناقصة منها تسعة أبيات في أعيان الشيعة) (4)

وبما أن الشاعر قد عاصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (420 ــ 487 هـ / 1030 ــ 1095 م) فهو من شعراء هذه الفترة، وقد ذكره وذكر عشرة أبيات من قصيدته فيما يخص الإمام الحسين عليه السلام، الشيخ محمد صادق الكرباسي في ديوان القرن الخامس (5)

شعره

قال من قصيدته:

إنَّ الــــصِّبا يا نفسُ عزّ طـــــــــــــلابُه     ونهتكِ عنه واعظــــــــاتُ نُهاكِ

والشيبُ ضيفٌ لا محالةَ مُـــــــــــــؤذنٌ     برداكِ فاتَّبعـــــــــي سبيلَ هُداكِ

وتزوَّدي مِـــــن حبِّ آلِ مــــــــــحـــمّدٍ     زاداً مـــــــــــتى أخلصتِه نجَّاكِ

فلنعمَ زاداً للمعــــــــــــــــــــادِ وعــــدّةٌ     للحشرِ إن عِلِقتْ يـــــــداكِ بذاكِ

وإلى الوصيِّ مهمَ أمــــــرِكِ فوِّضــــي     تَصِلي بذاكَ إلــــــى قصيِّ مُناكِ

وبهِ ادرَئـــــي في نــــــحرِ كلِّ مُـلـــمَّةٍ     وإليهِ فيها فاجعلي شكــــــــــواكِ

وبحبِّه فتمسَّــــــــــــــكـي أن تســــلكي     بالزيغِ عنه مســــــــــالكَ الهلّاكِ

لا تجهلي وهــــواهُ دأبَــــكِ فاجــــعـلي     أبداً وهجرَ عـــــــداهُ هـجرَ قلاكِ

فسواءٌ انــــحرفَ امــرؤٌ عــــــن حبِّـه     أو باتَ مــــنطوياً على الإشـراكِ

وخذي البراءةَ مـن لــظىً ببــــــــراءةٍ     مِــــــــن شانئيهِ وأمحضيهِ هواكِ

وتجنّبي إن شـئــتِ أن لا تــــعـــــطبي     رأيَ ابنِ سلمى فيه وابنِ صهاكِ

وإذا تشـــــابهتِ الأمـــــــورُ فــــعوّلي     في كشفِ مشكلِها عــــلى مولاكِ

خيرِ الرجالِ وخيرِ بــــعلِ نـــســــائها     والأصلِ والفرعِ التقيِّ الــــزاكي

وتعوَّذي بالزُّهـــــــــــــرِ مِـــن أولادِهِ     مِن شرِّ كلِّ مُـــــــــضلّلٍ أفّـــــاكِ

لا تعدلي عــــنهم ولا تـــــــــــستبدلي     بهمُ فتحظــــــي بالخسارِ هــــناكِ

فهمُ مـــصابيـحُ الدُجى لـذوي الـحجى     والعروةُ الــوثقى لذي استمســـاكِ

وهُـــــمُ الأدلةُ كالأهلّةِ نــــــــــــورُها     يجلو عــــــمـــى المتحيّرِ الشكّاكِ

وهــــمُ الصراطُ المستقيمُ فأرغــــمي     بـــــــــــهواهُمُ أنـــفَ الذي يلحاكِ

وهمُ الأئـمةُ لا إمــــــــــــــامَ سـواهمُ     فدعي لتيمَ وغيرِهـــــــــــا دعواكِ

يا أمّةً ضلّتْ سبيلَ رشــــــــــــــادِها     إنَّ الذي اســـــــــترشـــدتِه أغواكِ

لــــــئن ائـتمنتِ علــــى البريّةِ خائناً     للنـــــــــفسِ ضيَّعها غـــداةَ رعاكِ

أعطــــــاكِ إذ وطّــــاكِ عشوةَ رأيهِ     خـــدعاً بحبـــــــــلِ غرورِها دلّاكِ

فتبعتِه وســــــــــــــخـيفَ دينِكِ بعتِه     مغتـــرّةً بالنزرِ مِـــــــــــــن دُنياكِ

لقد اشتريتِ بهِ الــضلالةَ بــــالـهدى     لمَّا دعـــــــــــــــــاكِ بمكرهٍ فدهاكِ

وأطعتِه وعصيتِ قــــــــــولَ مـحمّدٍ     فيما بأمـــرِ وصيِّـهِ وصّـــــــــــاكِ

خلّفتِ واستخلفتِ مَن لــــــمْ يـرضِهِ     للدينِ تابعـــةً هــــــــــــــوىً هوّاكِ

خلتِ اجتهادَكِ للصــــوابِ مـــــؤدّياً     هيهاتَ ما أدّاكِ بـــــــــــــل أرداكِ

ولقد شققتِ عصــــــــا النبيِّ مـحـمدٍ     وعققتِ من بــــــــــــعدِ النبيِّ أباكِ

وغدرتِ بالعهدِ المــــؤكّدِ عـــــــقده     يومَ (الغــــــــديرِ) له فـــمّا عذراكِ

فلتعلمنَّ وقد رجعتِ بِه عـــــــلى الـ     أعقابِ ناكصةً على عــــــــــــقباكِ

أعنِ الوصـيِّ عدلتِ عـــــــــادلةً به     مَن لا يساوي منه شسـعَ شـــراكِ؟

ولتسألنَّ عــن الولاءِ لحيـــــــــــــدرٍ     وهوَ النعيمُ شقاكِ عنـــــــه ثـــناكِ

قستِ المــحيطَ بكلِّ علـــــمٍ مشـــكلٍ     وعرٍ مسالكه عـــــــــلى الـــسلّاكِ

بالـــــمــعتريهِ ـ كما حكى ـ شيطانُه     وكفاهُ عنــــــــه بنفسِه مِن حـــاكي

والضــاربُ الهاماتِ في يومِ الوغى     ضــــــــــــرباً يقدُّ به إلى الأوراكِ

إذ صـــــــــــــاحَ جبريلٌ به متعجّباً     مِن بأسِه وحـــسامِه الـــــــــــــبتّاكِ

لا ســيفَ إلا ذو الــــــفقارِ ولا فتىً     إلّا عــــــــــــــــــــــليٌّ فاتِكُ الفتّاكِ

بالهـاربِ الفرّارِ مِن أقــــــــــــرانِهِ     والحربُ يذكيها قـــناً ومَــــــــذاكي

والقاطعُ الليلَ الـــــــــــــبهيمَ تهجُّداً     بفؤادِ ذي روعٍ وطـــــــــرفٍ باكي

بالتاركِ الصلواتِ كفــرانــــــــاً بها     لـــــــــولا الرياءُ لطـــالَ ما راباكِ

أبـــــــــــــعدْ بهذا من قيـاسٍ فاســدٍ     لـــــــــــــــــم تأتِ فيـــه أمَّةٌ مأتاكِ

أوَ مـا شهـــدتِ له مواقفَ أذهبـــتْ     عنكِ اعتراكَ الشــكِّ حـينَ عراك؟

مِن معجزاتٍ لا يــــــــقومُ بمثـــلِها     إلّا نــــــــــــــبيٌّ أو وصـــيٌّ زاكي

كالشمـــــــسِ إذ رُدَّتْ عليهِ ببـــابلٍ     لقضاءِ فــرضٍ فــــــــائتِ الإدراكِ

والريحُ إذ مرَّتْ فقال لها: احـــملي     طوعاً ولـــيَّ اللهِ فـــــــــــوقَ قواكِ

فجرتْ رجـــــاءً بالبساطِ مـــطيعةً     أمرَ الإلــــــــــــــهِ حــثيثةَ الايشاكِ

حتى إذا وافى الـــــرقيمَ بـــصحبِهِ     لـــــــــــيزيلَ عــــنه مريــةَ الشكَّاكِ

قال: السلامُ عليكمُ فـــــــــــتبادروا     بالردِّ بعدَ الصمـــــــتِ والإمـــساكِ

عن غيرِهِ فبدتْ ضغائنُ صدرِ ذي     حنقٍ لســـــــــــــــــترِ نفـــاقِه هتّاكِ

والميتُ حين دعا به من صــرصرٍ     فـــــــــأجابه وأبيـــتِ حيــنَ دعاكِ

لا تدّعـــــــــي ما ليسَ فيكِ فتندمي     عندَ امتحانِ الصدقِ مِـن دعـــواكِ

والخفُّ والثعــــــــــــــــبانُ فيه آيةٌ     فتيقظّي يأويكِ مِن عــــــــــــــمياكِ

والسطلُ والمنديلُ حينَ أتـــــــى به     جبريلُ حسبكِ خدمة الأمــــــــلاكِ

ودفاعُ أعــــــــظمِ ما عـراكِ بسيفِه     في يومِ كلِّ كريـهةٍ وعــــــــــراكِ

ومقامُه ـ ثبتُ الـــــــــجنانِ ـ بخيبرٍ     والخـوفُ إذ ولّيتِ حشوَ حــــشاكِ

والبابُ حين دحى به عــن حصنِهمْ     ســــــبعينَ باعاً في فضا دكــــداكِ

والطائرُ المشويُّ نصـرٌ ظـــــــاهرٌ     لولا جحودِكِ مـــــــا رأتْ عـيناكِ

والصخرةُ الصمَّا وقـد شفَّ الـظما     منها النفوسُ دحى بـــــــها فسـقاكِ

والماءُ حين طغى الفـراتُ فأقــبلوا     ما بينَ باكيةٍ إليهِ وبــــــــــــــــاكي

قالوا: أغثــــــــــنا يـا بنَ عمِّ محمدٍ     فالماءُ يؤذِننا بوشكِ هـــــــــــــلاكِ

فأتى الفراتَ فقالَ: يـا أرضُ ابلعي     طوعاً بأمرِ اللهِ طاغي مـــــــــــاكِ

فأغاضه حتى بـــــــــدتْ حصباؤه     من فوقِ راســخةٍ مِن الأســــــماكِ

ثمّ استعادوهُ فعاد بأمـــــــــــــــــرهِ     يجري على قــدرٍ ففيمَ مَـــــــراك!

مولاكِ راضيةً وغـضــبى فاعلمي     سيّانَ ســـخطــكِ عنده ورضـــاكِ

يا تيمَ تيّمَـــــــــكِ الـــهوى فأطعتِه     وعن البصـــيـــــرةِ يا عديّ عداكِ

ومــنعتِ إرثَ الــمصطفى وتراثَه     ووليته ظلماً فـــــــــــــــمَن ولّاكٍ؟

وبسطتِ أيدي عبدِ شمسٍ فاغتدتْ     بالظلمِ جاديةً على مـــغنــــــــــــاكِ

لا تـــــــــحسبيكِ بريئةٌ مما جرى     والله ما قتلَ الحسيـــــــــــــنَ سواكِ

يا آلَ أحـــــــــــــمدَ كم يكابدُ فيكمُ     كبدي خطوباً للقلوبِ نـــــــــــواكي

كبدي بكمْ مقروحـــــــةٌ ومدامعي     مسفوحةٌ وجــــــوى فـــؤادي ذاكي

وإذا ذكرتُ مصابَكمْ قـــال الأسى     لجفونيَ: اجتنبــــــــي لـــذيذَ كراكِ

وابكي قـتيلاً بـ(الطفـــوفِ) لأجلِه     بكتِ السماءُ دماً فـــــــــــحقَّ بكاكِ

إن تبكِهمْ فـــي اليومِ تـــلقاهمْ غداً     عــيني بوجهٍ مسفرٍ ضـــــــــــحّاكِ

يا ربّ فاجعلْ حبَّهم لـــــــيَ جنةً     مِن موبقاتِ الظـــــــلمِ والاشـــراكِ

واجبرْ بها الجبريَّ ربِّ وبَـــــرِّهِ     مِن ظالمٍ لدمائِهم سفَّـــــــــــــــــــاكِ

وبهمْ ـ إذا أعــــــــــداءُ آلِ محمدٍ     غلقتْ رهونـــــــــهمُ ـ فجُدْ بفـــكاكِ

................................................................

1 ــ أدب الطف ج 2 ص 328 ــ 332 / الغدير ج 4 ص 313 ــ 317 / أعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٣ ــ 64

2 ــ أعيان الشيعة ج ٤ ص ٦٣

3 ــ الغدير ج ٤ ص ٣١٣

4 ــ نظرة إلى الغدير ص ١١١

5 ــ ص 205

كاتب : محمد طاهر الصفار