826 _ ابن العودي النيلي (478 ــ 558 هـ / 1085 ــ 1162 م)

ابن العودي النيلي (478 ــ 558 هـ / 1085 ــ 1162 م)

قال من قصيدة في أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (153) بيتاً:

وألقوهمُ في (الغاضرية) حسَّراً     كأنهم قِفٌّ على الأرضِ جُثَّمُ

تحاماهمُ وحشُ الفلا وتـنـوشهمْ     بأجنحةٍ طيرُ الفلا وهيَ حُوَّمُ

بأسيافِهمْ أردوهــــــمُ وبــدينِهمْ     أريقَ بأطرافِ القنا منهمُ الدّمُ (1)

ومنها

وما أقدمتْ يومَ (الطفوفِ) أميةٌ     على السبــــطِ إلّا بالذينَ تقدَّموا

وأنَّى لهمْ أن يبرؤوا من دمائِهمْ     وقد أسرجوها للخصامِ وألجموا

وقد علموا أن الــــــولاءَ لحيدرٍ     ولكنه ما زالَ يُؤذى ويُــــــظلَمُ

الشاعر

الشيخ أبو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بـ(ابن العودي) التغلبي النيلي ــ نسبة إلى بلدة النيل المستمد من الفرات الممتد نحو الشرق الجنوبي وكانت ولادته بها (2) وكانت الحلة في ذلك الوقت عبارة عن مدرسة دينية علمية أدبية.

ويعد عهد سيف الدولة أبي الحسن صدقة بن منصور (479 ــ 501 هـ / 1086 ــ 1107م) رابع الأمراء المزيدين والمؤسس الحقيقي للإمارة المزيدية من أرقى العهود التي مرّت بها مدينة الحلة، والتي بناها وجعلها قبلة للعلماء والأدباء حيث انتقلت في عهده مرجعية العلم والأدب من النجف الأشرف إلى الحلة بعد وفاة شيخ الطائفة الطوسي عام (460 هـ)

وبعد تمصير سيف الدولة للحلة توجّه إليها الفقهاء والعلماء والأدباء والشعراء لِما وجدوه من التكريم والحفاوة من قبل سيف الدولة، فاتّسعت النشاطات العلمية والفكرية وامتلأت الحلة بمجالس الفقه وحلقات التدريس، وبرز منها ما لا حصر له من أقطاب العلم والأدب وكبار علماء الشيعة فكانت هذه الحركة مُمهّدة لظهور مدرسة الحلة الشيعية في تاريخ العراق التي وسّعت من حضور التشيع الأصيل لأهل البيت (عليهم السلام).

وكان للشعر حيّز كبير من هذه الحركة الثقافية الشاملة، يقول الدكتور علي جواد الطاهر عن مكانة المزيديين في الشعر: (كانت مكانة بني مزيد في الشعر بارزة بروزها في التاريخ) (3)

فأتحفت الحلة المزيدية العراق والعالم الإسلامي بأفذاذ الشعراء الكبار الذين كانوا امتداداً لهذه الحركة. ومن هؤلاء الشعراء الكبار الشاعر ابن العودي النيلي الذي وصفه الدكتور مصطفى جواد بالقول:

(كان أبو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلّت أخبار سيرهم، فهو كوكب من كواكب الأدب، ومشاهد نوره مجهولة حقيقته أو حقائق أوصافه). (4)

وقال فيه عماد الدين الأصفهاني: (شاب شبَّت له نار الذكاء، وشاب لنظمه صرف الصهباء، بصافي الماء، ودَرَّ من فيهِ شؤبوب الفصاحة، يسقي من ينشده شعره راح الراحة... أبيُّ النفس معتمداً بشعره، والشاعر الأبي المسترفد، لا يورثه إباؤه إلا الحرمان وإساءة الزمان). (5)

ويعقب الدكتور مصطفى جواد على قول الأصفهاني بالقول: (وإشارة العماد إلى أنه كان شاباً من فلتات الشباب). (6)

وقال الشيخ عبد الحسين الأميني: (وقد نظم ابن العودي في الشعر المذهبي الذي أكثر منه السيد الحميري، وابن حماد، والعوني، والناشئ الأصغر، وابن علوية الأصفهاني، والوراق القمي، ولما دخل ابن شهرآشوب العراق في أواسط القرن السادس ألفى شعر ابن العودي في المذهب تستهديه الآذان أفواه الشداة المنشدين، فضمن كتابه مناقب آل أبي طالب شيئاً منه وكثيراً من شعر الناظمين في المذهب، وبعد ترك ابن شهرآشوب العراق إلى الشام حدثت ببغداد فتن مذهبية، ووثب الحنابلة كعادتهم بأعدائهم في المذهب فأحرقوا كتبهم وفيها دواوين شعرائهم واضطهدوهم اضطهاداً فظيعاً فضاع كل ذلك الأدب غثّه وسمينه وصار طعمة للنار، والظاهر أن ذلك الضرب من النظم في شعر ابن العودي هو الذي حمل محب الدين محمداً المعروف بابن النجار البغدادي على أن يقول في ترجمة ابن العودي: كان رافضياً خبيثاً يهجو الصحابة). (7)

وقال السيد محسن الأمين في ترجمته بعد أن ذكر قصيدته: (ابن العودي النيلي لم نعرف اسمه وقد فاتنا ذكره فيما بدئ بابن وذكرنا هناك ان ابن العودي اسمه بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي العاملي الجزيني وهو غير ابن العودي هذا لأن ذاك تلميذ الشهيد الثاني وهذا مقدم على ابن شهرآشوب أو معاصر له. وابن العودي النيلي لم نجد له ذكرا الا في مناقب ابن شهرآشوب ولم نطلع من آثاره الا على قصيدة له ميمية علوية أورد أكثرها ابن شهرآشوب في المناقب في مواضع متفرقة مرة بعنوان ابن العودي ومرة بعنوان ابن العودي النيلي ومر في ترجمة الشيخ شهاب الدين إسماعيل ابن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله الحسين العودي العاملي الجزيني ان صاحب الطليعة نسب أبياتا من هذه القصيدة إلى الشيخ شهاب الدين المذكور واستظهرنا أن ابن العودي النيلي غير شهاب الدين لأن النيل بلد بالعراق وجزين قرية في جبل عامل.

وقد عثرنا على هذه القصيدة في بعض المجاميع القديمة من خبايا الزوايا منسوبة إلى العودي وقد رسم العودي وفوق العين ضمة ولسنا نعلم إلى أي شيء هذه النسبة

ثم ينقل الأمين عن كتاب رياض العلماء وحياض الفضلاء للميرزا عبد الله أفندي الأصبهاني ما يلي: أورد إجازة الشهيد الأول للشيخ علي بن الحسن بن محمد الخازن بالحائر الحسيني عن خط الأمير محمد أمين الشريف عن خط المولى محمود بن محمد بن علي الجيلاني عن خط الشيخ بهاء الدين محمد بن علي الشهير بابن بهاء الدين العودي عن خط ناصر بن إبراهيم البويهي عن خط الشهيد..

ثم يورد الأمين احتمالاً بأن العودي الذي ذكره الأصبهاني هو صاحب القصيدة فيقول: (فلعله صاحب القصيدة فأوردناها هنا...) (8)

وفي الحقيقة إن سبب الاختلاف في النسبة هو تشابه لقب العودي عند شاعرين آخرين هما:

اسماعيل بن الحسين العودي العاملي المعروف بشهاب الدين ابن شرف الدين وله قصيدة على نفس الروي والقافية لقصيدة ابن العودي النيلي وتبلغ (57) بيتاً مطلعها:

بفنا الغريِّ وفي عـراصِ العلقمِ     تُمحى الذنوبُ عن المسيءِ المجرمِ (9)

والثاني الشيخ بهاء الدين محمد بن علي بن الحسن العودي العاملي الجزيني، المعروف بـ(ابن العودي) تلميذ الشهيد زين الدين بن علي الجباعي العاملي وله قصيدة في رثائه مطلعها:

هـذي الــمـنـازلُ والآثــارُ والــطـلـلُ     مخـبـراتٍ بــأنَّ الــقــومَ قـد رحلوا (10)

أما الذي ذكره السيد الأمين وهو الشيخ بهاء الدين محمد بن علي الشهير بابن بهاء الدين العودي فلم نجد باسمه شعراً، فيما أكدت المصادر على أن هذه القصيدة هي لابن العودي أبو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف بابن العودي التغلبي النيلي كما ذكر ذلك الشيخ الأميني (11) والسيد جواد شبر (12) والدكتور سعد الحداد (13)، والدكتور عبد الإله عبد الوهاب هادي العرداوي (14) الذي قال بعد أن ذكر الشخصيتين: (ومن كل ّ ما تقدم يتضح أن شاعرنا ابن العودي النيلي هو شخصية تختلف عن هؤلاء بما استظهرناه من التفرقة بينهما)

أما وفاة النيلي فكانت بالهمامية قرب واسط كما روى عماد الدين الأصفهاني (15)

شعره

دلت قصيدته الميمية التي تبلع (153) بيتاً على شاعرية كبيرة ذات نفس طويل جمع بين الاكثار والجودة ولكن ما يدعو إلى الأسف حقاً أن أغلب شعره قد ضاع ولم يبق منه إلا النزر اليسير فوصف الدكتور مصطفى جواد يدل على أنه كان شاعراً مكثراً مجيداً كما دلت عليه هذه القصيدة التي حملت من السمات الفنية والشاعرية الكبيرة ما تغني عن غيرها للدلالة على سمو ابن العودي في سماء الأدب

شعره

قال من قصيدته:

بكيتُ على ما فـــــــاتَ مـــــــــــــــنّي ندامةً     كـــــــــــــأنــيَ خـنساءٌ بهِ أو مُتمَّمُ

وأصفيتُ مدحــــــي للـــــــــــــــنبيِّ وصنوِهِ     وللنفرِ البيــــــــضِ الـذينَ هـــمُ همُ

هُمُ التينُ والزيتــــــــــــــــــــــــونُ آلُ محمدٍ     هُمُ شجـــــــرُ الطوبى لــــمنْ يتفهَّمُ

هُمُ جنّةُ المأوى هُمُ الـــــــــــــحوضُ في غدٍ     هُمُ اللوحُ والسقفُ الـــرفيعُ المعظّمُ

هُمُ آلُ عمـــــــرانٍ هُـمُ الــــــــــــحجُّ والنِّسا     هُمُ سبأ والذاريـــــــــــــــاتُ ومريمُ

هُمُ آلُ ياسينٍ وطـــــــــــــــــــــاها وهلْ أتى     هُمُ النحلُ والأنفـــالُ لو كــنتَ تعلمُ

هُمُ الآيةُ الكبرى هُــــــــــــمُ الـركنُ والصفا     هُـمُ الحجُّ والبيـــــتُ العتيقُ وزمزمُ

هُمُ في غدٍ سُــــــــــــفْـــــنُ النجاةِ لمَنْ وعى     هُمُ العروةُ الوثقـى التي ليسَ تُفصمُ

هُمُ الجنــــــــــــبُ جنبُ اللهِ واليدُ في الورى     هُمُ العينُ لو قد كــنتَ تدري وتفهمُ

هُمُ الـــــــــــسرُّ فينا والمعــــاني هُـمُ الأولى     تيـمَّمَ في منهـــــــاجِهمْ حيث يمَّموا

هُـــــــــــمُ الغايةُ القصوى هُـمُ مُنـتهى المُنى     سـلِ النصَّ في القـرآنِ يُنبِئكَ عنهمُ

هُمُ في غدٍ للقادمينَ سقــــــــــــــــــــــــــاتُهمْ     إذا وردوا والحــوضُ بـالماءِ مُفعمُ

هُمُ شفعاءُ الناسِ في يومِ عـــــــــــرضِــــهم     إلـى اللهِ فيما أسرفـــــــوا وتجرَّموا

هُمُ منقذونا من لظى النـــــــــــــــارِ في غـدٍ     إذا مـا غدتْ في وقدِهـا تـــــتضرَّمُ

ولولاهمُ لمْ يخلقِ اللهُ خـــــلـــــــقَـــــــــــــــه     ولا هبطا للنســـــــــــــلِ حوَّا وآدمُ

هُمُ باهلوا نجرانَ مــــــــــــن داخـــــلِ العبا     فعادَ المناوي عنهمُ وهـــــــوَ مُفحَمُ

وأقبلَ جبريلٌ يقــــــــــــولُ مفـــــــــــــاخراً     لميكالَ مَن مثلي وقد صرتُ منهمُ؟

فمَنْ مِثلهمْ فــــــــــــي العـــــالميـنَ وقد غدا     لهمْ سيــــــدُ الأملاكِ جـبريلُ يخدمُ

ومَن ذا يــــــــــــساميهمْ بفخـــــــــرِ فضيلةٍ     مِن الناسِ والقـــــرآنُ يُؤخَـذُ عنهمُ

أبــــــــــــوهمْ أميرُ المؤمنيــــــــــنَ وجدُّهمْ     أبو القاسمِ الهــــادي النبيُّ الـمكرَّمُ

فهذا إذا عُدّ الـــــمنــــــــــــاسبُ في الورى     هوَ الصهرُ والـطـــهرُ النبيُّ له حمُ

هُمُ شــــــــــرَّعوا الــــــدينَ الحنيفيَّ والتقى     وقاموا بحكمِ اللهِ مــــن حيثُ يَحكمُ

وخالهـــــمُ المــــــشـــــــــــهورُ والأمُّ فاطمٌ     وعمُّهــــمُ الطيارُ فــــي الخلدِ يُنعمُ

وأيـــــنَ كـــــزوجِ الطهــــرِ فاطمةٍ أبي الـ     ـشهــيدينِ أبنـاءِ الرســـولِ وهُمْ همُ

إلى اللهِ أبرأ مِـــــن رجــــــــــــــالٍ تبايعوا     على قتلِهمْ، أهلُ التقى كيفَ أقدموا؟

حموهم لـــــذيـــذَ الماءِ والمـــــــــــاءُ مفعمٌ     وأسقــــوهمُ كأسَ الرَّدى وهوَ علقمُ

وعـــــاثوا بآلِ المصـــــــــــطفى بعد موتِهِ     بما قتلَ الـمختـــــــارُ بالأمسِ منهمُ

وثاروا عليه ثــــــــــــــــــــورةً جـــــاهليةً     على أنه مـا كـــــانَ في القومِ مسلمُ

وألقوهمُ في الغــــاضـــــريةِ حُـــــــــــسَّراً     كأنهمُ قفٌّ عــــــــــلى الأرضِ جُثَّم

تحاماهمُ وحشُ الفلا وتـنــــــــــــــــــوشهمْ     بأجنحةٍ، طيــــــــرُ الفلا وهيَ حُوَّم

بأسيــــــــــافِهمْ أردوهــــــمُ وبـــــــــدينِهمْ     أريقَ بأطــــــــــرافِ القنا منهمُ الدّمُ

وما أقدمتْ يوم الـــــطفــــــــــــــوفِ أميةٌ     على السبـــــــــــطِ إلا بالذينَ تقدَّموا

وأنّى لهم أن يـــــبرؤوا مــــــن دمـــــائهمْ     وقد أســـــرجــوها للخصامِ وألجموا

وقد عـــــلموا أنَّ الــــــــــــولاءَ لحيـــــدرٍ     ولكنه ما زالَ يُـؤذى ويُــــــــــــظلَمُ

فـــــنازعه فـــــي الأمرِ مَن ليس مـــــثله     وأخِّرَ وهوَ اللــــــــــــــوذعيُّ المقدَّمُ

وأفضــــــوا إلى الشورى بها بين ســـــتّةٍ     وكــــــــانَ ابنُ عـوفٍ فيهمُ المتوسِّمُ

مـــــتى قِيسَ ليثُ الغابِ يوماً بــــــغيــرِه     وأينَ مِن الـــــــشمـسِ المنيرةِ أنجمُ؟

ولكن أمورٌ قُـــــــــدِّرتْ مِـــــــــــن مُقدَّرٍ     وللهِ صنعٌ في الإرادةِ مُـــــــــــــحكمُ

وكمْ فئةٍ في آلِ أحــــــمــــــــــــــدَ أهلِكتْ     كما أهـــــلِكتْ مِن قبلِ عـادٌ وجرهمُ

فما عذرُهمْ لــــــلمصـــــطفى في معادِهمْ     إذا قالَ لِــــــــــــمْ خنتمْ بـآليْ وجُرتمُ

وما عــــــذرُهـــــمْ إن قالَ ماذا صـــنعتُّمُ     بآليَ مِن بعدي ومـــــــــــــــاذا فعلتمُ

نــــــبذتمْ كتـــــابَ اللهِ خـــــلفَ ظهورِكمْ     وخــــــــــالفتموهُ بئسَ ما قـد صنعتمُ

وخلَّفتُ فيـــــكمْ عـترتي لـــــــــــــــهداكُمُ     فـــــــــــــلِمْ قمتُمُ في ظلمِهـمْ وقعدتمُ

قلبتمْ لهم ظـــــهرَ الـمجنِّ وجــــــــــــرتمُ     عليهمْ وإحســــــــــاني إليـكمْ أضعتمُ

وما زلـــــتمُ بالقتلِ تـطــــــــــــغونَ فـيهمُ     إلى أن بلغتمْ فيهمُ مــــــــــــــا أردتمُ

كــــــــــــأنهمُ كانوا مِن الـــــرومِ فـالتقتْ     سرايــــــــــــــــاكمُ راياتِهمُ فـظفرتمُ

ولكن أخــــــــذتمْ مِـــــن بــــــنيَّ بـثأرِكمْ     فحسبُكُمُ جرماً عـــــــلى ما اجـترأتُمُ

منعتمْ تراثيْ إبـــنــــــــتــــــي وسـليــلتي     فلِمْ أنتــــــــــــــمُ آبـاءَكـمْ قد ورثـتمُ؟

وقلتمْ نبيٌّ لا تــــــــــــــــــــــــراثَ لولدِه     أللأجنبيِّ الإرثُ فيـمــــــــــا زعـمتمُ

وهذا ســـــليمـــــــــــــانٌ لــــداودَ وارثٌ     ويحيى أباهُ، كــيـــــــــفَ أنتمْ منـعتمُ

وقـــــلتمْ حــــــرامٌ متعةُ الحـــــجِّ والنسا     أعــــــــــنْ ربِّكمْ أمْ أنتمُ قد شرعـتمُ؟

ألمْ يأتِ (مـــا اســــــتمتعتمُ مِن حـــــليلةٍ     فآتوا لها مِــــــن أجرِها ما فرضـتمُ؟

فهلْ نَسخَ الــــــقرآنُ ما كــــــانَ قد أتــى     بتحليلِه أمْ أنتُمُ قد نَــــــــــــــــسختمُ؟

وكلُّ نبــــــيٍّ جاءَ قبـــــــــــــــلي وصيُّه     مطاعٌ وأنتمْ للوصــــــــــيِّ عـصيتمُ

ففعلكــــــمُ في الدينِ أضـــحى مـــــنافياً     لفعلي وأمري غيـــــــر ما قد أمِـرْتُمُ

وقــــــلتمْ مضى عنَّا بغيــــــــــرِ وصيةٍ     ألمْ أوصِ لو طـــــــــاوعتمُ وعقـلتُمُ؟

وقد قلتُ مَن لم يوصِ مِــــــن قبلِ موتِهِ     يمرْ جاهلاً بلْ أنتمُ قد جـــــــــــهــلتُمُ

نــــــــــصبتُ لكم بــــــعدي إماماً يدلّكمْ     على اللهِ فاســــــــــــتكبرتمُ وظلمــتمُ

وقد قلتُ فـــــــــــــــــــي تقديمِه وولائهِ     عليكمْ بما شاهدتمُ وســـــــــــــــمعتُمُ

عليٌّ غدا مــــــني محــــــــــــلّاً وقربةً     كهارونَ مِن موسى فلِـمْ عنه حـــــلتمُ

شُقيتمْ بــــــه شقوى ثمودٍ بصـــــــــالحٍ     وكلُّ امــــــــــــرىءٍ يـبقى له ما يُقدِّمُ

ومِلتــــــمْ إلى الدنيا فــــــتاهتْ عقولُكمْ     ألا كلُّ معــرورٍ بـــــــــــــــدنياهُ يندمُ

لــــــحا اللهُ قوماً جلّبوا وتــــــــــعاونوا     على حيدرٍ مــاذا أسـاؤا وآجــــــرموا

وقد نصَّها يــــــــــومَ الغديرِ مــــــحمدٌ     وقالَ لهم: يا أيُّـــــــــها الناسُ فاعلموا

عليٌّ وصيي فاتبعــــــــــــــــــــوهُ فإنَّه     إمامُكمُ بعـــــــــدي إذا غــــــبتُ عنكمُ

فقالوا: رضيناهُ إمامـاً وحـــــــــــــاكماً     علينا ومـولـــىً وهــو فينا الــــــمحكّمُ

رأوا رشدَهم في ذلـكَ اليومِ وحـــــــدَه     ولكنَّـهمْ عن رشدِهمْ فــي غـــــدٍ عَموا

ونـــــــــازعَه فيها رجالٌ ولــــــمْ يكنْ     لـــــــــــــــــــــهمْ قدمٌ فـيها ولا مُـتقدِّمُ

يقيمُ حــــــــدودَ اللهِ في غـــــــيرِ حقِّها     ويُفتي إذا استفتـــــــــي مــا ليسَ يـعلمُ

ويبطلُ هذا رأيَ هـــــــــــــــــذا بقولِه     وينقضُ هذا ما له ذاكَ يُــــــــــــــــبرِمُ

وقالوا: اختلافُ الناسِ في الدينِ رحمةً     فلـــــــــــــمْ يكُ مِن هذا يــحلُّ ويحرمُ

أقـــــــــدْ كانَ هذا الدينُ قبلَ اختلافِهمْ     على النقـصِ مِن دونِ الكمــالِ فتمَّمُوا؟

أما قالَ أني: اليومَ أكملتُ ديـــــــــنَكمْ     وتمَّمتُ بالنــــــــــــــعماءِ منِّي عليكمُ؟

وقالَ أطــــــــــــــــيعوا اللهَ ثمَّ رسولَه     تفوزوا ولا تعـصوا أولــي الأمرِ مِنكمُ

ومـــــــــــــا ماتَ حتى أكملَ اللهُ دينَه     ولــــــــــــــــمْ يَـبقَ أمرٌ بعدَ ذلكَ مُبهمُ

يقرَّبُ مفضـــــــــــــولاً ويُبعدُ فاضلاً     ويسكتُ منطيـــــــــــــــقٌ وينطقٌ أبكمُ

وهلْ عظمتْ في الـــدهرِ قطّ مصيبةٌ     على الناسِ إلّا وهـيَ فـــي الدينِ أعظمُ

ولو أنّه كان المولَّى عـــــــــــــــليهمُ     إذاً لهداهمْ وهوَ بالأمـرِ أقــــــــــــــــومُ

هــــــــوَ العَالِمُ الحبرُ الذي ليسَ مثله     هــــــــوَ البطلُ القـرمُ الهزبرُ الغشمشمُ

وما زالَ فــــــــــي بدرٍ وأحدٍ وخيبرٍ     يفلُّ جيـــــــــــــوشَ المشركينَ ويحطمُ

يكرُّ ويعلوهمْ بقــــــــــــــــــائمِ سيفِهِ     إلى أن أطاعوا مـــــــــكرهينَ وأسلموا

وقالوا: دماءَ المسلمينَ أراقــــــــــها     وقد كانَ فـــــــــي القتلى بريءٌ ومجرمُ

فـــــــقلتُ لهمْ مهلاً عُدِمتمْ صوابكمْ     وصيُّ النبيِّ المــــــــصطفى كيفَ يُظلمُ

أما قــــــــــالَ أقضاكمْ عليٌّ ـ محمدٌ     كذا قد رواهُ الناقلُ الــــــــــــــــــــمُتقدِّمُ

فإن جارَ ظلـماً في القضـاءِ بزعمِكمْ     عليٌّ فمَن زكاهُ لا شكَّ أظـــــــــــــــــلمُ

فمَن كعليٍّ عـــــــــــــــــندَ كلِّ مُلمَّةٍ     إذا ما التقى الجــــــــــمعانِ والنقعُ مُقتِمُ

ومَن ذا يجاريهِ بمجدٍ ولــــــــمْ يزلْ     يقولُ: سلوني ما يُحَلُّ ويُـــــــــــــــحرَمُ

سلوني ففي جنـبيَّ علمٌ ورثــــــــتُه     عن المصــــــــــطفى ما فاهَ مني بهِ الفمُ

سلوني عن طـرْقِ السماواتِ إنــني     بها مِن سلوكِ الطـرْقِ في الأرضِ أعلمُ

ولو كـــــــشفَ اللهُ الغطا لمْ أزدْ به     يقيناً على ما كــــــــــــــنتُ أدري وأفهمُ

وكـــــــــــــــان له مِن آيةٍ وفضيلةٍ     ومِــــــــــــــــــن مُكرماتٍ ما تغمُّ وتُكتمُ

فمَن خُتِمتْ أعـــــــــماله عندَ موتِه     بخيرٍ فأعمالي بــــــــــــــــــــحبَّيهِ تُختمُ

فيا ربِّ بالأشبــــــــــــاحِ آلِ محمدٍ     نجومِ الهدى للناسِ والشرقُ مـــــــــظلمُ

وبالقـــــــائمِ المهديِّ مِــن آلِ أحمدٍ     وآبائِه الهــــــــــــــــادينَ والحقُّ مُعصِمُ

تفضَّلْ على العـوديِّ منــكَ برحمةٍ     فأنتَ إذا استُـرحِــــــــــمتَ تعفو وترحمُ

تجاوزْ بحسنِ العفوِ عن ســـــيئاتِه     إذا ما تلظّتْ في المعادِ جـــــــــــــــــهنمُ

ومُــــــــــــنَّ عليهِ مِن لدنكَ برأفةٍ     فإنَّكَ أنـــــــــــــــــــــــتَ المُنعمُ المُتكرِّمُ

فإن كان لــــــي ذنبٌ عظيمٌ جنيتُه     فــــــــــــــعفوُكَ والغفرانُ لي منه أعظمُ

....................................

1 ــ ابن العودي النيلي ــ حياته وما تبقى من شعره، للدكتور عبد الإله عبد الوهاب هادي العرداوي ص 122 / أدب الطف ج 3 ص 126 ــ 131 ذكر منها 114 بيتاً / أعيان الشيعة ج 2 ص 277 ــ 278 / الغدير ج ٤ ص ٣٧٢ ــ 379 ذكر منها 149 / الحسين في الشعر الحلي ص 28 ، 111 بيتا

2 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٧٩ / أدب الطف ج 3 ص 131

3 ــ مجلة الغري النجفية / العدد 22 ــ 23

4 ــ نفس المصدر

5 ــ خريدة القصر وجريدة العصر ج 1 ص 96

6 ــ مجلة الغري النجفية / العدد 22 ــ 23

7 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٧٩

8 ــ أعيان الشيعة ج ٢ ص ٢٧٧

9 ــ أدب الطّف ج 3 ص 219

10 ــ أمل الآمل ج 1 ص 166 ــ 167

11 ــ الغدير ج ٤ ص ٣٧٢ ــ 379

12 ــ أدب الطف ج 3 ص 126

13 ــ الحسين في الشعر الحلي ج 1 ص 28 ــ 33

14 ــ ابن العودي النيلي ــ حياته وما تبقى من شعره ص 119

15 ــ خريدة القصر وجريدة العصر ج 1 ص 412

كاتب : محمد طاهر الصفار