825- يحيى بن سلامة الحصكفي (459 - 551 هـ / 1067 - 1156 م)

قال من قصيدته التي تبلغ أكثر من مائة بيت في أهل البيت (عليهم السلام):

ومصرعُ (الطـــــــفِّ) فلا أذكره     ففي الحشى منه لهيـــــبٌ يَقِدُ

يرى الفراتَ ابنُ الرسـولِ ظامياً     يلقى الردى وابن الدعيِّ يَرِدُ

حسبُكَ يا هذا وحســـبُ مَن بغى     عليهمُ يومَ المعـــــــادِ الصَّمدُ

الشاعر

أبو الفضل أو ابو الوفاء معين الدين يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الخطيب الحصكفي، عالم وفقيه وشاعر وكاتب وخطيب وأديب ونحوي، ولد بطنزه وهي بلدة صغيرة تابعة لديار بكر الواقعة (جنوب شرق تركيا)، وجاء لقبه الحصكفي نسبة إلى (حصن كيفا) وهي قلعة حصينة شاهقة بين جزيرة ابن عمرو وميافارقين، وقد نشأ الحصكفي فيها، قال ابن خلكان: (حصن كيفا: ويقال كيبا، وأظنها أرمنية: وهي بلدة وقلعة عظيمة مشرفة على دجلة بين آمد وجزيرة ابن عمر من ديار بكر) (1)

غادر الحصكفي هذه المدينة لأنه لم يجد مبتغاه فيها، وهو الدراسة والتعليم فسافر إلى بغداد وحضر حلقات الدروس العلمية والأدبية فيها والتي كانت مكتظة بالطلاب والعلماء فحضر دروس الخطيب أبي زكريا التبريزي في الأدب وواكب عليها حتى برع في النظم والنثر وإنشاء الخطب ثم درس الفقه وبرع فيه ثم غادر بغداد، فتوجه إلى ميافارقين (سيلفان حالياً) وهناك اتجهت إليه الأنظار كفقيه وخطيب وشاعر وكاتب ليصبح المفتي الأول لميافارقين ويتصدر فيها الخطابة، والإفتاء حتى وفاته.

مؤلفاته

ترك الحصكفي في كل باب من العلوم التي درسها في بغداد كتاباً فإضافة إلى ديوان (الشعر) الضخم فله ديوان (خطب) وديوان (رسائل) وكتاب (المرادفات في القرآن) وكتاب (عمدة الاقتصاد في النحو). وقد وُصف بأنه (كان شاعراً مُكثِراً، وشعره مُشبَّع بالصناعة اللفظية مع حفاظه على بلاغة أعماله).

قالوا فيه ..

ذكره السيد محسن الأمين ونص على تشيّعه ونقل أقوال المؤرخين التي أكدت ذلك كما أكدت على إمامته في اللغة والشعر والكتابة (2) وهذه جملة من أقوال الأدباء والمؤرخين فيه:

ابن الأثير: (له شعر حسن ورسائل جيدة مشهورة وكان يتشيّع) (3)

ابن كثير: (إمام زمانه في كثير من العلوم كالفقه والأدب والنظم والنثر ولكن كان غالياً في التشيع). (4)

السمعاني: (أحد أفاضل الدنيا وكان إماماً بارعاً في قول الشعر, جواد الطبع, رقيق القول, اشتهر ذكره في الآفاق بالنظم والنثر والخطب, وعُمِّر العمر الطويل وكان غالياً في التشيع ويظهر ذلك في شعره وكتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته بخطه في سنة 551 هـ) (5)

ياقوت الحموي: (كان فقيهاً نحوياً كاتباً شاعراً ...) (6)

ابن خلكان: (صاحب ديوان الشعر والخطب والرسائل ... رحل عن بغداد راجعا إلى بلاده ونزل ميافارقين واستوطنها وتولى بها الخطابة وكان إليه أمر الفتوى واشتغل عليه الناس وانتفعوا بصحبته وكان يتشيع وهو في شعره ظاهر وله الخطب المليحة والرسائل المنتقاة ولم يزل على رياسته وجلالته وإفادته إلى أن توفي) (7)

العماد الأصبهاني: (علامة الزمان في علمه، ومعري العصر في نثره ونظمه، بل فضل المعري بفضله وفهمه، وبذ الحريري برقة طبعه، وقوة سجعه، وجودة شعره، وغزارة أدبه، وانفراده، بأسلوبه في الشعر ومذهبه. له الترصيع البديع، والتجنيس النفيس، والتطبيق والتحقيق، واللفظ الجزل الدقيق، والمعنى السهل العميق، والتقسيم المستقيم، والفضل السائر المقيم، والمذهب المذهب، والقول المهذب، والفهم الشهم، والفكر البكر، والقافية الشافية، كأنها العافية، والمعيشة الصافية، والروي الروي، والزند الوري والخاطر الجري، الجامع في الوزن، بين در الحزن ودر المزن، تود الشعرى لو أنها شعار شعره، والنثرة أنها نثار نثره، والزهرة أنها كوكب سمائه، والمشتري أنه مشتري ثنائه، غنيت الغانيات عن قلائدهن بفرائده، وأحبت الخصور أن توشح عوض مناطقها بدر منطقه، وحسدت عيون الغواني عيون معانيه، غبطت أحداق الحسان أحداث محاسنه، وحدائق قوافيه ما فارق مفارقين، بل كان منزله محط رحال المسترشدين... وكنت أحب لقاءه وأحدث نفسي عند وصولي إلى الموصل وأنا شغف بالاستفادة كلف بمجالسة الفضلاء والاستزادة أن أراه فعاق دون لقائه بعد الشقة وضعفي عن تحمل المشقة) (8)

ابن الجوزي: (هو إمام فاضل في علوم شتى وكان يفتى ويقول الشعر اللطيف والرسائل المعجبة المليحة الصناعة وكان ينسب الى الغلو في التشيّع) (9)

يوسف بن تغري بردي الأتابكي: (وكان إماماً في كل فن) (10)      

السبكي: (الأديب الفقيه ..) (11)

عبد الحسين الشبستري: (عالم، فقيه، فاضل، نحوي، خطيب بارع، أديب، شاعر، كاتب، مؤلف) (12)

عباس القمي: (كان خطيبا بميافارقين، وهو واحد افاضل الدنيا، وكان في فن الشعر بارعا جواد الطبع رقيق القول، وكان نظمه ونثره وخطبته في الآفاق مشهورا ورزق عمرا طويلا) (13)

شوقي ضيف (وكان يتشيع، وهو في شعره ظاهر) (14)

الزبيدي: (الخطيب الشاعر الفقيه المشهور) (15)

عبد الله الأصفهاني: (كان من أكابر علماء الإمامية وأعاظم خطبائهم وشعرائها، وكان معاصرأ للشيخ أبي علي الطبرسي …) (16)

ابن الدمياطي: (كان فقيهاً فاضلاً أديباً بليغاً، مليح الشعر، لطيف المعاني، رقيق الغزل، وكان يتشيع) (17)

وقفة مع تهمة الغلو

وصفته بعض المصادر بأنه كان غالياً في التشيّع رغم أنه لا يوجد في سيرته ما يدل على غلوه، والغريب إن هذه الصفة (الغلو) قد أقحمها المؤرخون وتناقلوها أحدهم عن الآخر دون أن يعطوا لذلك دليلا وكأنهم يروون نصاً مقدّساً !

وقد استقصينا سيرته وشعره فما كان فيهما ما يدل على الغلوِّ، لكن بعض المؤرخين عد تفضيل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على غيرهم غلوّاً فنسبوا الحصكفي إلى الغلوّ لأنه مدحهم وفق ما أنزل الله تعالى فيهم من الفضل ووفق ما قال فيهم رسول الله (ص) من أنهم (ع) الأوصياء بعده.

لقد نسبوه إلى الغلو لأنه قال:

يا أهلَ بيتِ المصطفى وعدّتي     ومن على حبّــــــهمُ اعتمدُ

انتمْ إلى الله غداً وسيـــــــــلتي     وكيف أخشى وبكمْ أعتضدُ

وليّكم في الخـــــــلدِ حيٌّ خالدٌ     والضدُّ في نــارِ لظىً مُخلّدُ

وهذه الأبيات من قصيدة تبلغ أكثر من مائة بيت قال السيد الأمين في ترجمة الحصكفي: ومنها ومن مثلها عدّه السمعاني غالياً في التشيع بزعمه، (18) رغم أنه ليس فيها ما يشير إلى الغلو ولو كان فيها غلواً لما ذكرها شمس الدين أبو البركات محمد الباغندي الشافعي (19) ولما ذكرها أيضا ابن الجوزي (20) والجويني (21)

وقد ذكر الأمين أن الباغندي ذكرها في كتاب (جواهر المطالب) وهو موجود (النسخة المخطوطة) في المكتبة الرضوية من أوقاف الشيخ أسد الله بن محمد مؤمن بن خاتون العاملي سنة (1067)

وقال: وقفت على قصيدة طويلة نحو مائة بيت في مدح أهل البيت للشيخ العلامة يحيى بن سلامة الحصفكي ذكرها ابن الجوزي في تاريخه المعروف بالمنتظم فاخترت منها هذا القدر. ثم ذكر بعضها

ثم يقول الأمين: وقد أورد منها سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص 34 بيتاً ومنها ومن مثلها عدّه السمعاني غالياً في التشيّع بزعمه ونذكر منها هنا ما يزيد على ما ذكره الباغندي. (22)

اذن لم يكن الحصكفي مغاليا والقصيدة تنفي غلوه، كما أكدت جميع الأقوال على تشيعه، وقد نسب السبكي (23) وابن الملقن (24) والإسنوي (25)، الحصكفي إلى الشافعية لأبيات قالها في آخر القصيدة يعلن انتماءه صراحة للمذهب الشافعي فروعاً واصولاً، وهو ما يتنافى مع اعتقاده بالأئمة الإثني عشر (عليهم السلام) ووصفه لهم في قصيدته ــ كما سنرى ــ

وقد كتب الباحث الدكتور مروان خليفات مقالا لإزالة هذا اللبس ذكر فيه المصادر التي أثنت على الحصكفي والمصادر التي ذكرت قصيدته ثم يقول: (نظم هذا الفقيه الكبير قصيدة ذكر فيها الأئمة الأثني عشر عليهم السلام، بما فيهم محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وذكر أنهم حجج الله على عباده، وأن هذا معتقده ... ولأجل هذه الأشعار نسبوه للتشيع والغلو فيه)

ثم يقول بعد أن يذكر القصيدة: (ولا يكتفي الحصكفي بذلك، حتى ينعت الأئمة الأثني عشر بأنهم حجج الله على عباده، ثم يشير لأضرحتهم المقدسة وفاجعة الطف ولهيبها المتوقد في قلبه.

والذي ينبغي الاشارة إليه هو كيف ينسب الحصكفي نفسه للشافعي في حين إن الشافعي لا يعتقد بالأئمة الإثني عشر وبالحجة ابن الحسن العسكري، ولم يقل أنهم حجج الله على البرايا، والشافعي (ت 204هـ) كان معاصراً للإمامين السابع والثامن من الأئمة الإثني عشر، وهما الكاظم والرضا عليهما السلام، ولم يكن على تواصل معهما ولا روى عنهما أو رجع إليهما. وما كان يرى أنهما حجج الله على العباد، ومع هذا الافتراق بين رؤية الحصكفي وعقيدته وبين الشافعي، أقول إنه ليس بعيداً أن الحصكفي كان يتقي ويوري في كلامه، كما هو حال العديد من أعلام الجمهور) (26)

وهذا الاحتمال ليس بعيدا عن تلك الفترة التي كانت تعج بالانقسامات السياسية والنزاعات المذهبية وتطغى عليها الفتن والحروب والثورات والانتفاضات وسوء الأوضاع الأمنية التي كانت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم بعد أن دبّ الضعف والوهن في كيان الدولة العباسية نتيجة الفساد الإداري والخلقي لدى الخلفاء وأتباعهم وقد آلت حياة الترف والمجون التي عاشوها وسياسة الظلم والقهر التي مارسوها والانحياز المذهبي إلى التوري والتقية

كما مكنوا السلاجقة من التحكم برقاب المسلمين وقد ارتكب سلاطين هذه الدولة من الجرائم والأهوال والمؤامرات والدسائس والفتن ما يعد من أفظع ما مر على العالم الإسلامي في أقسى فتراته، فقد تأسست هذه الدولة على يد حكام متعطشين للدماء وكان شعارهم القتل والنهب والسلب والحرق والتدمير والسبي وزرع الفتن الطائفية بين المسلمين وتأجيج النار بينهم.

ومن جرائمهم ارتكاب مذبحة كبيرة بحق الشيعة في بغداد وإحراق دورهم ومكتباتهم ومحلاتهم، فأحرقوا أعظم مكتبة في العالم الإسلامي وهي مكتبة أبي نصر سابور وزير بهاء الدولة البويهي، والتي ضمت كل كتاب صنف إلى ذلك الوقت، يقول السيد حسن الأمين: (افتتح طغرل بك أول ملوكهم عهده بإثارة الفتن المذهبية وأدت تصرفاته إلى إحراق أشهر مكتبة في بغداد وهي المكتبة التي أنشأها أبو نصر سابور وزير بهاء الدولة البويهي) (27)

يقول محمد كرد علي عن هذه المكتبة: (فجمع فيها كل ما تفرق من كتب فارس والعراق واستكتب تآليف أهل الهند والصين والروم) (28) وقد بلغت تلك المؤلفات أكثر من عشرة آلاف مؤلف أكثرها نسخ أصلية بخط مؤلفيها، وقال عنها ياقوت الحموي: (لم يكن في الدنيا أحسن منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة)، وكان منها (عشرة آلاف مجلد وأربعمائة من أصناف العلوم ومائة مصحف بخط ابن مقلة). (29)

كما أحرقوا مكتبة العالم الكبير أبي جعفر الطوسي التي كانت تحتوي على نفائس الكتب وفي شتى العلوم وكذلك إحراق كرسيه الذي كان يجلس عليه للتدريس ومطاردته وأصحابه لقتله لكن الله أنجاه منهم فهرب إلى النجف وأسس هناك الحوزة العلمية النجفية، وعمل على ترسيخها وتنميتها حتى توفي سنة (460هـ).

ويصف هذه الحادثة ابن الجوزي فيقول: (وفي صفر من هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام وأخرج إلى الكرخ وأضيف إليه ثلاثة سناجق بيض كان الزوار من أهل الكرخ يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع). (30)

ويقول الشيخ محمد صادق الكرباسي: (ولا يخفى أن محاولة القضاء على تراث مدرسة أهل البيت عليهم السلام كان من أولويات بعض الحكومات المتعاقبة ففي الأمس القريب تآمر القائم بأمر الله العباسي مع طغرل بك للقضاء على الدولة البويهية والتخلص من تلك الآثار التي خلفوها لصالح مذهب أهل البيت، وفي هذا القرن أيضا تآمر صلاح الدين الأيوبي في القاهرة مع نور الدين زنكي في الشام للقضاء على الدولة الفاطمية وما تركته من شعائر تختص بأهل البيت وفي أعقاب هاتين الدولتين كان التدين بمذهب أهل البيت جريمة لا تغتفر...) (31) 

وبالمقابل (فقد أنشئت في عهد السلطان السلجوقي ألب أرسلان المدرسة النظامية نسبة إلى نظام الملك وزير أرسلان وابنه ملكشاه سنة 457 هـ وكان إنشاء هذه المدرسة بقصد تدريس الفقه الشافعي والدعوة له) (32)

هذا في بغداد أما في مصر فقد صرف صلاح الدين الأيوبي قضاة مصر الشيعة كلهم وفرض المذهب الشافعي وحمل الكافة على عقيدة الأشعري بحيث أن من خالفه ضربت عنقه و(بنى صلاح الدين مدرسة للشافعية...) (33)

وإزاء هذه الأحداث السياسية العصيبة والتحزب المذهبي كان من الطبيعي أن يواري فقيه كبير ويدعي انه على مذهب الدولة ويعمل بالتقية حفاظا على نفسه من القتل. وقد أكدت أغلب المصادر السنية وجميع المصادر الشيعية على تشيعه ويلاحظ ذلك بوضوح في شعره.

شعره

قال من قصيدته التي تبلغ أكثر من مائة بيت في أهل البيت (عليهم السلام):

وسائلٍ عن حبِّ أهـــــلِ البيتِ هلْ     أقرُّ إعلاناً به أمْ أجــــــــحدُ

هيهاتَ ممــزوجٌ بلحمي ودمـــــي     حبّهمُ وهو الــــهدى والرَشدُ

حيدرةٌ والحسنــــــــــــــــــانِ بعدَه     ثم عـــــــــليٌّ وابنه مـــحمدُ

وجعفرُ الصادقُ وابــــنُ جـــــعفرٍ     موسى ويتلـوهُ علــــيُّ السيِّدُ

أعني الرضا ثم ابنه مـــــــــــحمدٌ     ثمَّ عليُّ وابنـــــــــــه المسدَّدُ

والحسنُ التالي ويتلـــــو تـــــــلوه     محمدُ بن الحـــسنِ الــــمفتقدُ

فـــــــــإنهم أئمتـــــي وســــــادتي     وإن لـحاني مـــعـشرٌ وفندّوا

أئمةٌ أكـــــــــــــــرمْ بهـــــــمْ أئمةً     أسماؤهــم مــســرودةٌ تُطرّدُ

هُمْ حججُ اللهِ عــــــــلى عــــــبادِه     بهمْ إليهِ مــــــنهــــجٌ ومَقصدُ

هُمْ النهار صـــوَّمٌ لربِّـــــــــــــهم     وفي الـــدياجــي ركّعٌ وسُجّدُ

قومٌ أتى فـي (هل أتــــى) مدحهمُ     وهل يشــــــــكُّ فيهِ إلَا مُلحِدُ

قومٌ لهم فضـــــــــــلٌ ومجدٌ باذخٌ     يعرفُه المشــــــركُ والموحِّدُ

قــومٌ لهم في كـــــلِّ أرضٍ مشهدٌ     لا بلْ لهم في كلِّ قلبٍ مشهدُ

قومٌ مـــــــنىً والمـشعرانِ لــــهمُ     والمروتانِ لهمُ والـــــــمسجدُ

قومٌ لهم مكة والأبــــــطــــحُ والـ     ـخيفُ وجمعٌ والبــقيعُ الغرقدُ

ما صدّق النــاسُ ولا تـــــصدّقوا     ونسّكوا وأفطـــــروا وعيّدوا

ولا غزوا وأوجــــبــوا حـجّاً ولا     صلوا ولا صاموا ولا تعبّدوا

لو لا رســـول اللهِ وهــــو جدّهمْ     يا حبّـــــــــــذا الوالدُ ثم الولدُ

ومصرعُ الطـــــــــفِّ فلا أذكره     ففي الحشى منه لهيـــــبٌ يَقِدُ

يرى الفراتَ ابنُ الرسـولِ ظامياً     يلقى الردى وابن الدعيِّ يَرِدُ

حسبُكَ يا هذا وحســـبُ مَن بغى     عليهمُ يومَ المعـــــــادِ الصَّمدُ

يا أهل بيت المصطفى وعــدّتي     ومن على حبّهمُ اعـــــــــــتمدُ

أنتمْ إلى اللهِ غداً وسيـــــــــــلتي     وكيف أخشى وبــكمْ أعتــضدُ

وليّكم في الخــــــــــلدِ حيُّ خالدٌ     والضدُّ في نــــارِ لظىً مُـخلدُ

ومن شعر الحصكفي في أهل البيت قصيدة وصفها العماد الأصفهاني بأنها: (قصيدة شيعية شائعة، رائقة رائعة) وقال عنها: إن الحصكفي قالها في ميافارقين ونقلها إليه في بغداد الفقيه عبدالوهاب الدمشقي (34) يقول الحصكفي فيها:

يا خائفاً عليَّ أسبـــــــابَ العِـدى     أما عرفتَ حِصـني الحصينا

إني جعلتُ في الخطوب مـوئلـي     محمداً والأنــــــــزع البطينا

أحببتُ ياسينَ وطاسيـــــنَ ومـن     يلومُ في ياسيـــــن أو طاسينا

سرُّ النجاةِ والمناجـــــــــاةِ لمــن     أوى إلى الفلـــكِ وطورِ سينا

وظن بي الأعداء إذ مـدحتـــــهمْ     ما لم أكن بمثلهِ قميـــــــــــنا

يا ويحهم وما الـــــــذي يريـبهمْ     مني وحتى رجـــموا الظنونا

رفدُ مديحِ قدرِ وافـى رافــــــــداً     فلمْ يجــــــــــنّوا ذلكَ الجنونا

وإنما أطـــــــــــــلبُ رفداً باقــياً     يوم يكون غيريَ المغبـــــونا

يا تائهين في أضــــــاليلِ الهوى     وعن سبيلِ الرشدِ نــــــاكبينا

تجاهكم دار الســــــــلام فابتغوا     في نهجِها جبريـــــلَها الأمينا

لِجوا معي البابَ وقـــولوا حطة     تغفر لنا الذنوبُ أجـــــــمعينا

ذروا العنا فان أصحــــابَ العبا     هُمُ النبا إن شئتـــــــــمُ التبيينا

ديني الولاءُ لستُ أبغــــي غيرَه     ديناً وحسبي بالـــــــولاءِ دينا

هما طريقانِ فإمـــــــــــــا شأمة     أو فاليمين (فاســـلكوا) اليمينا

سجنكم سجّين إن لم تتبــــــــعوا     عَليّنا دليــــــــــــــــــلُ عِليينا

ومن شعره ما ذكره ابن شهرآشوب (35) والصالحي الشامي (36) من أبيات يذكر فيها فضيلة صعود الإمام أمير المؤمنين (ع) على كتف النبي (ص) ليكسر هبل وقد ضمّنها التوسّل بالنبي والوصي إلى الله أن لا يدخله النار:

يا ربِّ بالقدمِ التي أوطـــــأتها     من قابِ قوسينِ المحلَّ الأعظما

وبحرمةِ القدمِ التي جعلت لها     كتفُ المؤيّدِ بالرســــــــالةِ سُلّما

ثبّتْ على متنِ الصراطِ تكرماً     قدمي وكُـنْ لي محسناً ومكرِّما

واجعلهما ذخــري فمن كانا له     أمِنَ العــذابَ ولا يخافُ جهنما

واجعلهما ربي إليكَ وسيـــلتي     في يومِ حشرٍ أن ازورَ جــهنما

ومن روائع شعره قوله في التسليم لأمر الله والرضا بما ما كتبه له:

إذا قلّ ما لي لم تجدنيَ ضارعاً     كثير الأسى مغرىً بعضِّ الأناملِ

ولا بطراً إن جـــــــدّد الله نعمةً     ولو أنّ ما آوى جميــعُ الأنامِ لي

وقال في عزة النفس:

والله لـــــو كانت الدنيا بأجمعها     تُبقي عليـنا ويأتي رزقها رغدا

ما كان من حق حرٍّ أن يذلَّ لها     فكيف وهي متاع يضمحلُّ غدا

وقال في فضل العلم على المال:

مَن كان مرتـــــــــدياً بالعقلِ متّزراً     بالعلمِ ملتفعاً بالــــــــفضلِ والأدبِ

فقد حوى شرفَ الدنيا وإن صَفِرتْ     كفَّاه من فـــــــضةٍ فيها ومن ذهبِ

هو الغنيُّ وِإن لمْ يــــــمسِ ذا نشبٍ     وهو النسيبُ وإن لم يمسِ ذا نسبِ

وقال في الحذر من عواقب الدنيا وينصح فيها بالتزود من العمل الصالح:

غريقُ الذنوبِ أسيـرُ الخطايا     تنبَّه فدنيــــــــــــــاكَ أمُّ الدنايا

تَغرُّ وتـــــــــــــعطـي ولكنها     مكدِّرة تستردُّ العطــــــــــــايا

وفي كل يوم تُســــــرِّي إليك     داءً فجسمكَ نـــــــهبُ الرزايا

أما وعظتك بأحــــــــــــداثها     وما فعـــــــــلتْ بجميعِ البرايا

ترى المرءَ في أسرِ آفاتِـــها     حبيساً على الهمَّ نصبَ الرزايا

وإطلاقه حيــــــــن ترثي له     وحسبـــــكَ ذا أن تلاقي المنايا

ويا راحلاً وهو ينوي المقام     تزوَّد فان الليـــــــــــالي مطايا

وقال في الإباء وعزة النفس:

والله لو كانت الدنيـــــا بأجمعِها     تُبقي عـلينا ويأتي رزقها رغدا

ما كان من حقِّ حرٍّ أن يذلَّ لها     فكيفَ وهي متاعٌ يضمحلُّ غدا

...........................................................

1 ــ معجم البلدان ج ٢ ص ٢٦٥

2 ــ أعيان الشيعة - ج ١٠ ص ٢٩٦

3 ــ الكامل في التاريخ ج ١١ ص ٢٣٩

4 ــ البداية والنهاية ج ١٢ ص ٢٩٧

5 ــ الأنساب ج ٤ ص ١٥٤

6 ــ معجم الادباء ج 20 ص 18 ــ 19

7 ــ وفيات الأعيان ج 6 ص 205 رقم 804

8 ــ خريدة القصر ج 2 ص 481

9 ــ المنتظم لابن الجوزي ج ١٠ ص ١٨٧

10 ــ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ج 5 ص 328

11 ــ طبقات الشافعية ج 4 ص 322 

12 ــ مشاهير شعراء الشيعة / الرقم 1140

13 ــ الكنى والألقاب ج 2 ص 162 ــ 163 

14 ــ الفن ومذاهبه في النثر العربي ص 305 ــ 307

15 ــ قاموس تاج العروس ج 8 ص 89

16 ــ رياض العلماء ج 5 ص 377 – 380 وص 494 

17 ــ المستفاد من ذيل تاريخ بغداد ص ١٩٤

18 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ٢٩٧

19 ــ جواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج 2 ص 308

20 ــ المنتظم في تاريخ الأمم والملوك ج 18 – ص 130 – 131

21 ــ سمط النجوم العوالي ج 2 ص 409

22 ــ أعيان الشيعة ج ١٠ ص ٢٩7

23 ــ طبقات الشافعية للسبكي ج 4 ص 322

24 ــ العقد المذهب في طبقات حملة المذهب ص 518

25 ــ طبقات الشافعية ج ١ ص ٤٣٨ ــ ٤٣٩

26 ــ اعتقاد مفتي الشافعية السني الحصكفي بالمهدي عليه السلام وقوله بغيبته ــ موقع صوت العراق بتاريخ 22 / 3 / 2021

27 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج 10 ص 51

28 ــ خطط الشام ج 6ص 185

29 ــ معجم البلدان ج 2 ص 183

30 ــ المنتظم / حوادث سنة 448 هـ

31 ــ دائرة المعارف الحسينية / ديوان القرن السادس ص 16 ــ 17

32 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج 10 ص 51

33 ــ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة حوادث سنة 566

34 ــ خريدة القصر ج 2 ص 69

35 ــ مناقب آل أبي طالب ج ١ ص ٤٠١ 

36 ــ سبل الهدى والرشاد / ج 2 ص 79

كما ترجم للحصكفي:

ابن الأثير / اللباب في تهذيب الأنساب ج 2 ص 78

كمال الدين جعفر بن ثعلب الأدفوي / البدر السافر عن انس المسافر / ص 222

ابن فضل الله العمري / مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ج 13 ص 325

ابن العماد / شذرات الذهب ج 4 ص 169

الذهبي / سير أعلام النبلاء ج ٢٠ ص ٣٢٠

اليافعي / مرآة الزمان ج ٨ ص ١٤٢

ابن كثير / المختصر ج ٣ ص ٣٤

ابن الوردي / تتمة المختصر في أخبار البشر ج ٢ ص ٩٣ ــ ٩٤

عمر فروخ / تاريخ الأدب العربي ج 3 ص 299 ــ 302

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 8 ص 149

عفيف عبد الرحمن / معجم الشعراء العباسيين ص 132

عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 13 ص 201

السيد جواد شبر / أدب الطّف ج 3 ص 57 ــ 70

ضياء الدين الصنعاني / نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر ج 3 ص 337 ــ 342 

أغا بزرك الطهراني / الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 9 قسم 1 ص 257 وج 10 ص 245 

أغا بزرك الطهراني / طبقات أعلام الشيعة ج 2 ص 339 

الذهبي / سير أعلام النبلاء ج 20 ص 320 ــ 321 

إسماعيل البغدادي / هدية العارفين ج 2 ص 520 

محمد علي التبريزي / ريحانة الأدب في تراجم المعروفین بالكنیة أو اللقب ج 2 ص 50 ــ 51 

التستري / مجالس المؤمنين ج 1 ص 546 ــ 547 

عباس القمي / الفوائد الرضوية ص712 

السيد حسن الصدر / تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص 225 ــ 226 

معجم الشعراء العرب ص 548

دائرة المعارف الحسينية / ديوان القرن السادس ص 25

 

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار