813 ــ الكميت بن زيد الأسدي (60 - 126 هـ / 680 ــ 743 م)

الكميت بن زيد الأسدي (60 - 126 هـ / 680 ــ 743 م)

قال من هاشمياته في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (140) بيتاً:

قَتِيلٌ بِجَنبِ الطَّفِ مِن آلِ هَاشمٍ     فَيَا لـكَ لَحماً لَيسَ عَنهُ مُذَبِبُ

وَمُنــــعَفِرُ الخدّينِ مِن آلِ هاشِمٍ     إلا حَبَّذا ذَاكَ الجبينُ المُتَرَّبُ

قتيلٌ كَـــــــأنَّ الوُلَّهَ النُّكدَ حَولَه     يَطُفنَ بِهِ شُمَّ العَرَانِينِ رَبرَبُ (1)

وقال من قصيدته المشهورة التي ألقاها في حضرة الإمام الباقر (عليه السلام) وتبلغ (103) أبيات:

وَقَــــتِيلٌ بـ(الطَّفِ) غُودِرَ منهُ     بَينَ غَـــــــــوغاءِ أُمّةٍ وَطَغَامِ

تَركَبُ الطَّيرَ كالمَــــجَاسِدِ مِنهُ     مَــــــعَ هَابٍ من التُّرَابِ هَيَامِ

وَتُطِيـــلُ المُرَزَّءاتُ الــــمَقَالِيـ     ـتُ عَلَيهِ القُعُـــــودَ بَعدَ القِيَامِ (2)

وقال من أخرى تبلغ (33) بيتاً:

وَشَـــــجوٌ لِنَفسِيَ لم أنسَهُ     بِمُعتَرَكِ (الطَّفِّ) فالمِـجنَبِ

كـــأَنَّ خُدُودَهُم الواضِحَا     تِ بَينَ المَجَرِّ الى المَسحَبِ

صَفَائِحُ بِيضٌ جَلَتهَا القُيُو     نُ مما تُخُيِّرنَ من يَثــــرِبِ (3)

الشاعر

أبو المستهل الكميت بن زيد بن خنيس بن مجالد بن ذؤيبة بن قيس بن عمرو بن سبيع بن مالك بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد، من كبار شعراء أهل البيت (عليهم السلام)، ولد في الكوفة (4) ونشأ بها نشأة علمية أدبية فوصفته المصادر بأنه كان: (شاعراً، متقدماً، مطبوعاً، عالماً بلغات العرب، خبيراً بأيامها، من كبار شعراء مضر وألسنتها). (5)

(وكان فيه عشر خصال لم تكن في شاعر، كان خطيب أسد، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، ثبت الجنان، كاتباً حسن الخط، نسابة، وجدِلاً، وهو أول من ناظر في التشيّع، ورامياً لم يكن في أسد أرمى منه، فارساً، شجاعاً، سخياً، ديناً) (6)

وفي كل من هذه الفنون والآداب كان العلم الذي يهتدى به، يقول ياقوت الحموي: (ما عُرف النسّاب أنساب العرب على حقيقة حتى قال الكميت (النزاريات) فأظهر بها علماً كثيراً، ولقد نظرت في شعره فما رأيت أحداً أعلم منه بالعرب وأيامها) (7)

وقال أحمد بن الحسن السكوني: (فلما سمعت هذا جمعت شعره فكان عوني في التصنيف لأيام العرب). (8)

وقال الشيخ المفيد (قُدس سره الشريف): (الكميت ممن استُشهد بشعرهِ في كتاب الله وأجمع أهل العلم على فصاحته ومعرفته باللغة ورئاسته في النظم وجلالته في العرب حيث يقول:

ويوم الدوحِ دوحُ غديرِ خمٍّ      أبانَ له الولايةَ لو أطيعا) (9)

وكان رمزاً في قومه حتى قيل: (لو لم يكن لبني أسد منقبة غير الكميت، لكفاهم)، (10) (حببهم إلى الناس وأبقى لهم ذكراً وأخرج فضائلهم التي غاص عليها البحار ولولاه لما عرف الناس قبائل نزار من غيرها ولا فضائلها) (11) (ولولا شعر الكميت لم يكن للغة ترجمان). (12)

والكميت شاعر مكثر ومطيل جاوزت بعض قصائده المائة بيت وبلغ شعره (خمسة آلاف ومئتين وتسعة وثمانين بيتاً) (13) ومن أشهر قصائده (الهاشميات) في أهل البيت (عليهم السلام)، شرحها كثير من الأدباء وترجمت إلى الألمانية. (14)

ويجد الدارس لشعر الكميت بن زيد الأسدي كسراً للطابع التقليدي الذي اعتمده المؤرخون القدماء في رسم ملامح الشاعر القديم من خلال ترجمته، ويستطيع أن يستدل على ذلك برواية أبي الفرج الأصفهاني التي ميزّت الكميت على باقي الشعراء بمميزات خاصة، تقول الرواية:

(سُئل معاذ الهرّاء: من أشعر الناس؟ قال: أمن الجاهليين، أم من الإسلاميين؟ قالوا: بل من الجاهليين. قال: أمرؤ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وعبيد بن الأبرص. قالوا: فمن الإسلاميين؟ قال: الفرزدق، وجرير، والأخطل، والراعي. فقِيل له: يا أبا محمد ما رأيناك ذكرت الكميت فيمن ذكرت؟. فقال: ذاك أشعر الأولين والآخرين) (15)

لقد ساهم الكميت مساهمة كبيرة في الدفاع عن قضية أهل البيت وخاصة ثورة الحسين من خلال شعره الذي كان له تأثير عظيم في النفوس، فحُظي بمنزلة عظيمة عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الذين أكدوا على الدعوة إلى تشجيع الشعراء وعقد المجالس الشعرية الخاصة برثاء الحسين (عليه السلام) والحث عليه، وحرصوا أشد الحرص على إبقاء روحية الثورة الحسينية ومبادئها متجذّرة في النفوس وحية في الضمائر.

يقول الكاتب المصري الأستاذ عبد المتعال الصعيدي: (فإذا نظرت في شعر الكميت بن زيد وجدته يمثل لك عصر بني مروان تمثيلاً صادقاً، لا أثر فيه للخداع والغش، ولا يشوِّهه الحرص الممقوت على الصلات والجوائز، وخيِّل إليك أنك تعيش في عصر بني مروان مع الذين عاشوا فيه، وأن ظلمهم وإفسادهم حاق بك كما حاق بهم، فأخذ قلبك يضطرب بالحقد عليهم، وأخذت نفسك تضطرم بالثورة على ملكهم، وتنشد في ملك آخر يسود فيه العدل، وينتصر الحق على الباطل، وتنهض به الأمة، وينتظم لها أمر دينها ودنياها..) (16)

ويقول عمر الفاخوري: (ومن ميزات شعره أنّه أصبح الشعر مع الكميت صورةّ صادقة لتطور العقل العربيّ نحو الصياغة الفكرية) (17)  

فالكميت شاعر المبدأ والعقيدة الذي لم ترهبه أساليب الأمويين القمعية عن إداء رسالته كشاعر في نصرة الحق ومحاربة الباطل، وقد حفلت حياته بالكثير من المخاطر والصعوبات التي واجهها بصلابة ويقين متحدياً بطش السلطة الأموية من أجل الدفاع عن قضيته بيده ولسانه، فكان لشعره دور كبير في تعريف الناس بالنزعة الوحشية التي جُبل عليها الأمويون وابتعادهم عن كل القيم الإنسانية والأخلاقية وخروجهم من الإسلام، كما عكس مبادئ قضية أهل البيت والثورة الحسينية فكانت تلك الأشعار هي من وسيلة إعلامية خطيرة على الأمويين.

وإضافة إلى أهمية شعر الكميت من الجانب السياسي كونه أرّخ لمرحلة من أقسى المراحل التي مرّت على الإسلام، فقد عُدَّ شعره من كنوز الشعر العربي ومن عيون تراثه الضخم، ويشعر القارئ لشعره أن قول معاذ الهراء لم يأتِ عن تعاطف مع الكميت أو تعصّب له، وإنّما كان عين الحقيقة التي تتجلّى في (الهاشميات) والتي ضمّت فناً شعرياً يُعدّ في مقام الذروة في الشعر العربي.

يقول الآمدي: (وله في آل البيت الأشعار المشهورة، وهي أجود شعره) (18) فهذه (الملحمة) الهاشميات تمثل ثورة أدبية وفكرية في منطلقاتها، فهي تصوِّر تصويراً دقيقاً حقبة من أقسى الحُقب التي عاشتها الأمة الإسلامية عايشها الشاعر وناله نصيب وافر من ظلمها فشُرِّد وطُورد وتعرّض للسجن والقتل في سبيل حبه وولائه لأهل البيت والجهر بذلك الحب والموالاة في قصائده وكانت له مواقف مشرِّفة كثيرة دلّت على خالص ولائه وقوة إيمانه وصفاء دينه ورسوخ عقيدته فدوِّنت كلماته في سجل الخالدين:

إلى الـــنفرِ البيضِ الذين بحبِّهم     إلى اللهِ فيـــــــــــــما نالني أتقرَّبُ

بـــــني هاشمٍ رهط النبيِّ فإنني     بهمْ ولهمْ أرضى مِـراراً وأغضبُ

خفضتُ لهم مِنِّي جَناحَي مودةٍ     إلى كنفٍ عَطفاهُ أهلٌ ومرحــــــبُ

وكنتمْ لهـــــمْ من هؤلاء وهؤلا     مُجِنَّاً على أنِّي أٌذَمّ وأُغــــــــضبُ

وأُرمى وأرمــي بالعداوةِ أهلها     وإني لأُوذي فيـــــــــــــهمُ وأُؤنَّبُ

يعيّرني جهَّـــــالُ قومي بحبِّهم     وبغضهمُ أدنــــــى لعارٍ وأعــطبُ

بأيِّ كتابٍ أم بــــــــــــأيةِ سُنّةٍ     ترى حــــبّهمْ عاراً عليَّ وتَحــسبُ

ستقرعُ منها سنَّ خزيـانَ نادمٍ     إذا اليوم ضمَّ الناكثينَ العصــبصبُ

فمَالِيَ إلّا آل أحمدَ شيـــــــعةٌ     ومـــــالي إلّا مشعبُ الحقِّ مشـــعبُ (19)

وهذه الأبيات تفصح عن إيمان الشاعر المطلق بأهل البيت الذي لا تشوبه شائبة كما تفصح هذه الأبيات عن العداء الأموي المتجذّر لأهل البيت وشيعتهم والمسلمين في الفترة المرعبة التي مرّوا بها أيام الحكم الأموي، الفترة السوداء التي زرعت الرعب في البلاد الإسلامية وألقت بظلال الجاهلية على أجوائها.

قال الدكتور عبد المجيد زراقط: (ولد الكميت عام 60 وهو عام كربلاء، وكان قومه بنو أسد هم الذين دفنوا الحسين عليه السلام وأنصاره. ولعل كربلاء ظلت حاضرة في أذهانهم وفي أحاديثهم وفي نفوسهم فرضعها الطفل مع الحليب ولا سيما ان بني أسد لم يكونوا راضين هذه القرشية المستأثرة والمتمثلة ببني أمية. لا سيما أنه ولد لأبوين لا يملكان من حطام الدنيا شيئا.

هذه الظروف أسهمت بقوة في فرض اختيار الكميت فشب وهو يعتقد مذهبا دينيا وسياسيا واجتماعيا... وراح يدعو له بعد أن تهيا للأمر كأفضل ما يكون) (20)

وقال السيد حسن الأمين: (وبلغ من مقدرته أنه كان يحفظ شعر نصيب أكثر منه، وأنه تنازع وحماد الراوية العلم بأيام العرب ورواية الشعر فأفحمه، وأنه كان عالما بالنجوم وقد مارس التعليم في جامع الكوفة الكبير.

وهذه الإمكانات والمهارات، كانت تترافق مع صفات كان يتحلى بها الشاعر تجل وتحترم. وليس سهلاً على إنسان عادي أن يصادق رجلاً يختلف عنه مذهباُ وعصبية... أما الكميت، فقد كان يصادق الطرماح رغم بعد المسافة بينهما، إنه نوع من الارتفاع بالنفس الانسانية. كما أن الشاعر كان مؤمناً يخاف الله لدرجة أن يندم على هجائه لبني كلب. ويقول: "فعممتهن بالفجور والله ما خرجت بليل قط إلا خشيت أن أرمى بنجوم السماء لذلك" وكان مخلصا لمذهبه. "إذ أظهر ما كتم العباد من الحق وجاد حين ضن الناس" دون أن يشاء مقابلا لذلك إلا الثياب تبركا.

الحق أن الكميت كان شاعر المعارضة أو داعيتها. وقد جهد في أن يحتل موقعه عن جدارة، وهو بهذا الجهد أصبح الرجل الملم بكل معطيات عصره السياسية والثقافية. بكل ما تعنيه هاتين الكلمتين، والرجل المخلص العامل بكل ما يستطيع على نشر مذهبه) (21)

في تلك الفترة الدموية صدح الكميت بـ (هاشمياته) التي أفرغ فيها عقيدته الناطقة بمظلومية أهل البيت والصارخة بالرفض بوجه الحكم الأموي وسجّل مواقف مشرّفة وشجاعة في نصرة الحق وأهله.

الهاشميات أول شعره

كان أول ما نطق به الكميت من الشعر قصائده الهاشميات، فأخفاها مدة ثم جاء إلى الفرزدق فقال له: (نفث على لساني فقلتُ شعراً فأحببتُ أن أعرضه عليك فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحاً أمرتني بستره وكنت أولى من ستره علي)، ثم أنشده أبياتاً من قصيدته البائية فقال له الفرزدق: (يا ابن أخي.. أذع..، ثم أذع، فأنت والله أشعر من مضى وأشعر من بقي). (22)

هذه الشهادة لها ثقل أجيال من الشعراء لأنها صدرت من شاعر (ينحت في صخر) (23) كما قيل عنه وهو الشاعر الكبير الفرزدق الذي لم يحابِ الكميت بهذه الشهادة بل أطلقها عن جدارة واستحقاق، فالكميت هو ابن الكوفة العلوية التي اقتبس شعراؤها وأدباؤها من سيد البلغاء والمتكلمين وأمير اللغة والكلام جذوة البلاغة والفصاحة فشهد لهم معاصروهم من الشعراء والمؤرخين والنقّاد القدامى والمحدثين على تفوّقهم وتقدّمهم على غيرهم.

اهتزّ الفرزدق وهو الخبير بالشعر وهو يستمع لشعر الكميت الذي فاق شعر عصره لأنه وجد فيه ما يميزّه عن غيره بصدق العاطفة وقوة المعنى، فالباعث الذي حدا بالكميت إلى قول هذا الشعر لم يكن دنيوياً، بل كان نابعاً عن ولاء مطلق وتمسك خالص بمنهج أهل البيت بعيداً عن الدوافع المادية والدنيوية، ويتجلى ذلك في قوله للإمام الباقر (عليه السلام) حينما أمر له بجائزة على قصيدة قالها في رثاء الحسين: (والله ما أحببتكم للدنيا، ولو أردت الدنيا لأتيت من هي في يديه ولكنني احببتكم للآخرة). (24)

والهاشميات إضافة إلى نفسها العقائدي فهي كنز لغوي ومعرفي، قال الثعالبي: (عهدي بالخوارزمي يقول: من روى حوليات زهير. واعتذارات النابغة. وأهاجي الحطيئة. وهاشميات الكميت. ونقائض جرير. والفرزدق. وخمريات أبي نواس. وزهريات أبي العتاهية. ومراثي أبي تمام. ومدائح البحتري. وتشبيهات ابن المعتز. وروضيات الصنوبري. ولطائف كشاجم. وقلائد المتنبي. ولم يتخرج في الشعر فلا أشب الله تعالى قرنه). (25)

ورُوي عن سبب كتم الكميت قصائده الهاشميات بحق أهل البيت: هو أنه كان خائفاً يترقب من بطش الأمويين مختفياً عن عيونهم حتى رأى النبي في المنام فقال له (صلى الله عليه وآله): أنشدني.. فأنشده الكميت بائيته المشهورة:

طربتُ وما شوقاً إلى البيضِ أطربُ   ولا لعباً مني وذو الشيب يلعبُ

فلما وصل إلى قوله:

فما لي إلا آل أحمد شيعة   وما لي إلا مشعبُ الحقِ مشعبُ

قال له النبي: إن الله قد غفر لك بهذه القصيدة.

فلما وصل إلى قوله:

ألم ترني من حبِ آل محمدٍ   أروحُ وأغدو خائفاً أترقبُ

قال (صلى الله عليه وآله): مِمَ خوفك ؟ قال: يا رسول الله من بني أمية .

فقال النبي: (أظهر فأن الله قد أمنك في الدنيا والآخرة).

فلما فرغ من قصيدته قال له: بُوركت وبُورك قومك. فكانت بنو أسد تقول: فينا فضيلة ليست في العالم ليس منزل منّا إلّا وفيه بركة دعاء النبي. (26) فجاهر الكميت بحبه لأهل البيت وأظهر عقيدته وولائه لهم وإخلاصه في الدفاع عن قضيتهم.

يد الأمويين تغتال الهاشميات

يقول الشيخ عبد الحسين الاميني: (الهاشميات من غرر قصائد الكميت المقدرة بخمسمائة وثمانية وسبعين بيتاً (578) غير أنه عاثت في طبعها يد النشر (الأمينة على ودائع العلم) فنقصت منها شيئاً كثيراً لا يُستهان به) (27)

غير أن ما كان لله ينمو ويُحفظ، فقد حفظت كتب السير والتاريخ والأدب قصائد الكميت وخاصة التي قرأها على الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

كما حُظيت الهاشميات بعناية النقّاد القدماء والمحدثين لأهميتها، يقول محمد العيساوي الجمي عن شعر الكميت: (الكميت أول من أدخل الجدل المنطقي في الشعر العربي فهو مجدِّد بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وشعره ليس عاطفياً كبقية الشعراء، بل إن شعره شعر مذهبي، ذهني عقلي، فهو شاعر يناضل عن فكرة عقائدية معينة، وعن مبدأ واضح، ومنهج صحيح، ودعوة آمن بها وكرس لها حياته، وجهده وتحمل في سبيلها الأذى ومات بسببها.). (28)                

وقال روكس بن زائد العزيزي: (لقد امتاز هذا الشاعر بمزايا لم تجتمع لسواه فقد كان خير مصور لاتجاهات عصره في شعره، وانقطع لمدح آل البيت مدحا كاد يكلفه حياته لو كان حافظا للقرآن الكريم من فقهاء الشيعة المعدودين، ولعله أول من أجاد الجدل الفقهي، وناظر في التشيع جهرة، وهو أمر يحتاج إلى شجاعة أدبية غريبة. وقد كان الكميت كاتبا حسن الخط وكان في أول أمره معلما، فلا عجب إذا عرضته مهنته لشئ من الاحتقار، تأثرا بالعقلية التي كانت تحقر مهنة التعليم وترى في المعلمين فئة مستضعفة. والكميت بعد هذا من أعاظم الشعراء الذين عرفهم العصر الأموي، ومن أصدقهم عاطفة) (29)

وقال الجاحظ: ما فتح للشيعة الحجاج إلا الكميت بقوله:

فإن هيَ لم تصلحْ لحيٍّ سواهمُ     فإن ذوي القربى أحقُّ وأوجبُ

يـقولونَ لم يورث ولولا تراثُه     لـقد شركتْ فيها بكيلٌ وأرحبُ (30)

ورغم أنه لا يُنكر فضل الكميت في هذا الجانب فإنه لم يكن الأول فقد سبقه كثير من أعلام الشيعة، وقد رد الشيخ المفيد (قدس سره) على كلام الجاحظ فقال: (إنما نظم الكميت معنى كلام أمير المؤمنين عليه السلام في منثور كلامه في الحجة على معاوية، فلم يزل آل محمد عليهم السلام بعد أمير المؤمنين يحتجون بذلك ومتكلمو الشيعة قبل الكميت وفى زمانه وبعده وذلك موجود في الأخبار المأثورة والروايات المشهورة، ومن بلغ إلى الحد الذي بلغه الجاحظ في البهت سقط كلامه). (31)

وقد خمّس الهاشميات كثير من الشعراء الأعلام في عصور مختلفة منهم الشيخ ملّا عبد الله الزيوري البغدادي، والعلامة الشيخ محمد السماوي، والسيد محمد صادق آل صدر الدين الكاظمي، وشرحها الأستاذ محمد محمود الرافعي المصري، وقال في مقدمة شرحه: (الهاشميات هي من مختار الكلام، ومن رائق الشعر وشيّقه، وجيد القول وطريفه، أحسن فيه كل الإحسان وأجاد كل الإجادة)، (32) كما شرحها الأستاذ محمد شاكر الخياط النابلسي الأزهري

يبدأ الكميت هاشمياته بالميمية التي مطلعها:

مـــــــن لقلبٍ متيَّم مستهامِ    غيرَ ما صبوةٍ ولا أحلامِ

بل هوايَ الذي أجنّ وأبدي   لــــبنـي هاشمٍ أجلِّ الأنامِ

وهي قصيدة طويلة تبلغ أكثر من مائة بيت وقد قرأها عند الإمام الباقر (عليه السلام) وكان منصتاً له فلما بلغ إلى قوله:

أخلصَ اللهُ لي هوايَ فما أغـ     ـرقُ نزعاً ولا تطيشُ سهامي

قال له الامام (عليه السلام) قل: (فقد أغرق نزعاً ولا تطيش سهامي) (33) فقال الكميت: يا مولاي أنت أشعر مني بهذا المعنى (34) فلما وصل إلى قوله:

قَــــتِيلٌ بـ(الطَّفِ) غُودِرَ منهُ     بَينَ غَـــــــــوغاءِ أُمّةٍ وَطَغَامِ

تَركَبُ الطَّيرَ كالمَــــجَاسِدِ مِنهُ     مَــــــعَ هَابٍ من التُّرَابِ هَيَامِ

وَتُطِيـــلُ المُرَزَّءاتُ الــــمَقَالِيـ     ـتُ عَلَيهِ القُعُـــــودَ بَعدَ القِيَامِ

يتعرّفن حـــــــــــرَّ وجهٍ عليه     عــقبةُ السروِ ظاهراً والوسامِ

قتل الادعياءُ إذ قتـــــــــــــلوه     أكرم الشاربين صوبَ الغمامِ

بكى الإمام الباقر (عليه السلام) وتوجه بوجهه إلى الكعبة المشرفة وقال ثلاث مرات: (اللهم ارحم الكميت واغفر له)، ثم قال: (ياكميت هذه مائة ألف قد جمعتها لك من أهل بيتي). فقال الكميت: لا والله لا يعلم أحدٌ إني آخذ منها حتى يكون الله عز وجل الذي يكافئني، ولكن تكرمني بقميص من قُمصِك فأعطاه (عليه السلام) قميصاً. (35)

جاهر الكميت بشعره في ذلك الجو المشحون بالرعب، يقول أبو الفرج الأصفهاني: (كانت الشعراء لا تقدم على رثاء الحسين مخافة من بني أمية وخشية منهم)، لكن الكميت جهر بولائه الصادق رغم اضطهاد الامويين فيدخل على الإمام الصادق (عليه السلام) وينشده لاميته:

ألا هلْ عمٍ في رأيهِ متأمِّلُ   وهل مدبرٌ بعدَ الإساءةِ مقبلُ

فلما وصل إلى قوله في الحسين (عليه السلام):

يُحلّئنَ عن ماءِ الـــــــــــــفراتِ وظلّه     حسينـاً ولم يُشهر عليهنَّ منصلُ

كأن حسيناً والبهاليـــل حــــــــــــــوله     لأسيـافِــــــهم مـا يختلي المتبقلُ

يخُضنَ به من آلِ أحـــــمدَ في الوغى     دمـــاً طلَّ منهمْ كالبهيمِ المحجَّلُ

وغابَ نــــــــــــــــبيُّ اللهِ عنهمْ وفقده     على الناسِ رزءٌ ما هناكَ مجللُ

فــــــــــــــلم أرَ مخذولاً أجلَّ مصيبةٍ     وأوجـــبُ منه نصرةً حين يُخذلُ

يصيبُ به الرامونَ عن قوسِ غيرِهم     فيا آخـــــــراً أسدى له الغيَّ أوّلُ

رفع الإمام الصادق (عليه السلام) يديه وقال: (اللهم اغفر للكميت ما قدّم وأخّر وما أسرّ وأعلن واعطه حتى يرضى)، ثم اعطاه ألف دينار وكسوة. فقال له الكميت: (والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتها لأتيت من هي في يديه، ولكنني أحببتكم للآخرة، فأما الثياب التي أصابت أجسادكم فإني أقبلها لبركتها وأما المال فلا أقبله). (36)

وروى الأمين أنه: (طاف عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر، على دور بني هاشم ومعه أربعة من غلمانه، ومعهم ثوب يضعون فيه هبات بني هاشم للكميت، وكان عبد الله يقول لأهل البيوت التي يدخلها: ’’يا بني هاشم! قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم، وعرض دمه لبني أمية قد رأيتم’’. فكان الرجل يطرح في الثوب ما يقدر عليه من دراهم ودنانير، أما النساء فإنهن كن يبعثن بحلاهن يخلعنها عن أجسادهن فبلغ ما اجتمع من ذلك نحو مائة ألف درهم فقدمها للكميت قائلا: ’’أتيناك بجهد المقل، ونحن في دولة عدونا، وقد جمعنا هذا المال وفيه حلى المساء كما ترى، فاستعن به على دهرك!’’. أجاب الكميت: ’’بأبي أنت وأمي، قد أكثرتم وأطبتم، وما أردت بمدحي إياكم إلا الله ورسوله، ولم أك لآخذ لذلك ثمنا من الدنيا فأردده إلى أهله’’. فجهد به عبد الله أن يقبله بكل حيلة فأبى. فلو لم يكن له إلا هذا الموقف لكان أعظم دليل على بطولة الرجل النفسية، وصدقه وإخلاصه). (37)

الخاتمة المشرفة

دعا للكميت ثلاثة من أئمة الهدى (عليهم السلام) هم الإمام السجاد والباقر والصادق وكانوا يلحّون عليه في قبول صلاتهم وعطاياهم مع إكبارهم محله وتبجيلهم له لأنهم وكانوا يعلمون إن مدحه لهم وذمه ظالميهم ومناوئيهم لم يكن إلّا لله ولرسوله معرضاً بذلك حياته للخطر فشهد الإمام زين العابدين له بذلك بقوله: (اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك نفسه حين ضنَّ الناس وأظهر ما كتمه غيره من الحق، فأحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له جزيل المثوبة أجلاً، فإنا قد عجزنا عن مكافأته) (38).

انتهت حياة الكميت بأشرف وأجل خاتمة وهي الشهادة على حب آل محمد كما دعا له الإمام زين العابدين بقوله: (اللهم أحيه سعيداً، وأمته شهيداً، وأره الجزاء عاجلاً، وأجزل له جزيل المثوبة آجلاً) (39) فاستجاب الله دعاء الإمام السجاد فرزق الكميت الشهادة بعد أن بذل عمره في حب أهل البيت وقاسى في سبيل ذلك شتى أنواع الاضطهاد وكانت نهايته على يد جند خالد بن عبد الله القسري والي الكوفة في خلافة مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين ففاضت تلك الروح الطاهرة التي عشقت أهل البيت إلى بارئها راضية مرضية وهي تلهج بذكر آل محمد.

مات الكميت وذكر أهل البيت على شفتيه وعرجت روحه وهو يلهج بذكرهم، فقد حدّث المستهل بن الكميت فقال: حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه وأغمي عليه ثم أفاق ففتح عينيه ثم قال: اللهم آل محمد اللهم آل محمد اللهم آل محمد. (40)

دفنه ابنه المستهل بوصية منه في (مكران) (41) وهو موضع بميسان وله قبر يُزار

وقال من هاشميته الأولى وتبلغ (103) أبيات وقد قدمناها:

أُسرَةُ الصَّادِق الـــــــــحَديثِ أبي القَا     سِمِ فَرعِ القُــــــدَامِسِ القُدَّامِ

خَيرِ حَيّ وَمَــــــيّتٍ من بَـــــــــنِي آ     دَمَ طُرَّاً مَــــأمُومِهم والإِمَامِ

كَان مَيتاً جِنَازَةً خَــــــــــــــيرُ مَيتٍ     غَــــــــــــيَّبَتهُ حَفَائِرُ الأقوَامِ

وَجَنِينَاً وَمُرضِــــــــعاً ساكِــنَ المَهـ     ـدِ وبَعدَ الرِّضَاعِ عِندَ الفِطَامِ

خَيرُ مُـــــــــستَرضَعٍ وَخَـــيرُ فَطِيمٍ     وَجَنِينٍ أُقِرَّ في الأَرحَـــــــامِ

وَغُلاَماً وناشِئاً ثم كَـــــــــهـــــــــلاً     خَيرُ كَهلٍ وَنَـــاشِىءٍ وغُلامِ

انقَذَ الله شِــــــــــــلوَنَا من شَـفا النَّـا     ر بِهِ نِعمَةً من الـــــــــمِنعَامِ

لَو فَدَى الحَيُّ مَيِّتاً قُلـــــــــتُ نَفسِي     وَبَنِيَّ الفِدى لِتِلكَ العِظـــــامِ

طَيِّبب الأصلِ طَيِّب العُودِ في البِنـ     ـيَة والفَرعِ يَثـــــرِبِيُّ تَهَامِي

أبطَـــــــــــــــحِيٌّ بِمَكَّةَ استَثقَبَ الِلَّهُ     ضِيَاءَ العَمَى به والــــظَّلاَمِ

ومنها في أمير المؤمنين (عليه السلام)

والــــــــوَصِيُّ الذي أمَالَ التَّجُو     بِيُّ بِهِ عَــــــــرشَ أُمَّةٍ لانهِدَامِ

كانَ أهلَ العَفَافِ والمَجدِ والخَيـ     ـرِ ونَـــــقضِ الأُمُورِ والإِبرَامِ

والوَصِيُّ الوَلِيُّ والفـارِسُ المُعـ     ـلِمُ تَحتض العَجَاجِ غَيرُ الكَهامِ

كَم لَهُ ثــــــــــم كَم لَهُ مـن قَتِيلٍ     وَصَرِيعٍ تَحتَ السَّنَابِكِ دَامِــــي

وَخَمِيسٍ يَلُفُّهُ بِـــــــــــــــخَمِيسٍ     وفِئَامٍ حَوَاهُ بَعــــــــــــــــدَ فِئَامِ

وَعَمِيدٍ مُتَوَّجٌ حُلَّ عَنــــــــــــهُ     عُقَدُ التَّاجِ بالــــــــصَّنِيعِ الحُسَامِ

قَتَلوا يَومض ذَاك إِذ قَــــــتلُوهُ     حَكَمَاً لا كَغَابِر الــــــــــــــحُكَّامِ

رَاعِيَاً كــــــانَ مُسجِحَاً فَفَقَدنَا     هُ وَفَقدُ المُسِيـــــــــمِ هُلكُ السَّوَام

نَالَنَا فَقدُهُ وَنَــــــــــــالَ سِـوَانَا     بِاجتِدَاعٍ مِنَ الأُنُـــوفِ اصطِلامِ

وأًشِتَّت بِنَا مَصَادِرُ شَـــــــتَّى     بَعدَ نَهجِ السَّبِيــــــــلِ ذِي الآرَامِ

جَرَّدَ السَّيفَ تَارَتَينِ من الدَّهـ     ـرِ على حِينِ دِرَّةٍ مـــــن صَرَامِ

في مُرِيدِينَ مُخطِئِينَ هُــــدَى     اللهِ وَمُستَقـــــــــــسِمِينَ بالأَزلاَمِ

وقال من الهاشمية الثانية وتبلغ (140) بيتاً وقد قدمناها:

إلَيكُم ذَوِي آلِ النَّبِـــــــــــــــيّ تَطَلَّعَت     نَــــــوَازِعُ مـن قَلبِي ظِماءٌ وألبَبُ

فإنِّي عَن الأمرِ الذي تكــــــــــرَهُونَهُ     بِقَولي وَفِعلِـي ما استَطَعتُ لأجنَبُ

يُشِيرُونَ بالأيـــــــــــــدِي إليَّ وَقَولُهُم     أَلاَ خَــابَ هَـذَا والمُشِيرُونَ أخيَبُ

فَطَائِفَةٌ قد أكفَرَتنِي بِحُــــــــــــــــــبِّكُم     وَطَائِفَةٌ قَــــــــالُوا مُسِيءٌ وَمُذنِبُ

فما سَاءَنِي تَكــــــــــــفِيرُ هَاتِيكَ مِنهُمُ     ولا عَيبُ هـاتِيـكَ التي هِيَ أعيَبُ

يُعيبُونَنِي من خُبثِهِم وَضَـــــــــــلاَلِهم     على حُبِّكُـم بَل يَسخُرون وأعجَبُ

وقالوا تُرَابِــــــــــــــــــيُّ هَوَاهُ ورأيُه     بذلِكَ أُدعَى فِيهُـــــــــــــمُ وألَـقَّبُ

على ذلك إجرِيّايَ فيكُم ضَــــــرِيبَتي     ولو جَمَـعُوا طُرَّاً عليَّ واجــــلَبُوا

وأحمِلُ أحقَادَ الأَقَــــــــــــــارِبِ فِيكُمُ     وَيُنصَبُ لِي في الأبعَدِينَ فَأنصُبُ

بِخاتِمِكُم غـــــــــصبَاً تَجُوزُ أُمورُهُم     فَلَم أرَ غَصبَاً مِــــــــــثلَهُ يَتَغصَّبُ

وَجَدنَا لَكُم فِي آلِ حَـــــــــــــامِيمَ آيةً     تَأوَّلَـــــــــــــــهَا مِنَّا تَقِيُّ وَمُعرِبُ

وَفِي غَيرِهَـــــــــــــا آياً وآياً تَتَابَعَت     لكم نَصَبٌ فِيهَا لِذِي الشَكِّ مُنصِبُ

بِـــــــــــــحَقِّكُمُ أمـسَت قُرَيشٌ تَقُودُنا     وبِالفَذِّ مِنها والـــــــرَّدِيفَينِ نُركَبُ

إذا اتَضَعُونَا كـــــــــــــارِهينَ لِبَيعَةٍ     أنَاخُوا لأخرَى والأزِمَّـــــةُ تُجذَبُ

رُدَافَى عَـــــــــلَينَا لَم يُـسِيمُوا رَعِيَّةً     وَهَمُّهُمُ أن يَمـــــــــتَرُوهَا فَيحلُبُوا

لِينتَتِجُوهَا فِتنَةً بَعدَ فِتــــــــــــــــــنةٍ     فَيفتَصِلُوا أفلاَءَها ثُمَّ يَـــــــــربُبُوا

أقارِبُنَا الأَدنُــــــــــــــونَ مِنهُم لِعَلَّةٍ     وَسَـــــــاسَتُنا مِنهُم ضِبَاعٌ وأذؤُبُ

لَنَا قَائِدٌ مِنهُم عَــــــــــــنِيفٌ وسَائِقٌ     يُقَحِّمُنا تِــــــــــلكَ الجَراثِيمَ مُتعِبُ

وَقَالُوا وَرِثنَاهَا أبَــــــــــــــأنا وأُمَّنَا     وَمَــــــــــــا وَرَّثَتـهُم ذَاكَ وَلاَ أبُ

يَرَونَ لَهُم فَضلاً عَلَى النَّاسِ وَاجِباً     سَفَاهاً وَحَقُّ الـــــهَاشِمِيينَ أوجَبُ

وَلَـــــــكِن مَـوَارِيثُ ابنِ آمِنَةَ الذِي     بِهِ دَانَ شَرقِيّ لَكُـــــــــم وَمُغَرِّبُ

فِدَىً لَكَ مَــــــورُوثاً أَبِي وأَبُو أبِي     وَنَفسِي وَنَفسِي بَعدُ بِالنَّاسِ أطيَبُ

ومن هاشميته الثالثة وتبلغ (133) بيتاً:

إلى السراجِ المنيرِ أحـــــمد لا     تعدلني رغبةٌ ولا رهـــــــــبُ

عنه إلى غيرِه ولو رفـــــع النا     سِ إلى العــــــــيونِ وارتقبوا

وقيلَ أفرطتَ بل قصــدتَ ولو      عنّفنـــــــــي القائلونَ أو ثلبوا

إليكَ يا خيرَ مَن تضمَّـــــنتِ ال‍     أرضُ وإن عابَ قوليَ العيبُ

لجَّ بتفضيلِكَ الـــــــــلسانُ ولو     أكــــثرَ فيكَ الضجاجُ واللجبُ

أكـــــــــــــرمْ عيدانِنا وأطيِبها     عودُكَ عودُ النضارِ لا الغربُ (42)

وقال من هاشميته الرابعة وتبلغ (111) بيتاً:

إلى الهاشــــــــــميينَ البهاليلَ إنّهم     لخائفنا الـــــــراجي ملاذٌ وموئلُ

إلـــــــــــى أيّ عدلٍ أم لأيّةِ سيرةٍ     سواهـــــم يؤمُّ الظاعنُ المترحِّلُ

وفيهم نــجومُ الناسِ والمهتدى بهم     إذا الليلُ أمسى وهوَ بالناسِ أليلُ

إذا استحكمتْ ظلماء أمر نجومِها     غوامض لا يسري بها الناس أفَّلُ

وإن نزلتْ بالناسِ عــمياءُ لم يكن     لــــــهم بصرٌ إلّا بهم حين تشكلُ (43)

وقال من هاشميته الخامسة وتبلغ (33) بيتاً وقد قدمناها:

بَنِي هَاشِم فَــــــــــهُمُ الأَكرَمُونَ     بـــني البَاذِخِ الأَفضَلِ الأَطيَبِ

وإِيَّاهُمُ فاتَّخِـــــــــــــــــــذ أولِيَا     ءَ من دُونِ ذي النَّسَبِ الأَقرَبِ

وفـــــــــــــي حُبِّهِم فَاتَّهِم عَاذِلاً     نَهَــــــاكَ وفي حَـبلِهم فَاحطِبِ

أرَى لَهُمُ الفَضلَ والـــــــــسَّابِقَا     تِ وَلَم أتَـــــــــمَنَّ وَلَم أَحسَبِ

مَسَامِيحُ بِيضٌ كِـــــرَامُ الجُدُودِ     مَرَاجِيحُ في الرَّهَــجِ الأَصهَبِ

إِذا ضَمَّ في الــــرَّوعِ يَومَ الهِيَا     جِ أَخِّرْ وأَقدِمْ إلى أرحِــــــــبِ

مَطَاعِيمُ حِيــــنَ تَرُوحُ الشَّمَالُ     بِشَفَّانَ قِــــــــــطقِطِها الأَشهَبٍ

مَوَاهِيبُ للمُنفِسِ المُستَــــــزَاد     لأَمثَالِهِ حِينَ لا مَــــــــــــوهَبُ

اكارِمُ غُرٌّ حِسَانُ الـــــــوُجُوهِ     مَطَاعِيمُ للطَّـــــــــارِقِ الاَجنَبِ

مَقَارِيُ للضَّيفِ تَحـتَ الظَلاَمِ     مَوَارِيُ للقَادِحِ المُثـــــــــــــقِبِ

إذَا المَرخُ لم يُورِ تَحتَ العَفَارِ     وَضُــــــــــــنَّ بِقِدرٍ فَلَـم تُعقَبُ

وَرَدّتُ مِـــــــــــياهَهم صادِياً     بِحَائِمَةٍ وِردَ مُـــــــــــــستَعذِبِ

فَمَا حَلأتِني عِصِـــــيُّ السُقَاةِ     ولا قِيلَ يا ابعَد ولا يـــا اغرُبِ

وقال من هاشميته السادسة وتعد من درر قصائده وتبلغ (20) بيتاً:

نفى عن عينكَ الأرقُ الهجـوعا     وهمٌّ يمتري منها الـــــدموعا

دخــــــيلٌ في الفؤادِ يهيجُ سقماً     وحزناً كان من جـــذلٍ منوعا

وتوكـافُ الدموعِ على اكتئـابٍ     أحلَّ الدهرُ موجعه الــضلوعا

ترقرقَ أســــحماً درراً وســكباً     يشبّه سحّها غــــــرباً هموعا

لفقدانِ الخضـــارمِ مِن قريــشٍ     وخيرِ الشافـــــعينَ معاً شفيعا

لدى الرحمنِ يصدعُ بالمثــاني     وكانَ لـــــــه أبو حسنٍ قريعا

حطوطاً فـي مسرَّتـــه ومـولى     إلــــــى مرضاةِ خالقِه سريعا

وأصفاهُ النـبيُّ على اخـــــتيارٍ     بما أعيى الرفوضَ له المذيعا

وَيَومَ الدَّوحِ دَوحِ غَــدِيرِ خُــمٍّ     أبَــــــــانَ لهُ الـوِلاَيَةَ لو أُطِيعَا

ولكِنَّ الرِّجــــــــــالَ تَـبَايَعُوهَا     فَلَم أرَ مـِــــــثلَهَا خَطَرَاً مَبِيعَا

فَلَم أبلُغ بِهِم لَعنَــــــــــاً وَلَـكِن     أسَاءَ بِذَاكَ أوَّلــــــــهُم صَنِيعَا

فَصَارَ بِذَاكَ أَقرَبُهُم لِـــــــعَدلٍ     إلى جَورٍ وأحفَظُهُـــم مُضِيعَا

أضَاعُوا أمرَ قَائِدِهم فَـــضَلُّوا     وأقوَمِهِم لَدَى الحَدَثَـــانِ رِيعَا

تناسوا حقَّه وبغوا عليـــــــــه     بلا تِرةٍ وكان لهمْ قريــــــــعا

فَقُل لِبَــــنِي أُمَيَّةَ حَيـــثُ حَلُّوا     وإن خِفتَ المُهَنَّدَ والقطِيـــعَا

ألاَ اُفٍ لِــــــــــدَهرٍ كُنتُ فِيهِ     هِدَانَاً طَــــــــــائِعاً لَكُمُ مُطِيعَا

أجَاعَ اللهُ مَــن أشـــــــبَعتُمُوهُ     وأشبَعَ مَن بِجَــــــورِكُمُ أُجِيعَا

وَيَلعَنُ فَــذَّ أُمَّتِهِ جِهَـــــــــارَاً     إِذَا سَاسَ البَرِيَّةَ والـــــــخَلِيعَا

بِمَرضِــيِّ السِّيَاسَةِ هَاشِــمِيٍّ     يَكُونُ حَيَــــــــــــاً لأُمَّتِهِ رَبِيعَا

وَليثاً فِي المَشَاهِدِ غَيرَ نِكسٍ     لِتَقوِيمِ البَرِيَّةِ مُستَـــــــــــطِيعَا

يـــــقيمُ أمورَها ويذبُّ عنها     ويتركُ جـــــــــدبَها أبداً مُريعا (44)

وقال من الهاشمية السابعة وتبلغ (7) أبيات:

نَفسِــــــي فِدَاءٌ رَسُولِ اللهِ قِلُّ لَهُ     مِنّي وَمِـــن بَعدِهِم أدنَى لِتَقلِيلِ

نَفسِي فِدَاءُ الذي لا الغَدرُ شِيمَتُه     ولا المَــعَاذِيرُ من بُخلٍ وَتَقلِيلُ

الحَـازِمُ الرَأي والمَيمُونُ طَائِرُهُ     والمُستَضَاءُ بِهِ والصَّادِقُ القِيلُ (45)

وللكميت في حديث الغدير من قصيدة قوله:

عــــليٌّ أميرُ المؤمنـينَ وحقّه     مِن اللهِ مفروضٌ على كلِّ مسلمِ

وإنَّ رسولَ اللهِ أوصـى بحقّهِ     وأشـــــــركه في كلِّ حقٍّ مقسَّمِ

وزوَّجــه صـديقةً لم يكنْ لها     معادلةٌ غيــــــــــرَ البتولةِ مريمُ

وردَّمَ أبــوابَ الذينَ بنى لهم     بيوتاً سوى أبوابِــــــــه لمْ يردَّمِ

وأوجبَ يوماً بالغديرِ ولايةً     على كلِّ برٍّ مِن فصيــحٍ وأعجمِ (46)

................................................................

1 ــ شرح هاشميات الكميت بن زيد الأسدي ــ بتفسير أبي رياش أحمد بن إبراهيم القيسي / تحقيق الدكتور داود سلوم، الدكتور نوري حمودي القيسي، ط 2 مكتبة النهضة العربية ــ بيروت 1406 هـ / 1986 م ص 43 ــ 99

2 ــ نفس المصدر ص 11 ــ 42

3 ــ نفس المصدر ص 188 ــ 194

4 ــ تاريخ دمشق 50 ص 229 / الأغاني ج 17 ص 5

5 ــ الأغاني للأصفهاني ج 17 ص 40

6 ــ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج 50 ص 232 / خزانة الأدب للبغدادي ج 1 ص 153 – 154

7 ــ معجم الأدباء ج 1 ص 410

8 ــ معجم الادباء للحموي ج 1 ص 231 / قاموس الرجال للشيخ محمد تقي التستري ج 8 ص 599

9 ــ رسالة في معني المولى ص 19

10 ــ سير أعلام النبلاء ج 5 ص 389

11 ــ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج ٥٠ ص ٢٣٣

12 ــ سير أعلام النبلاء ج 5 ص 389

13 ــ الأغاني ج 17 ص 40

14 ــ سيرة الإمام الباقر لحسين الشاكري ص 123

15 ــ الأغاني ج 15 ص 115 / الغدير ج 2 ص 196

16 ــ الكميت بن زيد.. شاعر العصر المرواني، موقع الأنطولوجيا بتاريخ 17 / 2 / 2019

17 ــ الجامع في تاريخ الأدب العربي ص 458

18 ــ المؤتلف والمختلف ص 157

19 ــ شرح هاشميات الكميت بن زيد الأسدي من قصيدته التي قدمناها

20 ــ شعر الدَّعوة، شعر جديد يحتاج رؤية جديدة، الكميت بن زيد الأسدي ص 234

21 ــ مستدركات أعيان الشيعة ج ١ ص ١٥٦

22 ــ الأغاني ج 17 ص 23

23 ــ شرح نقائض جرير والفرزدق لمعمر بن المثنى ج 2 ص 562

24 ــ الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة للسيد على خان المدنى ص ٥٧٢

25 ــ ثمار القلوب ص 171

26 ــ شرح شواهد المغني ص 13 ــ 14

27 ــ الغدير ج 2 ص 181

28 ــ أعيان الشيعة للسيد الأمين ج 9 ص 35

29 ــ نفس المصدر والصفحة

30 ــ البيان والتبيين ج 1 ص 37

31 ــ الفصول المختارة ج 2 ص 84

32 ــ الغدير ج 2 ص 186

33 ــ الكافي للكليني ج ٨ ص ٢١٥

34 ــ مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 337 / بحار الأنوار للمجلسي ج ٤٦ ص ٣٣٨

35 ــ الغدير ج 2 ص 188

36 ــ نفحات الأزهار للسيد علي الميلاني ج ٩ ص ١٩٩

37 ــ أعيان الشيعة ج 9 ص 35

38 ــ تاريخ دمشق ج 50 ص 236

39 ــ الغدير ج ٢ ص ١٨٩

40 ــ الأغاني ج 17 ص 30

41 ــ نفس المصدر

42 ــ شرح هاشميات الكميت بن زيد الأسدي ص 100 ــ 145

43 ــ نفس المصدر ص 146 ــ 187

44 ــ نفس المصدر ص 195 ــ 199

45 ــ نفس المصدر ص 200 ــ 201

46 ــ الغدير ج ٢ ص ١٩٥

كما ترجم له وكتب عنه:

المرزباني / مختصر أخبار شعراء الشيعة - المرزباني الخراساني - الصفحة ٧١

المرزباني / معجم الشعراء ١٧٠

المسعودي / مروج الذهب ج 2 ص 194

محمد بن علي الأسترآبادي / منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال ص ٢٦٩

حاجي خليفة / كشف الظنون ص ٨٠٨

النويري / نهاية الإرب ج ٣ ص ٧٢

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 1 ص 181 ــ 191

ابن النديم / الفهرست ص 18 3

أبو الفتح العباسي / معاهد التنصيص ج 2 ص 27

السيوطي / شرح شواهد المغني ص 13

أبو زيد القرشي / جمهرة أشعار العرب 187

محمد بن الحسن القمي / العقد الفريد والدر الفريد ص 165

الثعالبي / الإعجاز والإيجاز ص 98

العلامة المجلسي / بحار الأنوار ج 36 ص 390

الشيخ عباس القمي / الكنى والألقاب ج 1 ص 156

ابن عبد ربه / العقد الفريد ج 2 ص 153

الكشي / الرجال ص 136

الزركلي / الأعلام ج 5 ص 233

داود سلوم ــ شعر الكميت بن زيد الأسدي / جمع وتقديم

الدكتور عبد المجيد زراقط ــ شعر الدَّعوة رؤية جديدة الكميت بن زيد الأسدي

إسراء حليم علي ــ شعر الكميت بن زيد الاسدي ــ دراسة أسلوبية

صفاء الحاسي ــ الكميت بن زيد الأسدي ــ حياته وشعره

عباس عبيد السّاعديّ ــ الصورة الفنيّة في شعر الكُميت بن زيد الأسديّ الباحث: عباس عبيد السّاعديّ

الدكتورة عزة محمد محمد أبو النجاة ــ أثر مبدأ الالتزام في هامشيات الكميت بن زيد الأسدي

الدكتور علي نجيب عطوي ــ الكميت بن زيد الأسدي بين العقيدة والسياسة

سالم مرعي الهدروسي ــ ظاهرة الالتفات في نماذج من شعر الكميت بن زيد الأسدي / دراسة أسلوبية تحليلية

الدكتور علاء عبد العزيز عودة ــ التّفرِيع في نماذج من هاشميات الكميتِ بن زيد الأسدي

الأستاذ عبد المتعال الصعيدي ــ شاعر العصر المرواني للأستاذ عبد المتعال الصعيدي

عباس عبيد الساعدي ــ الكميت بن زيد الأسدي في نظر النقاد القدامى والمحدثين

تهاني طمبل، محجوب محمد الحسن ــ الصور الشعرية عند الكميت بن زيد الأسدي

شيماء محمد عبيد ــ الحقول الدلالية في شعر الكميت بن زيد الأسدي

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار