778 ــ محمد إقبال (1289 ــ 1357 هـ / 1873 ــ 1938 م)

قال من قصيدة له:

يُعـــــــــلِّمُ صيداً لصيَّـادِنا     وفـــــــــــقرٌ أذاهُ لحُكَّامِنا

هنالكَ فقرٌ وفيهِ المصـابْ     وآخرُ إكـسيرُه من تـرابْ

هنالكَ فقرٌ لدى (كربلاءْ)     لأجلِ الحسينِ لنا ما نشاءْ

الشاعر

محمد إقبال بن محمد نور بن محمد رفيق، شاعر وكاتب ومصلح وفيلسوف، ولد في مدينة سيالكوت بالباكستان وهو من الشخصيات العظيمة والخالدة في تاريخ الإسلام.

وربما ليس من الهين الحديث عن الشاعر الباكستاني الكبير محمد إقبال أو الإلمام بشخصيته، وبالجوانب المشرقة في حياته، والتي كانت عبارة عن جذوة متوقدة بالإبداع في شتى المجالات، فهو من الرجال القلة الذين حفلت حياتهم بالعطاء ووهبوا أنفسهم للإنسانية جمعاء، وهو من العظماء الذين زخرت أعمالهم بالتنوع الإنساني المبدع...

شاعرٌ حمل رسالة سامية إلى الإنسانية لم تغلب عاطفته عقلة.

مفكرٌ دعا المسلمين إلى الاحتفاظ بأسس حضاراتهم الإسلامية التي ترتكز على الأخلاق الفاضلة.

فيلسوف سبر غور العلوم (الميتافيزيقيا) فعمل على ربط الفلسفة بالدين كقوة كبرى لأنه آمن بالإسلام كعقيدة ونظام.

مصلح حارب الرذيلة والتفسّخ والانحراف في المجتمع ولم يكتف بمعالجة مشاكل أمته الاجتماعية فحسب بل دخل ميدان السياسة وخاض غمارها وشارك شعبه في محنته ووقف معه من أجل نيل الاستقلال والتحرر الكامل للشعب الباكستاني المسلم.

وقد عده أحد دارسي حياته أنه أحد الأربعة الذين (نادوا غفاة البشر) في الشرق على حد تعبير الشاعر الفارسي عمر الخيام وهم جمال الدين الأفغاني، ومحمد بن عبدة، وعبد الرحمن الكواكبي، وإقبال، فهو من قواد الفكر الإسلامي والإنساني وبُناته.

وكانت حياته كلها مشاريع متعدّدة الجوانب لنشر رسالة الحق والخير، رسالة الإسلام العظيم بأبهى معانيه وأجمل صوره، رسالة الأخوة والإنسانية المجردة من الطبقية والاستغلال، رسالة الحرية والعدالة والسلام.

وتعددت وسائله في نشر وإقامة هذه المشاريع، فهو الثائر الذي يبغي استقلال بلاده، وهو المصلح الذي مقت التعصب العرقي والطائفي، وهو الوطني المخلص الذي ايقظ النفوس بخطبه ورسائله، وهو الشاعر الإنساني بفلسفته، الصادق بدعوته، الحقيقي بعقيدته الذي آمن بأن الفن للمجتمع وآمن بالالتزام بالآداب ورد على الماديين ودعاة التحلل والانحراف.

ولد الشاعر والفيلسوف محمد اقبال في أسرة متوسطة الحال تتخذ الزراعة مهنة لها في قرية سيالكوت من مقاطعة البنجاب التي كانت تابعة في ذلك الوقت إلى الهند قبل أن تصبح تبعيتها للباكستان بعد انفصالها عن الهند، وتعود أسرة إقبال إلى جذور وثنية تدين باليرهمية وتنتسب إلى الجنس الآري ثم أسلمت هذه الأسرة عن طريق أحد أجدادها قبل ثلاثة قرون تقريباً في عهد السلطان المغولي (أكبر) وكانت هذه الاسرة تسكن (لوهر) وهي قرية في كشمير، فهاجر جد الشاعر (محمد رفيق) ومعه أولاده الثلاثة إلى سيالكوت لطلب الرزق واستقر في هذه المدينة الهادئة الجميلة.

وكان أحد أولاد محمد رفيق وهو محمد نور ــ والد الشاعر ــ يعين والده في عمله وكان زاهداً تقياً ورعاً محباً للخير كما كانت زوجته ــ أم الشاعر ــ كذلك فنشأ إقبال تحت رعاية والديه فورث تلك الصفات عنهما وتلقى على يديهما مبادئ القراءة والكتابة والأخلاق والفضيلة والصلاح، ثم درس القرآن الكريم على أحد الكتاتيب وحفظه ونهل من علومه الإلهية السامية، وكان والده كثيراً ما يقوله له: (يا بني إذا أردت أن تفقه القرآن فاقرأه كأنه نزل عليك)، ويقول إقبال عن وصية والده: (ومنذ ذلك اليوم بدأت أتفهم القرآن وأقبل عليه فكان من أنواره ما اقتبست، ومن سحره ما نظمت).

وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية التحق بمدرسة البعث الاسكوتية للدراسة الثانوية وتتلمذ على يد أحد العلماء المتضلعين في آداب اللغة العربية والفارسية هو شمس العلماء السيد مير حسن الذي أثر في تلميذه أيما تأثير وشجعه على كتابة الشعر، فبدأ إقبال يحرر المقالات الاجتماعية والأدبية وينشرها في الصحف والمجلات الهندية.

وبعد إكماله لدراسته الثانوية التحق بكلية لاهور الرسمية بعد أن اجتاز الامتحان الذي أجرته له الكلية للقبول بامتياز وقد هيأت له أجواء الكلية مجالاً واسعاً للإتصلال والتعرف بكثير من الأعلام من العلماء والأدباء المسلمين وغيرهم، فاتصل بالمستشرق الانكليزي السير توماس آرنولد صاحب كتاب (دعوة الإسلام) الذي كان معجباً بإقبال كثيراً، واتصل إقبال كذلك بالشيخ عبد القادر صاحب مجلة (محزن) التي كان إقبال ينشر فيها قصائده ومقالاته، ثم حصل على شهادة الماجستير من نفس الكلية فاختير على إثرها أستاذاً للتاريخ والفلسفة، ثم سافر إلى لندن فالتحق بجامعة كمبردج وذلك عام 1905 فحصل منها على شهادة في الفلسفة الأخلاقية وألقى كثيراً من المحاضرات الإسلامية من على منابر هذه الجامعة، ثم استقر المقام به في بلاده بعد رجوعه إليها من لندن، وتولى منصب عميد كلية الدراسات الشرقية ورئيس قسم الدراسات الفلسفية، وكان دائم الاتصال بمعاهد العلم في لاهور وغيرها، وكانت الجامعات تدعوه إلى زيارتها والمحاضرة فيها، ودعي إلى جامعة مدراس سنة 1928 فألقى محاضرات هناك جمعت وسميت (إصلاح الأفكار الدينية في الإسلام) وهي أعظم ما كتب إقبال في الفلسفة. ثم سافر إلى ألمانيا لينال شهادة الدكتوراه بدرجة شرف عن أطروحته (تطور الميتافيزيقيا في بلاد فارس) وذلك عام 1908. كما زار إقبال مصر وفلسطين وأفغانستان على إثر دعوة وجهها له ملكها نادر شاه.

عاش إقبال في عصر تكتنفه الظلمات، وتسوده الفاقة، ويطغى عليه الجهل والفقر والمرض والتخلف الثقافي والفكري، فكان يدعو إلى الرجوع إلى القرآن الكريم ومبادئه السمحاء ونبذ الخلاف والفرقة والتعصب الديني والطائفي اللذين غرستهما السياسة البريطانية في نفوس أبناء الهند فصرح بآرائه السياسية وأفكاره الوطنية داعياً المسلمين إلى الانتباه من غفوتهم والعمل على بناء الأمة الإسلامية من جديد ومن شعره في الدعوة إلى الرجوع إلى تعاليم الدين الحنيف:

هبَّ يا برعمَ النرجسِ مفـــــــتوحَ العيونْ

هبَّ إنَّ العيشَ أمســــــــى نهـباً للمعتدينْ

هبَّ إنَّ الطيـــــــــرَ ناداكَ بفتّـانِ اللحونْ

قمْ على صوتِ أذانِ الفجرِ يدعو المتقينْ

هبَّ بالنارِ تلظّى في النفوسِ الـــــيقظينْ

هبَّ يا مَن رحتَ في نــــــــــــومٍ عميقْ

فكان يصرخ محذراً المسلمين عاقبة التفرقة التي تنخر كيانهم وتشتت شملهم وتبدد قوتهم فيستضعفهم العدو المستعمر ويستكين بهم ومن شعره في الدعوة إلى الوحدة الاسلامية ونبذ الفرقة:

إنَّ نارَ العربِ في مـــــهدِ الحرمْ     لغناءِ الناسِ في أرضِ العـــــجمْ

ديننا الإسلامُ يرمــــــــــــي سرَّه     دونما شــــــــــــرٍّ لتوحـيدِ الأممْ

بيدَ أنّا قد بقــــــــــــينا في شتاتْ       دون توحـــيدِ صفـوفٍ في ثباتْ

خوفَ ذا الغربِ الــذي يرمي به     في فــسادٍ دونَ تهـذيبِ الصفاتْ

ويحذر اقبال المسلمين من الانجرار وراء الأهواء واتباع الشهوات:

أتعيـــشُ بينَ المؤمنينَ مفرّقاً     للمــــسلمينِ وتدّعي التوحيدا

وتـظنُّ ذكرَكَ طاعةً وعـبادةً       وهواكَ صارَ إلهُك المعبـودا

ثم يذكّر المسلمين بنبيهم الكريم (صلى الله عليه وآله) الذي غرس المحبة في النفوس ودعاهم إلى التمسك بوصاياه التي تجمع القلوب وتوحد الصف:

غرسَ المـــحبّةَ أصلُه من يثربِ     هيَ جنُّة المأوى وغارسُها النبي

إن ضلّت الدنــــيا أعاد صـوابَها     نـورُ المدينةِ لا شــعاعُ الكوكبِ

* * * *

ألمْ يُبعثْ لامَّتِكـــــــــــمْ نبيٌّ     يوحِّدكمْ على نهـــجِ الوئامِ

ومصحفُكم وقـــبلتكمْ جميعاً     منارٌ لــــــــلأخوّةِ والسلامِ

فــــــــما لنهارِ ألفـتكمْ تولّى     وأمسيتمْ حيارى في الظلامِ

ويشيد إقبال بالأمة التي حملت الحضارة الإنسانية مشعلاً تنير به مسالك التاريخ وكان الفضل في ذلك لنبي الرحمة محمد (صلى الله عليه وآله) فيقول في مقطوعته (صوت إقبال إلى الأمة العربية):

أمّة الصحراءِ يـــا شعبَ الـــخلودْ     مَن سواكمْ حـــلَّ أغلالَ الـــورى

أي داعٍ قـــــبلكم في ذا الوجــــودْ     صاحَ لا كـسرى هنا أو قيصـــرا

من سواكم في حديـــثٍ أو قديــــمْ     اطلع القرآنَ صبـــــحاً للرشــــادْ

هاتفاً في مسمعِ الكونِ العــــــظيمْ     ليـسَ غير اللهِ ربَّـــــــــاً للعــــبادْ

أرسل الشكرَ إلى غيـرِ انـتـــــهاءْ     لنبــيِّ اللهِ قدسيِّ الجــــــــــــــنابْ

وحباهُ الله من عليـــــــــــــــــــائهِ     عـــزمةً فلَّ بها سيفَ الـــــــــغِيرْ

راكبُ الناقةَ في صحـــــــــــرائهِ     ســـارَ فيها راكــــباً خيلَ الــــقدرْ

كبّروا للهِ في ظــلِّ الـــــــحروبْ     وصـــــفوفاً تحتَ ظـــــلِّ المسجدِ

ضجَّةً دانتْ لهم فيها الشــــعـوبْ     وارتقوا فـــــيها مـــــــكانَ الفرقدِ

اما شعره الفلسفي فقد شرح فيه مفهومه للحياة وغاياتها من وجهة نظر إسلامية، وراح ينبذ كل نظرية تتعارض مع مفهوم الإسلام ويرد عليها ويبطلها، فعارض وجهة نظر الفيلسوفين بريد لي وهيجل اللذين يؤمنان بوحدة الوجود الداعية إلى فناء الذات في الحياة المطلقة، فيصف إقبال الحياة:

ما إلى الموتِ والحيـــاةِ التفاتُ     مقصدُ الذاتِ رؤيةٌ ذاتُ حسبِ

أما شعره الإنساني فقد حفل بالعواطف الإنسانية وقف من خلالها إلى جانب الشعوب المستضعفة، فشنَّ حرباً على النازية والصهيونية وجميع أنواع الاضطهاد العنصري والعرقي مستمداً آراءه من صميم الإسلام وتوجيهات الرسول الأكرم الذي نادى بوحدة الجنس البشري، فكانت قصيدته (بلال) صرخة بوجه الارستقراطية البغيضة ودعوة إلى وحدة الجنس البشري.

كما مجّد إقبال الإسلام ونبيه الكريم (صلى الله عليه وآله) فهو يفتخر بالأمة التي انجبته فيقول: (إذا كنتُ هندياً في أنغامي، فإني عدناني الصوت، مسلم حنيفي، وأفكاري مستمدة من النبي العربي وهل الإسلام إلا دين الله في الإرض)

أما شعره الاجتماعي فقد حارب به كل شذوذ وفساد، وآمن وناصر فكرة الفن للمجتمع، وسخّر شعره في خدمة الناس، فمن المشاكل الاجتماعية التي عالجها في شعره هو مطالبته بحقوق المرأة التي ضمنها لها الإسلام الحنيف، وحارب السفور بوصفه مفسدة للمجتمع لا يقرّها الدين ولا يرضاها الضمير:

فضحَ العصرُ جــــنةً بالسفورِ     نورُ عينٍ وظلمةٌ في الصدورِ

إن تجنْ متعةُ العيــــونِ مداها     كانَ منها الشتاتُ في الـتفكيرِ

قطرةُ الماءِ لا تحـــــــوَّل درّاً     دونَ أصـدافِها بقاعِ الـــبحورِ

فكان من دعاة أنصار المرأة المعتدلين الذين يريدون منها الاقتداء بسيرة المثل الأعلى للنساء عبر التاريخ السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين (عليها السلام) فيقول في قصيدته الخالدة (فاطمة الزهراء) وهو يصور لنا أفكاره وشعوره تجاه أهل بيت الرحمة (عليهم السلام):

نَسَبُ المسيحِ بَنــــــــــــــــــــى لمريمَ سيرةً     بَقِيَتْ على طولِ المَـدى ذِكراها

والــــــــــــــــــمجدُ يُشرقُ مِنْ ثَلاثِ مَطالعٍ     فـــــــي مهدِ فاطمةٍ فَـما أعلاها

هِيَ بنتُ مَنْ؟، هِيَ زَوجُ مَنْ؟، هِيَ أُمُّ مَنْ؟     مَنْ ذا يُـــداني في الفَـخارِ أباها

هِيَ وَمْضَةٌ مِنْ نُور عَيــــــــــنِ المُصطفى     هادي الشعـوبِ إذا تَـرومُ هُداها

هِيَ رَحمةٌ للعالَميــــــــــــــــــــنَ وَكَعبةُ الـ     آمالِ في الــــــدُّنيا وفـي اُخراها

مَنْ أيْقَظَ الفِطرَ النيـــــــــــــــــــــامَ برُوحِهِ     وَكَأنَّهُ بَعدَ الـــــــــــــبِلى أحياها

وأعادَ تأريخَ الحيـــــــــــــــــــــــــاةِ جَديدةً     مِثلَ العَرائِسِ في جَـــديدِ حُلاها

وَلِزَوجِ فاطِمَةٍ بســـــــــــــــــــورَةِ هَلْ أتى     تاجٌ يفوقُ الشمسَ عِندَ ضُـحاها

إيوانُهُ كُوخٌ وَكَنـــــــــــــــــــــــــــــزُ ثَرائِهِ     سَيفٌ غَدا بيَمينِهِ تَيّـــــــــــــاها

في رَوضِ فاطِمَةٍ نَما غُصنــــــــــــــانِ لَمْ     يُنجِبهُما في النَيِّراتِ سِـــــــواها

فَأميرُ قافِلَةِ الجِّهـــــــــــــــــــــادِ وَقُطبُ دا     ئِرَةِ الوئامِ وَالاتِّحـــــــــادِ ابناها

حَسَنُ الذي صانَ الجَّمـــــــــــــــاعَةَ بَعدَما     أمسى تَفَرُّقها يَحلُّ عُـــــــــراها

تَرَكَ الخِلافَةَ ثُمَّ أصبـــــــــــــــــحَ في الديا     رِ أمامَ أُلْفَتَها وَحُــــــسْنَ عُلاها

وَحُسَينُ في الأحـــــــــــــرارِ وَالأبرارِ ما      أزكى شِمائِلَهُ وَمــــــــــا أنْداها

فَتَعَلَّموا رَيَّ اليَقينِ مِنَ الــــــــــــــــــحُسَيـ     ـنِ إذا الحَوادِثُ أظلَـمَتْ بدُجاها

وَتَعلَّموا حُرِّيَةَ الإيمـــــــــــــــــــــــانِ مِنْ     صَبرِ الحُسَينِ وَقَدْ أجــابَ نِداها

الأُمَّهاتُ يَلِدْنَ لِلشَّمـــــــــــــــــــسِ الضِّيا     ءَ وَلِلجَواهِرِ حُسنَها وَصَـــــفاها

وهو يدعو النساء إلى التمسك والاقتداء بسيرتها العظيمة:

هِيَ أُسوَةٌ لِلأُمَّهاتِ وَقُــــــــــــــــدوَةٌ     يَتَسَّمُ القَمَرُ المُنيرُ خُــــــــــــــطاها

لَمّا شَكى المُحتاجُ خَــــــلفَ رحابها     رَقَّتْ لِتِلكَ الــــــــــنفسِ في شَكواها

جادَتْ لِتُنقِذَهُ بــــــــــــرَهْنِ خِمارها     يا سُحْـــــــبُ أيـنَ نَداكِ مِنْ جَدواها

نُورٌ تَهـــــــــــابُ النارُ قُدسَ جَلالِهِ     وَمُـــــــنى الكَواكِبِ أنْ تَنالَ ضِياها

جَعَلَتْ مِنَ الصَّبرِ الجَّميلِ غِـــذاءَها     وَرَأتْ رِضا الزَوجِ الكَريمِ رِضاها

فَمُها يُرَدِّدُ آيَ رَبِّــــــــــــــــكَ بَينَما     يَدُها تُديــــــــرُ عَلى الشَعيرِ رَحاها

بَلَّتْ وِســـــــــــــــادَتَها لَآلِئُ دَمْعِها     مِنْ طُولِ خَشْـــــــــيَتِها وَمِنْ تَقواها

جبــــريلُ نَحوَ العَرشِ يَرفَعُ دَمعَها     كَالطَّلِّ يَروي في الجـــــــنانِ رُباها

لَــــولا وُقوفي عِندَ أمرِ المُصـطفى     وَحُدودِ شِرْعَتِهِ وَنحنُ فِـــــــــــداها

لَمَضَيتُ لِلتِطوافِ حَولَ ضَريــحِها     وَغَمَرتُ بالقُبُلاتِ طِيــــــــبَ ثَراها

ولسيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) كتب إقبال:

في الكعبةِ العليا وقصتها     نبأ يفيضُ دماً على الحَجَرِ

بـدأت بإسماعيلَ عبرتها     ودمُ الحسيــــنِ نهايةُ العِبرِ

وفيه (عليه السلام) قال:

ارفــــعوا الوردَ والشقائقَ إكليـ     ـلَ ثناءٍ على ضريحِ الشهيدِ

ذاكَ لونُ الدمِ الذي أنبتَ المجـ     ـدَ وروّى به حيـــاةَ الخـلودِ

ولإقبال قصائد كثيرة تغنى بها بجمال الطبيعة ضمن فيها فلسفته وأفكاره وأرجع بحواسه الفكرة إلى عللها وأسبابها مستخلصاً العبر والعظات منها، من هذه القصائد رائعته (الربيع) التي تسمو بالقارئ إلى أجواء رحبة راسماً صوراً إبداعية تنتقل من الوصف الخارجي إلى الأفق الفكري والفلسفي، فهو يرى إن عمل الشاعر لا يقتصر على نقل التصورات الفنية إلى الأخيلة فقط وإنما يجب أن يتناول المسائل الفكرية المتصلة بالحياة البشرية وموقف الإنسان منها.

ترك إقبال أحد عشر ديواناً من الشعر زخرت بآرائه الفكرية والفلسفية مصاغة بأنغامه الشعرية الخالدة منها: (اسرار معرفة الذات) و(أسرار فناء الذات) و(رسالة الشرق) و(صلصلة الجرس) و(جناح جبريل).

ولم يقتصر إنتاج إقبال على الشعر بل كتب المقالات الفلسفية والفكرية والأبحاث الإسلامية وألّف عدة كتب منها: (علم الاقتصاد) و(تطور الميتافيزيقيا في بلاد فارس) و(إصلاح الأفكار الدينية في الإسلام)، (تجديد التفكير الديني في الإسلام)، (رسالة المشرق)، (زبور العجم)، (والآن ماذا ينبغي ان نفعل يا أمم الشرق)، (الفتوحات الحجازية)، (اسرار معرفة الذات)، (أسرار فناء الذات)، (مسافر)، (الكليم موسى عليه السلام) وله رسائل وخطب وبيانات جمعت في عدة كتب وبقي إقبال يرفد الحركة الثقافية والفكرية والاجتماعية بفكرة حتى وفاته.

وقد فجع العالم بوفاته وأبنه ورثاه كبار شخصيات العالم، قال طاغور ــ شاعر الهند: (لقد خلفت وفاة إقبال في أدبنا فراغًا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل، إن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند التي لم ترتفع مكانتها في العالم).

وقال عنه الدكتور عبد الوهاب عزام الذي ترجم ديوانه إلى العربية: (في اليوم الحادي والعشرين من شهر نيسان سنة 1938 م. والساعة الخامسة من الصباح، في مدينة لاهور، مات رجل كان على هذه الأرض عالماً وروحياً يحاول أن ينشئ الناس نشأة أخرى، ويسنّ لهم في الحياة سنّة جديدة. مات محمد إقبال الفيلسوف الشاعر الذي وهب عقله وقلبه للمسلمين وللبشر أجمعين)..

ويقول عنه الشيخ أبو الحسن الندوي: (لا أعرف شخصية ولا مدرسة فكرية في العصر الحديث تناولها الكتاب والمؤلفون والباحثون مثلما تناولوا هذا الشاعر العظيم)

وقال عنه السيد جواد شبر: (شاعر وفيلسوف وممّن شغفوا بحبّ الإسلام فهو خالد بعقيدته وأعماله الجبّارة وخدماته لشعبه خاصة، وللمسلمين عامة. رحمه الله وأثابه على ذلك)

وتخليداً لذكره فقد أقامت الباكستان في عام (1977) مؤتمرا دوليا تحت عنوان: ذكرى الشاعر إقبال في الذكرى المئوية لميلاد شاعرها القومي محمد إقبال، وقد وجهت الدعوة إلى أكثر من 200 عالم وشاعر من جميع أنحاء العالم للمشاركة في هذا المؤتمر الذي استمر أسبوعاً. كما أطلقت اسمه على أكثر من مؤسسة تربوية.

وقد بنى له محمد نادر شاه ملك أفغانستان ضريحا للشاعر في فناء المسجد الجامع (شاهي مسجد) في لاهور، كتب عليه: (إن محمد نادر شاه ملك الأفغان أمر بصنع ذلك الضريح اعترافًا منه ومن الأمة الأفغانية بفضل الشاعر الخالد).

وقد رثاه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بأبيات عندما زار قبره أثناء حضوره المؤتمر الإسلامي في الباكستان منها:

يا عــــــــارفاً جـلّ قـدراً في معارفِـه     حـــــــــــيَّاكَ مـنيَ إكـبارٌ وإجلالُ

إن كانَ جسمُكَ في هذا الضريحِ ثوى     فالـــروحُ منكَ لها في الخلدِ إقبالُ

تــــــــــحيّـةً لكَ مِـن خِـلٍّ أتـاكَ علـى     بُــــعدِ الـمزارِ بقولٍ مثلَ ما قالـوا

(لا خـيلَ عـــــنـدكَ تهـديهـا ولا مـالُ     فليسعدِ النطقُ إن لمْ يسعدِ الحالُ)

................................................................

ترجم له وكتب عنه:

عبد الوهاب عزام ــ محمد إقبال: سيرته وفلسفته وشعره

السيد جواد شبر / أدب الطف ج 9 ص 174 ــ 179

محمد حسن الأعظمي، والصاوي علي شعلان ــ تقديم لديوان شكوى وجواب شكوى لمحمد إقبال

الدكتور فالح الكيلاني ــ الشاعر محمد إقبال، شاعر الايمان والحب والطموح

حسين مجيب المصري ــ الأندلس بين شوقي وإقبال

أبو الحسن الندوي ــ روائع إقبال

سبلة طلال ياسين عبد الخضر ــ محمد إقبال.. حياته وفكره السياسي

إسراء عبد التواب ــ محمد إقبال.. صفوة أصحاب الصفاء / موقع البوابة نيوز بتاريخ 21 / 4 / 2014

حسين عمر حمادة ــ محمد إقبال فيلسوف الذات وشاعر العشق / موقع ديوان العرب بتاريخ 20 / 5 / 2006

سيد توكل ــ محمد إقبال.. شاعر جعل قلبه وطناً للمسلمين / بوابة الحرية والعدالة بتاريخ 22 / 4 / 2018

طارق بدراوي ــ سلسلة شخصيات عالمية.. محمد إقبال / جريدة النجم بتاريخ 16 / 4 / 2019

محمود رأفت ــ محمد إقبال: رحلة شاعر من صفحات القرآن إلى جبهات الحياة / موقع ن بوست بتاريخ 23 / 10 / 2015

خالد محمد عبده ــ محمد إقبال وفلسفة التسامح

خالد محمد عبده ــ أسرار العشق المُبدع في كتابات محمد إقبال

الدكتور بدر الدين مصطفى أحمد ــ أن تكون مسلمًا أصيلاً: محمد إقبال وكيركيغارد

الدكتور علي حسون ــ فلسفة إقبال

الدكتور أحمد معوض ــ العلامة محمد إقبال، حياته وآثاره

محمد الإدريسي ــ الاجتهاد عند محمد إقبال / دراسة في المفهوم والدواعي

الدكتور بوبكر جيلالي ــ التجديد الحضاري بين "محمد إقبال" و"مالك بن نبي"

محمد التهامي الحراق ــ رهانات التفكير الديني وراهنيّة محمّد إقبال

زكي الميلاد ــ التجديد الديني... ولحظة إقبال

إسماعيل نقاز ــ فلسفة التثاقف في مقاربة النص الغربي وآفاق التجديد عند محمد إقبال

عبد اللطيف الخمسي ــ فلسفة الدين في الفلسفة الإسلامية المعاصرة: محمد إقبال أنموذجاً

احميدة النيفر ــ محمد إقبال و"الإنسِيَّة" القرآنية

عبد الله إدالكوس ــ سؤال التجديد وراهنية محمد إقبال

مصطفى عبد الظاهر ــ عرض كتاب: "الإسلام والمجتمع المفتوح، الإخلاص والحركة في فكر محمد إقبال" لسلميان بشير ديان

محمد عبد المنعم خفاجي ــ الشاعر إقبال رائد تجديد الفكر الديني مجلة الهلال شهر أيلول 1994

 

المرفقات

كانب : محمد طاهر الصفار