شباك موشى بالذهب والفضة قوامه مجموعة من العقود المتراصة الى بعضها البعض مرفوع من فوقها تاج من الذهب مزين بمجاميع من الزخارف المختلطة، اتى بها الفنان على شكل شريط كتابي بخط الثلث يحيط بالشباك من الاعلى ومجاميع مختلفة من الزخارف المختلفة التي نفذت بتقنيات الطرق والتطعيم بالمينا والتكفيت بالذهب والفضة.
تميز الشباك بتوليف جمالي متنوع من حيث المفردات والوحدات والتقنيات والعناصر والعلاقات الرابطة مع التنوع في الأسلوب التنظيمي حيث نجد أن الواجهة ومحيط الشباك متألفة من وحدة هندسية أساسية وهي المستطيل وهي متماثلة التكوين الزخرفي ما عدا باب الشباك المميز بعقد نباتي وكتابي من الذهب، وتكررت هذه المستطيلات بالتبادل مع مستطيلات أقل عرضاً وبالطول نفسه .
يتألف المستطيل الحاضن لباب الشباك المطهر من عقد ضام متجاوز مفصص احتضن مزيج من تكوينات نباتية وكتابية ذات زوايا مدورة اكتسبت جمالياتها بنظامها العمودي لتشغل الفضاء كليا مع الباب، ويتوج العقد غصنان منحنيان بشكل متعاكس ينتهيان بزهرة صغيرة ويتوسطهما زهرة ثلاثية الفصوص ذات مقطع جانبي مركبة كليا على ورقة نباتية ثلاثية الفصوص ومعرقة ، وينظم هذا التكوين على وفق مبدأ التوازن المتماثل ليمنح الشكل الأستقرار والوحدة والجمال ، ونظم جانبا العقد بنظام ثنائي على المحور العمودي بتكرار كامل على الجانبين ، وتضمن نصف العقد أغصان متموجة يتفرع منها أوراق نباتية متنوعة الأحجام والأشكال ، فمنها بسيطة وأخرى مسننة ذات عرق وسطي وأخرى ذات حشو داخلي من الأوراق المسننة الأصغر حجما أو مسننة ذي نهايات ملتفة محشوة بأزهار وأوراق بسيطة ، اما الأزهار فقد تنوعت أحجامها وأشكالها بشكل منسجم وذو أبعاد جمالية قوامها أزهار بسيطة مفصصة ومسننة ذات مقطع جانبي أو رأسي ومتراكبة جزئيا أو كليا أي ذات حشو داخلي من الأزهار والأوراق وتوحي بعض هذه الأزهار بالحركة الدورانية الأتجاهية ناتجة من طي جوانب الورقة باتجاه واحد مما يفعل من جماليات التنوع من خلال النسب المتفاوتة بالأحجام وتنوع التكوينات الزخرفية مع تنوع الحركة الديناميكية الأيقاعية الناتجة من حركة الغصن والأزهار ضمن كل موحد مترابط ، ويؤطر هذا التكوين الزخرفي افريز منظم بتكرار متبادل قوامه أزهار ذات مقطع جانبي مع أغصان ذات حركة موجبة موحدة تنبثق منها أوراق معرقة بحركة ايقاعية ذات أبعاد جمالية من خلال التنوع بالوضع مع تماثل المفردات المتكررة فهي ذات تنوع انمائي حركي ، أما المستطيل الأقل مساحة المجاور للمستطيل الأول فقوامه عمود نصفي ذو أخاديد طولانية يتوجه أربع أوراق من الأكانتس ذات الحشو الحلزوني تلتقي كل ورقتين لتوحي بهيأة تشبه السمكة بطابع زخرفي اسلامي يفصل بين الهيأتين أزهار ذات مقطع جانبي ، يليه مربع مزخرف بزهرة ذات مقطع رأسي يعلوها آنية ذات بدن محزز وفوهة عريضة يخرج منها غصن ينبثق منه أوراق معرقة وأوراد الجوري الكاملة والبدائية النمو وذات المقطع الجانبي والرأسي وبأوضاع وحركات متنوعة فهي ذات نسيج زخرفي منظم بتكرار متكافئ ومنسجم وجميل ، يتوج الآنية مع أورادها طوق على هيأة عقد ضام متجاوز ومفصص ، محزز من الخارج وعلى جانبيها زخرفة قوامها مفردات كأسية كاملة ومقسومة ثنائية الفلق وهذه الآنية مع أورادها وطوقها مصمتة بلون الذهب مع اضافة ظلال حول الأوراد والأغصان على الأرضية لتفعيل القيمة الضوئية وتباينها لأبراز جمالية المفردات الزخرفية .
أما المستطيل الذي يحوي الباب فله الزخارف النباتية نفسها على جانبي العقد الا أنه يختلف من حيث الحشو الداخلي الزخرفي والتأطير الخارجي ، فنجد من حيث الحشو الداخلي تضمن العقد نصوص لأدعية على مهاد مزخرف يتلوها دعاء ونصوص قرآنية تعلو الباب تتسيدها اية من الذكر الحكيم نفذت بخط الثلث ( فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا )، كما قسمت الباب الى مربعات تحوي نصوصاً كلها بخط الثلث ومصمتة ، ويؤطر المستطيل ثمار الفراولة مكررة بالتبادل مع أوراق الفراولة المعرقة مع أغصانها .
شغل أعلى المستطيلات بافاريز نصية وأخرى زخرفية ، أحيطت بعض النصوص الذهبية البارزة أشكال هندسية مفصصة شغلت على مهاد أزرق مزخرف بالأغصان الخضراء مع أزهار بلون وردي مع أبيض ساهمت في وضوح وتباين النصوص مع الأرضية ، كما يتخلل أحد الأفاريز أشكال هندسية مفصصة احتضنت باقات من الزهور القريبة من الواقع على الرغم من كونها مصمتة بلون الذهب ؛ لإضفاء التنوع المظهري ، كما شغل الأفريز النصي الأخير بشكل كامل من دون تجزئة النصوص وتحديدها على مهاد أزرق من المينا المزخرف بالأغصان والأزهار .
أما الأفريز الزخرفي فقد نظم بالتكرار المتبادل لزهرتين كل منهما متراكبة من الأزهار والأوراق احتوت أحدهما على أغصان منحنية الى الداخل ذات حشو حلزوني وكانت أحدهما متجهة نحو الأعلى والأخرى نحو الأسفل مع قلب زخرفي احتضن بداخله اسم أحد الأئمة بلون ذهبي مصمت على مهاد أخضر مزخرف بالأغصان والأزهار ، وزين الفضاء المحيط بهذه المفردات بأزهار وأوراق ملتفة لملء الفضاء وقد خطت جميع النصوص بخط الثلث لقابليته على التشكيل والتراص بصور جمالية متنوعة حسب الفضاء المقرر ،
وقد توجت الأفاريز بصف من الشرفات المورقة التي تحتضن شكلاً بيضوياً مزخرفاً بالمينا على شكل قلب ذي تناظر رباعي محشو بأزهار وردية قريبة في محاكاتها للواقع على مهاد أبيض ، بينما أحيط القلب بلون أزرق كما وظفت آنيات خزفية على زوايا او اركان الشباك المطهر ، وقد اتى بها الفنان المزخرف بقوام على شكل جرة من الخزف المحزز " ذي البريق المعدني " تغطي فوهتها مشكاة من جنسها الخزفي ازرق اللون ، تحتوي على مجموعة متنوعة من الزخارف النباتية البارزة و المتشابكة تضفي مسحة جمالية على بدنها الرشيق ، قاعدتها عبارة عن فخار مزجج مطعم بشريط من الذهب في حين توزعت الاشكال الزخرفية على ارضية زرقاء اللون تغطي بدن الجرة بالكامل وعلى طول مساحتها من القاعدة الى الفوهة المغطاة بالمشكاة .
وقد التزم الفنان بالزخرفة النباتية في هذا النص الفني واكسبها تنوعا ضمنيا باختلاف هيآتها على محاور الجرة الافقية تماشيا مع قدسية وروحانية المكان وجماليته ، حيث اكتسب السطح الزخرفي بعداً جمالياً لموضوعة المشهد الماثل ، من خلال توزيع الاشكال المتنوعة و وتباينها مما يعكس الاسلوب الجمالي الذي تميز به الفنان المسلم في هكذا نوع من انواع الفنون الاسلامية، وهنا يلمس الزائر المشاهد أن موضوعة هذه الحلية الفنية المتمثلة بالشباك الحاضن لمرقد المولى ابي الفضل عليه السلام وموقع وجوده ما هو الا عملية هضم وتداخل نفذها الفنان المسلم بين قدسية المكان ودلالاته الروحية والمحاكاة وإخراجه على توصيفات شكلية مؤثرة باندماج توافقي متجانس يشتغل على مبدأ الإيقاع الحركي والذي هو بالنتيجة إشارة إلى موضوعة الحياة الكونية اللامرئية في عالم الذر وما تحتويه من فعل جمالي تزييني انعكست معطياته بشكل او باخر على روحانية الاعمال الفنية الاسلامية وجمالياتها ليصبح مشكاة للقلوب المظلمة.
اترك تعليق