تعد تشكيلات الفنون الزخرفية الإسلامية من أرقى ما وصل اليه التراث الفني الإسلامي، والذي يوصف من الناحية الفنية الجمالية بأنه وحدة شاملة تتصل أجزاؤها ببعضها البعض رغم الاختلافات الشكلية التي وجدت في البلدان المتنوعة، فقد ظلت الوحدة الجمالية والفنية هي الطابع المميز الذي يربط كل الإبداعات الزخرفية، ولعل فن الزخرفة العربية الإسلامية واحد من الفنون التي خضعت لشروط جمالية وأسس بنائية خاصة متفردة في طابعها ومحتواها وإحالاتها الفكرية ، بحيث ان إبداع العناصر الفنية الزخرفية وطرق بنائها وربطها خضعت إلى سلسلة من العلاقات الفكرية ، التي تعمل بمثابة أنظمة داخلية غير محسوسة توجه العمل في الزخرفة إلى جانب التقنيات المتنوعة التي أدخلها المزخرف المسلم على عالم الزخرفة بأنواعها المختلفة ( هندسية ،النباتية ،المختلطة او كتابية )، فضلاً عن تأثير تنوع الخامات والتقنيات التنفيذية والتنوعات الشكلية والتقسيم الامثل لمساحات التكوينات الزخرفية.. والتي كان لها دورا رائداً في الإظهار الجمالي النهائي للعمل الفني الزخرفي.
يأخذ التقسيم المساحي للتكوينات الزخرفية عناية واسعة ومهمة من المزخرف فهو المرحلة الأولى في عملية بناء العمل الزخرفي ويقوم بتنظيم محاور تقسيم للمساحة بشكل متجانس ومتناسب مع مكونات العمل بحيث يكون لكل عنصر من عناصر التصميم أهمية في إظهار خصوصيته أو وظيفته المعينة ضمن هيكل العمل بحيث ينجز كل جزء من التصميم معناً تعبيرياً وشكلاً جمالياً وعند ذلك يحاول المزخرف من خلال تلك العملية إعطاء معنى أو دلالة معينة ليستطيع المتلقي بفعل توحيد العناصر المكونة للعمل الزخرفي ان يرى التقسيمات الاتجاهية التي يلجأ اليها المزخرف لأسباب عديدة منها ما هو تحقيق اتجاهي فضائي ناشئ عن أحداث تنوع اتزاني وتقسيم اتجاهي ومنها ما هو فضائي ناشئ عن أحداث المعالجات التناسبية بين الكل والجزء، اضافة الى المعالجات التتابعية ومجموعة من الصفات الايقاعية المتنوعة للكل والجزء وفي حالات التركيز على مساحة دون أخرى .
ومن المؤكد ان من اولويات أنجاح العمل الفني هو نجاح تكوينه عبر الترابط للأشكال والاستخدام الصحيح لعناصر العمل، بحيث لا يفقد قيمته عند وضعه بذلك المكان دون الاخر أو في تلك الصيغة عن غيرها ، وهذا يعتمد على خبرة المزخرف وامكانيته الفنية والذوقيه الأمر الذي يؤدي الى تحويل الشكل وبقية العناصر التي تشكل التصميم مما يكسبه وحدة العناصر وعملها داخله.
إذن فالشكل والمساحة يشكلان تلازما لإظهار كل منهما الأخر ضمن العملية التصميمية والتي تبدأ بحركة نقطة تصميم ضمن عملية التنظيم التي تكون بموجب تقسيمات مختلفة طبقا للمساحة المراد تزيينها، أي بمعنى ادق وضع العناصر من المفردات والوحدات الزخرفية ضمن وحدة ونسق منظم لخدمة الشكل العام، فأول عمل يقوم به الفنان المصمم والمزخرف يتمثل بتقسيم الفضاء على محاور حيث يخضع التصميم الى محاور رئيسية تتوزع بانتظام في وحدة تصميمية مترابطة متزنة التنظيم الشكلي المساحي على وفق كل ذلك تجري العمليات التصميمية والتي تعطي ناتجا اسمه التنظيم الشكلي.
من هذا نلاحظ أن الهدف من تقسيم الفضاء على محاور يكمن في تنظيم توزيع العناصر الزخرفية المكونة للوحة ويتم التقسيم باستخدام الخطوط الهندسية، فالتكوين المراد زخرفته يقسم على عدة أقسام بحيث يحتل كل جزء مساحة معينة تربطه بما يليه أو بما يسبقه بعلاقة انشائية مترابطة، فعنصر الخط مثلاً يدخل في تقسيم الفضاء بواسطة محور التناظر على وفق تقسيمات مختلفة للتصميم الزخرفي في مظهره الشكلي، والذي يرتكز في أساس توزيعه على التنظيم المتوازن والمتجانس، فتنظيم الفضاء يهدف بالنتيجة الى ربط أجزاء التكوين بعدة أنظمة متداخلة للبنية بطريقة تؤدي للتنوع الكامل للتقسيم الخاص بجميع العناصر.
وبالإمكان ان يتم التقسيم المساحي للفضاء بعدة أشكال منها:
1.تقسيم الفضاء على محاور أفقية وعمودية، وفيه يقسم الفضاء الى قسمين متماثلين بشكل عمودي أو أفقي.
2. تقسيم الفضاء على محاور متقاطعة، وفيه يقسم الفضاء على اربعة مقاطع متماثلة لخطوط عمودية وأفقية من منتصف الفضاء أو بشكل خطوط مائلة متقاطعة من الزوايا الأربع .
3. تقسيم الفضاء على محاور شعاعية ، وهنا يقسم الفضاء على اجزاء متعددة عن طريق دمج المحاور المتقاطعة العمودية والأفقية والمائلة ومن الزوايا الأربع .
4. تقسيم الفضاء على شبكة من الخطوط المتقاطعة، اذ يقسم الفضاء على مجموعة من الخطوط المتقاطعة العمودية والأفقية بشكل يشبه الشبكة.
اترك تعليق