الزخارف الهندسية .. طاقات جمالية كامنة

ينتمي هذا التصميم الزخرفي المنفذ على قطع الكاشي الكربلائي إلى فئة التكوينات الهندسية غير النجمية ويتميز بقوامه المصاغ من خطوط هندسية متقاطعة في مسارات عمودية وأفقية واخرى مائلة ، وفيه تكون وحدات التكرار الأساسية متوالدة من الشكل المربع، وبالنظر لكون التصميم هندسياً بالكامل نلاحظ انهه خال من الأغصان والأوراد والأزهار والأثمار وأية مظاهر نباتية اخرى.

وقد احتوى التصميم على مجموعة من العناصر والتكوينات الزخرفية بدأها المصمم بالخط الذي اعتمده الفنان في بناء هذا الفعل الإنشائي شأنه شأن كل الزخارف الهندسية على اختلافها، والخطوط البنائية في هذا التكوين هي خطوط حادة وذات سمك موحد، ليولد من خلالها

الشكل  الذي يجسد واحداً من الخيارات التصميمية التي تشكل انطلاقاً من مبدأ التنويع في تحلية الجدران في المساجد او المشاهد الاسلامية المشرفة، وكان ذلك على أساس التباين ما بين النباتي بتفرعاته اللينة والهندسي بخطوطه المستقيمة الحادة، مع لحاظ ان المزخرف المسلم قد أبدع بإيجاد تنويعات لزخارف هندسية منها ما جاء على شكل أطباق نجمية وأخرى شبكية تخلو من النجوم كما هو الحال في التكوين اعلاه.

ومن جانب اخر عمد المزخرف على تلوين أرضية العينة بالأزرق الشذري، فيما لون كل شريطين مربعين بالأبيض تارة، وبالأصفر تارة أخرى والمعينات المحصورة بداخلها ملونة بالأزرق الغامق، أما المربعات المتكونة من التقاء رؤوس كل أربعة أشكال متجاورة فهي بالأخضر الغامق وجميع الأشكال محددة بخطوط سود، في حين يخلو هذا التصميم من أي مسار اتجاهي محدد بسبب أنَّ وحدة التكرار الأساسية مستقرة وغير ذات بنية اتجاهية، ولكن التنظيم اللوني قد أوحى بمسارات أفقية تتضح امام المشاهد، إذ تنتظم الوحدات المميزة باللون الاصفر في خط صاعد كما هو حال الوحدات البنائية الموسومة باللون الابيض بالتناوب .

و يمكن تمييز اللون الأزرق الشذري كفضاء يحيط بالأشكال لكنه فضاء مشوط خاضع لشروط البنية الهندسية للزخارف، فهو مقسم إلى أجزاء ترتبط بالأشكال الهندسية المجاورة لها بشكل او باخر، ويمكن للمتلقي تمييز هذا اللون كقيمة ضوئية متوسطة تبرز عليها قيم الأصفر والأبيض كقيم ضوئية ذات نصوع عالٍ ، مع بقاء الأخضر والأسود والأزرق النيلي ، بمثابة قيم واطئة .

وهناك مجموعة من العلاقات البنائية تربط العناصر المكونة للوحة منها :  

1. التضاد الشكلي واللوني : ويظهر التضاد بشكل أساس في البنية الاتجاهية للخطوط الهيكلية ، إذ انتظم بعضها بشكل عمودي في حين انتظم بعضها الآخر بشكل أفقي ، كما ظهر التباين على مستوى المعالجات اللونية والضوئية ما بين الغامق منها والفاتح .

2. التناسب : وقد  تحقق التناسب بين مكونات اللوحة قياسياً ولونياً وحركياً بسبب طابعها الهندسي المحكم وتكرار الأشكال المنتظم فيها .

3. التوازن :  وهنا نجد ان البنى الهندسية تتميز غالباً بتوازن محكم محسوب بدقة عالية ، كما يلعب مبدأ التكرار المنتظم للأشكال دوراً في تحقيق توازن بنية المكون الفني اعلاه .

4. التطابق :  وهنا نجد ان التطابق في اللوحة ناشئ من تكرار الوحدة الأساسية كما هي في جميع الاتجاهات، فضلاً عن تطابق المعالجات اللونية على نسق ثابت .

5. الانسجام :  ويلمس المشاهد في اللوحة سمة الانسجام بين مكوناتها البنائية، ويعزى ذلك الى بنيتها الهندسية المحكمة المترابطة ومعالجتها اللونية المحسوبة بدقة .

6. التكرار او الإيقاع : اذ يلعب التكرار دوراً كبيراً في بناء هذا المنجز الفني المتكون من تكرارات منتظمة للأشكال والعلاقات والعناصر ، ويبدو الإيقاع رتيباً للمشاهد على مستوى انتظام الأشكال ولا يقلل منه سوى التنويع اللوني وبشكل بسيط.

7. السيادة :  ويمكن القول في هذا الموطن أنَّ الطابع الهندسي هو الذي يشار إليه بالهيمنة ، فضلاً عن سيادة لون الأرضية .

8. الوحدة :  وهنا تحققت الوحدة بسبب البنية الهندسية المتماسكة للأشكال المترابطة مع بعضها ، اضافة الى  دور المعالجات اللونية في تحقيق وحدة التصميم .

ومن جانب اخر يبدو جلياً للمتأمل للنص الفني اعلاه ونصوص زخرفية اخرى مشابهة.. حرص المزخرف العامل في حقل الزخارف الهندسية على ترصين عمله وتقوية البنى الداخلية والخارجية للأشكال التي يبتكرها، ليحقق من خلالها بناءأ ذي طبيعة معمارية مترابطة أشبه بالبناء المعماري الذي تشد وحداته بعضها بعضاً وتقويها، بحيث يبدو عمله في نهاية الأمر متراصاً ولا يمكن تحريك أجزائه أو خلخلة تماسك اجزائه ، فهو يستلهم البنى الداخلية للأشياء في الكون ويحاول إطلاق طاقاتها الجمالية الكامنة في أسلوب إنشائها وتكويناتها ، إذ يصبح تكرار الأشكال هو الطريق الأمثل لإنتاج تكوينات فنية ذات طاقة جمالية داخلية لا تحاكي الأشكال الواقعية بقدر ما تحاكي طرق بنائها وهندستها الداخلية،  وفي التصميم اعلاه وعلى الرغم من بساطته فقد جسد بعضاً من الإحكام الجمالي محققاً وحدة التكرار والإيقاع وهيمنة النسق والانتظام المتوازن .

كاتب : سامر قحطان القيسي