562 ــ محمد طاهر الصفار (ولد 1392 هـ / 1973 م)

محمد طاهر الصفار (ولد 1392 هـ / 1973 م) (1)

قال من قصيدة (صوت الحسين) وتبلغ (34) بيتاً:

حتى استرحتُ إلى صلاةٍ أيقظتْ     بي (كربلاءً) فـاصـطفتكَ مُرادا

وطـنٌ يـحـثُّ مـلامـحـاً كنخـيـلـهِ     فإذا الأمــاني عــنـــه قُمنَ ذِيادا

لـبّـاهُ حـشـدُ اللهِ ، هـبَّ فـــــراتُـه     وقـبـابُـه فـــتـــفــتـحـتْ أجـنـادا (1)

وقال من قصيدة (انحناءةٌ على مرفـأِ الكبرياء) وتبلغ (24) بيتاً:

تلونَا على جوعِ الرغيفِ اصطبارَنا     فأوقدَ فينا الـ (كربلاء) اتِ ديـــدَنا

تـشـابـهـتِ الأسماءُ فـوقَ قـــبـورِنـا     وماتتْ بها الألقابُ واغتيلتِ الكُنَى

تُــسائلني نفسي لدى التيهِ.. من أنا؟     ومـن أنـتَ؟ إنَّـا ظـامـئــانِ فَـروِّنـا

وقال من قصيدة (تُـرتِّـلُ الـتـضـاريـسُ... خُـطـاه) وتبلغ (25) بيتاً:

يـنـاجـيـكَ يـا بـابَ الحوائـجِ بُـلْـغَــــةً     تُسجِّرُ في أضلاعِهِ (كربلاءَ) هُ

أبا الطهرِ هَبني بعضَ طهرِكَ أرتـقي     إلـى فـلـكٍ يستافُ منكَ ضيـاءَه

وجُدْ لي بجودٍ، شاطئُ النورِ أعشبتْ     عـلـيـه قـلـوبٌ تـسـتـدرُّ نـمــاءَه

وقال من قصيدة (سيد النصر والفتوى) وتبلغ (20) بيتاً:

وَلهـى إليكَ فـكـلّ أرضٍ (كربلا)     إن صـاحَ بـ (الهيهاتِ) أشبالُ الإبَا

فـتـوى انـتـمائكَ منذُ شبَّتها  (ألا     مـن نـاصـرٍ) لـبَّـيـتَ فـيـها زيـنـبَـا

وُسِمَتْ من النجفِ الأجلِّ بأصبَعٍ     ومدادُه (لاءٌ).. وكــــانَ مُــخـضَّـبَـا

وقال من قصيدة (العبد الحر) وتبلغ (22) بيتاً:

في (كربلاءَ)، بربذةٍ أخرى، بأو     جاعٍ، بنزفٍ ضــمَّدته مدامعُ 

أنا لنْ أبوحَ باسمـيَ الـمنبــوذِ ما     بينَ القبائلِ، فالــتلاشي شافعُ 

الشمسُ مرآتي، ووجهي هدأةُ الـ     ـليلِ الطويلة, والرياحُ قلائعُ 

الشاعر

محمد بن طاهر بن محمد بن عبود الصفار الخفاجي، شاعر وناقد وباحث وإعلامي، ولد في كربلاء، وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين وعضو نقابة الصحفيين العراقيين، عمل محرراً ثقافياً في مجلة الكوثر النجفية، وصحيفة الهدى، والموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة، وشارك في العديد من المهرجانات والأمسيات الشعرية داخل كربلاء وخارجها.

له كثير من المواضيع والبحوث والدراسات الأدبية والتاريخية منشورة في شبكة النبأ المعلوماتية، وله من المؤلفات المخطوطة: (الإمام الحسين ... روح الشهادة)، (نساء نسجن أسفار السماء) كما أصدر أربع مجاميع شعرية هي:

1 ــ صدى ــ مطبعة الزوراء / كربلاء ــ 1997

2 ــ تضاريس ضائعة ــ دار الفراهيدي / بغداد 2013

3 ــ تنزف التراتيل أنفاسه ــ دار الفراهيدي / بغداد 2013

4 ــ أفياء على حافة التيه ــ منشورات إتحاد الأدباء في العراق ــ 2021

بدأ مع الشعر منذ بواكير حياته ومر بعملية استكمال نضوجه عبر إدراك ماهية اللغة من خلال القراءة والموازنة والتمييز والتنقيب إضافة إلى تجربته الذاتية التي اكتسبها مما عايشه من أحداث قبل أن يدلي بدلوه في عالم الشعر ليخرج نتاجه كما يخرج الصياد اللؤلؤة من أعماق البحر

قرأ للشعراء الكبار أمثال المتنبي، وابن الرومي، وأبي فراس الحمداني، والكميت، والصنوبري، وكشاجم ومهيار والشريف الرضي، والمرتضى، والجواهري وغيرهم وحفظ كثيراً من أشعارهم، ثم بدأ مشواره عبر تثقيف نفسه ذاتياً، وعندما أحسّ أنه أصبح مؤهلاً للتمعن والاستقرار، ومن ثم الإضافة.

كما استفاد من رحلته التاريخية والروائية والفلسفية، فقرأ كثيراً من كتب التاريخ والأدب والنقد، والروايات العربية والعالمية، فكوّن منها رؤية نحو التاريخ والأدب وبدأ في تنظيمها وتنسيقها وإشادتها وبنائها، واستعان على ذلك بما استخلص من تجارب وقراءات جديدة أضافها إلى المادة المتجمعة لإلقاء الضوء منها على عمل إبداعي جديد، والعامل الهام هو تمكنه من توظيف المادة أو الثيمة وكيف أفاد منها وأنماها.

لم يتوقف عن القراءة والكتابة فهو في شغف دائم إليهما، وهو يحرص على التقاط كل ما هو جديد في عالم الأدب والفلسفة، وكما تتغلغل قطرات المطر في مسامات التراب تغلغلت القراءة إلى جوانحه فملأت كيانه وأفاضت على نتاجه.

كتب عنه العديد من النقاد منهم: الدكتور سليم جوهر، والدكتور علي حسين يوسف، والناقد الأديب عبد الهادي البابي، والناقد والشاعر علي حسين الخباز

وقد كتب الناقد الدكتور علي حسين يوسف قراءة عن مجموعته (تنزف التراتيل أنفاسه) قال فيها: (الصورة الشعرية في المجموعة كان لها حضور واضح، لكن الأوضح من ذلك أن الشاعر يميل في أغلبها إلى الصور المجردة، وهو ما يحسب للشاعر.. كما نجد لدى الشاعر صورا تدل على شاعرية فياضة، أما الموسيقى الشعرية فكانت واضحة التأثير ومنسجمة مع الألفاظ ... ويمكن القول أن مجموعة: تنزف التراتيل أنفاسه قد حفلت بسحر نصوصها إيحاء وجمالا...) (3)

كما كتب الناقد والشاعر علي حسين الخباز دراسة موسّعة عن المجموعة الرابعة للشاعر بعنوان: (قراءة انطباعية في مجموعة أفياء على حافة التيه) قال فيها:

(قبل الإفصاح أين يكون الشعر؟ سؤال يأخذني إلى مديات ربما هي أوسع من تجربتي، هل هو تعبير عن الذات أو ما تتحسّسه وما تتأثر به من مشاعر وانفعالات تكون أكبر من الذات نفسها، إذا تحدثنا عن الوعي يعني يقيناً في أسلوبية الشكل والمضمون ومدارك الجمال والفن وأعراف الكتابة، وأطر الرؤية وحتى في حالة التمرّد على الأعراف النصّية التي تنقل لنا الصورة الشعرية لكي نبقى في حيثيات المنطق ومعقولية النص الذي ينسجم مع الواقع، أنا لا أقصد المنهج الرمزي أو السريالي إنما أذهب إلى ما ذهب إليه الشاعر محمد طاهر الصفار في مجموعته الشعرية (أفياء على حافة التيه). 

هناك فسحة من التصوّرات الذهنية تكثف لنا المعنى باتجاه التجربة الشعورية الكلية لكل شاعر والشاعر محمد طاهر الصفار قدّم عوالمه الشعرية عبر مكامن دلالية مكتنزة بأفق مقدرته على التحكم بصياغات ذهنية تستند على تجليات التناص، أن يتنفس النص برئة تلك التناصات ومنها القرآنية والتي هي أهم مصادر استلهام الصورة الذهنية عنده، لأهمية ما في القرآن من دلالات عميقة، ومضامين سامية تنوِّع التناص بين إشاري ولفظي وإيحائي ودلالي ..

(مـنــفىً خُطانا إليه هاجرتْ مدنُ     بها ارتدتنا سهاداً وأنتفى الوسنُ 

مذ أنتقتنا على سبعٍ عجافٍ رؤىً     سنابلاً ماتَ في أزمانِها الزمنُ)

يمنح التناصُ النصَّ ثراءً وروعة فهو من أبرز التقنيات الفنية التي يهتم بها الشعراء لصياغة الوهج الذهني في القصيدة على مستوى الدلالة والرؤية فهو لا يستخدم الآية بشكلها الكلي وإنما يستلهم من القرآن، جزءاً غير مكتمل قائم على تناص بعض المفردات أو الكلمات أو ربما الأسماء وبعض متعلقات الاسم من موروث قرآني:

(أنا نقيضُ أنا قابيلُ يقرعُ لي     كأساً عليها غرابُ الموتِ نادمنا 

لئـن بـسطتَ إليَّ الغدرَ فديتُه     دمـي فــغـادتـنا الحسناءُ تنكرنا)

النص الذهني نتاج عملية مولدة من أفكار ورؤىً إبداعية يتشكل عنها عالم الجمال الذهني الذي ينتج الصورة في رؤى تأويلية يستقيها من التناص القرآني لكونه يستطيع أن يرسم ملامح الموقف / الحدث وبناء التصور القصدي، والتناص يحقق أمور كثيرة للشاعر وللقصيدة منها التكثيف والمعنى / المضمون وإثارة ذهنية المتلقي.

أعتقد أن التناص يعتبر من أقوى وأفضل الأفكار المستفزة لذهنية المتلقي، تثمر فيه تصوّرات تبحث عن توافقات التناص مع الفكرة باعتباره مركز استقطاب دلالي لصورة مستوحاة من واقع تأويل الحدث والشخصية القرآنية فهو يبحث عبرها عن الرؤية المعبّرة كإيحاء شعري تجاوز به الأسلوب النمطي:

(وفزّ في التابوتِ وهمُ الطينِ من أنفاسِ كهفٍ

كمْ يرتّقه المدى؟

لازالَ يقعي كلبُهم بدمِ الوصيدِ

ولا تزالُ سفينةٌ مخروقةٌ في القاعِ في منأى

وتمخرُ في سنينِ الماءِ

ترسمُ للمدى بدمِ الغلامِ مرافئاً

تتلو رُقى الأبوينِ في صمتِ الغيابِ المرِّ

أغفى حوله المجهولُ ....)

أولاً نبحث عن تأويل التناص وبواطنه وتصوُّراته الذهنية المثيرة للدهشة، وللواقع القرآني بهذا الشكل صورة التأويل الذهني ما قبل التناص وصورة التأويل الذهني ما بعد تغيير الشكل ومعنى انتقاء المفردة المعززة بالمعنى ليجمع المتلقي تلك المفردات ويكوّن منها التصور:

(التابوت / الكهف / كلبهم الذي يقعي / دم الوصيد / السفينة المخروقة / دم الغلام)

مفردات لها مرجعية في ذهنية المتلقي، لكنه يعمل لتجاوز سكون تلك المرجعيات في رأس المتلقي، قدرة إبداعية تحول تلك المحتويات إلى مجاز إبداعي يتجاوز تلك البُنى المرصوصة في ذهنيته إلى مضمون آخر يعبِّر عن حيثيات المتخيَّل الشعري ومثل هذه الخصوبة الفكرية في ايجاد مضمون آخر يعبّر عن حيثيات المتخيل الشعري وفي استثمار الصورة تعني وجود ثراء مخيلة، لاستثمارها في غواية المعنى، بمعنى إنشاء الفكرة والمعنى في صيغ التناص، لإعادة قراءة من مرجعية قرآنية منتقاة / الأسماء والأحداث لاستخدامات مجدية لغاية خلق التوأم في المضمون: 

(فتحرقُ زيـتـونـاً بـظـلِّ حـمـامةٍ     فعادَ من الطوفانِ ما استوقدتْ سَبأ 

وصـخـرةُ قابيلٍ برأسي غرابُـها     إلى الرقصةِ الأولى يراودُه الخطأ

سألقي عصايَ الآن تلقفُ رغبةً     على كأسِ سمِّ الليلِ خمرٌ بها رقأ)

فالتناص يُبعد الشاعر عن المباشرة، ويحقق التفرد من خلال حسن تركيبه واستجلائه للمعاني وطريقة اعدادها، بالشكل الجمالي والإبداعي الذي يجعل التناص مبتكراً في نسيج جديد، وكأنه يقدم خلطة سحرية من المفردات ولو تأملنا في مفردات هذا الاستشهاد:

(طوفان / سبأ / قابيل / غراب / الق عصاي / تلقف )

وهذا خروج من منطق الفكرة إلى مخزونه المعرفي الذي يبني تصوّرات تتجسد عبر توظيفها، ــ بمعنى أقرب ــ الشاعر هو قارئ ظل يختزن في ذاكرته الأفكار التي تتوافق مع ثقافته والتي يستحضرها في كل قراءة محاولا تسخيرها في انفتاح الدلالة لينقل متلقيه من زمن لآخر ومن مكان لآخر سعياً لاستثمار لهفته عبر تلك الروافد الدلالية:

(فأودعَ فيها اللهُ جوديَّ نوحِهِ     وقالَ بأنَّ الأرضَ تبدأ من هنا)

واستثمر الشاعر الصفار التناص للانفتاح على التأريخ، والمعروف أن إنتاج الأفكار المرسخة في ذهنية المتلقي في ارتباطات جديدة هو جهد وفكر إبداعي، وكأنه عبر التناص يمحص ذهنية متلقيه أو ليفّعل المحرك المعرفي لصالح القصيدة فيستحضر التناص الذي استعمله الشاعر لبث رؤيته، وقد يكون التناص الشعري مع شخصيات ورموز دينية وخاصة نجد ذكر أهل البيت عليهم السلام، وذكر واقعة الطف لها تناصات كثيرة ومتنوّعة وهذا يقرِّبنا لمفهوم القصد التعبيري والجمالي والفكري والمحور الذهني:

(محمدُ معنى اللهِ صفوةُ أرضِهِ     بسمتٍ تجلى في ذرى أنبيائهِ

لـقـد جـاءَ من أنقى الأديمِ بمكةٍ     فـجـادَ عليها من أديمِ سمائِهِ)

نجد الشاعر الصفار مُشبع بالتراث وخاصة الموروث الديني والروحي ليعيد التأريخ بمحمولاته كسيرة ذاتية لمسيرة الحدث التأريخي ولا يمكن الاستشهاد عبر مقطع أو مقطعين ففيها:

(يقين / نبوءة / آية قرآنية / صفوة / نبوّة / دعاء / مكة / دماء فعل أمر (أنذر ) / الرسالة / الكساء) تلك دفقات شعورية أكثر مما هي مفردات تشكلت في وعي الشاعر.

موضوع الرموز التاريخية المقدسة لشخصية الإمام الحسين عليه السلام أكسبته القدرة على التماهي بين روح الواقعة وجوهرها الفكري لتتحول المواقف وبهاء الرموز عنده إلى قراءة ذهنية:

(وبها اختزلتَ الأرضَ في يومٍ سما     ويٍّ وميَّـزتَ الــحـيــاةَ من الرَّدى

أسرجتَ بوصلةَ الـطفوفِ إلى طقو     س العشقِ تبذرُ في المآقيْ مَرقَدا)

وهذه هي القدرة الفنية في التعبير عن مكنونات النفس وفهمها للتاريخ، حتى صار الشاعر ضمير التاريخ عبر طاقته الإبداعية وأفرز عن ذخيرة الإيمان:

(تتوارثُ الأجيالُ صوتَ طفوفِكَ الـ     ـظمأى (ألا مِن ناصرٍ) ؟ وعتِ النِّدا 

يـا ســيـدَ الــشــهـــداءِ آيـــــاتٌ نمتـ     ـكَ دعـتْ صـلاتـي فـيـكَ أن تـتهجَّدا

رأسٌ يـطـوفُ عـلـى البلادِ مــنـارةً     وتــلـــى بها ذكراً فـكـانَ مــحــمـدا)

والطفوف بما تحمل من جواذب شعورية ومعاني متوهجة تكسب التناص قوة تمثل صور التحرر والمقاومة ورفض العبودية وسلطات الجور لتحمل إشعاع الثورة في كل جيل، واقعة الطف مثال حي من أمثلة الرفض ونصرة الحق، والحسين رمز تاريخي قدم معنىً جديداً للعالم، يقول أحد النقاد: (الحسين رمز يتّقد من كل الجهات)، وهذا معنى الخلق والابداع ومعنى التصوير الذهني إن كان حسِّياً أو وجدانياً، بما يثيره من دلالات تحول التعبير التقريري المباشر إلى تعبير إيحائي.

أرى تميّز الشاعر الصفار بأنه استطاع أن يرسِّخ ذهنية الصورة دون أن يغلّفها بغموض وإنما بدلالات إلى الجمال أقرب، عبر توسيع متعلقات النص ورسم الصورة بانزياحات متصلة فيما بينها يصعب معها الاستشهاد بجملة واحدة وإنما لابد أن استشهد بوحدات فاعلة من كل نص مثلاً في قصيدة (سيد القلب):

(تمخضت سورُ الأملاكِ عن رجلٍ     بوجـهِـهِ حـلَّ وجـهُ اللهِ واكتملا

بـقــلــبِـه رُتّــلــتْ آيــاتُ غــربــتِهِ     وكلُّ نبضةِ وحـيٍ أنسلتْ رُسُلا

نـحـتاجُ وجهَكَ شمساً في غـيـاهبِنا     نـحتاجُ سيفَكَ أمناً يقتلُ الوجلا)

وهكذا تُكثر الاستشهادات لاستحكامها بمداليل الصورة الكلية ...

يمتلك الشاعر الصفار ثقافة الصورة الذهنية، والتي يجد بعض مساراتها عبر التناص التاريخي والانزياحات الجمالية ـ الى دلالات ورموز وايحاءات عديدة مختلفة، يصوغ منها الرؤية والابصار المدرك، وقبل أن تمنح الصورة الحياة تبقى في الذهن تتنامى مع الحالة النفسية، لذلك تتشكل قدرته الشعرية بقوة عالم الرمز الحسيني فيسعى للوصول إلى الصورة المثالية ليرتقي بها إلى المعنى / الانتماء / الهوية:

تلونا على جوعِ الرغيفِ اصطبارَنا     فأوقدَ فينا الكربلاءاتِ ديدنا)

التركيز على الهوية تعني أن الشاعر يكتب قصيدته بروحه، ويكون دافع الكتابة هو تمثيل وتماثل لكون انزياحات الصورة تتناسب وحجم التأثير القائم على الإيمان باستجابة خواطره ومشاعره وعواطفه، أي هناك مطابقة بين عوالم الروح عبر الإيمان والعوالم الذهنية عبر المدركات، مثلا الحديث عن السيد زينب عليها السلام لم يكن هو يشبه الحديث عن أي امرأة أخرى:

(تراتيل / قناديل / مقامات / قداسة / روح / قرآن / الطف / الفرات / الظمأ / كربلاء ....)، تلك متعلقات الحزن العاشورائي:

(هيَ ابنةُ من صلّى الإلهُ بوجههِ     ومـن بـاسمهِ جبريلُ في العرشِ أذّنا

هـيَ ابـنـةُ مَـن كفَّاهُ قمحٌ ومُزْنةٌ     أميرُ المدى والقلبِ والشمسِ والسَّنا)

يقدم الشاعر التصوّرات من مواضيع متعددة منها ما يعني التاريخ المحكي، لكونه قادر على إثارة ذهنية المتلقي عبر الصورة التي تجد استجابة انفعالية لطبيعة وجود ذلك الموروث في حياة الإنسان وعيا وعاطفة.

أما بالنسبة إلى (العناوين) في المجموعة فقد استخدم الصفار شعرية عالية في بناء العناوين المزاحة التي تمنح المنجز إثارة، وتشاكس متلقيها بقوة، وهذه القدحات تعني وعي الشاعر بأهمية العنونة، باعتبار العنوان لافتة بعضها جاء على شكل مفردة واحدة مثل (وحدها) وعندما يكون العنوان عبارة عن كلمة واحدة فإنه سيكون لها وقع خاص ودرجة اقناع خاصة تتناغم لوحدها تمنحنا المغزى القصدي والمعنى المكمل لذاته في البنية العامة للنص معتمداً على قدرة التوظيف والتمعن في عنوان أحدى قصائده (رؤى)، هذا العنوان وحده قادر على تفجير المشهد كونه يستدرج المتلقي لفضاء النص ولا يمكن تحديد غايته ومضمونه إلا عن طريق تكملة القراءة أي تكون هذه الكلمة جاذبة تعبر عن مكنونها بما يمتلك من دلالات، وهذا المفهوم يجذبنا إلى عملية الإبداع بالتمايز الأسلوبي الذي يخص جمالها الفني والايقاعي، ولهذا نجد أن نسيج تلك المفردات يُظهر لنا ثقافة الشاعر ومقدرته على الاستحواذ على ذائقة المتلقي، لهذا يتميز بعض الشعراء بامتلاك مفردة تتكرر عنده ويعرف بها تصبح بمثابة هوية يتفرّد بها، إذا انتقى الشاعر مفردته بعناية تجعل المتلقي في توثب رؤيوي لتلقي كل ما مكتوب بحثاً عن الرؤية وعمق الدلالة فهي تباغت بانزياحاته وتثيره منذ الصدمة الأولى للعنوان، وتشتغل بعض العناوين على المضاف والمضاف إليه مثل: (نبوءة الثريا )، (طواف الماء) والمضاف إليه يمنح الشعر القيم الدلالية في توصيل المعنى ونقل الأفكار والأحاسيس من خلال الانزياح: (سيد القلب)، (صلاة الضياء).

وتكون الألفة رغم غرابة المتعلقات بين النبوءة والثريا وقربها في طواف الماء وشفافيتها في صلاة الضياء أعطى للضياء هالة وللصلاة الوقار: (طقوس جثة).

ولمزاوجات الإضافة دور أساسي في بناء النص ودلالاته الايحائية والجمالية، فهي من يبرز الجمال ويوسع الدلالة، ويقربها إلى ذهنية المتلقي، وبعض المزاوجات الدلالية، تأتي على سبيل المثال المجاورة بسمة الصفة: (المطر الخجول) ومجاورة تأتي على سمة التضاد: (العبد الحر).

فلشعرية العنوان تأثير على القصيدة لأنه أول ما يواجه المتلقي، والعنوان مراهنة للدخول فيجب أن يحمل التوهج والتطور والسعي لاقتحام الأفق الجمالي وقد أصر الكثير من النقاد على أن العنوان يعتبر معادلاً موضوعياً يبعده عن التقريرية والمباشرة في التعبير، كان ــ سابقاً ــ يُقال: الكتاب يُقرأ من عنوانه، وفي المصطلح المعاصر ثريّا النص، نجد الشاعر يعمل بوعي لإيجاد ملائمة تمثل مستواه الفني، بعض تلك العناوين تمتلك انزياحاً شعرياً، يكشف في دلالاته عن قصدية المضمون الكلي مثل: (قنديل على خطى التأويل) ــ إلى أبي العلاء المعري وهو يرسم خارطة الضوء ــ، نجد هناك انفتاح على متعلقات العنوان مثل (العمى / البصر / العين / التوقد).

السؤال ... هل جميع العناوين تعبّر عن مضامينها بشكل مباشر عند الشاعر الصفار؟ وما علاقة العنوان الرئيسي بالعناوين الفرعية بما أنها (أفياء / حافة / تيه ) بمعنى أنه أختار الفضاء الحر والذي أمتلك روح شمولية لها متعلقات مع جميع العناوين وتستطيع أن تتآلف مع فرعيات العنونة عبر تأويلية سيجدها المتلقي داخل فضاءاته، مثل: (ليلة غارقة بالظمأ) متعلقات مفتوحة (ليل / غرق / ظمأ) ولكل مفردة من هذه المفردات لها استنباطات تأويلية مثلاً: الشمس لها علاقة تضاد مع الليل الهمس أضافها إلى الليل والغرق له تأويلات مفتوحة (موت / شظايا / اللهب) وهذه الحرية تجعله حرّاً ينفتح على جميع المواضيع، مثلاً إلى رقصة زوربا وإلى التمائم في تراتيل (يهوذا) ويهوذا الاسقريوطي التلميذ الذي خان المسيح وسلمه إلى اليهود، كما ورد في التهميش، عن الانجيل)  

السؤال الذي عرضه الدكتور حيدر محمد جمال جذبني إليه وهو هل أن العنوان يسبق القصيدة عند الشاعر محمد طاهر أم يولد مع القصيدة، الدكتور حيدر يرى أن العنوان يولد سبق القصيدة وأنا أجد أن تقنية العنوان وشاعريته لها وهج روحي مستقل عن زمن القصيدة أي بمعنى أن القصيدة بعد انجازها ترشده إلى العنوان فيؤلف للقصيدة عنواناً له خصوصيته بما تمتلك من توهّج فهو لا يمتلك إطلاقاً عنواناً صريحاً إلّا في الإهداء وفي ذكر اسم الرمز الذي يعني عنده إرشاد المتلقي إلى كينونة الرمز ومتعلقات مضمونه، أسماء الرمز: شهرزاد في عنوان (تراتيل على قبر شهرزاد ) ورمز (السندباد) في عنوانه (السندباد في رحلته الأخيرة) والرمز المعاصر والد الشاعر في عنوانه: (أبي حقل لم يفقه حزنه المطر)، ووالدته في عنوان (دمعة في الصلاة أمي) والرمز المعاصر (فرخندة) في عنوان: (فرخندة الطائر المذبوح)، وفرخنده ملكزادة فتاة أفغانية مسلمة متديّنة قُتلت ببشاعة قرب مسجد وضريح دوشامشيرا في كابول عام 2015م بتهمة باطلة وكانت تحمل معها بعض الملابس من أجل الفقراء.

وجدت مفارقة بالعناوين، رغم ارتباط الشاعر بكربلاء مدينته التي يعتز بها إعتزازا كبيراً ويعاملها كهوية وانتماء روحي ولها طقوس في ذاته إلا أنه لم يذكر المكان إطلاقاً في عناوينه، ذكر في مقدمته لقصيدة (وحدها) ما يلي: (إلى المدينة التي لا يشل حركتها الظلام ... إلى مدينتي كربلاء)، رغم وجودها بقوة في قصائده وهناك تماثل غير مُعلن لكنه يعني ذكر المكان (الصحراء / الحقل) وأعتقد أن السبب هو أن كربلاء لديه أسمى من عناوين الأمكنة وتتسامى على المكان، والمكانية والموقع والموضع في خارطة الأرض وجغرافية المكان، ومن خلال بحثي في عناوين المجموعة وجدتها لدى الشاعر الصفار تمتلك خصوصية التعامل مع حروف الجر ليدعم بها العنوان مثلاً (على) جاءت في العديد من العناوين مثل: (تراتيل على قبر شهرزاد)، وفي عنوان (قنديل على خطى التأويل)، و(انحناءة على مرفأ الكبرياء) و(دم على لوح سومري )، (أفياء على حافة التيه)، واستخدام على للاستعلاء وللشمول، ولإضافة الجمالية، أما حرف الجر (باء) فقد جاء في عنوان (بالندى يرسم الصباح وجهها)، و(ليلة غارقة بالظمأ).

وأما حرف الجر (في) فجاء في العديد من العناوين مثل (دمعة في تضاريس النجوى) و(السندباد في رحلته الأخيرة )، و(زوبعة في غياهب القصيدة )، و(جراح في ذاكرة الصهيل )، و(حلم في متاهة المنفى)، و(طقوس في سبات الصحراء)، و(دمعة في الصلاة .. أمي )، و(نقوش في مقبرة قديمة)، و(شراع في حلم السماء).

وورد حرف الجر (من) في: (صوت من نداء ألطف)، و(حكاية من ذاكرة منسية)، و(كأس من نشور الصمت)، ولم يظهر أي طرف مكان في العناوين، وحرف العطف (مع) في عنوان (موعد مع الظمأ)، وهناك استعارات وتشابيه كحرف الكاف في (نجوى كليل عميق)، أوجد تناغماً بين المفردات منحت الاثارة والجذب للمتلقي.

والمجموعة مادة خصبة للقراءات النقدية واستنطاق المحاور الشعرية والجمالية فيها والتي تنوّعت عبر تجاوز اللفظ إلى ما يمكن أن يقدمه السؤال ؟ما دامت كل اشتغالات الشاعر انزياحية، لهذا يمكن أن يقدم لنا الدلالات العميقة، نحو توهجات المعنى سواءً أكان استفهامياً أو استنكارياً، ما الذي يمكن أن يقدمه الاستفهام وهو الذي ورد صريحاً في عنوان أحدى القصائد: (أسئلة تطرق رأس الحلم)، الأثر الممتد في أهم حاجات الإنسان، السؤال هو مساحة الوجود أوله كان السؤال: (أتجعل) ابتداءً بالهمزة وكان الرد: (أنبئوني)، وكان السؤال الرباني التوكيد: (ألم أقل لكم؟)، الشاعر هو الوريث الشرعي لكل الأسئلة، يرى الشاعر محمد طاهر الصفار، أن يقف أمام: (كيفَ ؟ هوَ السؤالُ، وكان في إثمِ الظلامِ مُعمَّداً بدمِ القصائدِ) يحتضن الأسئلة كلها ليتحقق من مساحة ما يثيره من تساؤل، وليحرك في متلقّيه ملكات تلك الأسئلة، السؤال بطبيعته مثير لكونه مغزىً كوني، منطلقاً من تساؤلات التراب

(تسائلني نفسي لدى الشعر من أنا؟     ومَن أنتَ ؟ إنَّا تائهانِ فدلّنا)

وهذا يعني أنه ينطلق من الذات إلى الكون حاملاً معه أسئلته باحثاً عن يقظة، ليكرر نفس السؤال في قصيدة (إنحناءة على مرفأ الكبرياء) من أنا؟ ومن أنت؟.

يرى أهل النقد بأن هناك أسئلة مباشرة وأسئلة غير مباشرة في الشعر، المباشر يمثل رحلة الوجع ونهاية الصبر عند الشاعر واللا مباشر يشكل ذروة الفن ولا يهم ما دام السؤال يأتي عبر أدوات الاستفهام، يقول الشاعر محمد طاهر الصفار ليمنحنا سر اكتناز السؤال أو بالأحرى ما الذي يحمله من نبوءة الشعر، يختصر لي المسافة:

(أتراكَ تغفو الآنَ في عينينِ لم تعرف سوى أرقٍ بساقيةِ السؤالِ / يجوب أطرافَ المدينةِ لهفةً / يقتاتُ من صمتِ المسافاتِ الصدى، ويذوبُ روحاً عند دمعةِ كربلاء)

أتسعت مساحة السؤال وملأت التجربة بدلالات جمالية، الاستفهام عند الشاعر الصفار أسلوب من الأساليب المحفزة على الفرادة، أجدني أفكر بطريقة أخرى، أرى فيها أن السؤال سلم لفلسفة الشعر.

لأن السؤال المهم هو عن ماذا نسأل؟ وما الغاية من السؤال؟ مهمة السؤال هي إيقاظ مدارك الوعي، ولأني أبحث عن مدارك السؤال سوف لن أميز العلامات لأنها كلها قادرة على إثارة الوعي وكوامن الجمال، وتمكن الشاعر الصفار يجعلني أبتعد عن احصائية العلامة، وأبحث عن مكامن السؤال، نبدأ من أول السلّم (الحكمة) في بصيرة أعمى، يبدأ حكمته:

(أعـمـى يـقـودُ بـصـيـراً لا أبا لكم     من لم يقده ضميرٌ صادقٌ كفرا

أحكمةٌ؟ أم جنى الأقدارِ؟ أمْ عظة؟     أم ربَّ نافعةٍ قد خلّفت ضررا)

فاعلية الشعر هي البحث عن الدلالات الفكرية المنتجة، ماذا لو كان المعرّي بصيراً؟ هل كان يدرك معنى وجدان المكفوفين؟ السؤال لا يقف عند حدود اللفظ وإنما هناك تواريخ جبارة وأحداث وبنىً مثيرة من الوجع الإنساني.

وعي السؤال عندما ينهض فكراً ، ودماً، ويجمع شتات الأزمنة بسؤال:

(تتوارثُ الأجيالُ صوتَ طفوفِكَ الـ     ـظمأى (ألا مِن ناصرٍ)؟ وعتِ الندا

يا سـيـد الـشـهـداءِ آيـــاتٌ نـــمـــــتـ     ـكَ دعـتْ صـلاتي فيكَ أن تتهجّـدا)

فهذا السؤال يحيلنا إلى المستوى الأعمق من الدلالة، سؤال يستوعب الكون، وهو الذي أثار مكامن الوجع، لا يعبر السؤال عن ماضي التواريخ بل عن الحاضر وعن الغد لكونه حاور السؤال بوثبة الوعي الشاعر وبصفته نموذج وعي يربط هذا السؤال بالفكر من خلال استنهاض هم الإمامة ليكون الحسين عليه السلام هو النبي صلى الله عليه واله وسلم، وهذا المعنى ليس مستحدثاً لكنه يختصر السؤال ثراء التفاصيل عبر الدلالة، وهذا هو الشعر، معناه أن السؤال يثير الكثير من الأسئلة يستقطب فاعلية التجربة.

في قصيدة (السندباد في رحلته الأخيرة) كان السؤال يهندم اللغة / التجربة / الإنسان، أحمد آدم رحمه الله شاعر عراقي استشهد في عام 2005م هو يسأل أحمد آدم هل نسي أحمد آدم (جمع التسكع وهي تلبس بالهروب ملامح المتنبي في المقهى القديم / نسيتها؟)

جميع أدوات السؤال المتنوعة في مجموعة الشاعر الصفار ممكن أن نجدها عند الجميع حتى في تعاملنا اليومي لكن الذي يجذبنا هو انزياحاتها عن معناها، ونتائج الاستفهام / الوظيفة الشعرية لأدب السؤال، هل السؤال له غايات معرفية أم جمالية؟ في قصيدة (أسئلة تطرق رأس الحلم ):

(أيّها القلبُ ...) خطاب ثم يمطرنا بسيل الاسئلة / ما الغرامُ؟ ألغزٌ؟/ أمْ جنونٌ ؟/ أمْ لعنةٌ ؟/ أم قضاءُ ؟/ تقرعُ القلبَ نظرةٌ/ ثمَّ موتٌ / ثمَّ ماذا ؟/ أنبوةٌ ؟/ أمْ لقاءُ ؟).

سألت النفس وأنا أتأمل علامات الاستفهام: لماذا توزّعت بهذا الشكل المذهل كان من الممكن مثلاً معاملة تلك الأسئلة بعلامة واحدة، هذا يعني أنه خصَّ كلّ حالة بعالم له قيمته، وكأنه يريد أن يظهر تلك الدلالات الاستفهامية المكنونة، ليجعلنا نتوقع أن القضية ستنتج لنا معنىً مميزاً، قد لا يحتاج هذا المعنى إلى سؤال ليكون جواباً عن كل هذه الأسئلة والاستفهامات وقد يجدد لنا بنية السؤال، هو الشاعر المثقف الواعي أيعقل أنه لا يعرف معنى الغرام ليسأل عنه، وما هو الجنون؟ حدد لنا أبو هلال العسكري معنى الاستفهام وهو طلب الفهم والسؤال في عوالم المعرفة وبلا معرفة والسؤال قد لا يحتاج إلى جواب وإنما يكفيه الإيحاء

(وحده الحب / ضاحك / في الضحايا)

أدوات السؤال قد تكون دلالات معنىً مُغاير، والسؤال لدى الشاعر الصفار أداة تحريض، تأخذنا إلى السؤال، وجود السؤال يعني وجود حراك نفسي أي بمعنى يثير الداخل الشعري، التوكيد: (أتراهُ يسترُ في الضلوعِ عقاربَ الساعاتِ / كي يسقي براءةَ بسمتي من كأسِ سقراط / أنتقتها سوأةُ التأريخ)

نعود إلى سؤال الذات وسؤال الموضوع واقتران بعضها لتولد الحكمة والثناء وليس نعم أو لا:

(تسائلني نفسي لدى الحلمِ مَن أنا؟     ومَن أنتَ؟ لم نعرفْ إلى الآنَ أيَّنا؟)

لننتبه إلى شعرية السؤال على إنسانيته، السؤال على معناه، بعواطفه ومشاعره والأنين على الخسارات التي أبعدتنا عن أفق مسارات الهوية، السؤال المثير للدهشة (أعدنا لكي نمحو من الطفِّ طفَّنا)، أنه تركيز على الأسئلة التي تمحور صيرورة المعنى، أن يأخذ السؤال فضاءه الأكبر شعرياً (أ أمحوكِ؟ / هل تُمحى من الروح روحها؟) 

(كلُّ الدروبِ ازورارٌ حفَّها القلقُ     تعوي بأيِّ خطىً في ليلِها أثقُ)

أيمكن أن يتمتع الشاعر ببؤسه وأساه؟ هل يمكن أن يحتفي الشاعر بسقمه:

(فكم وكم سرت حتى مات في قدمي     أفقٌ وماتَ مدىً كمْ ماتتِ الطرق؟)

صرت أؤمن بأنه لا يمكن أن يكون للعالم طعم دون السؤال. (4)

شعره

قال من قصيدة (نبوءة الثريّا) وهي إلى سيد الكونين محمد (صلى الله عليه وآله)

تـمـاهـى نـداءٌ فـي يـقـيــنِ نــدائِــــهِ     نـبـوءةُ نـجـوى أيـنعتْ فـــي قُـبائِهِ

بـلـيـلٍ تُـمـلّـي الـكـأسَ خـمـرُ قـيـانِه     وأخرى يزقُّ الجـوعَ فــي بؤسـائِه

وغـلّـفَ صـمـتٌ شـاهـقٌ سفرَ غارِهِ     فأرسى الثريَّا في صـــخورِ حِرَائِه

وطافَ مدارٌ حولَ (إقـرأ بـإسـمِ ربِّـ     كِ) استافَ كونٌ مطلـــقٌ مِنْ شذائِه

فـأوقـدَ فـي جـدبِ الـصحارى منارةً     قـوافلُها استهدتْ دلـــــيـلَ ارتـوائِـه

مـحـمـدُ، مـعـنـى اللهِ صـفـوةُ أرضِهِ     بسمتٍ تـجـلّـى فـــــي ذُرى أنـبيائِهِ

تُـفـتَّـقُ أنـمـارُ الـسـحـابِ بـوجـهِـــه     وشقَّ عروقَ الـــصخرِ مـاءُ دعائِه

لـقـد جـاءَ مـن أنـقـى الأديــمِ بـمـكّـةٍ     فـجـادَ عـلـيــــهـا مـن أديـمِ سـمائِه

فـلا بُـدَّ أن يـنـشـقّ إيـوانُ زعـمِـهــمْ     بـأنّـهـمُ للهِ مـــــــن شـــركــــائِــــهِ

ولا بُدَّ، أن تُطفى لـهـمْ نـارُ عـنـصرٍ     لـكـي يــــسـتعيدَ الطينُ لونَ دمائِه

لـسـاوةَ مــاءٌ آســنٌ قـيـلَ: فـابـلــعـي     فإنَّ نـــبيَّاً صـبَّ كــوثــرَ مــائِــــهِ

فـنَـكّـسَـتْ الأحــجـارُ ربَّـاً أضـلّــهــا     ومـا أجـدتِ الآيــاتُ فـي أولـــيائِه

بـ (أنذرْ) وكانتْ في النوايا هواجـسٌ     تُـنـمِّـي وجـومَ الشكِّ في أقربـــائِه

سـوى أقـربِ القربى .. تقرَّبَ باذخـاً     صـبـيّـاً يـمـنّي النفسَ زهـوَ فــدائِه

فـأنـمـاهُ نــــفـسـاً حـيـنَ آنـسَ قــامـةً     تـجـلّـى بـها ما قـد نـمـا باصطفائِه

وأصــفـاهُ في خـمٍّ فـأصـفـى سـلالـةً     من الـضـوءِ كـي تقفو سنا كبريائِه

حـلـيـفانِ كـانـا مـنـذُ فـجـرِ رســالــةٍ     وحتى انصهارِ الروحِ تحتَ كسائِه

وقال من قصيدة (بـكـاءُ الـمـآذِن) وهي إلـى أمـيـر الـمـؤمـنـيـن (عـلـيـه الـسـلام):

صلّى، فأوقدتِ الــــسمــاءَ عيونُه     ونمتْ على كـفِّ الـــقنوتِ جِـنانُ

محرابُه، عرشُ الإلـــــهِ، وحولـه     رفّتْ ملائكةٌ، وفــــاحَ حـنـــــــانُ

وبظله نامتْ عــصــافـيـرٌ، وفـــي     أنـفــــــــاسِـهِ يــتـهـجّدُ الـــــقرآنُ

بدعائِهِ الأشجارُ، تُزجي فصلـــهـا     وبـخـطـوهِ تتبسمـلُ الأغـــــصانُ

تـتـبـسّـمُ الأزهارُ عـنـد رحــيــقـهِ     ويضوعُ مـن أحداقِـهِ الريـــــحانُ

النجمُ، يرشفُ من ضياءِ دعائِـــهِ      وبـصـوتـــــهِ تتفرّعُ الألـحــــــانُ

الصبحُ، يغسلُ من نداهُ، جــفــونَه     وإليهِ تهفو في المدى الأحـــــزانُ

النهرُ، كـان عـلـى أناملِ مـهــــدِهِ     وتراً تـحفُّ بـلـحـنِـهِ الـشـــــطـآنُ

مُـذْ دعـــوة الله اصطفتْه دلــيــلـها     أسـرتْ بِكُنهِ دموعِهـا الأجــــفانُ

وتوشّحَ الصمتُ المسافرُ في خطا     هُ مـدينةً يُوحي بـهـا الإنـــــســانُ

يـتـفـيَّـأ الـصـبـحُ الظليلُ بـهـمـسِـهِ     فـيـطـلُّ مـن خـطـواتـهِ بـــــستانُ

الـحـربُ.. قـصته الحزينة فإنتقتْ     منها ــ حكايات المساءِ ــ حِــسَانُ

تـتـحـشّـدُ الآمالُ فوقَ رفـيـــــــفـهِ     فتضيء مـن صحرائه الأوطــانُ

بـذرَ الــدروبَ على المنافـي قِبلةً     فـتـوضَّــأتْ مـن حـلـمهِ الأزمــانُ

حـمـلـتْ حمائمُـه سـرائــرَ مـوتِـهِ     نـكأتْ فصـولَ جراحِها الأشـجانُ

غـنـى عـلـى الأنهارِ وهجُ فراتِـهِ     فـسقى الصهيلُ بــكـوفـةٍ ظـمـــآنُ

دمُـه يـؤرقُ فـي النجومِ مسارَهـا     ويـتـيــهُ فـي أسـفــارِهِ الـمـيـــزانُ

وتـفــزُّ مئذنـةٌ عـلـى مـحـــــرابِـهِ     بـزوابـــــعٍ أحـــنـتْ لـهـا البـلدانُ

صـلّى، فأربكَ فـي المدارِ مسارَه     وهوى وهوى فأحنى رأسَه كيوانُ

هـو فكرةٌ اللهِ الـعـظـيـمـة أنسلـتْ     أرضـاً ومـنـه تــنـاسلـتْ أكــــوانُ

وقال من قصيدة (الـغـديـر يـرسـم تـضـاريـس الـسـمـاء):

بفمي عـبـيـرُ الـقدسِ مــــن نـجـــواهُ     تـسـمــو به الأرواحُ والأفـــــواهُ

عذباً تورّدَ فـي جـــديــــبِ جوارحي     نبضُ الـفؤادِ يـفـيضُ مـن ريَّــاهُ

ينسابُ فـيَّ الـعــشــقُ يـغمرُ أضلعي     أرجاً يفوحُ عـلـى فـمي أشــــذاهُ

حـسـبـي غــرامــاً أن قلبـيَ مُتـــرعٌ     والروحُ تهفو إن جرتْ ذكـــــراهُ

أُرضعتُ فــيــضَ الهديِّ من أنوارهِ     حتى انتشيتُ، فكيفَ لا أهــواهُ ؟

عشقٌ من الأصلابِ يجري في دمي     لـحـنٌ مـع الأزمـانِ مــــا أحـلاهُ

إن صاحَ أهلُ الحبِّ باسمِ حبيـــبـهـم     فـالقلبُ يندبُ فـي الــهوى مولاهُ

الـقـلـبُ رتَّــــل سـورةَ الأحـلامِ فــي     نـبـضـي لـيـنـهلَ من ندى نجواهُ

وزّعـتُ لـحـنـاً لـلـمنائـــرِ فـي دمــي     وزرعتُ في خفقِ الضلوعِ هُداهُ

ونشرتُ قلبي فوقَ قُـبـحِ مــلامـحــي     وقـتـلـتُ صـمتي في رُبى مغناهُ

وامـتـدّ كـفـي فـي ظـلالِ جِــنـــــانِـهِ     وتـبـتّـلـتْ فـوقَ الـضـريـحِ شِفـاهُ

فـانـسـابَ مـن سـتـرِ الـقداسـةِ عـالـمٌ     حـتـى تـجـلّـى فـي الـقلوبِ رُؤاهُ

ونَـزَتْ مـن الأضلاعِ أصلابٌ هوتْ     وتــعـفَّـرَتْ مـنـهـم لـديـهِ جِـبـــاهُ

وتصاغرتْ كتلُ الدهــــورِ لــقـدسِــهِ     وتـسـامـتِ الأرواحُ حـولَ لـــواهُ

يا أزهدَ الناسِ..، الـكـفـــافُ إدامــــه     والـتـبـرُ عـنـده والـثـرى أشـبــاهُ

نـسـجَ الـعـفـــافُ عليه ثوباً طـاهــراً     وبـوجـهـهِ نـشـرَ الإله هـــــــــداهُ

وبـكـفـهِ اكتملتْ شـريـعـةُ أحــمــــــدٍ     يـومَ الـغـديـرِ وأسـبـغتْ نـعــمـاهُ

رُفـعـتْ لـه كـفٌّ بـكـفِّ مـحــــمـــــدٍ     وعـلـيـهـمـا نـوراً أفــــــاضَ اللهُ

من غيرُ حـيــــدرةٍ يـلـيـقُ لـمثلِـهـا ؟     أو مـنْ أمـيـرُ الـمـؤمنينَ سـواهُ ؟

يـا أيُّـهـا الـمـجـدُ الـمـؤثّـلُ مـن ســنا     تـتـهـافـتُ الأمجادُ حـــــولَ مـداهُ

يـا روحَ حـقٍّ يـا صراطَ مـفـــــــازةٍ     يـا مـنـهـجـاً ضـلَّ الــورى لـولاهُ

يـا قـطـبَ أفـلاكِ الـعـــــلـومِ وبابهـا     يـا صـوتَ جـبـريــلٍ بـفــيـكَ نِـداهُ

يـا قـدسَ ذكـرٍ يـا صـلاةَ مـحـمــــــدٍ     يـا نـبـعَ نـورٍ يُـسـتـــشـفُّ سَـنــاهُ

وقال من قصيدة (يـا سـيـد الـقـلـب) وهي إلـى أمـيـر الـمـؤمـنـيـن عـلـي بـن أبـي طـالـب (عـلـيـه الـسـلام)

مَـعْـنـاهُ جَــلَّ، فـأعْـيـــا سرُّهُ الأزلا     لكنّه شَــعَّ دمعاً، فاحتوى الــمُـــقــلا

تَمَخَّضَتْ سُوَرُ الأمـلاكِ عن رجــلٍ     بوجــههِ حلَّ وجهُ اللهِ، واكــــتـــملا

بكفِّـهِ مَـسَـحـتْ أفـــــلاكُ أرْغــــفـهِ     دمــعَ اليتيمِ، وروَّى دمــــعُه القُــبَلا

بـقـلـبـهِ رُتِّـلـتْ آيــــاتُ غــربـــــتـهِ     وكــلُّ نبضةِ وحيٍ أنــسلـتْ رُسُــلا

قلبٌ حَوَى اللهَ، ما ألـقى، وما فصَلا     وما أرادَ، وما أوحَــى، ومـا نَـــزَلا

وكـان للهِ، مـا أبدَى، ومـا عـــــمَـلا     وما اسْتَهلَّ، وما أنهى، ومـا ابْتَـهلا

عليُّ قــلبي، أمـيري، مُذ تـورّثَ وا     لدايَ حبَّكَ، فاستَوْرَثـهُ مـــن نَــسَـلا

نَـحـجُّ، نَـسـعـى إلى مَعـنـــاكَ تلبيةً     نـطوفُ حتى نرى قلباً بـكَ اتّـصــلا

نـحـتـاجُ وجـهكَ شـمساً في غياهبِنا     نحتاجُ سيفَكَ أمناً يـقـتــــلُ الـوَجَــلا

نـحـتـاجُ كـفَّـكَ تـرفـو فـي تمزُّقِـــنا     وترسمُ الأفـقَ فـي أحــــداقِنا خَضِلا

نـحـتـاجُ قـلـبَـكَ حـبَّـاً حَجْـمَ قسوتِنا     نـحـتـاجُ اسمكَ يـسـقـــي تيهنا الأملا

نـحـتـاجُ فـيـكَ أمـيراً فـي ضمائرِنا     حتى نرى الذئبَ فيـها وادعَ الحَمَـلا

نـحـتـاجُ فـيـكَ وجـوداً حــــدَّ أنفسِنا     تتلوكَ أنفسَهـا أو تــقـتـفـي الجَــمَـلا

يـا سـيَّـدَ الـقـلـبِ فـي أحـلامِ كوفتـهِ     إذْ لـمْ تجدْ في سـوى أسمالهِ الرّجُلا

تـنـشَّـقـتْ سـفرَهـا من عطرِ منبرهِ     واستنطقتْ أرضُها مُهراً بها صَهَـلا

وغـازلـتْ نخـلَها فـي الفجرِ زقزقةٌ     أطـيـارُهـا اتّـخذتْ من صوتهِ ظُلَـلا

نَـمَـتْ ورودٌ عـلـى أنـفاحِ خطوتــهِ     ودافَ فـي الـنـبعِ مـن أرياقهِ العَسَلا

أغضى لكفيكَ سـمـتُ الـشمسِ بللّها     دمعُ اليتامى فزاغتْ منهمـا خَـجَــلا

تـمـخَّـضَـتْـكَ مَـجَـراتٌ، فـقالَ لــهـا     ربٌ: بـهِ اتّخذي في سـربـكِ السُبُـلا

وقـالَ: كُـنْ لـنـبـوّاتـي مـلامــــحَهـا     وكُـنْ لأرضٍ صغتْ أزمانُها البَطلا

وقـالَ: هـذا أوانُ الـسرِّ أعـتــــقـــه     إنَّ الـقـرونَ عـقـيـمـاتٌ إذا ارتــحـلا

وقال من قصيدة (نـجـوى مـن هـسـيـسِ الـجـراح) وهي إلى سيدة نساء العالمين الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام):

كــلُّ الـجِـراحِ نـضـتْ ثـيــابَ حـدادِ     وجراحُكِ ائتلفتْ نسيجَ سَــــوادِ

زهراءُ هذا صوتُ جُرحِكِ في دمي     يُغلي بأعماقي دماءَ مــــــــدادي

آثـرتُــه جـــرحَ الـمَـدى فوضــعـتُـه     فـوقَ الـجِـراحِ تَـعِـلّـةً لـــفـؤادي

عَـلِّــي أسَـلّـي الروحَ مِمَّا جـابــهـتْ     مِـنْ سـطـوةِ الأيَّـــامِ والأوغَــادِ

حـتــى اسـتـطـابـتـها سحابَ سُلوِّهـا     نفسي فـأطلقتُ الـصَّدى لمرادي

تــطوي بأضلاعي الدموعَ قـوافـــلاً     وأجـوبُ أزمـــانـاً بـقـلـبٍ صادِ

حـتـى اسـتـرحتُ إلى صلاةٍ أورقتْ     فـي ظـلـمـةِ الأحـشـاءِ بـالإيـقادِ

فـولـجـتُ فـي أنفاسِها مُـتَـبَـــــــــتِّـلاً     ووقـفتُ حيثُ الواغلُ المتمادي

الـصـوتُ يـنـضــحُ في فمي مُـتَلعْثِمَاً     والـخَـطـو مِنِّي تاهَ بـالإرعــــادِ

فـجـثــوتُ أهـطـعُ قامتي مُستصْغِــراً     نـفـسـي وسـلّـمتُ البُكاءَ قيادي

وحـمـلـتُ أرحـامَ الـقـرونِ رهـيـــنـةً     وجـعـلـتُ كلَّ الـقـصدِ بالقُصَّادِ

أعـطـيـتُـهـم مـا الـقـلـبُ آثـــــرَ بلغةً     ونـزعـتُ أسراري مـن الأغمادِ

ووصـلـتُـهـا دمـعـاً يُـؤجِّـجُ أزمــــنـاً     بـتـرادفِ الأحفـادِ لـلأجــــــــدادِ

نـبـذتْ لـديـكِ مـن الـولاءِ صـفاتِـهـا     وانــسابَ فـيـهـا طـارفٌ بـتــلادِ

أفـكـلّـمـا نـضـبـتْ شـمـوسُ دمـوعِها     نـدَّتْ لـها ذكـراكِ بـالإمــــــدادِ

يـا بـيـتَ فـاطـمـةٍ, وحـسبُـكَ (إنَّـمَـا)     طُـهْـراً تلـوحُ بـهـمسـةِ الأورادِ

بـيـتٌ تُـرتِّـلُـه الـسـمـاءُ لـتـنـحـــــنـي     أرضٌ فـقرَّتْ مـنـه بالأوتـــــادِ

بـيـتٌ تـديـرُ رَحَـاهُ أنـفـاسُ الـــطـوى     ونـداهُ يُزجي الغيثَ فـي الآمادِ

بـيـتٌ تـنـاجِـيـهِ الـمــــــلائكُ نـورَهـا     ويحلُّ مـنها الروحَ في الأجسادِ

زهـراءُ لـم يـرقأ بـجـرحِــــكِ نـزفُـه     والدمعُ يُذكـي الـنارَ فـي الأكبادِ

تـخـبـو مـع الأحـزانِ نـارُ ســوادِهـا     والـحـزنُ فيكِ لظىً بغيرِ رمــادِ

زهـراءُ ضُـمِّـي فـي دفـيـنِـكِ لـوعـةً     أشـلاءَ آلـكِ وُزِّعـتْ بـبــــــــوادِ

زهـراءُ ضـمِّـي فـي دفـيـنِـكِ حسرةً     رأسٌ تـعـالـى بـالـقـنـا الـمـيَّـــــادِ

زهـراء ضُمِّـي فـي دفـينِــكِ غُـصَّـةً     أنَّـاتُ طـفـلٍ فـي لـظـى الأصفادِ

وضـعـي عـلـى كلِّ الجِراحِ بناتِكِ الـ     ـثـكـلـى بـلـفـحِ أصـــائـلٍ وبـلادِ

زهـراءُ اسـمُـكِ فـي الـمـدارِ يــــبـثّـه     جـرحٌ يـصعِّـدُه دفـيــــــنَ شـدادِ

عـمـرٌ قـصـيـرٌ يـسـتـفـيـضُ قــداسـةً     أحـنـتْ لـه الأعـمـارُ بـالإشـهـادِ

وقال من قصيدة (رأسٌ يـسـتـنـطـقُ فـصـولَ الـظـمـأ)

منذ أسريتَ اسـتـــوطـنـتنــا الدموعُ     قـبـلَ فـجـرٍ أفـاقَ مــــنـكَ طـلـوعُ

كلُّ نــزفٍ يـجـــيءُ، يقفــوكَ مسرا     هُ، خُطى الروحِ، أثقلتها الـضلـوعُ

يا قتــــــــــيلاً مؤثـــلاً أظـــماه النّهـ     ـرَ فـــــــاستسقاهُ الندى والشروعُ

يا مسجىً مـــــــــــــسراهُ وجهُ نبيٍّ     وعلى كفّيــــــــــــهِ جرى التشريعُ

حامَ سربُ الحــمامِ حـــولكَ، والأفـ     ـلاكُ، نـدّى بـها السلامُ الـصـريـعُ

أشـرعـتْ كـفُّـكَ الـبــــراءةَ ظمـأى     حـيـن أومـى إلى السحابِ رضيعُ

فـجرى العشقُ في جـــراحِكَ وحياً     مـن أوامٍ ، تـــفـجّــــــرَ الـيـنـبـوعُ

فوقَ صبرِ الـسـمـــاءِ رأسُـكَ آيـــا     تِ ادكـارٍ ألاحَ، وهـــــــو قـطـيـعُ

كـان جـسـمٌ ، نــبضُ النبيِّ احتواهُ     يـمـطـرُ الـذكـرَ رأسُـه الــمـرفـوعُ

كـان هـذا الـــرأسُ اصطفاءَ النبوّا     تِ، واصـطـفاها، سـرُّه الـمـودوعُ

جـــــــــبهةٌ تــرسمُ الخلودَ ورأسٌ     يتــــــــــــسامى وما لواهُ الخضوعُ

ختمَ الخــــــــلدَ في المدى فأقرَّتْ     باقياتٌ بالــــــــــــــعجزِ ما تستطيعُ

يهرمُ الدهرُ، والفصولُ، ويـذوى     عـنـفـوانُ الـدّنـى، وأنـــتَ ربـيــــعُ

وقال من قصيدة (قافلة ترزم الشمس):

تأنَّ فـخـلفَ الليلةِ الــريـحُ فاتِــكَــه     فبعدكَ يا ابنَ النُورِ الأرضُ حالِكَهْ

تأنَّ فـإنَّ الدربَ لا يؤمنُ الخُـطـى     وفيه المنايا جنبَ خـطـوِكَ سـالِـكَـهْ

تأنَّ.. فإن لا بدْ.. لا ترزمُ الـضــيا     قوافلَ فـي أفلاكِها الشمسُ هـالِـكَـهْ

أمـا رانَ فـي الأحـداقِ أنَّ (قـلوبَنا     إلـيـكَ) وتُخفـي فـي النفاقِ سنابِـكَـهْ

ولاحـتْ بقايا من رماحِ مصاحـفٍ     لـتُـكـمـلَ للشامِ المُعـافـى مـعـارِكَـهْ

ستبكي عليكَ الكوفةُ، الحزنُ شفَّها     وتبكـي، وتـبـكـي، والمُلمَّاتُ حائِكَهْ

سـتـبـكـيـكَ حـدَّ اليأسِ يُرقأ دمعُهـا     بثأرٍ، لـتـبـكـي والملماتُ ضاحِـكَـهْ

وتخنعُ في الأرباقِ دهراً تَسومُـهـا     أمـيَّـةُ أهـوالَ الـردى ومـهـــــالِـكَـهْ

وتخنـقـهـا الراياتُ, رعبُ سوادِها     تُـشـاركُهـا ضِرعَ الـبـلادِ بَرامِـكـه

وتلبسُ لـيـلاً يـسـتــطـيــــلُ رداؤه     تـفـتِّـقـه الثوراتُ والأرضُ شـائِـكَـهْ

وتنبجسُ الأحلامُ فـي زيـدِهـا غـداً     لـتـرصدهـا بالوأدِ كفٌّ مشــــارِكَـهْ

ترتِّقُ دمعاً في أجِـنَـةِ فـجــــــرِهـا     فـواطِــــمُـه دلَّـتْ عـلـيـهِ عـواتِـكَـهْ

ولكنَّ شـمـسـاً قـد أنـرتَ بـأصْـبَـعٍ     يشيرُ إلى ربٍّ ستقفـو مــســـــالِـكَـهْ

بـعـيـداً عـن الأقـــدارِ قـدَّرَ مـوتَـه     فماتَ لـيـبـقى.. قـدَّسَ الموتُ مالِكهْ

تـطـوفُ حِـيَـالَ الـرُّمحِ أفلاكُ فتيةٍ     يلقِّنُها فـوقَ الـرمـاحِ مَـنَـــــــاسِـكَـهْ

تـبـسَّـمَ فـيـهِ الصبحُ في لونِ نـزفِـهِ     عـبـيـراً وحفَّتْ بالضريحِ مَلائِـكَـهْ

قال من قصيدة (قـوافـلُ الـحـلـم الـمـضـيء) وهي إلـى سـيّـد الـوفـاء أبـي الـفـضـل الـعـبـاس (عـلـيـه الـسـلام)

حلمُ العَطاشى، على كــفّـــيهِ ينشـرُه     فوشّحتْ لوحةَ الــصحــراءِ أنــهرُه

وسارَ، ينحِتُ أزمـــانــاً لخُـضـرَتــهِ     ظمأى، ويرســمُ لونَ الــماءِ كوثرُه

وكانَ، يحملُ دمـــعـاً مِلءَ قــربــتـهِ     أحـداقُـه عُـلّـقـــتْ بـالــغيمِ تـنـظـرُه

وكانَ، لا، لم يــكـنْ يــهـفو إلى نـهرٍ     لـكـنـه كــان تـــيّــــــــاراً يـحـرِّرُه

فـصـبَّ فيهِ شراعاً من مـلامــحــــهِ     عذباً ليصفو عــلى كــفّـيهِ جـوهـرُه

وحلّقتْ فيه أنفاسُ الـخــيـــامِ، ســحـ     ـابُ الأمنيــاتِ، وفيها فاحَ عُنصرُه

حتى تراءتْ دماءُ الأفقِ، واغتسـلتْ     فـيـها الشــهادةُ، روَّى الماءَ منحرُه

فـقِـيـلَ: يـا نـهـرُ عَــقَّ الماءُ سيِّــدَه     لأيِّ رَوْحٍ ســـوى العبـاسِ تذخـرُه؟

يا سيِّدَ الماءِ, حسـبُ الماءِ تـفـعـمُــه     كفّاكَ في قِربـــةِ الإيثـــارِ تـسـحـرُه

وحسبُ رملٍ، أضـاءته دِمَاكَ مــــزا     راً، ينشدُ الدمــعَ بالإكلـيلِ عـنـبـرُه

تـفـتـضُّ أنـهارَ جرحِ الأرضِ قُـبَّـتُه     ويَـمـلأُ الـقـربـــةَ الـعـذراءَ مـنـبـرُه

يُـطـرِّزُ الأفـقُ ثـأراً فـوقَ رايــــــتـهِ     وفي خُطى الغائبِ المهديِّ يُضمرُه

ويـبـعـثُ الـحـلـمَ الـمـقتـولَ وشّــحَـه     سـفـرُ الـدموعِ عـلى الأجيالِ ينثرُه

ويُلجمُ الريحَ صوتٌ، شبَّ مصـرعَه     وفـي عـيـونِ تـراتـيــــــلٍ يُـؤطّـرُه

وتـسرجُ الشمسُ مُهراً غابَ فارسُــه     لـكـنـه شـاءَ أن يــســـــمـو تـعـذُّرُه

عـيـونُـه يـسـتــقيها الـفـجـرُ أدعـيـــةً     تـطـوَّفـتْ حـولَـها الأنداءُ تُمـطِـرُه

يـا سـيِّـدَ الـدمـعِ.. والأحداقُ مُوغـلةٌ     تُـعـتّـقُ الأزلَ الـظــــامـي وتـبـذرُه

تخطُّ في الفجرِ غيبَ الماءِ مـن دمِها     حـتـى يَـشـبَّ عـلـى مرآهُ مَحـشـرُه

ويـا مـدارَ الـنـدى أفـيـاؤه خـضِـلـتْ     لـزيـنـبٍ بـالـذُرى أنـمــــاهُ حـيـدرُه

تـنـشَّـقــتـه أبـــــاهـا، فـي مـلامـحـهِ     شُبيرُه يُمطرُ الـسـلـوى، وشُــبَّــــرُه

يتلو رحيلاً ونجوى العُمـرِ تـسـبِـقُـه     لـكـنَّـمـا الـقـمـرُ الـمـذبـوحُ يُـسْـفِـرُه

وقال من قصيدة (انـحـنـاءةٌ عـلـى مـرفـأِ الـكـبـريـاء) وهي إلـى سـيـدة الـصـبـر الـعـقـيـلة زيـنـب (عـلـيـهـا الـسـلام)

تُــســائِــلــني نفسي لدى الشعرِ، منْ أنا؟     ومـــنْ أنـــــــتَ؟ إنَّا تــائِــهــانِ فَـدُلّــنَا

على امـرأةٍ صـاغتْ تراتـــيــلَ حُــزنِها     قـناديــلَ أســـفــارٍ لـتـوقـــــــــظَ أزمُـنَـا

تُـسيِّرُ أرضاً في مقـــامــــاتِ خَـطــوِها     وتبذرُ في جُرحِ الـمـنـــافِــــــــيَ موطِنَا

وتـحـمـلُ شـمـســـــــاً في مداراتِ ظِلّها     وتُوحي إلى البدرِ الــقــداســـةَ فـــانحنى

وترفو تــضـــــاريسَ الحمائـمِ روحُــهـا     بــقـــرآنِ صــــــبـرٍ ألـهـمَ الطـفَّ لـقَّـنَـا

تُسائِــلـــــني نفسـي لدى الدمعِ، منْ أنا؟     ومنْ أنتَ؟ هلْ سَنَّتْ رؤى الطينِ حُزنَنَا

أزِحْ عنْ عُصورِ الماءِ بـعضَ غُرورِها    ودَوِّنْ فُـراتـــــــــــاً بـالـظـمـا جَـذَّ كـفَّـنَـا

أعِـدْنـا عراةً نـعـصـــــرُ الـشُـحَّ مَــوقـداً    ولا تـرسـم الأحلامَ، فاليأسُ فـي الـمُـنـى

أعِـدنا إلـى آبــــــــــائـنـا.. كـلُّ طــفـلـةٍ     لها إن عَـفَـــاهـا الـوأدُ الــسـبـيَ والـعَـنـا

تـلـونَـا عـلـى جوعِ الرغيفِ اصطبارَنا     فـأوقـدَ فـيـنـا الـكـربــــــــــلاءاتِ ديـدَنـا

تـشـابـهـتِ الأسـمــــاءُ فـوقَ قـــبـورِنـا     ومـاتـتْ بـهـا الألـقابُ واغتيـلـتِ الـكُـنَـى

تُسائلني نفسي لدى التيــــهِ، مــــن أنـا؟     ومـن أنـتَ؟ إنَّـا ظـامـئـــــــــــانِ فَـروِّنـا

عـلـى أيِّ نـهـرٍ أنـزِلُ الـحـزنَ مـــارداً     وحُـلـمـي بـمـنـفى الـظـلِّ جَـفَّـفَه الـضَّـنـا

تُـسـائِـلـنـي نـفـسـي.. فـأرشــــفُ هـدأةً     مـن الـلـيلِ ضجَّ الصمتُ فـيـهـا فـأذعَـنـا

تُـداهِـمُـنـي الأسرارُ تفتـضُّ سُــحـنـتـي     وسـرِّيْ مــن الأصــــداءِ أرهـقَ ألــسُـنـا

فـسـارَ بـصـمـتـي الموتُ ظِــلّا تـقـودُه     رؤاهُ الـصَّـحارى فـارتـدى الـشكَّ مُوقِـنَـا

فـهـلْ لـيَ مـن نـجـوى الملامحِ سحنـة     لـتـمـحـو تـجـاعـيدَ الـتـواريــــــخِ والـدُّنَـا

تُسائِلني نفسي لدى الحُـلـــمِ.. مـن أنـا؟     ومـن أنـتَ..؟ لم نـعـرفْ إلـى الآنَ أيَّـنَـا

أعِـدنـا لكي نمحو مـن الــطـفِّ طـفَّـنـا     وتـسـتـنـفِـرُ الـحوراءُ فـي الـتـلِّ حَـشـدَنـا

عـلـى مَـرفـأٍ لـلـكـبـريــــــــاءِ ودمـعـةٍ     بـهـا اسـتـوقــدَ الـرمـلُ الـقـوافــلَ أعـيُـنـا

هـي ابـنـةُ مـن صـلّـى الإلــهُ بـوجـهـهِ      ومـن بـاسـمـهِ جبريلُ فـي الـعـرشِ أذّنـا

هـي ابـنـةُ مـن كـفَّـــــاهُ قـمـحٌ ومُــزْنـةٌ      أميرُ المدى والقلبِ والشمسِ والسَّنـــــــا

هي الدمعةُ الـوثقى وسدرةُ مرتضى الــ     ـنـبـيِّ وكـان الأفــــــــقُ رأسـاً وقـد دَنـا

فـأودعَ فـيـهـا اللهُ جُـودِيَّ نـــــــــــوحـهِ     وقـــــــالَ: بــأنَّ الأرضَ تـبـدأُ مـن هُـنـا

وقال من قصيدة (تُـرتِّـلُ الـتـضـاريـسُ... خُـطـاه) وهي إلـى الإمام مـوسـى بـن جـعـفـر (عـلـيـهما الـسـلام):

خُطاهُ، فصولُ الوحـي تروي انتماءَه     إلـى حـيـثُ يـقـفـو عِطـرُهـا أنـبياءَه

إلـى حـيـثُ أرواحٌ تــقـدَّسَ سـفــرُهـا     عـلـى سـرِّهـا ألـقـى الـنبـيُّ كِـسـاءَه

فــيـنـسـلُ تــاريـخُ الـضـيـاءِ مَـلائـكـاً     لـتـسـرجَ فـي ذكـرِ الـسَّـماءِ سـماءَه

أتــى يـقـتـنــي مـوتاً يُضيء نُـشـورُه     عـلـى كـلِّ فـجـرٍ خــــطَّ فـيـهِ نـداءَه

فـجـابَ تضـاريسَ الـسـمـاءِ بـروحِـهِ     لـيُـعـلـنَ فـي هـمـسِ الـرحيلِ بـقـاءَه

وكـان ضــنـينـاً بـالـنـبـوءةِ رفـرفـتْ     عـلـيـهـا رؤى الآبــاءِ تـجـلـو نـقـاءَه

فـأفـنــى أقـاويــلَ الـوجـودِ مـلامـحـاً     وآثـرَ أن يـتـلـو الـخـــــــلـودُ دعـاءَه

فـشـبَّــتْ بـنـجـواهُ الـمـرايـا قـصائـداً     لـتـنـسـجَ مـن سـفــرِ الـدمـوعِ لـواءَه

وتـخـفـقُ فـي حـزنِ الـتـراتـيلِ كـفُّـه     عـلـى سـورةِ الأصفادِ تروي ابتلاءَه

ويـنــشـقُّ قـلـبُ الأرضِ نبضاً لسـرِّهِ     ويـغـرسُ فـي بـغـــدادِهـا كـبـريـاءَه

ويـنــبـعُ صـوتٌ مـن بـواكـيرِ حزنِها     يُـرتِّـلُ فـي سـجـنِ الـجـراحِ حِـراءَهُ

بـمــوسـى يلوذُ الليلُ تُـسـحِـرُ نـجـمَـه      مـنـاجـاةُ مـعـشـوقٍ تـــتـوقُ لـقـاءَه

ويــهـدأُ فـجـرٌ خـلـفَ قضبانِ نُـسـكـهِ     لـتـنـشُـدَ أنـداءُ الـقـبــــــــــابِ إبـاءَه

على فترةٍ قد جاءَ ضـوءاً مع الـنــدى     تـصـوغُ سـلالاتُ الـسـماءِ صـفـاءَه

يـبـوحُ إلـى الأشـيــــاءِ آيـاتِ روحِــهِ     كـمـا بـاحَ بـالأفـقِ النبيُّ اصطـفـاءَه

لـتـنبتَ مـن أضلاعِـهِ الأرضُ قــبـلـةً     وتـنـشـقُ أنـفـاسُ الــدعـاءِ بــــهاءَه

ويـشـدو عـلـى كـفَّـيـهِ فجــرُ حـمـائـمٍ     لـتـذرفَ مـن نـبـضِ الرفيفِ رثـاءَه

وتـفـتـحُ مـن أشـذاهُ بـــــــابُ حـوائـجٍ     فـتـشـرقُ أحـلامُ الـعـيـونِ سـخــاءَه

عـلـيـهـا لأجـيـــالِ الـدمـوعِ شـواطئٌ     تُـظـلِّـلـهـا الأمـلاكُ تـدلـو عـطـــاءَه

تـنـدَّى عـلـى لـيـلِ الـمطاميرِ صوتُـه     نـجـومـاً وأرخـى بـالـــدعـاءِ سناءَه

فـأسـرى، ولكنْ عـافَ قـيدينِ فـيهـمـا     إلـى الآنَ خـفـقٌ يـرويــــــانِ فـداءَه

فـصـاغـتْ تـواريــخُ الشهادةِ مـنهـمـا     شِـعـاراً وأذكـتْ فـي العيونِ دمـاءَه

فيا سيدي، جـفَّـتْ أســىً روحُ شاعـرٍ     لـتـورقَ أحـداقُ الـرجـاءِ بــكــــاءَه

يـنـاجـيـكَ يـا بــابَ الـحـــوائـجِ بُلْـغَـةً     تُـسـجِّـرُ فـي أضـــلاعِـهِ كـربـلاءَه

أبا الطهرِ، هَبني بعضَ طهرِكَ أرتقي     إلـى فـلـكٍ يـسـتافُ مـنـكَ ضـيــاءَه

وجُدْ لي بجودٍ، شاطئُ النورِ أعشبـتْ     عـلـيـه قـلـوبٌ تـسـتـدرُّ نـمــــــــاءَه

وقال من قصيدة (سفرُه يوقظ التراتيل) وهي إلى الإمام علي الهادي (عليه السلام):

أتـاهُ غـريــبـاً والــعـراقُ عــراقُه     وكـلُّ نخــيلِ الـشـاطـئـينِ رفاقُه

وكـلُّ المنافي من خُطاهُ تبرعمتْ     حنيناً ونــدَّى في الغيابِ اشتياقُه

أتى ينزعُ الأرباقَ عن حلمِ غيمةٍ     بـكـوثــرِ كـفٍّ مـن دعاءٍ مـذاقُـه

تُوشّـي رؤاهُ الـشمسُ قدسَ إمامةٍ     إلى سـفرِ جـبرائيلَ يُنمى خَلاقُـه

يُريقُ أساريرَ الصباحاتِ وجـهُـه     وتـنــثـرُ أنـداءَ الـزهــورِ حداقُـه

توضَّأ نهرٌ مــن رفـيـفِ أكـــــفِّـهِ     لـتــورقَ أحــلامَ الضفافِ عذاقُه

تـودِّعُ شـمــــــسـاً يثربٌ بوداعِـهِ     فـشـبَّ قـناديـــلَ الـدمـوعِ فـراقُـه

سَـمِـيُّ عـلـيٍّ ظـلّــــه حلمُ نـخـلـةٍ     يُـفـتِّــحُ أشـــذاءَ الـنـبـيِّ نِـطــاقُـه

مُـنـاجَـاةُ أرواحِ الـكـساءِ بـروحِـهِ     اسـتظلَّ بها كونٌ فضاءتْ طِباقُه

سَـجَاياهُ بَثّتْ في النفوسِ مُـحـمَّـداً     ويَهمسُ وحياً في القلوبِ اعتناقُه

تـبـرعـمَ سـفـرٌ مـن عـليٍّ بـقـلـبِـهِ     بكوفتهِ العصماء فــاحَ انـطـلاقُـه

إلى الطفِّ لا زالتْ مزاميرُ دمعِهِ     يـرتِّـلُـهـا فـي الـخافقينِ ائـتـلاقُـه

وتشرقُ فـي بـغـدادَ مـنـهُ مـنــائـرٌ     يــظـلّـلُها فـي الـكاظمينِ بُـراقُــه

لـتـنـشـقَ سـامـراء واحــاتِ نورِهِ     وفــي شُرفةِ الأحداقِ شَبَّ انبثاقُه

يُـكـبِّـلُ لـيـلٌ بـالـسـباتِ مـديــــنـةً     ويَـسـدلُ أحـلامَ الـصـبـــايا وثاقُه

فـعـربَـدَ قـصـرٌ والـقـيانُ تَـحـــثّـه     وترقـصُ في كفِّ المجونِ دِهاقُـه

وتـوقِـظـه نـشـوى اصـطـباحٍ بلذةٍ     فـيـغـرقُ حدَّ الإصطباحِ اغـتباقُـه

عـلـى الـعـودِ غـنّى حكمَه متوكلٌ     ويـتـلـو مـديـحَ الـبُحتريِّ نـفـــاقُـه

ويـنـبـضُ فـي بـيتٍ حـنـيـنُ تهجُّدٍ     يـلـوذُ بـه قـلـبٌ يـفـوحُ اعـــتلاقُـه

حـصـيـرٌ, وقرآنٌ, ونشـوةُ سَـبْحَةٍ     ووجـهٌ بـه فـي الـليلِ ضاءَ مَحاقُه

تـسـلـسـلَ فـي أعراقِـهِ زُهدُ جــدِّهِ     فَـزُفَّ إلـى الدنيا ثــــلاثـاً طَـلاقُـه

عليٌّ رفيفُ الوحي مُصحفُ اسمِه     ومـعـنـاهُ سـرٌّ فـي السماءِ انعتاقُه

سـتـبـقـى صـبـاباتُ الحَمَامِ بمرقدٍ     تـرفُّ ويـسـري مـن نَـداهُ اندفـاقُـه

تـراودُ أنـسـامَ الـضـريـحِ مــلائـكٌ     يـظـلّـلـهـا بـالإبـتـهــــــالِ رواقُـه

وقال من قصيدة (اختصار المدى)

ويختصرُ الأرضَ فــــــي زوبعَه     ويمضي على شــــــرطِ أن تتبعَه

فنثُّ عليه المــــــدى أدمـــــــــعَهْ     وأوقد من دمـــــــــــــــه صومعه

وترتشفُ الـشمسُ مـن قبــــــــرِه     حيــــــــــــاةً ومــا أوّلتْ موضعَه

وينبجسُ النــــــــهرُ فـــــــي أُفقِه     فيجلو الضريـــــحُ له مـنــــــــبعَه

يســـــــائله الـنجــــــــــمُ عن ليلِه     لينهلَ من وجهِـه مـطـــــــــــــلعَه

تجفُّ مــــــــلامـــــحُ فجرٍ شهيد     يباباً ومن دمِـــــــــــــــــــه مُترعَه

جرارٌ تفـــجّرُ نهـــــــــر الدموع     فتبكي الصحـــــارى صـهيلاً معَه

تكفّنُ بالريــــــح أنفــــــــــــــاسُه     ويوقـد نبعُ النــــــــــــــدى أضلعَه

ويلتهبُ الصـــــــــوتُ في حزنهِ     وينبــــجسُ الــعشـقُ من مشـرعَه

يفزُّ الزمــــــــانُ على راحتـيـــه     وينشقُ نشرُ الصّــــــدى مصـرعَه

يفتّق للشــــمــــسِ أحـــــــــداقَها     وفي الفجــــــــــــرِ وردٌ به شـرّعَه

يَخاف علـى الخلدِ من أن يموت     فصـــــــــــــــاغ الخـلودُ له أشرعه

وحاكَ النجومَ وشـــــــاحاً عـليه     فتاهتْ بجبهتـــــــــــــــــه المهــيعَـه

تصبُّ الدمـاءُ تواريـــــــــــــخَه     فتحني القرونُ لها طــــــــــــــيِّــعَه

على شفتـيه تذوبُ الســــمـــــاء     فأدنى السـحـــــــــــابُ له أضرُعَه

وقال من قصيدة (تراتيل الماء):

تـندَّى فنثَّ الـفـجـرُ ألـــــوانَ نـزفـهِ     وروداً وغنّى فـي فراشاتِ وصفِهِ

تطرِّز أحلامُ الـرحـيـــــــــلِ رداءَه     وتـغـزلُ رؤيا الغيبِ أصداءُ حتفِـهِ

وتنسـلُ طـفَّـاً كلّ يـومٍ طــــفوفُـــــه     قـرابـيـنَ وهـجٍ فـي محاريبِ طفِّهِ

بمنأى عـن الأزمانِ فـــهرسَ موتَه     يـمـوتُ لـيـحـيا.. ثـم يبقـى لحذفِـهِ

ويـنـزعُ أغـلالاً بـتــــسـعِ أنــــامـلٍ     عـن الشمسِ كي تقفو مجرَّاتِ كفِّهِ

ويثمرُ في نسغِ الـــتـراتـيلِ نــخـلُه     يظلّلُ أزمـــانَ الـدمـوعِ بـــسـعـفِــهِ

ويبذرُ فـي الــــماءِ العقـيمِ ملامحاً     من الـظمأ الجاري بواحاتِ رشــفِـهِ

ويكشفُ عن كهفِ المروءاتِ فتيةً     يـلـقِّـنُـهـا بـالـرمـحِ آياتِ كـهـفِــــــهِ 

وقال من قصيدة (دمعة في تضاريس النجوى):

بمدينةِ الذّكـــــرى سينـــــحتُكَ المَدى     ولكمْ دعوتَ بها ؟ ففــــارقكَ الصدى

كانتْ تطوفُ بكَ المـــدائنُ في تضـا     ريسِ الحضورِ البـكرِ تـــستبقُ الندى

حتى إذا ما جئتَ أظــــــلمَ أفقُــــــــها     أدَرَتْ بأنَّ الأرضَ غــــادرتِ الهُدى

فــبــكـــت عليكَ ولا تــزالُ ترتّـلُ الـ     أحـداقَ دمعاً عتَّــــقته عــــــلى سُدى

إذ لا يزالُ الأفــــــقُ أظــــلمَ والسَّــما     قد ردَدَتكَ على الكــــــــواكبِ أوحدا

برقتْ بسيــــفٍ في مـــــلامحِـها ولـ     ــكـنْ لم تجدْ إلّاكَ تلهـــــــــــــمُها يدا

وبها اختـزلـتَ الأرضَ في يومٍ سمـا     ويٍّ وميَّــــــــزتَ الحيــاةَ مـن الرَّدى

أسرجتَ بوصــــلةَ الطفوفِ إلى طقو     س العشقِ تبـذرُ في المــــآقيْ مَرقَدا

وأنرتَ في الصـــــحراءِ وحيَ شهادةٍ     حتى أحلتَ الرملَ بـالــــــدمِ عَسْجَدا

قدَّرتَ للأقـــدارِ موتاً فــــــــــــــــانياً     وتموت كي تحيـــــــا لتبــقى سرمدا

وتطـــــوفُ في رأسٍ على رمحٍ تـلقِّـ     ـنُ فتيـةً بكَ آمــنوا مـــــــــعنى الفدا

فسَمَتْ على أفقِ الإبــاءِ رؤوسُــــــها     بدمٍ وعانقــتَ الـــذرى والســــــُّؤدَدَا

وتقلّدتْ نهجَ الحُسيـــــــنِ عقيــــــــدةً     والحُرُّ يأبى أن يعـــــــــــــيشَ مُقيَّدا

تتوارث الأجيالُ صوتَ طـفـوفِـك الـ     ــظــمــأى ألا من ناصرٍ وعـتِ النِّدا

أشرعتَ للطفلِ الرضيـــــــــعِ براءةً     نحو السماءِ بها تجلّى فرقــــــــــــــدا

يا سيّد الشهـــــــــــــــــداءِ آياتٌ نمتـ     ــكَ دعتْ صـلاتي فيكَ أن تـتهـــجَّدا

الوحيُ والذكرُ العظيــــــــمُ وســدرةٌ     للمـنتـهـى والروحُ فيــــــــــكَ تجسَّدا

فإذا المدى جســـــدٌ وأنــــتَ سمـاؤه     وإذا السَّمـــا رأسٌ وكانَ مُحمَّـــــــــدا

وقال من قصيدة (العبد الحر) وهي إلـى الـشـهـيـد جـون بـن حـوي (رضـوان الله عـلـيـه)  

نـفـثـتْ بـأنـفـاسِ الــــظـلامِ زوابعُ     فاستيقظتْ بلظى الضــلــوعِ فجائعُ 

الريحُ ترفعُ سوطَ رملٍ تـقــرعُ الـ     ـذكرى غلتها في الـدمــــاءِ نـوازعُ 

في كربلاءَ، بــربــذةٍ أخـرى، بأو     جاعٍ.. بـنـزفٍ ضـــمَّــدتـه مــدامـعُ 

أنـا لـنْ أبـوحَ بـاسـمـيَ الـمنبوذِ ما     بـيـنَ الـقـبـائـلِ، فالــتــلاشـي شافعُ 

الشمسُ مرآتي، ووجـهـي هـدأةُ الـ     ـليلِ الـطـويـلة, والــريـــاحُ قـلائـعُ 

أمِّـي يـمـنـطـقُـهـا الـرحـيلُ كــناقـةٍ     وأبي على صــوتِ النخـاسـةِ جائعُ 

أنثايَ أحلامي الوئـيـدةُ، ظـئـريَ الـ     ـصحراءُ.. تلهمني السكونَ سوافعُ 

جسدي تُهنْدِمُه الـفـصولُ وتـرتـوي     من نكهةِ الأمطارِ فيَّ طبــــــــائـعُ 

وتطرِّزُ الــرمـــضاءُ أقـدامـي بأشـ     ـواكٍ.. سـتـثـمـرُ مـن دمايَ وقائـعُ 

لا سقفَ يحجبني عن النـجـوى ولا     صفدٌ يـسـمِّـرُ سُـحـنـتـي ومقــامـعُ 

أقفو الغفاري اصـطـفـتهُ نـبـوءةُ الـ     ـمـنـفـى فضجَّتْ من دعاهُ صوامعُ 

ستمـوتَ وحـدَك يا رفـيـــقَ اللهِ، يا     حـزنَ النبوةِ، لـفّـعـتـكَ شــــــرائـعُ 

تـنـمـو عـلـى شفتيَّ أغنيةُ الـصـهيـ     ـلِ وأومـأتْ للطفِّ مـنـكَ أصـابـعُ 

هـذا طـريـقُكَ يــا بـنـيَّ فــلا تـحــد     إن أبـرقـتْ حولَ الحسيـنِ قـواطـعُ 

وأطـوفُ بـعدكَ فـي قوافـلِ غربتي     لـيـلاً بـه قـــمـرُ الـنـهـايـةِ ضـائـعُ 

وهجُ الطريقِ الـبـكرِ يشحـذُ ليـلـتـي     ودموعُ صـمـتِ الاحتضارِ ودائعُ 

الـشـمـسُ ظـلّـيْ، والغبارُ مـلامحي     وخُطايَ بوصلتي، وحلميَ شاسـعُ 

أرخـى بـقـايا الليلِ فجرُ حقيـــقـتـي     في الطفِّ وانبجستْ عليهِ مـنـابـعُ 

ويدٌّ كنبضِ الوحي أجـلتْ عن دمي     إرثـاً تـوغَّـلَ فـيـه جـــيـدٌ خـاضـعُ 

يـا جـونُ هـذا الـليلُ جَـونٌ فـاتـخـذْ     جـمـلاً سـتـقفو في الصباحِ ذرائـعُ 

أأعودُ للصحراءِ يلــفـحـنـي هـجـيـ     ـرُ الـذكـريـاتِ تـثـيـــرهـنَّ بـلاقـعُ  

مـولايَ خُـذ بدمي ستنطـقُ جـمـرةٌ     عـمّـا احـتـوته مـن العذابِ أضالعُ  

وقال من قصيدة (دم على لوح سومري) وهي إلى شهداء الحشد الشعبي:

تواعدوا، صـوتُ مـوتٍ كـان يـنـدبُــهــــم     حتى تلاقَوا فأضحى صوتُهم وطنا

أخي، ابن عمي، صديقي، جاري ارتحلوا     إلـى هـناكَ، إلى حيثُ ارتأوا زمنا

كـنّـــا لــكــمْ حـشــدَ دمــعٍ كـنـتــمُ مُــقــلاً     وكانَ مـوتٌ يُـنـمِّــي حــولنا المُدُنا

تلوا على الأرضِ سِـفْـراً بـالــدمـــــاءِ إذا     ما أمحلتْ هطلتْ أرواحُــهــمْ مُزُنا

صـاغـوا مـنَ الـقـصـبِ الـمـمـشوقِ ألويةً     للنصرِ واستعذبوا في غيظـهمْ كفنا

الــراحــلــونَ بــقــاءً، نــهـرُ سِـحـنـتِـهــم     على تـجـاعـيـدِه يـسـتـنـطقُ الشجنا

الــمـاكــثــونَ رحــيــلاً، فــجــرَ أدعــيـةٍ     جباهُهم شَرَّعتْ مُذْ صُلـصِلتْ سُنَنَا

الـحـاضـرونَ حـفـيـفُ الـسـعـفِ يهمسُهم     الـغـائـبـونَ رفـيـفُ الـدمـعِ يـسـكنُنا

كـفـوفُـهـم وحـــيُ ألــواحٍ مُــرتَّـــــــــلــةٍ     عـلـى قـيـامـةِ لـيـلٍ نـاغـتِ الـوَسَـنا

وقال من قصيدة (موعد مع الظمأ)

عـلـى أيِّ نـهـرٍ.. يـستفيقُ بِكَ الظـمأْ..؟     وكلُّ الـمِـيَاهِ البكرِ قد شـفّـهَـا الـصَّـدَأ

تـنـادمُ أرواحـاً.. تـراتـيـــــلَ أزمــــنٍ..     ولكنهمْ ماتوا.., فـهـلْ مـوتُـهـم طـرَأ؟

فليسَ بصعبٍ.. أن تموتَ على الصدى     ولـكـنَّ صـعـبــــاً.. أن يموتَ بكَ النبأ

وتـرنـو اتـكـاءً إنْ تـداعى بـكَ الـمـدى     وهلْ في الذي يمشي إلى الموتِ مُتّكَأ؟

تـعـلّـلُ إنْ لاقـيـتَ تـيـهَ نـهـــــــــــايـةٍ     بـأنَّ مــــدارَ الـتـيـهِ مـن تـيـهِـكَ ابـتـدأ!

ستبقى.., وهل تبقى وما كنتَ من برا     ولـــــــكـنَّ مــوتـاً غـارقـاً فيكَ قـد بـرأ

سـتـقـفـو الـسـلالاتِ الـتليدةَ مـفـعـمـاً     بـمـا افـتـضَّ مـن نـورٍ يقولونَ: قد صَبَـأ

وتـخـفـقُ زيـتـونـاً بـظـلِّ حـمـــــامـةٍ     فـعـادَ مـن الـطـوفـانِ مـا استوقدتْ سـبـأ

وصـخـرةُ قابـيـلٍ بـرأسِ غــــرابِـهـا     إلـى الـرقـصـةِ الأولـى يــراودُها الخطأ

سـألـقـي عصـايَ الآنَ تلـقـفُ رغبةً     عـلـى كأسِ سـمٍّ الـلـيـلِ حـزنٌ بـهـا رقـأ

تـعـبُّ ركـابَ الريـحِ فـي بئرٍ حزمةٍ     مـن الـغـيمِ مـن ذئـبٍ ومـا غـيرهـا وطأ

أربَّـاهُ هـذي الأرضُ عمياءُ قادَهــــا     على السوطِ وحشُ الـوهـمِ عيناً لهـا فـقـأ

وقال من قصيدة (كربلاء.. قديسة المدن)

وحدَها الضوءُ والـفصولُ ضَبَابُ     ولِـشـمـسـيـهـا .., رحــلةٌ, ومـآبُ

وحـدُهـا بـرزخُ الـمـلائـكِ، نــدّتْ     واحـةَ الفجرِ، فاستـفاضَت رحابُ

أيـقـظـتْ في النخيلِ زيتونَ عشقٍ     حينَ أغْفى على الـحضورِ الغيابُ

روحُـهـا الـريـحُ إذ تَــنـاءتْ دُنـوَّاً     فـاسـتَـقَـى رعـشـةَ الذهابِ الإيابُ

حـزنُـهـا مـزمـارٌ .. يــرتّـلُ طـفَّـاً     ومــداها .. قـصــيـدةٌ ، وكــتــابُ

أوّبـتْ عـند صوتِها الشعراءُ، اسْـ     ـــتَرَقُوا الوحيَ، فاسـتهلَّ الحِجَابُ

كـسـمـاءٍ أحـزانُـهـا اسـتـمـطـرتْها     أغـنـيـاتُ الأسـى، فـثـارَ السَّحَابُ

نـثَـرتْـهـا الأنـداءُ أنــفــاسَ صـبـحٍ     فـاحـتـواهـا الـنـسـريـنُ واللـبلابُ

في خُطاها الأمطارُ تتلو صحارى     وسـمـاهــا، مــوطــنٌ، واغـترابٌ

نـخـلـهـا تـخـفـقُ الـعـصـافـيـرُ فيه     راودتْــه عـلى الـظــلامِ الــذئــابُ

دربُـهـا تـنـفـثُ الـشـيـاطينُ في أمـ     ــلاكـهِ الـنارَ، فـاســـتُرِقَّ الإهابُ

وحدُها الروحُ في شَغافٍ من الدمـ     ــعِ شـفـيفٍ، لـم يُـجلَ عنه النِقابُ

سِـفـرُ إيــلافــها نــــوافــلُ عـشــقٍ     وحــــمــامٌ، وقـــبــلــةٌ، وقِــبــابُ

سـرُّها الـعـذبُ عـتّـــقــتــهُ شِــفــاهٌ     فـاسـتـفـاقـتْ بـخـمـرِها الأكـوابُ

أرشـدت بـوصـلاتِ قـلـبٍ خُـطاها     كــبُــراقٍ لــه اشــرأبــتْ رقــابُ

نـسـلـتْ مـن قـوافـلِ الـضوءِ حزناً     فــتـلـظّـتْ بــدمــعِــهــا الأهـدابُ

يـرتـديـها الرحيلُ، صمتَ اعتكافٍ     وازورارٌ يــحــفُّــهــا، وصــوابُ

أمْـطـرَتْـهـا الـعـيـونُ شـتّـى النوايا     فــتــهــاوتْ بــوهــمــهــا الآرابُ

ظـلُّـهـا قـربـانُ الـتـراتـيـلِ، قــمـحٌ     حَـــجَـرٌ، هـابـيــلٌ، دمٌ، وغــرابُ

صـوتُـهـا أسـوارُ الـمُـحـالِ بـيـأجـو    جَ ومـأجـوجَ ضـاقــتِ الأســبـابُ

راقـصـتْ خـفقَها الرفيفَ السواقي     ظـلـلّـتــهــا بــسـحرِهـا الأعـنـابُ

أورقَ الـهـمـسُ يـاسـمـيـنَ شـذاهـا     فـتـنـدّتْ مـن عـطـرِهـا الأنـخابُ

مـرقـدٌ فـتّـقَ الـدجى، أورقَ الصبـ     ــحَ، تـسـامى بين الفصولِ اللبابُ

هِـيَ مـمّـا تـجـلّـتِ الأرضُ سـحراً     ومن الأمـلاكِ اصطفاها الخِطابُ

وهْـيَ سـرُّ، يـضـيـقُ فـيـه انـعتاقٌ     وسـؤالٌ، لـمْ يَـدنُ مـنـهُ الــجـوابُ

وحـدُها النهرُ .. فـالـسواقي عِذابُ     وحــنـيـنٌ يـضـمُّـهـا وانــتــحــاب

وحـدُهـا ظـلّـتْ مـن سـبـايـا الأقـدا     ر .. هـضـابٌ تـلـفُّـهــا وشِـعـابُ

سـافـرتْ فـي مـجـرّةِ الـسـهدِ واجـ     ــتاحتْ نجوماً وآبَ منها الذهابُ

هـزّتِ الـذكـرياتِ وانـتـبـذتْ بـالـــ     ــقـلـبِ أسـراراً حـاطــهنَّ اليبابُ

صـمـتُـهـا بــئــرٌ، فـيـهِ وجـهُ نـبـيٍّ     مـتـحـتْ مـاءَه الوجـوهُ الغِضابُ

سمتـها طـفـلٌ، مـهـدُه الـبـحـرُ ألقتـ     ـهُ عـلـى خـوفٍ، واسـتبدَّ العِقاب

خَـتَـمَ الـحـلـمَ عـنـد مــسـراهُ قـلـبٌ     وسـكـونٌ، وشـهـقـةٌ، واضطرابٌ

غـفـلـةٌ فـي الـمـسـارِ نـضـحُ دعاءٍ     رُبَّ غـاوٍ يـــتـوقـهُ الــمــحــرابُ

هُـدْهُـدُ الـعـشـقِ قادَ بلقيسَ والـشمـ     ــسَ لـواحـاتٍ فـاحَ فـيـها المَتابُ

أيـقـظَ الـحـلـمَ فـي الـدمـاءِ يـقــيــنٌ     وأمــــانٍ، ورعـشةٌ، واضطراب

آنـسَ الـجـرحُ فـي صـحاراهُ وهْداً     فـتـراءى عـلـى يـديـهـا الـشـهابُ

وَلَـهٌ.. مـوتٌ .. بــرزخٌ .. وبــوارٌ     وخـــلـــودٌ مــــؤثّـــلٌ وشـــبــابُ

عـمـرُهـا ومــضــةٌ تــزيــدُ اتّـقـاداً     كـلّـمـا جـدّتْ في المدى الأحقابُ

صـوتُـهـا الـصـبـحُ زقزقاتُ طيورٍ     صـمـتُهـا الليلُ كُحْلُها والخضابُ

اسـمُـهـا الـبـكـرُ فيءُ أسماءِ راقتْ     لــــبـــلادٍ تــجــلّــهـــا الألــقــابُ

وحـدُها الـدربُ والـجـهـاتُ سرابُ     ويـقـيـنٌ يـــحـوطـها وارتـــيــابُ

دبّـتِ الـذكـرى رتّـلـتـها خطايا الــ     ــأنـفـسِ الـطـهـرِ شـبّـهـنَّ عتابُ

لـحـظـةٌ أطـفـأتْ تـواريـخَ الـفـجـــ     ــرِ فـأوراها في الليالي المصابُ

وحـدُها الـحـبُّ والـحـنـينُ انتظـارٌ     واحــتــظـارٌ وغــمــرةٌ وتــبــابُ

أيـقـظَ الـديـكُ فـي الـمـديـنـةِ أحـلا     ماً مـضـاميرَ استوقدتها الصعابُ

نـزفـتْ دمـعَـهـا بـخـطـوٍ وأسـرى     بـرجـاءِ الـصـلاةِ فــيـهـا الـثـوابُ

عـجـنــتــهـا كـفُّ الـنـوايـا بــحــنّـ     ـاءٍ بـلاهــا الـضـريـحُ والأبـوابُ

سـمـتُ أمـي مـنـارةٌ طَـلْـقُـها الذكـ     ــرُ تـمـاهـى بـه الـدعاءُ المُجابُ

صـبـغـتْ مــهــدي من دماءِ أبي آ     خـرِ رأسٍ تـنـاقــلـتــه الــحـرابُ

جئتُ من أقصى بئرِ رؤيايَ شعراً     سـخـطـتْ مـن تـأويـلهِ الأغرابُ

كـنـتُ أجـلـو عـن الـقـبـورِ تـرابـاً     لـكـن الـيـومَ عـزَّ فـيـهـا الـتـرابُ

وقال من قصيدة: (جراح في ذاكرة الصهيل)

سرى، فاستبطـأ الـفجرُ الـرجوعا     وأطفأ فـي ديــاجـــيه الـشـمـــوعـا

يـنـاجـيـه الـسـرابُ شـــــفـاهَ نبـعٍ     ويـمـتـحُ مـن سـنــابـــلـهِ الدمـوعـا

يـدرُّ الـقـحـطُ.. والأحلامُ ظـمــأى     فـأدلى الدربُ مـن غدرٍ ضُــروعا

يـكـادُ يـشفُّ مـوتــاً مـن سـنـيـــنٍ     يَـثيرُ غــبارَهــــا سـمّـاً نـجـيــــعـا

ويـوقـدُ فـي الـدماءِ صهيلَ جرحٍ     لكي يمحو من الصوتِ الخضوعـا

يـكـحّـلُ بـالـتـراتـيـــــلِ الـرَّزايـا     وحـكـمـتُـه لـه تـأبَـى الـوقــــــــوعا

ويوحـــي للـمدى آيــــــاتِ رأسٍ     عـلـى رمــحٍ فـيـلـهـمُـه الـشـروعـا

ويـبـرقُ فـي الـنجومِ دعاءَ دمـعٍ     بـمـعـراجٍ يـبـثُّ بـهِ الـطـــــــــلوعـا

بـنـى قـمـرَاً توشّحـه الأمـــــاني     فـنـدى حـلـمَـه لـيـلاً مُـريـــــــــــعـا

تـوكّـأ بـالـجــــراحِ فـثُرنَ نـزفـاً     لـخـوضِ ريـاحـهِ لـن تـسـتـطـيـــعـا

أفـاقـت فـي ملامحــهِ الـمـــرايـا     وشـبَّـتْ فـي مـآقـــــيهِ الـسطــــوعا

ويـرسـم لـلـنـدى مِيقاتَ نــبـضٍ     فـأمطر فـي الـوجوهِ مدىً صـريـعـا

وحـامَ على الفصولِ علـى أوامٍ     فـأنـكـرت الـدنا فـيـه الـربـيــــــــــعـا

وله قصيدة (صـوت مـن سِـفـر الـطـف) وهي إلـى الـقـاسـم بـن الإمـام الـحـسـن الـمـجـتـبـى وهـو يـطـرز الـطـف بـدمـاء الـشـهـادة قارن فيها بين موقفين:

قال ابن عباس: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله فقال لي: ما قيمة هذا النعل ؟ فقلت: لا قيمة لها. فقال عليه السلام: والله لهيَ أحبّ إليّ من أمرتكم إلا أن أقيمَ حقاً أو أدفع باطلاً (5)

قال حميد بن مسلم: خرج إلينا غلام كأن وجهه شِقة قمر، في يده سيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد أنقطع شِسع نعله فوقف يشدّه وهو لا يزن الحرب إلا بمثله غير مكترث بالجمع ولا مبالٍ بالألوف (6)

مـشـى فـي سماءٍ صفَّ أملاكَهـا عَـمَدْ   يـقـلّبُ أفلاكــــــــــــاً فـتخبو إذا اتَّقَــــدْ

ويطوي اللغاتِ الـبكرَ في سفرِ صوتِهِ   بـوحيٍ وفــــــي نـجواهُ مـعـنىً بها وَأَدْ

فتىً لا يـرى الأبـطــالَ كـفـــؤاً لنعـلِـهِ   حـــريٌ بــــــأن يُدعى لدى عدِّهـا أحدْ

تـسـلـســـلَ فـي مـعناهُ ما مسَّ رجـلَـه   لأشـرفَ مـــن دنيا إذا ســــادَهـا الأوَدْ

فـلـمْ يُـدركُ ابـنُ الـعــمِّ مـعنىً يـفـوقُـه   وهـلْ يُــدركُ ابنُ العمِّ مـا يدركُ الوَلَدْ

وفــاتَ ابـنُ عـبــاسٍ بـأنَّ لها الـفـتـــى   بـأنَّ لــــشبلِ الطفِّ مـا أورثَ الأسَـدْ

لـه فـي انـتـقـــاءِ الـمـوتِ سُـنَّةُ عاشقٍ   بـ (فزتُ) فأعيا الموتَ في سفرِهِ الأبدْ

وقال من قصيدة (اختصار المدى)

ويختصرُ الأرضَ فــــــي زوبعَه     ويمضي على شــــــرطِ أن تتبعَه

فنثُّ عليه المــــــدى أدمـــــــــعَهْ     وأوقد من دمـــــــــــــــه صومعه

وترتشفُ الـشمسُ مـن قبــــــــرِه     حيــــــــــــاةً ومــا أوّلتْ موضعَه

وينبجسُ النــــــــهرُ فـــــــي أُفقِه     فيجلو الضريـــــحُ له مـنــــــــبعَه

يســـــــائله الـنجــــــــــمُ عن ليلِه     لينهلَ من وجهِـه مـطـــــــــــــلعَه

تجفُّ مــــــــلامـــــحُ فجرٍ شهيد     يباباً ومن دمِـــــــــــــــــــه مُترعَه

جرارٌ تفـــجّرُ نهـــــــــر الدموع     فتبكي الصحـــــارى صـهيلاً معَه

تكفّنُ بالريــــــح أنفــــــــــــــاسُه     ويوقـد نبعُ النــــــــــــــدى أضلعَه

ويلتهبُ الصـــــــــوتُ في حزنهِ     وينبــــجسُ الــعشـقُ من مشـرعَه

يفزُّ الزمــــــــانُ على راحتـيـــه     وينشقُ نشرُ الصّــــــدى مصـرعَه

يفتّق للشــــمــــسِ أحـــــــــداقَها     وفي الفجــــــــــــرِ وردٌ به شـرّعَه

يَخاف علـى الخلدِ من أن يموت     فصـــــــــــــــاغ الخـلودُ له أشرعه

وحاكَ النجومَ وشـــــــاحاً عـليه     فتاهتْ بجبهتـــــــــــــــــه المهــيعَـه

تصبُّ الدمـاءُ تواريـــــــــــــخَه     فتحني القرونُ لها طــــــــــــــيِّــعَه

على شفتـيه تذوبُ الســــمـــــاء     فأدنى السـحـــــــــــابُ له أضرُعَه

وقال من قصيدة: (من نهرِ كفيهِ تَنْبَجِسُ السَّواقي)

أنَّى يُوفّيْكَ وصفٌ..، ضلَّ من وَصَفُوا      فالشمسُ إنْ جَحَدوا شمسٌ... وإنْ نَصَفُوا

لكنْ أتَـــــــــــى فضلُه من فيْضِ خَالِقِه     يَـــــــــــــــــدرُّ جودَ سَحابٍ حفَّه الوَطَفُ

فالفضلُ إنْ عُـــــدَّ أنواعاً بكَ اجتمَعَتْ     فأنتَ مــــــــــــــــعناهُ إنْ في نَعْتهِ اختلفُوا

جُدْ لــــــــــيْ بَيَاناً فقدْ أعْيَتْ فَمِي شِيَمٌ     عــــــــــن شَأوِها للوَرى قالَ الكلامُ: قِفُوا

فكــــــــيفَ أبلغُ وصفاً أو أفِي غَرضاً     فأنتَ – مهـــما وصفتُ – فوقَ ما أصِفُ

وجــــــــدتُ فيكَ سَمَاءً أعجزَتْ قِمَمَاً     أنّى يُـــــــــــــــــــــحلّقُ فيها الطائرُ النَّتِفُ

يَمّمتُ بــــــــحرَكَ صاغَ القلبُ قاربَه     مــــــــــن أضلعي ودليلي في الهوى كَلِفُ

فخضتُه ولـــــــــظى الأنفاسِ ترفعُها     روحي إلــــــــــــــيكَ شراعاً هزَّهُ الشّغَفُ

طفقتُ أُبحِرُ في الآلاءِ تُـــــــــبهرني     دُرَرُ المكارمِ عنهــــــــــــا شُظّي الصَّدفُ

وَرِثتَ مجداً تسامَى في الزمــانِ وما     جاراكَ فيه الوَرى قِدماً ومـــــــــا عَرفُوا

وَفُقْتَ طَوْلاً فأحنى الدهرُ هـــــــامتَه     فكلما رامَ نِداً مـــــــــــــــــــــسَّه الضّعفُ

يا ابنَ الذي شرَّفَ البيتَ الحرامَ بميـ     ـلادٍ وفـــــــــــــــي بيتِهِ تُسْتَنْزَلُ الصُّحُفُ

فشعَّ نوراً على الأزمـــــانِ فاقتبستْ     هَــــــــــــديَاً وشعّتْ على الدُّنيا به النجفُ

وابنَ التي قدْ نَماها المــــجدُ من قدمٍ     بالمَجدِ فاقــــــــــتْ على ما أوْرَثَ السَّلفُ

زادتْ إلى مجدِها مَجداً مُــذْ اقترنتْ     بمنْ ثوى في ثُراهُ الـــــــــفضلُ والشرَفُ

لوْ لمْ يَحُزْها عليٌ لمْ تجدْ كُــــــــفؤاً     ولمْ يَلِقْ لــــــــــــــــــــــــسَناها دونَه كَنَفُ

ولمْ يكنْ لِسِـــــــــــوَاها أنْ تلدْ قمَراً     لهاشمٍ فانجلتْ عن ليلِها الــــــــــــــــسُدُفُ

فكنتَ أشرفَ ما اسْتُودِعتَ في رَحِمٍ     وكـــــــــــــنتَ أطهرَ ما جادَتْ به النُطَفُ

ماذا دها الشمسَ إذ لمْ تنْطفِئْ أسَفاً ؟    وكيفَ لم تنْكـــــسِفْ منْ هَوْلِ ما اقْترَفُوا؟

وكـــيفَ لمْ تَتَنَاثرْ في المَدى حِمَمَاً ؟    وكـــــــــــــــــيفَ لم تَتَداعَى فوقَها السُقُفُ

ماذا دهـــــــــاها تَرى كفَّينِ لوْ وَقَعَا     على الجبالِ لأذرتْ شُمَّهَا الـــــــــعُصُفُ

كفٌ لحملِ لــــــــــــــــواءِ اللهِ ترفعُه     وكُّفُ ظـــــــــــــمآنَ منها النهرُ يَرتَشِفُ

تَرى بعينِ القَضَا عينَ النَّدى انطفأتْ     ورايةٌ.., ودمـــــــــــــــــاءٌ حولها نُزُفُ

تَرَى سليْلَ الوغَى أضحى بمشرعةٍ     مُلقىً ومن حـــــــــــــولهِ الأملاكُ تَعْتَكِفُ

تسقي لظاها دماءً..، وحيُ عاصفِها     في الدهر ظلَّ مع الأجـــــــــــيالِ يَعْترِفُ

يُــــتْلى صدَاها على الأجيالِ يُلهِمُها     درساً فَيُتْقِنُه عــــــــــــــــــن سالفٍ خَلَفُ

تَــــــــــوارثُوها معَ الأزمانِ مَلحَمَةً     للحشرِ رائعةُ الأمجادِ تتّصِــــــــــــــــفُ

تَجري عــــلى كلِّ جِيلٍ من أضالعِه     نبضاً تفيضُ عـــــــــــــلى آلائِه الشُـغُفُ

وتَستفيقُ علــــــــــــى نورٍ يُؤجِّجُها     درسَ الوفاءِ من العباسِ تَـــــــــــــقتطِفُ

ليثٌ أبَانَ بأرضِ الـــــطّفِّ غَضْبَتَه     فحيثُ ما مالَ كـــــــــانَ الموتُ يَنْعَـطِفُ

فيحمِلُ الماءَ حيثُ الـــــماءُ في يدِهِ     يهفُو إلى ثَغْرِهِ يُنْأى فَيَــــــــــــــــــزْدَلِفُ

أراقدٌ...؟ ولهُ الأفلاكُ قـــــد وقفتْ     أظامئٌ...؟ مــــــــــنه هذا الكونُ يَغْتَرِفُ

فالأرضُ قَدْ قَبَّلتْ كفَّينِ في جـــللٍ     والمَجْدُ في بيرقِ العـــــــــــــباسِ يَلتحِفُ

وقال من قصيدة (قلبُ أم البنين) وهي صُورة من ملحمة الانتفاضة الشعبانية المباركة في كربلاء عام 1991

صورة أم فقدت ابنها فتتأسى بأمِّ البنين (سلام الله عليها)

عشرُون عاماً , والصمتُ يعزِفُ الإنتظار ,

كرسيٌ مَلّ عِظاماً بالية , مُلفّعَة بثوبٍ أَسوَد ,

أَحداقٌ ذابلة تُحدّقُ بالبابِ , وأذنٌ مُرهفةٌ عندَ كُل خُطَى ,

لمْ تزل آخرُ كلماتهِ مَحفُورة في رُوحِها منذ ذلك اليومِ الذي فجّرَ مواويلَ

أَحزَانِها لتنصهرَ مع الأحزَانِ العاشُورائيةٌ الأبدِية ,

عندمَا خَرَجَ وتركَ قلبَ أُمٍّ في برزَخِ عَذابِهِ .

إِلى قلبِ أُمٍّ يقتاتُ عَلى الذكرَى

الفجْرُ يُنبئُ بالزوابعِ والدّماء .

زَفرت ظَهيرتَها المدينة جُثةَ الأحْزَانِ تلفحُ في الأزقةِ , والدروبِ الكالحَة .

وَأدت أكفُّ الحربِ بسمتَهَا .

الدمعَة الصمَّاءُ تذكِرةُ المُرورِ إلى طقوسِ الجُرحِ فِي جَسَدِ المدينة .

وَدَمٌ مِن الكلمَاتِ يُسكبُ في الضرِيح .

الجرحُ يُورقه على ظمأٍ .. صَهِيل .

ويشبّهُ لفحُ الرمالِ , وخفقُ أَحدَاقٍ على رُمحٍ

تصُبُّ النهرَ مِن كفّينِ في طعمِ الدموع .

وَيُفيق كابوسُ البنادقِ سَهمَ (حرمَلةٍ) , ويوترُ قوسَهُ لترفَّ أَجنحَة الدمَاء .

(الشّمرُ) يرمي بالقذائفِ و(ابنُ سَعدٍ) كان أَوّلَ من رَمى , ليعُبَّ نخبَ الريِّ من ظَمِأٍ ونار .

والطائراتُ تشُبُّ ناراً في الخِيامِ , تُفتّقُ الجُرحَ المُوشّحَ بالسهَامِ على المَنائرِ والقِباب .

ذبحَ الدُخَانُ فَمَ الطفُولةِ .., والرفيف.

وتُودعُ الجَسَدَ الرؤوس .

وصَدىً لآهاتٍ تطوفُ عَلى الهشيم

الليلُ يُقعي بالجراحِ مُكبّلاً , رثّ الثيابِ

ورأسُه يغزوهُ قملُ النارِ عَتّقَ صَوتَه طفٌّ دفين

في الفجرِ , أَذّنتِ المَقابرُ فانتشى مَوتٌ ترنّمُهُ الثكالى , وَشّحَته بالتراتيلِ التظَتْ فيها الشجُون

تتهرّأ الكلمَاتُ في كفّ القيود

والسجنُ قهقهَ نادمتْ جُدرَانُهُ لحمَاً على رقصِ السياط

وتناسَلتْ (طَفَّاً) قوافِلها السبايا

لكِنّ (بِشْراً) كمَّمُوهُ , وقيَّدُوهُ , ورغَّبُوهُ, ورهَّبُوهُ, و أَقبروهُ و أَبدَلُوهُ بجَوقةِ الأبوَاقِ ,

تنعَبُ فوقَ آلامِ المَشَانقِ والمَنافي والسجُون

تقتاتُ من صَنمِ القصُور

يا أهلَ يثربَ: إلزموا سلطانَكم   فالرافضونَ خوارجٌ كفّارُ

يا أهلَ يثربَ: في رضاهُ جنّةٌ   ترجَونها ولمنْ عصاهُ النارُ

وتفوحُ عندَ النهرِ كفٌّ أَورقتْ أَوداجُهَا نبضَاً

يرتِّلُ نفثةً (أمَّ البنين)

والرأسُ أَحْنى رمْحَه لِيقبِّلَ الرأسَ المُضَمَّخَ

بالمَواجعِ وَالأنين

ظَمَأٌ يُعانقُ جُرحَها أَحنتْ عليهِ ضُلوعُها مَوتاً يحُزّ ندَى اللقاء .

يا بشرُ أينَ تــركتَ أقماراً هوتْ     فتقــوّضتْ من فقدِهنَّ الدارُ ؟

يا بشرُ هلْ أدركتَ حزناً لم يزلْ     مـــــن ألفِ عامٍ جمرُه أوّارُ؟

يا بشرُ هم كـانوا عيوني نورَها     أترى يُضيءُ بغيرِهم إبصارُ؟

عينانِ غائرتانِ سَلَّ الدمعُ لونَهُمَا

تترَقبان

تتمَلّيان

تتلوَّيان

تتنفّسَانِ الهَمسَ في الخَطَوات

جِفناهُما بابٌ أَذابَ الحزنُ مِصرَاعيه في تيهِ الغياب

تتوَشّحَانِ سَحَائبَ الذكرَى

تتوسَّدَانِ نُعَاءَ أَحلامِ الربيعِ تبرعمتْ فاغتالها ليلٌ وَأَطفأ في جنائنِها الصباح

(لا تدعُونِّي وَيكِ أمَّ البنين)

أَمَلٌ يقوّضُهُ السّرَاب

والبابُ يُغريني بأحلامِ التعاليلِ المُمِضّةِ في الضلُوع

عشرُونَ عاماً , تُحرِقُ الساعاتُ أَجفاني , وينخرُ لفحُهَا رئتي , و يمضغني لهيبُ الإنتظار

عشرُونَ عاماً , تحبسُ الشّهَقاتِ رُوحِي ,

أَوقدَتْ أَيامي الثكلى قنادِيلاً تذوبُ على خُطاك

عشرُون عاماً , كَومَةُ القطنِ التي اشتعَلتْ برَأسِي , والعظامُ البالياتِ , ورَعشة العُكّازِ في كفّيَّ , والألمُ الدفينِ , وكهفُ أَسنانٍ خَلا منها , وأَحداقٌ يفزّ بها العذابُ , وغصّة الموتِ التي شبَّتْ بقلبي تسألُ الأنفاسَ نبضاً:

هل أَرَاك؟

أَتُرَى يجِيئ؟

أَتُرَى يجِيئُ , لِيبعثَ النفحَاتِ في رُوحي وتدفُنني يدَاه

أَتُرَى يجِيئُ , يُضيئُ في عينينِ تنتشلانِ لي رُوحَا تفتتّهَا الزوابعُ والهوَاجِسُ ينتشي فيها الذبول

أَتُرَى يجيئُ يقولُ لي: أماهُ , أماهُ.., اسْتظل

بهَا دمي حُلماً يقهقههُ السرَاب

أَترَاهُ ضَلَّ دُعاءَ أَنفاسي تميمةَ وردهِ علّقتُهَا

رُوحَا عليه

أَوهل تعود كيوسفٍ

فالبئرُ غاضَ ولم تزلْ نجوى قميصِكَ تُمطرُ الأندَاءَ في قلبي , وتُنبئُ عن دياجيرِ الذئاب

هي ذي ملابسُكَ الحزينة صغتُها كفني , وهذا مشطكَ الدافي يبرُّ جدائلي

وأَراكَ في المرآةِ

عَينانِ واسِعَتانِ كالبستانِ أَزرَعُ فيهما حُزني

وجبينكَ الزاهي سحابة أَدمُعي

وعلى شِفاهِكَ قلبُ

أمٍّ

دامِ

.....................................................

1 ــ الشاعر هو مؤلف الموسوعة

2 ــ القصائد منشورة على موقع العتبة الحسينية المقدسة وبعض المواقع الألكترونية والصحف والمجلات وهي مدونة في دواوين الشاعر الأربعة

3 ــ كتاب: حينما تتوهج الكلمة .. دراسات في الأدب الكربلائي المعاصر ومقالات أخرى ــ دار الروسم للصحافة والنشر والتوزيع / بغداد شارع المتنبي 1436 هـ / 2015 م ص 159 ــ 162

4 ــ نشرت على أربع حلقات في صحيفة الزوراء بتاريخ 8 / 5 / 2022 / منتدى الكفيل بتاريخ 23 / 3 / 2022 / موقع النور بتاريخ 12 / 3 / 2022

5 ــ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ١ ص ٨٠

6 ــ مقتل الحسين للخوارزمي ج 2 ص 27

كاتب : محمد طاهر الصفار