عند سفح النور..

اللوحة من ابداع الاستاذ الرسام عبد الحميد قديريان وقد جاء بها اكمالا لمجموعته السابقة من لوحات (سماء كربلاء) بعنوان (عند سفح النور)، وقد عرضت في متحف فلسطين للفن المعاصر التابع لأكاديمية الفنون الايرانية ، عرض الفنان في هذه اللوحة كما مثيلاتها بعض من احداث ومرويات واقعة الطف وثورة الحسين بن علي عليه السلام.

انجز التكوين اعلاه بأسلوب حداثوي عاشورائي متميز- كما هو معتاد من اعمال قديريان - عن باقي الاساليب والاعمال الفنية التي تناولت قضية الطف وما مر به اهل البيت صلوات الله عليهم، حيث اتى الفنان بها بملامح مميزة ، كان من ابرزها القدرة على التعبير الحر عن الاشكال ومضمونها، معتمدا اسلوبا تقنيا خاصا كمزيج من الواقع والخيال، لينتج نصا بصريا اصيلا ينتمي بجذوره الى الموروث الاسلامي الحسيني الذي يشكل حيزا كبيرا من اسلوب الفنان الخاص وتكوينه ليحتل مساحة لائقة في ساحة الفن التشكيلي المعاصر اليوم.

يمثل العمل علامة دالة لمأساة الطف وأحداثها الأخيرة بعد حرق خيام ال بيت النبوة عليهم السلام ومناصريهم ، فقد تم تنفيذ العمل بإنشاء مفتوح يستحضر البنية المكانية الواقعية لعاشوراء الحسين، مما أستدعى الرسام لاستحضار البنية اللونية التي تختص بجغرافيتها واجوائها الحزينة وتمثلاتها ببقايا الخيام المحترقة وسط الصحراء والانوار الساطعة المنبثقة من الارض الى السماء والعكس ايضاً، فأقام تدرجا لونيا ما بين الغامق والفاتح حتى نقاط التلاشي في خط الأفق ذي اللون الاصفر الوهاج ليظهر عمق الصحراء وسعتها، وحزن السماء وارتباطها بطفوف كربلاء من شدة هول ما حدث فيها يوم العاشر من محرم الحرام .

أختار الفنان أن يضع نقطة الارتكاز الرئيسية في وسط العمل وجعل منها عنصر شد بربط ما بين عناصر اللوحة الاخرى في العمل، واستنادا للتمثيل الواقعي للعمل فقد تم استحضار اجواء ملائكية عمد إلى تحديد هيئاتها بخطوط واضحة وبحركات فرشاة متموجة وبمزيج من الالوان الفاتحة والغامقة باستخدامه الظل والضوء الوهاج ليعطي إحساسا للمشاهد بعظم هذه الواقعة، ويلاحظ المشاهد طريقة بناء الرموز الملائكية من حيث الأزياء، فالملابس فضفاضة تغطي الجسم بأكمله بعيدا عن تشخيص الملامح، ولغرض مطابقة الشكل لمضمونه المتمثل بالملائكة المنزلين من السماء، تم بناء الرموز على شكل كتل لونية ضوئية ضخمة مشيرا بها الى الارض التي قتل عليها سيد الشهداء ومن معه عليهم السلام والى الاجساد التي تركت في العراء بلا دفن ولا رؤوس .

أما فضاء اللوحة العلوي المتمثل بالسماء ففيه علامة تشير إلى استشهاد الأمام الحسين واخيه ابا الفضل (عليهما السلام ) واصحابهما بدلالة رمزية شكلت دلالة واضحة للمتلقي على حضور سماوي تم تصويره بهيئات نورانية شفافة ككتل ضياء تتساقط وترتفع من والى السماء، بناء على ما تفرضه المرجعية العقائدية والتاريخية الواردة في المرويات .

حرص الرسام جاهدا لنقل المتلقي إلى رمضاء كربلاء وجوها النهائي عن طريق بنائه للفضاء المفتوح والأرض المحترقة الواسعة التي خلت إلا من بقايا اعمدة الخيام والنبال وبعض من الدروع والسهام المنثورة فوق الرمال، وعمد قديريان في نفس الوقت على استخدام اللون الأحمر والاصفر ودرجاتهما في تمثلات بقايا النار والافق الممتد الى قلب السماء ليوائم الحالة النفسية لتلقي العمل وعلاقتها بالموضوع ، وقد شكل اللون الازرق المخلوط بالوان الأحمر والاصفر والبني السماء العالية للاقتراب من اجواء المعركة والأرواح السماوية الحاضرة في كربلاء والمتمثلة بملائكة السماء، فضلا عن أرضية العمل الفني التي تشع من خلالها بقية الألوان المستخدمة في العمل ( الأحمر، الأزرق، الأخضر والبني بتدرجاته المختلفة، والتي عن طريقها تشكلت مراكز بصر منتشرة في ارجاء اللوحة مما جعل من البنية اللونية التي تحملها عناصر اللوحة تشكل دافعا لتكوين علاقة رابطة لكل فكرة العمل مع محور العمل المتمثل استشهاد ابي عبد الله الحسين عليه السلام ومن معه وحزّ رؤوسهم وحملها على رؤوس القنا وترك الاجساد الطاهرة مسجاة على الرض بلا دفن، وهذا ما ابدع  قديريان بإيصاله في هذه الرسمة، اذ ترك  في ترك المشاهد متأملا في مدى عظم فاجعة كربلاء كأقسى فاجعة عرفتها الانسانية جمعاء.

كاتب : سامر قحطان القيسي