السمات التصميمية في الرقش العربي الاسلامي..

جاء الاسلام كثورة تغيير شاملة على كل العبادات والمفاهيم والاعراف الاجتماعية التي نشأ عليها المجتمع العربي الجاهلي قبل الاسلام ، وقد شملت هذه الثورة وهذا التغيير الفنون التي كانت اصلاً وسيلة لتجسيد الالهة وعبادتها ونيل الشفاعة من الاله المطلق الذي كان طريقهم اليه هذه الاحجار التي يصنعونها بأيديهم على هيأة بشر لهم مسميات متعددة ، وكان هذا الفعل من اقبح الافعال التي ألفها المجتمع الجاهلي لكونه شركاً بالإله الواحد الاحد ، الذي يعد كبيرة بل من اكبر الكبائر التي جاء الاسلام لينفيها جميعاً ، لذلك كان الوعيد لمن يصنع تلك الرسوم والتماثيل تمثل باحاديث ذكرها الرسول الكريم صلوات الله عليه واله لا يشك في صحة نسبها اليه تبعاً لذلك وهذه الروح الجديدة التي سادت مجتمع العرب ، ظهر فن الرقش العربي الاسلامي كعنصر فني واساسي اعتمده الفن الاسلامي للتعريف بأصالته واستقلاله عن الفنون الاخرى السابقة عليه ، فأنصرف الفنان المسلم اثر ذلك عن تصوير الانسان واقامة التماثيل له إلى موضوعات الرقش الذي تجلى هاجساً روحياً يدل على انقياد المرء بكل كيانه وتفكيره لربه ليعبر بفنه الجديد عن ذاته الجديدة المرتبطة بالذات المطلقة . فكان الفن الاسلامي فناً لا يتعارض مع الدين ومطالبه ، فناً مستقلاً له طابعه الخاص وليس كما يقال عنه صورة متأخرة من صور الفنون التي تقدمته وله شخصية مستقلة استمدها من روح الاسلام ، محققاً بها منجزه الفني الجديد الذي يتناغم مع روح الايمان التي ملأت نفسه.

والرقش العربي الاسلامي هو مجموعة من العناصر النباتية متداخلة ومتشابكة ومتناظرة بصورة منتظمة وتتبع نظاماً خاصاً في مظهرها وتكوينها وتخضع هذه الزخرفة لظاهرة النمو ويحكمها التناسق في الغصن الواحد أو بين الاغصان المتعددة.

ويرى الصراف بان الرقش فن تجريدي هندسي ذو خطوط لينة في تكوينها الزخرفي وذو طابع ابداعي تلقائي وموحي ، تبلور في الفن الاسلامي وقد تناول الحقائق الجوهرية والروحية بتعبير رمزي ، واحالت صورة الحقائق إلى رموز واسرار ، وتعتمد اشكاله الفنية التوازن والتناسق والتكرار ويستعيض في تصويره عن التجسيم إلى العمق الوجداني.

وفي التراث العربي الاسلامي بدأت طبيعة الرقش تتوضح بصورة اكثر وذلك بأثر نزوع هذا الفن إلى شغل المساحات على نطاق واسع بالعناصر الزخرفية، ولم تتجل عبقرية الفنان المسلم في ناحية من نواحي الفن بقدر ما تجلت في الخط الذي اتخذ منه عنصراً زخرفياً ابتكره من ذاته الخلاقة ولم يستوح فيه فناً من فنون الامم السابقة عليه ، ولا استلهم عنصراً من عناصر الزخرفة التي كانت معروفة للدول التي خالطها منذ اخضاعها لسلطانه .

 والرقش بشكل عام هو ما يميز فن العالم العربي الاسلامي عن فنون الامم الاخرى في الغاية والهدف فتلك الفنون قد غدا غرضها الجمالي بالتقليد او المحاكاة والهدف من هذا هو الاستمتاع بجمال الطبيعة ، وهكذا يكون التقليد عديم القيمة ان لم يصبح وسيلة للمتعة والتلذد بصور الطبيعة ، اما الفن العربي الاسلامي ، وبالذات الرقش فأنه يستهدف الدهشة وغايته استنباط شعور بالجمال يثار من الوحي والنشوة يدل على شعور خفي يصدر من اعماق الفنان العربي المسلم ليضيف للواقع من ذاته ، كما ان الرقش العربي ليس زخرفة او تزييناً انما هو فن ابداعي يحمل خصائص العرب وفلسفتهم ويحمل رموز مثلهم بل وعقائدهم ايضاً ، يقول المستشرق بريون انه ليس الرقش العربي نتيجة لمنع التشبيه بل هو يرتبط بأسباب روحية وتاريخية قديمة سابقة للإسلام، لقد كان الرقش العربي تعبيراً عن الفكرة المطلقة التي كانت محور الوجود العربي ، فكرة المثل والله ، وكان لابد للفن من ان يتمثل ذلك بأشكال لا ترتبط بالمحسوسات والمألوفات ومع ان الرقش استعار بعض صيغ النبات احياناً الا انه جردها من طبيعتها حتى بدت اشكالها بذاتها وخدمت بطريقة ترتيبها التعبير عن المطلق الذي اراده الفنان ، ولقد تجلى الرقش التجريدي عند المسلمين في صيغ تنم عن التبتل والارتباط العلوي بالقوة الالهية عن طريق تكرار الصيغ الرقشية ، كان نكرر صيغة ما عدة مرات دون ان يصيبها الكلال في تكرارها ودون ان يصيبنا الملل من متابعتها.

وللرقش عناصر زخرفية عديدة يتمثل بها امام المشاهد منها تكوينات الزخارف الهندسية والزخارف النباتية والزخارف الخطية، فأما الهندسية منها فهي تعنى بالتزيين والرقش الهندسي بالغ الثراء، لما ينطوي عليه من تشابك في الخطوط بتناظرها وتقابلها ، بتكرارها وتعامدها ، بانكسارها وانبساطها ، وما ينشأ عن ذلك من ابعاد هندسية مجسمة على صورة تداخل المثلثات وتخارجها ، او في ترابط المربع بالدائرة فضلاً عن باقي الانماط الهندسية التي استمالت الرقش بالانحياز إلى نظامها الهندسي .

اما فيما يخص الزخرفة النباتية فيرتكز هذا النوع من الرقش في بنائيته على الخطوط الملتوية والحلزونية مستلهماً بذلك طريقه إلى التجريد النباتي ويعد هذا النوع من الرقش اشتقاقياً، أي يقتبس من الطبيعة (الاوراق والاغصان والعناقيد والاعناب) ويحورها باتجاه غايته في التصميم الزخرفي، ويمكن القول عنه بأنه الفن الوحيد الذي تميز به العرب قبل الاسلام عن فنون العالم اجمالاً وذلك فيما يمتاز به من تحاش للفراغ الذي يكاد أن يلغيه تماماً، والاوراق النباتية الشاخص استخدامها فيه وما يتبعها من مكونات غصنية هي في شكلها الاساس نابعة عن النباتات الطبيعية التي اشتقها الفنان العربي المزخرف لينتج منها اسلوباً تجريدياً أعاد به صياغتها مجدداً، وعلى مبدأ من الايقاع والتكرار المتوالي بالاتفاق مع وظيفة عمل الرقش إذ انه يستند دائماً على وجود ساق تنساب بانتظام في داخل التصميم وتتلبس بسلاسل من الوريقات والاغصان الثانوية المتفرعة عن الساق الاصلي.

بينما تعد الزخرفة الخطية هي الاخرى من المميزات الاساسية للرقش، وهي تتمثل بأنواع الخط العربي الذي أحبه العالم الاسلامي لما له من قدسية مرتبطة بالقرآن الكريم وكلام البارئ عز وجل كونه الوسيلة التي دون بها، ويعد الخط العربي ايضاً من أعظم العناصر الزخرفية شأناً في الفنون الاسلامية، اذ توسع وتطور في عهد الاسلام وأمتد إلى مجال زخرفي لم يصله خط آخر في تاريخ الانسانية عامة واستنبطت منه أنواع واشكال عديدة وتوسع استخدامه بحيث ليشمل الاعمال الفنية الاسلامية المختلفة، وأحتل معظم مساحاتها وسطوحها المستوية وغير المستوية الفارغة، فزاد في لطافتها وليس ثمة فن استخدم الخط في الاعمال الفنية بقدر ما استخدمه الفن الاسلامي فهو جذر اصيل يعبر عن روح الحضارة الاسلامية وفلسفتها.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

: سامر قحطان القيسي