تأثير شخصية النبي الأعظم (ص) على مجرى التاريخ

حتى نفهم أثر النبي محمد (ص) في التاريخ لا بد أن نفهم أولاً بأن المنعطفات الكبرى هي التي تتحكم في مجرى التاريخ، فالتاريخ الذي يسير ضمن حركة رتيبة لا يعد تاريخاً يجب الوقوف عنده أو محاولة استذكاره، وإنما الاحداث الكبرى التي تؤثر في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والعسكرية وعلى مدى طويل هي التي تعد حدثاً تاريخياً، وما احدثه النبي محمد (ص) برسالة الإسلام يعد تغيراً جوهرياً لمسار حركة التاريخ بحيث امتدت تأثيراته خارج الجزيرة العربية وما زال مؤثراً الي اليوم.

ولكي نقرب ما حدث لابد أن نتصور تاريخ الجزيرة العربية وما فيها من وامتداد قبلي، ثم نتصور ما كانت عليه هذه القبائل من تشتت وفرقة، وحروب وتوترات، وعنصريات وتعصبات، ولا يمكن أن نغفل عن ما كان بين هذه القبائل من تفاخر وحَميّة وتنافس وعنجهية، وما أورثته الأيام والدهور من أحقاد وثارات شحنت الأجواء بالكراهية والعصبية، كل ذلك وأكثر كان يمثل صورة مظلمة قاتمة تحكي عن جاهلية جهلاء، وقد وصفتهم الزهراء (سلام الله عليها) بقولها: (كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَة مِنَ النّار مُذْقَةَ الشّارب وَنُهْزَة الطامِع وقَبْسَةِ العِجْلان وَمَوطىءَ الأَقْدامِ تَشْرَبُونَ الطَرقَ وَتَقْتاتُونَ القِدَّ وَالوَرق أذِلَّةً خاسِئينَ تَخافُونَ إنَّ يَتخَطَّفَكُم النّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ فَأنقَذكُمُ الله تَعالى بِمُحَمَّد).

وبعد ذلك لا بد أن نتصور النقلة الكبيرة التي أحدثها الإسلام في الجزيرة العربية، فقد وحد هذا الشتات تحت راية التوحيد، وألف بين هذه القبائل وأحدث في أوساطهم نهضة ثقافية وفكرية لم تكن معهودة، فضعفت سلطة القبيلة وقويت سلطة المركز حتى أصبح لهم مدنية وحضارة، واتسعت بذلك آفاقهم وتطلعوا لفتح فارس والروم، كما عمل الإسلام على تزكيتهم وتهذيبهم، فأمرهم بالخير ونهاهم عن المنكر، وربى النفوس وهذب الطبائع ودعا للأخلاق والتسامح والأخوة، فتحول ضعفهم الى قوة وعجزهم الى قدرة وشرهم الى خير، وهكذا دانت كل الجزيرة العربية بدين الإسلام والتفت حول رسول الله (صل الله عليه وآله وسلم).

وبعد ذلك سارت كل الاحداث التاريخية على وقع ما احدثه النبي محمد (ص)، وتموجت حركة الإسلام في كل المساحات الجغرافية وفي كل الميادين الفكرية بحيث لا يمكن فهم تاريخ المنطقة ولا حتى حاضرها إلا بفهم ما أحدثه النبي الأعظم (ص)، كما لا يمكن تحجيم هذه الأثر في التاريخ العربي فحسب وإنما أصبح مؤثراً في كل التاريخ الإنساني، حيث أصبحت شخصية النبي من الشخصيات المهمة في مسارات التاريخ الإنساني بشكل عام، بعد أن اتسع الإسلام وأصبح جز من تاريخ كل قارة وكل دولة وكل مدينة.

المرفقات