هل تقبل الأعمال بدون ولاية علي بن أبي طالب (ع) ؟

لا خلافَ بينَ علمائِنا أنّ الأعمالَ لا تقبلُ ممَّن لا يقرّ بولايةِ أهلِ البيتِ (ع)، كما وردَ ذلكَ في الرّواياتِ المُتواترةِ عَن أهلِ البيتِ (ع). 

فالذينَ لا يعتقدونَ بولايةِ الأئمّةِ (ع) لا يترتّبُ على أعمالِهم ثوابٌ وجزاءٌ، ولا يحصلُ بها القربُ منَ اللهِ تعالى. 

بل ذهبَ المشهورُ ( 1 ) مِن علمائِنا إلى أبعدَ مِن ذلك، وقالوا بأنّ الولايةَ شرطٌ لصحّةِ الأعمالِ أيضاً، وأنّ أعمالَ المُخالفين مُضافاً إلى أنّها غيرُ مقبولةٍ، فهيَ غيرُ صحيحةٍ أيضاً. 

وذهبَ بعضُ علمائِنا أنّ الولايةَ شرطٌ لقبولِ الأعمالِ لا لصحّةِ الأعمالِ، وعليه: فتكونُ أعمالُ المخالفينَ صحيحةً إذا أتوا بها صحيحةً على طبقِ مذهبِهم، إلّا أنّها غيرُ مقبولةٍ عندَ الله، ولا يترتّبُ عليها الثوابُ والأجرُ والنّجاة.

يقولُ السيّدُ الخُميني: إنَّ ما مرَّ منَ الحديثِ الشّريفِ مِن أنَّ ولايةَ أهلِ البيتِ (ع) ومعرفتَهم شرطٌ في قبولِ الأعمالِ يُعتبرُ منَ الأمورِ المُسلّمةِ، بل تكونُ مِن ضروريّاتِ مذهبِ التشيّعِ المُقدّسِ، وتكونُ الأخبارُ في هذا الموضعِ أكبرَ مِن طاقةِ مثلِ هذهِ الكتبِ المُختصرة على إستيعابِها، وأكثرَ مِن حجمِ التواترِ ... والأخبارُ في هذا الموضعِ وبهذا المضمونِ كثيرةٌ، ويستفادُ مِن مجموعِها أنَّ ولايةَ أهلِ البيتِ عليهم السّلام شرطٌ في قبولِ الأعمالِ عندَ اللهِ سُبحانَه، بل هوَ شرطٌ في قبولِ الإيمانِ باللهِ والنبيّ الأكرمِ صلّى اللهُ عليهِ وآله، ولا يستفادُ كونها شرطاً في صحّةِ الأعمالِ كما يقولُ بذلكَ بعضُ الأعلام. ( 2 ) 

وكيفما كانَ سواءٌ قلنا بأنّ الولايةَ شرطُ الصحّةِ أم شرطُ القبولِ، فإنّ أعمالَ المخالفينَ غيرُ مقبولةٍ، والرّواياتُ بذلكَ مُتواترةٌ ، وإليكَ بعضَها:

1ـ روى الصّدوقُ وغيرُه بالإسنادِ عن أبي حمزةَ الثّمالي قالَ : قالَ لنا عليٌّ بنُ الحسين عليهما السّلام : أيُّ البقاعِ أفضل ؟ فقلنا : اللهُ ورسولهُ وإبنُ رسولِه أعلم ، فقالَ : أمّا أفضلُ البقاعِ ما بينَ الرّكنِ والمقامِ ، ولو أنَّ رجلاً عمّرَ ما عمّرَ نوحٌ عليه السّلام في قومِه - ألفَ سنةٍ إلّا خمسينَ عاماً - يصومُ النّهارَ ويقومُ اللّيلَ في ذلكَ المكانِ ثمَّ لقيَ اللهَ عزَّ وجلَّ بغيرِ ولايتِنا لم ينفعهُ ذلكَ شيئاً. ( 3 ) 

2ـ روى الكُلينيّ بالإسنادِ عَن حفصٍ بنِ غياث قالَ سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يقولُ : إن قدرتَ أن لا تُعرفَ فافعَل وما عليكَ ألّا يُثنيَ عليكَ النّاسُ وما عليكَ أن تكونَ مذموماً عندَ النّاسِ إذا كنتَ محموداً عندَ اللهِ ، ثمَّ قال : قالَ أبي عليٌّ بنُ أبي طالب ( عليه السّلام ): لا خيرَ في العيشِ إلّا لرجلينِ رجلٌ يزدادُ كلَّ يومٍ خيراً ورجلٌ يتداركُ منيّتَه بالتوبةِ وأنّى لهُ بالتّوبةِ واللهِ لو سجدَ حتّى ينقطعَ عُنقه ما قبلَ اللهُ تباركَ وتعالى منهُ إلّا بولايتِنا أهلَ البيت. ( 4 )

3ـ وروى الخزّارُ القمّي بالإسنادِ عن أبي هريرةَ عنِ النّبي (ص) - في حديثِ النصِّ على أسماءِ الأئمّةِ الإثني عشر – قالَ: والذي نفسُ محمّدٍ بيدِه لو أنَّ رجلاً عبدَ اللهَ ألفَ عامٍ ثمَّ ألفَ عامٍ ما بينَ الرّكنِ والمقامِ ثمَّ أتى جاحداً بولايتِهم لأكبّهُ اللهُ في النّارِ كائناً ما كان. ( 5 ) 

4ـ وروى الكُليني بالإسنادِ عَن محمّدٍ بنِ مسلم ، قالَ : سمعتُ أبا جعفرٍ ( عليه السّلام ) يقولُ : كلُّ مَن دانَ اللهَ عزَّ وجلَّ بعبادةٍ يُجهدُ فيها نفسَه ، ولا إمامَ لهُ منَ اللهِ ، فسعيُه غيرُ مقبولٍ ، وهوَ ضالٌّ متحيّرٌ ، واللهُ شانئٌ لأعمالِه - إلى أن قالَ - وإن ماتَ على هذهِ الحالِ ماتَ ميتةَ كفرٍ ونفاق ، واعلم يا محمّد أنَّ أئمّةَ الجورِ وأتباعَهم لمعزولونَ عن دينِ الله ، قد ضلّوا وأضلّوا ، فأعمالُهم التي يعملونَها كرمادٍ إشتدَّت بهِ الرّيحُ في يومٍ عاصفٍ ، لا يقدرونَ ممّا كسبوا على شيءٍ ذلكَ هوَ الضّلالُ البعيد. ( 6 ) 

5ـ وروى الكُليني بالإسنادِ عن عبدِ الحميدِ بنِ العلاء ، عن أبي عبدِ الله ( عليه السّلام ) – في حديثٍ - قالَ : واللهِ لو أنَّ إبليس سجدَ للهِ بعدَ المعصيةِ والتكبّرِ عمرَ الدّنيا ما نفعَه ذلكَ ، ولا قبلَه اللهُ عزَّ وجلَّ ما لم يسجُد لآدمَ كما أمرَه اللهُ عزَّ وجلَّ أن يسجدَ له ، وكذلكَ هذهِ الأمّةُ العاصيةُ المفتونةُ بعدَ نبيّها ( صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلم ) ، وبعد تركِهم الإمامَ الذي نصبَهُ نبيُّهم صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّم لهُم ، فلن يقبلَ اللهُ لهم عملاً ، ولن يرفعَ لهُم حسنةً حتّى يأتوا اللهَ مِن حيثُ أمرَهم ، ويتولّوا الإمامَ الذي أمروا بولايتِه ، ويدخلوا منَ البابِ الذي فتحَه اللهُ ورسولُه لهم . ( 7 )

6ـ وروى البُرقيُّ بالإسنادِ عَن عبادٍ بنِ زياد ، قالَ : قالَ لي أبو عبدِ اللهِ ( عليه السّلام ) : يا عباد ، ما على ملّةِ إبراهيم أحدٌ غيرُكم ، وما يقبلُ اللهُ إلّا منكُم ، ولا يغفرُ الذّنوبَ إلّا لكم. ( 8 ) 

7ـ وروى البرقيُّ بالإسنادِ عَن أبي سعيدٍ الخدري ، قالَ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله يقولُ : لو أنَّ عبداً عبدَ اللهَ ألفَ عامٍ ما بينَ الرّكنِ والمقامِ ، ثمَّ ذُبحَ كما يذبحُ الكبشُ مظلوماً لبعثَهُ اللهُ معَ النّفرِ الذينَ يُقتدى بهم وبهداهُم ويسيرُ بسيرتِهم ، إن جنّةً فجنّة وإن ناراً فناراً . ( 9 )

8ـ وروى الصّدوقُ بالإسنادِ عَن عمّارٍ بنِ موسى السّاباطي ، عَن أبي عبدِ اللهِ جعفرٍ بنِ محمّدٍ الصّادقِ ( عليه السّلام ) ، قالَ : إنَّ أوّلَ ما يسألُ عنهُ العبدُ إذا وقفَ بينَ يدي اللهِ جلَّ جلاله الصّلواتُ المفروضاتُ ، وعنِ الزّكاةِ المفروضةِ ، وعن الصّيامِ المفروضِ ، وعنِ الحجِّ المفروضِ ، وعن ولايتِنا أهلَ البيتِ ، فإن أقرَّ بولايتِنا ثمَّ ماتَ عليها قُبلَت منهُ صلاتُه وصومُه وزكاتُه وحجُّه ، وإن لم يُقرَّ بولايتِنا بينَ يدي اللهِ جلَّ جلاله لم يقبلِ اللهُ عزَّ وجل منهُ شيئاً مِن أعمالِه. ( 10 )

9ـ وروى الصّدوقُ بالإسنادِ عنِ المُفضّلِ بنِ عُمر ، عنِ الصّادقِ جعفرٍ بنِ محمّد ، عن أبيهِ ، عن آبائِه عليهم السّلام عن أميرِ المؤمنينَ عليه السّلام قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآله : لمّا أسريَ بي إلى السّماءِ أوحى إليَّ ربّي جلَّ جلاله فقالَ : يا محمّدُ إنّي إطّلعتُ على الأرضِ إطلاعةً فاخترتُك منها فجعلتُك نبيّاً و شققتُ لكَ مِن إسمي إسماً ، فأنا المحمودُ وأنتَ محمّد ، ثمَّ إطّلعتُ الثانيةَ فاخترتُ منها عليّاً وجعلتُه وصيّكَ وخليفتَك وزوجَ إبنتِك وأبا ذريّتِك ، وشققتُ لهُ إسماً مِن أسمائِي ، فأنا العليُّ الأعلى وهوَ عليّ ، وخلقتُ فاطمةَ والحسنَ والحُسينَ مِن نوركما ، ثمَّ عرضتُ ولايتَهم على الملائكةِ ، فمَن قبلَها كانَ عندي منَ المُقرّبينَ ، يا محمّد لو أنَّ عبداً عبدني حتّى ينقطعَ ويصيرَ كالشنِّ البالي ، ثمَّ أتاني جاحداً لولايتِهم فما أسكنتُه جنّتي ولا أظللتُه تحتَ عرشي. ( 11 ) 

10- وروى الصّدوقُ بالإسنادِ عَن المُعلّى بنِ خُنيس قالَ : قالَ أبو عبدِ اللهِ عليه السّلام يا مُعلّى ، لو أنَّ عبداً عبدَ اللهَ مئةَ عامٍ بينَ الرّكنِ والمقامِ يصومُ نهاراً ويقومُ ليلاً حتّى يسقطَ حاجباهُ على عينيهِ وتلتقي تراقيهِ هوماً [هَرَماً] ، جاهلاً بحقِّنا لم يكُن له ثواب. ( 12 ) 

11ـ وروى الصّدوقُ بسندِه عَن غياثٍ بنِ إبراهيم ، عن الصّادقِ جعفرٍ بنِ محمّد ، عن أبيهِ ، عن آبائِه ( عليهم السّلام ) ، قالَ : قالَ أميرُ المؤمنينَ ( عليه السّلام ) : أيُّها النّاسُ ، دينَكم دينَكم ، تمسّكوا به ، لا يزيلُكم أحدٌ عنهُ ، لأنَّ السيّئةَ فيهِ خيرٌ منَ الحسنةِ في غيرِه ، لأنَّ السيّئةَ فيهِ تُغفَر ، والحسنةَ في غيرِه لا تُقبَل . ( 13 ) 

وغيرُها منَ الرّواياتِ الكثيرةِ التي جمعَ قسماً منها الحرُّ العاملي في وسائلِ الشّيعة، ج 1 ، في البابِ 29 من أبوابِ مقدّمةِ العباداتِ، والميرزا النوري في مُستدركِ الوسائلِ، ج 1 ، البابُ 27 مِن أبوابِ مقدّمةِ العباداتِ، والبروجردي في جامعِ أحاديثِ الشّيعة، ج 1 ، البابُ 19 من أبوابِ مُقدّمةِ العبادات.)

 

المرفقات