لا يخفى أنّ الأصلَ هوَ إشتراكُ التكاليفِ والأحكامِ الشرعيّةِ بينَ المُكلّفينَ، سواءٌ كانوا رجالاً أم نساءاً، عالمينَ أم جاهلينَ، أنبياءَ أم غيرهم.. ويتفرّعُ عَن هذا: أنّ كلَّ ما شُكَّ فيه بكونِه مُختصّاً بفئةٍ خاصّةٍ أو لا، يبقى تحتَ الأصلِ وهوَ الإشتراك.
وذكرَ العلماءُ منَ الفريقينِ جملةً ممّا يختصُّ به النبيُّ (صلّى اللهُ عليه وآله)، بل وأفردَ بعضُهم لذلكَ كُتباً خاصّةً لذلكَ، كالمُحدّثِ أحمد بنِ محمّد بن دؤل القميّ وهوَ منَ الإماميّةِ، وجلالِ الدّينِ السيوطيّ وهوَ منَ العامّةِ. ثمّ إنّه وقعَ الخلافُ بينَ الفقهاءِ في جملةٍ ممّا ذُكرَ ضمنَ خصائصِ النبيّ صلّى اللهُ عليه وآله؛ للخلافِ في تماميّةِ الدّليلِ الدالّ على الإختصاصِ، وقد تقدّم: أنّ الأصلَ فيما يرجعُ إلى الأحكامِ الشرعيّةِ هو الإشتراكُ، فكلّ حكمٍ مُشتركٍ حتّى يثبتَ الإختصاصُ بطريقٍ منَ الطرقِ الشرعيّةِ، فكلّما شُكَّ فيه ـ حينئذٍ ـ مِن ذلكَ يبقى على الأصلِ منَ الإشتراكِ كما هوَ واضح.
وسنذكرُ في المقامِ بعضَ الأحكامِ المُختصّةِ بالأئمّةِ (عليهم السّلام) ـ لا كلّها ـ، كما هوَ الحالُ بالنبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله:
الأوّلُ: أنَّ الإمامَ أولى النّاسِ منهم بأنفسِهم: روى الشّيخُ الصّدوقُ بإسنادٍ صحيحٍ عَن أبي الحسنِ عليّ بنِ موسى الرّضا (عليه السّلام)، قالَ: « للإمامِ علاماتٌ: يكونُ أعلمَ النّاسِ.. ويكونُ أولى بالنّاسِ منهم بأنفسِهم، وأشفقَ عليهم مِن آبائِهم وأمّهاتِهم... ». (عيونُ أخبارِ الرّضا ص118، الخِصالُ ج2 ص105، معاني الأخبار ص35).
الثاني: جوازُ دخولِ الإمامِ المسجدَ جنباً: رُويَ عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله): « لا يحلُّ لأحدٍ أن يُجنبَ في هذا المسجدِ إلّا أنا وعليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحُسين ومَن كانَ مِن أهلي فإنّهُ منّي ». (الفقيهُ ج3 ص557، عيونُ أخبارِ الرّضا ج2 ص65)، ومعنى الحديثِ مرويٌّ بأسانيدَ وألفاظٍ عديدةٍ، عندنا وعندَ المُخالفينَ، بل عدّهُ المجلسيّ منَ المتواترات. (ينظر: بحارُ الأنوارِ ج39 ص34).
الثالثُ: عدمُ جوازِ التقدّم على قبرِ الإمامِ في الصّلاةِ: روى الشّيخُ الطوسيُّ بإسنادِه عن إبنِ داود عَن أبيهِ عن الحميريّ قالَ: « كتبتُ إلى الفقيهِ عليه السّلام أسأله عن الرّجلِ يزورُ قبورَ الأئمّةِ عليهم السّلام: هل يجوزُ له أن يسجدَ على القبرِ أم لا؟... وهل يجوزُ أن يتقدّمَ القبرَ ويصلّي ويجعلَه خلفَه أم لا؟ فأجابَ عليه السّلام ـ وقرأتُ التوقيعَ، ومنهَ نسختُ ـ: أمّا السّجودُ على القبرِ... وأمّا الصّلاةُ فإنّها خلفَه، يجعله الإمامَ، ولا يجوزُ أن يصلّي بينَ يديه، لأنّ الإمامَ لا يُتقدَّمُ، ويصلّي عَن يمينِه وشمالِه ». (تهذيبُ الأحكام ج2 ص228). وروى إبنُ قولويه بإسنادِه عن هشامٍ بنِ سالم، عن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام، قالَ: « أتاهُ رجلٌ، فقالَ له: يا ابن رسولِ الله، هل يُزارُ والدكَ؟ قالَ: فقالَ: نعم، ويُصلّى عندَه، ويُصلّى خلفَه، ولا يُتقدَّمُ عليه ». (كاملُ الزّيارات ص239، ص247).
وأفتى بعضُ الفقهاءِ بأنّ التقدّمَ ـ في الصّلاةِ وغيرها ـ محرّمٌ لو كانَ موجباً للهتكِ وإساءةِ الأدبِ، قالَ السيّدُ الخوئيّ: «مسألة 546: لا يجوزُ التقدّمُ في الصّلاةِ على قبرِ المعصومِ إذا كانَ مُستلزِماً للهتكِ وإساءةِ الأدب» (منهاجُ الصّالحين ج1 ص143)، ونحوه السيّدُ السّيستانيّ في (منهاجِ الصّالحين ج1 ص183).
الرّابعُ: الإمامُ تنامُ عينُه ولا ينامُ قلبه: روى الشيخُ الكلينيّ بإسنادِه عن أبي جعفرٍ الباقر عليه السّلام، قال: « للإمامِ عشرُ علامات: .. وتنامُ عينُه ولا ينام قلبه..». (الكافي ج1 ص388). وروى الصّدوقُ بإسنادٍ صحيحٍ عن أبي الحسنِ الرّضا عليه السّلام، قالَ: « للإمامِ علاماتٌ.. وتنامُ عينُه ولا ينامُ قلبُه... ». (عيونُ أخبارِ الرّضا ص118، الخصالُ ج2 ص105، معاني الأخبار ص35). وهذا يقتضي ألّا يكونَ نومُه ناقِضاً لوضوئِه.
الخامسُ: الإمامُ لا يحتلمُ: فإنّ حالَ الأئمّةِ (عليهم السّلام) في المنامِ كحالِهم في اليقظةِ، لا يتسلّطُ عليهم الشّيطانُ، روى الصّدوقُ بإسنادٍ صحيحٍ عنِ الرّضا عليه السّلام قال: « للإمامِ علاماتٌ: يكونُ أعلمَ النّاسِ.. ولا يحتلمُ... ». (عيونُ أخبارِ الرّضا ص118، الخصالُ ج2 ص105، معاني الأخبار ص35). وروى الكلينيّ بإسنادِه عن الباقرِ عليه السّلام، قالَ: « للإمامِ عشرُ علاماتٍ: .. ولا يجنبُ..». (الكافي ج1 ص388). وذكرَ المجلسيّ أنّ «لا يجنب» أي: «لا يحتلم» كما في الحديثِ السّابق. (ينظر: بحارُ الأنوارِ ج25 ص169).
السّادسُ: الإمامُ لا يتثاوبُ ولا يتمطّى: روى الشّيخُ الكلينيّ بإسنادِه عن أبي جعفر الباقرِ (عليه السّلام)، قالَ: « للإمامِ عشرُ علاماتٍ: .. ولا يتثاءبُ ولا يتمطّى..». (الكافي ج1 ص388).
السّابعُ: الإمامُ لا يلهو ولا يلعبُ: روى الشيخُ الكُلينيّ بإسنادٍ صحيحٍ عَن معاويةَ بنِ وهبٍ قالَ : قلتُ لأبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام): ما علامةُ الإمامِ الذي بعدَ الإمام؟ فقالَ: طهارةُ الولادةِ، وحسنُ المنشأ، ولا يلهو ولا يلعب. (الكافي ج1 ص284).
الثامن: الإمامُ لا يدخلُ عليه الجنبُ: روى الكشيّ بإسنادِه عن بكيرٍ، قالَ: « لقيتُ أبا بصيرٍ المراديّ، فقالَ: أينَ تريدُ؟ قلتُ: أريدُ مولاكَ، قالَ: أنا أتّبعُك، فمضى، فدخلنا عليهِ، وأحدَّ النّظرَ إليهِ، وقالَ: هكذا تدخلُ بيوتَ الأنبياءِ وأنتَ جنبٌ؟! فقالَ: أعوذُ باللهِ مِن غضبِ اللهِ وغضبِك، وقالَ: أستغفرُ اللهَ ولا أعودُ. (إختيارُ معرفةِ الرّجال ص170)، وروى الصفّارُ والحميريُّ والمفيدُ وغيرُهم نحوَه ». (ينظر: بصائرُ الدّرجاتِ ص261، قربُ الإسنادِ ص21، الإرشادُ ص273، كشفُ الغمّةِ ج2 ص188). ورُويَ عَن جابرٍ، عَن عليٍّ بنِ الحُسين عليهما السّلام: أنّ أعرابيّاً دخلَ على الحُسينِ عليه السّلام فقالَ له: أما تستحي يا أعرابي، تدخلُ على إمامِك وأنتَ جنب؟! ». (الخرائجُ والجرائح ص226).
التّاسعُ: تجهيزُ الإمامِ الإمامَ السّابقَ: فقد وردَ في جملةٍ منَ الأخبارِ: « أنّ الإمامَ لا يُغسّله إلّا الإمامُ »، وقد عقدَ لها العلّامةُ المجلسيّ باباً في موسوعتِه بحارُ الأنوارِ تحتَ عنوانِ: أنّ الإمامَ لا يُغسّله ولا يدفنُه إلّا إمامٌ وبعضُ أحوالِ وفاتِهم. (ينظرُ: بحارُ الأنوار ج27 ص288).
العاشرُ: حرمةُ نكاحِ نسائِه بعدَه: يُعتبرُ هذا الحكمُ مِن خصائصِ النبيّ صلّى اللهُ عليهِ وآله، والعمدةُ في ذلكَ: قولُ اللهِ تعالى: {وما كانَ لَكُم أَن تُؤذُوا رَسُولَ اللَّه ولا أَن تَنكِحُوا أَزواجَه مِن بَعدِه أَبَداً إِنَّ ذلِكُم كانَ عِندَ اللَّه عَظِيماً} [الأحزابُ: 53]. وقد وردَ في كتابِ المناقبِ: وخطبَ المغيرةُ بنُ نوفل أُمامةَ، ثمّ أبو الهيّاجِ بنُ أبي سفيان، فروَت عَن عليّ عليه السّلام: « أنّه لا يجوزُ لأزواجِ النبيّ والوصيّ أن يتزوّجنَ بغيرِه بعدَه »، فلم يتزوَّج إمرأةً ولا أمَّ ولدٍ بهذه الرّواية. (مناقبُ آلِ أبي طالب ج3 ص305). وقد إعتبرَ بعضُ الأعلامِ هذا الحكمَ منَ الخصوصيّاتِ التي يتشاركُ فيها النبيّ والأئمّةُ صلواتُ اللهِ عليهم. (ينظر: رسائلُ آلِ طوق ج3 ص457ـ458).
نكتفي في المقامِ بهذهِ العشرةِ، وتوجدُ أحكامٌ وخصوصيّاتٌ أخرى، مِن قبيلِ: أنّه يرى مِن خلفِه كما يرى مِن أمامِه، وأنّ الأنفالَ لهُ، وطهارةُ فضلاتِه والتبرّكُ بها، وأنّ الأرضَ مأمورةٌ بسترِها، وأنّ نجوَه كريحِ المسكِ، وأنّه يولدُ مختوناً، وأنّه ليسَ لهُ ظلٌّ، وأنّ بيدِه أمرُ طلاقِ نساءِ النبيّ مِن بعدِه، وأنّ سابَّه ناصبٌ، وأنّ رؤاهُ حجّةٌ، وأنّ الصّدقةَ الواجبةَ مُحرّمةٌ عليه، إلى غيرِ ذلك.
اترك تعليق