رجم الزاني المحصن عقوبة قاسية لماذا أقرها الإسلام ؟

في عصر تكثرت فيه كلمة الحرية وحقوق الإنسان كثيراً، بحيث صار شائعاً عند البعض مهاجمة ثوابت الدين بدعوى العناوين السالفين، والحق أن الإسلام كنظام تشريعي لم يكن يوماً ضد الحرية والحقوق التي يجب أن يتمتع بها الإنسان، غير أن تلك الحرية تبقى في دائرة كبح الحيوانية الغريزية التي يحاول الكثير إطلاقها عند البشرية تحت عنوان الحرية، وهي مغالطة صريحة، فحتى الذي يؤمن بأن الحرية تعني كسر القيود، إلا أنه بشكل وبآخر ربما يُعاقب على كسر بعض القيود تحت مسميات وذرائع شتى، فمثلاً حتى الدول و الأنظمة التي تبيح الإباحية الجنسية تحت شعار الحرية، إلا أننا نجدها ترفض وتعاقب على تسريب أسرارها العسكرية بإعتباره يشكل خطراً على منظومة الأمن الداخلي لتلك الدولة والنظام، ومن يقترف تلك الجريمة فإن يعاقب بأشد العقوبات، ومن هنا فإن منع الإسلام لأي شكل من أشكال الإباحية ناتج عن الإعتقاد الجازم بأن تلك الممارسات هي أخطر تهديد للمجتمع الإنساني، ولذا يُصر على معاقبة مرتكبها بأشد أنواع العقوبات.

أما القول بأن القرآن الكريم قد أهمل ذكر بعض العقوبات من قبيل رجم الزاني المحصن، فلابد أن نشير أولاً إلى أن مصادر التشريع في الإسلام هي القرآن وسنة المعصومين، وبالتالي لا يجوز التذرع بعدم ذكر الحكم في القرآن من أجل التنصل عن الالتزام بالأحكام التي نصت عليها السنة.

والأمر الثاني فبخصوص ما يُشّكل به البعض على حد الرجم بوصفه حكماً قاسياً ينتهك حق الإنسان، فعلينا أن الحدود الشرعية يجب فهمها في إطارها الذي وضعت فيه، ومحاولة أخراجها بعيداً عن هذا الإطار يؤدي إلى فهم مشوه لتلك الحدود، وأكثر الاعتراضات التي يثيرها البعض نابعة من الجهل بالسياق الذي وضعت فيه الحدود، فإذا نظرنا إلى الإسلام بوصفه مشروعاً متكاملاً للإنسان على مستوى الفرد والجماعة، ومن ثم فهمنا الغاية التي يطمح أن يكون عليها المجتمع المسلم، حينها نفهم الدور الذي تؤديه هذه الحدود، وبكلمة مختصرة يمكننا أن نقول أن المشروع الإسلامي يهدف الارتقاء بالفرد والمجتمع إلى مستوى من الكمال لا يشوبه نقص، ولحماية ذلك المجتمع لابد من عقوبات رادعة تمثل الحصن المنيع لذلك المجتمع.

ومن الواضح أن الزنا يعد من الرذائل التي تفتك بالمجتمعات، وقد واجه الإسلام خطره على المجتمع من خلال توفير الظروف التي تمنع من حدوثه، سوى كان بالحض على الزواج وتسهيله أو من خلال تطهير المجتمع معنوياً والارتقاء به ايمانياً، فالمجتمع الذي أراده الإسلام هو المجتمع الذي تسوده الفضيلة وتتحكم فيه قيم الطهارة والعفة، ومن ثم بعد ذلك جاءت الحدود بمثابة الحصن أو السياج الذي يحفظه، والذي ينظر للحصن دون المحصن لا يمكنه أن يجد تبريراً لوجود الحصن، فمن يبني القلاع ويحميها باشد أدوات الدفاع فتكاً لا يفعل ذلك حول المدن المهترئة والفقيرة وإنما يصنع ذلك حول المدن الغنية والحضارات الراقية، فقيمة الحدود بقيمة ما ارادت حفظه، وعليه لا تُقيّم الحدود بالنظر إليها بشكل مجرد وإنما بالنظر إلى غاياتها وأهدافها، ففي عالمنا اليوم نشهد تنافساً محموماً في صنع الأسلحة الفتاكة مثل القنابل النووية التي بإمكانها أن تفتك ببلدان كاملة، ومع ما فيها من مخاطر على الحياة البشرية إلا أنها وضعت كسلاح رادع للأخرين وليس بالضرورة استخدامها، وكذلك حد الرجم على الزاني ليس الهدف منه التفنن بالقتل رغبتاً في التشفي وانتهاكاً للإنسانية وإنما حاله كحال السلاح الرادع الذي يمنع من أي محاولة تعبث بأمن المجتمع، ولذا وضع الإسلام شروطاً قاسية ومعقدة لأثباته وتطبيقه، فلا يقام حد الرجم إلا على الزاني المحصن المتمكن من زوجته، فان زنا وهو يبعد عن زوجته مسافة قصر الصلاة فلا يعد محصناً، ولا يثبت عليه الزنا إلا بشهادة أربعة يروه كالميل في المكحل، وهذا شرط يستحيل معه الأثبات، ولو تراجع احد الشهود أو تردد لا يقام عليه حد الرجم، ولو اقر الزاني على نفسه بين يدي الرسول أو الامام المعصوم وهو تائب من فعله فللإمام العفو أو إقامة الحد، فقد جاء رجل الى أمير المؤمنين علي (ع)، فاقر بالسرقة، فقال له: (أتقرأ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، سورة البقرة. قال: قد وهبت يدك لسورة البقرة. فقال الاشعث: اتعطل حداً من حدود الله؟ فقال له الامام: وما يدريك ما هذا؟ إذا قامت البينة فليس للأمام ان يعفو، إذا اقر الرجل على نفسه فذاك الى الامام ان شاء عفا، ووان شاء قطع) (الاستبصار، الطوسي، ج4، ص252) وغير ذلك فان الحدود تدرى بالشبهات، مما يعني أنها وضعت للتخويف والردع وليست للتشفي وانتهاك الحقوق.

 ومن المفاهيم المغلوطة في ما يتعلق بهذه الحدود هو الاعتقاد بان حق التطبيق موكول لعامة المجتمع أو للسلطة السياسية الحاكمة، مما يجعل البعض يتحفظون في قبول مثل هذه الأحكام، وبخاصة فإن بعض التجارب التاريخية أو بعض الحركات الإسلامية المعاصرة قد قدمت صوراً مشوهة في تطبيقات هذه الاحكام، ونحن بدورنا نرفض هذه النماذج كما نرفض ايضاً مقاربة الاحكام الشرعية من خلالا السياقات التاريخية، فالإسلام يفهم من خلال مصادره الطبيعة التي ليس من بينها الممارسة العملية للمسلمين سوى كانت ممارسة تاريخية أو معاصرة، ومن هنا نؤكد على أن تنفيز هذه الاحكام مكفول فقط لمن يمثل إرادة الله بشكل مباشر سوى كان رسول أو أمام معصوم، ومع غياب الإمام وغياب المجتمع المثالي الذي دعاء له الإسلام لا توجد جهة تمتلك حق تنفيز هذه الاحكام. فمثلاً لا يجوز لمن لم يكن طاهراً في نفسه إقامة حد الزنا على غيره، كما أن المجتمع الذي تستهدف حمايته هذه الحدود هو المجتمع الذي وصل إلى درجة من العفة والطهارة، ولذا لا يمكن أن نشتغل بإقامة الحدود ومجتمعنا منهار من الداخل، ومن هنا فإن الإسلام قبل تشريعه لهذه القوانين عمل على بناء ذلك المجتمع ومن ثم عمل على حمايته بتلك الحدود الرادعة، فمثلاً قطع يد السارق شرع لحماية مجتمع توفرت فيه كل مقومات الحياة، والسرقة في مثل هذا المجتمع يجب ردعها بأقصى أنواع العقوبة حتى لا تكون سبباً في فساده.

وفي المحصلة يجب فهم الحدود الشرعية في إطار الفلسفة العامة للتشريع، وتسمية هذه الأحكام بالحدود فيه إشارة تؤكد ما ذكرناه؛ فكما أن الهدف من حماية حدود البلاد هو حماية الداخل، كذلك الحدود الشرعية وضعت لحماية المجتمع المؤمن، وما يوسف له أن المجتمعات المسلمة لم ترتقي بعد إلى مستوى يجعلها مصداق للمجتمع الذي قصد الإسلام حمايته.

المرفقات