هو الإمامُ الزاهدُ العابدُ زينُ العابدين عليُّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف السادة الأشراف ، ورابع أئمة الهدى، وعمتْ الفرحةُ بيتَ النّبوّة والإمامة بولادتهِ(عليه السلام)، وكان ذلك في الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة وقيل ست وثلاثين، ولكن الذي عكّر الفرحة موت أمه في أيام نفاسِها واحتضنتهُ إحدى نساء أبيه، فشملتهُ برعايتها وحنانها، فنشأ في صغره، وهو لا يعرفُ أماً غيرها، كان كثير البرَّ بأمهِ حتى قيل له: "إنَّك أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفةٍ، فقال: أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون قد عققتها" .
فبقى مع جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) سنتين، ومع عمه الحسن(عليه السلام) اثنتي عشرة سنة، وكان مع أبيه يوم واقعة كربلاء وله من العمر ثلاث وعشرون سنةً، وقل خمس وعشرون، وكان يومئذٍ موعُوكاً، فلم يقاتل، ولا تعرضوا له، وبقى بعد أبيه أربعا وثلاثين سنة، وقيل أربعين سنة، ما تهنَّ(عليه السلام) بعد قتل أبيه وذريته وما جرى عليهم، فلم يتهنَّ بمنامٍ، أو طعامٍ، أو شراب، كان إذا وضع له خادمه طعاماً، وقال له: كلْ يا سيدي، قال(عليه السلام) :آكل الطعام أم الشراب؟ وقد قتل ابن رسول الله(عليه السلام) جائعاً عطشاناً.
كنيته أبو محمّد، وأبو الحسن، وأبو الحسين، والأول أشهر، وألقابه كثيرة منها زين العابدين، وهو أشهرها، وبهذا ينادى يوم القيامة، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إذا كان يوم القيامة، نادى منادي أين زينُ العابدين فكأني انظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بين الصفوف، ومن القابه السجاد، و ذو الثفنات، عن محمد بن علي الباقر قال: كان لأبي(عليه السلام) في موضع سجوده آثار ناتئة، وكان يقطعها في السنة مرتين في كلِّ مرة خمس ثفنات .
قد حَدَّثَ(عليه السلام) عن عمه الحسن بن علي (عليه السلام)، وأبيه الحسين الشهيد(عليه السلام)، وعبد الله بن عباس، وعبيد الله بن أبي رافع مولى النبي(صلى الله عليه وآله، وزينب بنت أبي سلمة ربيبة النبي(صلى الله عليه وآله) وغيرهم.
وممن رورى عنه حبيب بن أبي ثابت، والحكم بن عتيبة، حكيم بن جبير، و وطاووس بن كيسان، وهو من أقرانه، ومحمد بن مسلم بن شهاب الأزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، و أبو حمزة الثمالي، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو من أقرانه، وأبنه محمد بن علي الباقر(عليه السلام) ، وغيرهم الكثير.
كان(عليه السلام) من أفضل أهل زمانه، فكان ثقةً، مأموناً، كثير الحديث، وأعلمَهم، وأفقههم، وأورعهم، وأعبدهم، وأصبرهم، و أحلمهم، وأفصحهم، وأحسنهم أخلاقاً، وأصدقهم قولاً، وأكثرهم صدقة، وأرفأهم بالفقراء، وأنصحهم للمسلمين، وكان معظّماً، مهيبًا عند القريب والبعيد والولي والعدو، وغيرها من الصفات الكثيرة، إذ قيل فيه: "ما رأيتُ قرشيًا أفضل من عليٍّ بن الحسين"، أما علمه، وزهده، وعبادته، ومواساته للفقراء، وخوفّه من الله فغنيّ عن التعريف، فكان إذا توضأ للصلاة أصفر لونه فقيل له في ذلك فقال: "أتدرون بين يديّ منْ أريد أنّ أقف"، وكان كثير الصدقات حريصاً عليها، كان يوصل صدقاته ليلا دون أن يعلمَ به أحد، وقد روي أنّه كان يحمل الجراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدّق به ويقول: "صدقة السرّ تطفئ غضب الربّ".
ومناقبه كثيرة لا تحصى، ومعاجزه لا تعدّ، فلقد كان مهابا جليلا بين الناس بشكل كبير، حتى اخذ الأمراء والحكام يحسدونهُ عليها، والتأريخ يذكر لنا الكثير من الشواهد، من ذلك: لمّا حجّ هشام بن عبد الملك قبل أن يلي الخلافة أجتهد فطاف بالبيت، وأراد أن يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام، إذ أقبل علي بن الحسين، فجعل يطوف بالبيت، فبلغ الحجر تنحى الناس له هيبةً له وإجلالا، فقال جماعة لهشام: من هذا؟ فقال: لا أعرفه"مع أنه كان يعرفه" فسمعه الفرزدق، فقال لكنّني أعرفه، هذا عليُّ بنُ الحسين زينُ العابدين، وانشد قصيدته التي منها هذه الأبيات:
هـذا الذي تَعرِفُ البطْحاءُ وطْـأتَه والبيتُ يَعرِفُـه والحِـلُّ والحــرَمُ
هـذا ابنُ خَيـرِ عبادِ اللهِ كُلِّــــــــهم هذا التّقِـيُّ النّقِـيُّ الطّاهـرُ العـلمُ
اُختلِف في سنة وفاتهِ فقيل سنة ثلاث وتسعين، وقال بعضهم: سنة أربع وتسعين، "وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء، لكثرة من مات فيها منهم"، وقيل تسع وتسعين، وقيل اثنين وتسعين، قال الإمام الباقر(عليه السلام): "عاش أبي ثمانيا وخمسين سنة" ومن هذا القول يتضح أنّ سنةَ الولادة ست وثلاثين، وسنة الوفاة أربع وتسعين، ودُفن في البقيع في قبر عمّه الحسن المجتبى(عليه السلام)، في القبة التي فيها قبر العباس(رضي الله عنه).
جعفر رمضان
اترك تعليق