297 ــ عبد الرؤوف الجد حفصي: توفي (1006هـ / 1597 م)

عبد الرؤوف الجدحفصي: (توفي 1006هـ / 1597 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (111) بيتاً:

فديتهمُ لمّا أتوا أرضَ (كربلا)     وضاقَ بهمْ من سبلِها كلُّ واسعِ

فـديتهمُ لمّا أتى القـومُ نحوهـم     وسدّوا عليهـم كـلَّ نهـجٍ وشارعِ

فـديتهمُ لمَّـا أحاطـوا بـرحلِـهم     وردّوهـمُ عـن وردِ ماءِ الشرائعِ (1)

الشاعر

السيد جلال الدين أبى المعالي عبد الرؤوف الحسيني الموسوي البحراني، ــ قاضي قضاة البحرين ــ (2) عالم كبير وأديب وشاعر من رموز وأعلام البحرين والشيعة، ولد في قرية (جد حفص) في البحرين وشغل منصب قاضي قضاة البحرين، وينتهي نسبه الشريف إلى الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وقد ذكر الشيخ علي البلادي نسبه كاملاً فقال:

(السيد عبد الرؤف الموسوي، السيد النجيب الأديب الحسيب الأريب السيد عبد الرؤف بن الحسين بن عبد الرؤف بن أحمد بن حسين بن محمد بن حسن بن يحيى بن علي ابن إسماعيل بن علي بن إسماعيل أخ السيدين الشريفين الرضي والمرتضى علم الهدى ابن الحسين بن موسى بن إبراهيم المجاب ابن الإمام موسى الكاظم عليه السلام، البحراني أحد الأكابر والأعيان المشار إليهم بالبنان في البيان بدر كمال وشمس ظهيرة وسيد قوم وكبير عشيرة جمع بين علو الهمة وعلو الأدب وشفع سمو الأصل بسمو الحسب فهو غرة جبهة الدهر وتوريد وجنة العصر ووشي ديباجة الشرف والفضل وطراز حلتي الجلال والنبل وله شعر يحبب العقول بسحره ونثر يزري بنظم الدر ونثره جمع فيه بين الجزالة والرقة وأعطى كل ذي حق حقه كان مولده سنة 1013 ه‍ وتوفي سنة 1060 الله أعلم وله رحمه الله من العمر سبعه وأربعون سنة تغمده الله برحمته ورضوانه وله شعر كثير) (3)

ثم قال: (وهذا السيد من أجلاء السادة ورؤسائهم في زمانه في البحرين من أهل جد حفص القرية المشهورة ودفن في مقبرة الشيخ راشد من بلاد القديم) (4)

وقال عنه الحر العاملي: (السيد الجليل عبد الرؤف ابن الحسين الحسيني الموسوي البحراني: فاضل، عالم، ماهر شاعر، معاصر، أديب، منشئ، من شعره ما كتبه إلي في مكاتبة عجيبة الانشاء، أحسن وأجاد فيها ما شاء ولولا خوف الإطالة لذكرت شيئا من ذلك الانشاء، رأيته في البحرين ورأيت منه العجب، لكنني غرقت حينئذ في البحرين: بحر العلم وبحر الأدب) (5)

وقد ذكر العلامة أغا بزرك الطهراني أن له ديواناً وقال: (جمع هذا الديوان الشيخ أحمد بن محمد بن مبارك الساري البحراني بعد وفات الناظم بأمر ولده السيد أحمد بن عبد الرؤف وذكر فيه ان الناظم توفى 1113 ورتبه على ثلاثة أبواب 1 المديح 2 الرثاء 3 المتفرقات. وفرغ من جمعه في 1118 وقد رأيته عند السيد محمد علي (السبزواري بالكاظمية) وفيه فوائد أدبية وتاريخية وكانت نسخة من هذا الديوان عند السيد شبر بن محمد بن ثنوان الموسوي الحويزي، نقل عنه في رسالة عملها في بيان نسب السيد علي خان بن خلف الحويزي وذكر ان في ثلاثة مواضع من هذا الديوان يصرح بسيادة السيد علي خان وصحة نسبه) (6)

وقال عنه الأستاذ سالم النويدري: (أحد علماء القرن العاشر الهجري في البحرين، وقد كان شيخ الإسلام آنذاك أي (قاضي القضاة) في أيام الوزير ركن الدين بن محمود شرف الدين) (7)

وقال عنه الأستاذ جاسم حسين آل عباس: (هو زعيم قوم وسيد عشيرة ورئيس السادة الموسويين في عصره، أنوار مجده تضئ بآثاره، إذ هو أحد عباقرة القرن العاشر الهجري الذين جعلوا البحرين تضئ بأنوارها العرفانية والدينية والأدبية، كانت مدرسته تعج بالطلاب والمدرسين من الفضلاء والعلماء، وقد فاز بالقداح المعلّى من الكمالات الكسبية والوهبية، وله من المنطق السليم وفصل الخطاب ما أهلّه لأن يكون موضع ثقة الجميع حتى تمكن من الرئاسة الدينية في عصره فأقام الجمعة والجماعة وأوكلت إليه الأوقاف والأمور الحسبية وأعطى كل ذي حقٍ حقه.

عاصر السيد المترجم علماء أجلاّء مثل الشيخ داوود بن أبي شافيز والسيد ماجد الصادقي وأبي البحر الشيخ جعفر الخطي، حيث كانت البحرين في ذلك العصر واحة لقوافل العلماء ومجمعاً لهم.

ولقد عاش هذا السيد النجيب في فترة مملكة هرمز في عصر حكم البرتغاليين للبلاد وكان شيخ الإسلام في ذلك العصر أي (قاضي القضاة). في أيام الوزير محمود بن نور الدين بن شرف الدين والي البحرين من قبل الدولة البرتغالية الملقب بالركن المعظم) (7)

ولهذا السيد الجليل مكانة كبيرة في البحرين يقول السيد هاشم الموسوي: (كانت القوة العسكرية الفارسية بقيادة الأمير كمال الدين بن يحيى الكردي الفيروز آبادي مستعدة، والتي تمكنت من طرد البرتغاليين بعد ذلك، وأعلن هذا الأمير أن البحرين تابعة لسلطة الشاه الفارسي، وفي عودته إلى فارس توجه معه وفد من البحرين برئاسة السيد عبد الرؤوف الموسوي الجدحفصي، وكان الشاعر الشيخ جعفر الخطي مرافقا لذلك الوفد لتقديم الشكر للشيخ عباس الصفوي لتخليصه البحرين من الوجود البرتغالي) (8)

شعره

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (111):        

وفـوِّضْ لـربِّ الــعـرشِ أمـرَكَ كــلَّــه     ووجِّـه لـمـا يـولـيـكـهُ نـفـسَ قـانعِ

ووالِ خـتـامَ الـمـرسـلـيــــنَ وآلَــــــــهُ     لـتـسـعـى بـنـورٍ عن يمينِكَ ساطعِ

فـإن حـدتَ عـنـهـم أو عـلـقت بغيرِهمْ     هـلـكـتَ، وهل يشأى الظليعُ بظالعِ

هـمُ أمـنـاءُ اللهِ فـي هـلْ أتـى أتــــــــى     مـديـحُـهـم بـالـنـصِّ غـيـرَ مـدافــعِ

بـراهـيـنُ فـضلٍ قد خلتْ من معارضٍ     وآياتُ فصلٍ قد علتْ عن مضارعِ

لـربِّـهـمُ عـافـوا الـرقـادَ فـأصـبـحــــتْ     جـنـوبُـهُـمُ تأبـى وصالَ المـضاجعِ

بـهـمْ أشـرقَ الـديـنُ الـحـنـيفيُّ غِبّ ما     دجـى وتـجـلّـتْ مـبـهـماتُ الشرائعِ

لـقـد جـاهـدوا فـي اللهِ حــقَّ جـهــــادِه     وردوا حـسـيـراً طـرفَ كـلِّ مُنازعِ

فـلـمّـا قـضـى الـمختارُ عاثتْ بشملِهمْ     عـلى رغمِ أنفِ الدينِ أيـدي الفجائعِ

وســـدَّدتِ الأعــــداءُ نـحـوَ قـبـيـلِــــهِ     سـهـامَ ذُحــولٍ عـن قـسـيِّ خَــدائـعِ

ونالتْ رؤوسُ الـكـفـرِ منهمْ فلم تـدعْ     لـهـمْ فـي فـجـاجِ الأرضِ مُقلةَ هاجعِ

فـهـمْ بـيـنَ مـن يـبـتـزُّ بـالقهرِ إرثَـها     ومِـنْ بـيـنِ مـتـبـوعٍ يُــقــادُ لـتـابــــعِ

ومِـن بـيـنِ مـخذولٍ رأى رأي عينِهِ     خـلافَ الـمـوالـي وانـحـرافَ المُبايعِ

ومِمَّا شجى قلبي وأغرى بيَ الأسى     وأفنى اصطِباري ذكرُ كبرى الـوقائعِ

هيَ الوقعةُ الكـبـرى التي كـلُّ سامعٍ     لـهـا ودَّ لـو سُـدّتْ خُـروقُ الـمـسـامعِ

غـداةَ دعـتْ سـبـط الـنـبيِّ عـصـابةٌ     بـأنْ سِـرْ وعـجِّـلْ بـالـقـدومِ وســارعِ

وجـاءتْ إلـيـهِ كـتـبهُمْ وقد انـطـوتْ     عـلـى إحـنٍ طـيّ الـحـشـى والأضالعِ

بنفسي الحسين الطـهرَ يسعى اليـهمُ     بـأهـلـيـهِ لا يـثـنـي عـزيـمــةَ راجــــعِ

وتصحبه مـن صــحـبِـهِ الـغُرِّ سـادةٌ     لـهـمْ فـي قـرانِ الـفـوزِ أسـعـدُ طــالعِ

فـديــتــهـمُ لـمّـا أتـوا أرضَ (كربلا)     وضـاقَ بـهـمْ مِـنْ سـبـلِـهـا كلُّ واسعِ

فـديـتـهـمُ لـمَّـا أتـى الـقـومُ نـحـوهـمْ     وسـدّوا عـلـيـهـمْ كـلَّ نـهـجٍ وشـــارعِ

فـديـتـهـمُ لـمّـا أحــاطـوا بـرحـلِـهـمْ     وردّوهـمُ عـن وردِ مــاءِ الــشــرائـــعِ

لعمري لقد فـازوا وحازوا مـراتـبـاً     تـقـهـقـرَ عـن إدراكِـهـا كـلُّ طـــامـــعِ

ومـا بـرحـوا فـي نصــرِهِ ولأمــرِهِ     بـأسـرِهـمُ مـا بـيـنَ ســاعٍ وســــامـــعِ

ومنها

فشمـسُ الـعُلى غارتْ وأنجمُ سعدِها     تـوارتْ وأمسـى غـاربـاً كــلُّ طــالـعِ

بـنـفــسـي قـتـيـلاً مـفـرداً بينَ خاذلٍ     وبـاغٍ ومـــــرتــــــدٍّ وطـاغٍ وخـــادعِ

بـنـفــسـي رضـيـعـاً ألقمَ القومُ ثغرَه     ثـديَّ سـهامٍ لا ثـــــديَّ مَــــراضــــــعِ

بنفسي رؤوساً قد نأتْ عن جسومِها     بـعـامـلِ جـــزمٍ فــوقَ عــامـــلِ رافـعِ

فـديـتـهـمُ والــرأسُ كـالـبـدرِ بـيـنهمْ     وهـمْ حـولَـه مـثـلَ الـنـجـومِ الـطـوالـعِ

إلـيـكـمْ سـلاطـيـنُ الـمـعـادِ قـصـيدةً      أجـادتْ مـعـانـيـهــا قــريـحـةُ بــــارعِ

فما الدرُّ منظوماً سوى عـقدِ نظـمِها      ومـا الـروضُ إلّا مـا حـوتْ من بدائعِ

إذا شانَ شعرَ الـنـاسِ طــولٌ فشأنها     لـه الـطـولُ مـهما أنشدتْ في المجامعِ

فإن سـحـبـتْ ذيــلَ الـقـبولِ لـديـكـمُ      رضيتُ على حظّي وصالحتُ طـالعي

بكمْ قد علا قدري وشاعتْ مفاخري      وسـدتُ كـهـولَ الـنـاسِ فـي سـنِّ يافعِ

إذا ضـاعَ مـدحُ الـمـادحـينَ سـواكمُ      فـأجـرُ مـديـحـي فـيـكـمُ غـيـرُ ضــائعِ

فـيـا عـلـلَ الإيـجـادِ والـسادةَ الألـى      هـمُ عـنـدَ ربِّ الـعـالـمـيـنَ ذرائــعـــي

بـنـورِكـمُ نُـهـدى إلـى طرقِ الهدى      كـمـا يـرشـدُ الـسـاري ضـياءُ المشامعِ

ومـالي سوى حبِّي لكمْ من بضاعةٍ      وتـلـكَ لـعـمـرو اللهِ أسـنـى الـبـضـائـعِ

فـنـجـلـكـمُ عـبـدُ الـرؤوفِ وعبدكم      بـكـمْ يـلـتـجـي مـن هـولِ وقـعِ المقامعِ

سـلـيـلُ الـحسينيِّ الحسينِ بن أحمدٍ     لـبـابِ الـتـمـاسِ الـعـفـوِ أحـوجُ قــارعِ

خـذوا بـيـدي والـوالديــنِ وأسرتي      وصـحـبـي وتـالٍ لـلـقـريـضِ وســامـعِ

ومن هذه القصيدة:

فـديـتُ صـحـابـاً أصبـحَ الموتُ عندهمْ      هـنـالك من أجدى وجــوهِ الـمـنـافعِ

وهـمْ بـيـنَ مـسـلـوبِ الـحـيـاةِ وســالبٍ      لها وصـريـعٍ فـي الـمكـرِّ وصارعِ

وأرؤسـهـمْ فـي الـحـربِ مـا بينَ ساجدٍ      من الضربِ مـشـفـوعٍ بـآخرِ راكعِ

فمُذ غودروا بالطفِّ صرعى وجُرِّعوا      كـؤوسَ الـمـنـايا بالسيوفِ القواطعِ

نـضـا الـسبط عزماً لو تعرَّضَ بـعضُه     لضمِّ الرواسي الشمِ ريعتْ بصادعِ

وعـضـبـاً إذا مـا شــامَ بــارقَ حـــــدِّه      أبـيٌّ تـلـقّــاهُ بــهـامــةِ خـــــاضــــعِ

عـلـى ظـهـرِ مـوَّارِ الـعـنـانِ إهـــابُــه      لـخـلـعـةِ سـلــطانِ الدجى غيرِ خالعِ

إذا مـا نـحـا نـحـوَ الـعـدوِّ مُـيُـمِّــمَــــاً      رمـوا بـاشـتـغـالِ القلبِ عند التنازعِ

يـقـصُّ جـنـاحَ الجيشِ إن شُقّ صدرُه      وقـلـبـاً بـقـلـبٍ ثــابـتٍ غــيـرِ جـازعِ

ويـثـنـي عـنـانَ الـعـطفِ نحوَ حريمِه      يـودِّعُـهـم تـوديــعَ غــيـرَ مُـــراجــعِ

ومـا زالَ يـفـنـي جـمـعَـهم وهوَ مُفرَدٌ      بـضـربٍ عـلـى هــامـاتِـهـم مُـتـتـابعِ

إلـى أن سـرى فـي نـحرِهِ سهمُ مارقٍ      فـخـرَّ كطودٍ في ثــرى الأرضِ واقعِ

وجـاءَ إلـيـهِ الـشـمـرُ يـسـعـى مشمِّراً      ولـم يــثــنــه عــن غــيِّـهِ ردعُ رادعِ

بـنـفـسـي شـهـيـداً لــم يـبـرَّدْ غـلـيـلـه      مـن الـبـاردِ الـظــامي بجرعةِ جارعِ

ويقول في نهايتها:

أمـيّـة مـهـلاً لـيـسَ بـالهينِ ما جنتْ      يـداكِ سـيـلقى حاصداً كلُّ زارعِ

فيا ليتَ شعري ما اعتذارُكِ في غدٍ      وما العذرُ عن مسِّ العذابِ بدافعِ

عـلـيـكِ مـن الـرحـمـنِ لـعـنٌ مُـؤبَّدٌ      تـقـرُّ بـه عـيـنُ الـمـوالي المشايعُ

...........................................................

1 ــ أورد الشيخ محمد صادق الكرباسي (52) بيتا منها في ديوان القرن الحادي عشر ج 1 ص 199 ــ 204 عن أدب الطف ج 5 ص 61 عن مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي، وأورد تكملتها في الجزء الثاني من ديوان القرن الحادي عشر ص 142 ــ 148 وهي (59) بيتاً وقال عنها الكرباسي أنها من (مجموعة الشيخ لطف الله الجدحفصي (مخطوطة) أرسلها لنا السيد عدنان العوامي من القطيف)

2 ــ أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج ٧ ص ٤٥٩ / أدب الطف للسيد جواد شبر ج 5 ص 66

3 ــ أنوار البدرين ص ١٠٢

4 ــ نفس المصدر والصفحة

5 ــ أمل الآمل ج 2 ص 146 

6 ــ الذريعة ج 9 ص 685 رقم 4778

7 ــ أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين ج 1 ص 504

8 ــ تاريخ علماء جدحفص خمسة قرون من العطاء المستمر (الجزء الأول) أضرحة وعلماء وخطباء / موقع سنوات الجريش، تاريخ وتراث البحرين

9 ــ البحرين حكمها الشيعة في معظم الفترات التاريخية وقاوموا كل أنواع الاحتلال، موقع مرايا التراث بتاريخ 25 / 12 / 2013

كما ترجم له:

عبد الله الأصفهاني / رياض العلماء ج 3 ص 91 ــ 92 

خير الدين الزركلي / الأعلام ج 3 ص 353 

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار