254 ــ صالح السلطان: (1343 ــ 1431 هـ / 1924 ــ 2010 م)

صالح السلطان: (1343 ــ 1431 هـ / 1924 ــ 2010 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

يا مـظـهـرَ الـديـنِ الـحنيفِ بسيفِهِ      قد حـلَّ بـالـديـنِ الـبـلاءُ الـمُبرَمُ

هذا الحسينُ بـ (كربلاء) محاصَرٌ      والناسُ عن نصرِ ابن بنتِكَ نُوَّمُ

أضـحـى غـريـباً يشتكي لكَ حالَه      مـن نـكـبـةٍ جـاشتْ وجرحٌ يُؤلمُ (1)

الشاعر

الشيخ صالح بن محمد بن صالح السلطان، عالم وأديب وخطيب وشاعر ولد في مدينة المبرَّز بالسعودية في ظل أسرة علمية فدرس القرآن الكريم والعلوم الدينية على يد والده الملا محمد، ثم درس مقدمات العلوم على يد أفاضل علماء المبرز أمثال: الشيخ عباس الدندن، والسيد محمد بن حسين العلي، والشيخ عبد الله الخليفة. كما درس في حوزة الميرزا علي بن موسى الحائري الأسكوئي في الهفوف.

هاجر السلطان إلى كربلاء وفيها درس على يد الشيخ علي العيثان وبقي في كربلاء لمدة ستة أشهر ليعود إلى مسقط رأسه لكنه لم يمكث كثيراً حتى عاد إلى العراق إلى كعبة العلم النجف الأشرف ليحضر بحوث المرجع الكبير السيد محسن الحكيم، والسيد أبو القاسم الخوئي، والسيد محمد باقر الشخص وبعد أن أنهى دراسته عاد إلى مدينته عالماً دينياً ومرجعاً لأهلها وإماماً للجماعة فيها وفي غيرها من مدن الإحساء. وبقي السلطان يواصل نشاطه وعطاءه الديني حتى وفاته في مدينته.

وقد عانى السلطان كثيراً في رحلته العلمية في العراق يقول متحدثا عن معاناته: (لقد مرت عليّ ظروف معيشية واجتماعية صعبة ومعقدة فلقد سافرت إلى دولة العراق مع الشيخ محمد الهاجري بصعوبة بالغة، ثم رجعت إلى الأحساء لأني واجهت في كربلاء ظروف مانعة من بقائي، ولم أجد من يدعمني في التوجه إلى النجف الأشرف، ثم سافرت إلى النجف الأشرف لإكمال المسيرة العلمية، مع العلم أني مطالب بديون كثيرة، وخلال مسيرة حياتي واجهت مشاكل معقدة يصعب تدوينها… ملخص ذلك أمنياتي متعددة والكل يعرفها) (2)

قال عنه ناجي بن داود الحرز: (فقيه وأديب وشاعر ولغوي بارع ... كان مثالاً للعالم الغيور على دينه وعلى مبادئه السامية ..) (3)

وفي مقال عن السلطان سلط الضوء على جوانب حياته العلمية والأدبية تضمن العديد من الأقوال بحقه من قبل تلامذته وغيرهم من الأعلام ننقل بعضها:

قال عنه تلميذه الشيخ محمد المهنا: (كان الشيخ صالح يباشر التدريس ليلاً بالمسجد في كتب مرحلتي المقدمات والسطوح ولأكثر من عشرة دروس بعدد طلبة يزيد عن 30 طالبا، ولما افتتحت الحوزة العلمية بالمسجد الجامع انتقل دوره للإشراف على مسيرة الحوزة، ثم توجه إلى فتح حوزة علمية بمنزله يدرس فيها لثلاث فترات، فقد عرف بجهاده وحرصه على التدريس في كتب الفقه والعقائد والأصول والسلوك الإسلامي. وكان الوضع المالي للشيخ صالح ضعيفا، لذا لا زال آنذاك يباشر أعماله المعيشية في خياطة الملابس إضافة لتحمل مسؤولية التدريس والإشراف لمتابعة أداء الحوزة العلمية، وبالنسبة لرواتب طلبة العلم، وقد أرسل كتابا إلى السيد محسن الحكيم يشكو إليه فيها الوضع المالي للحوزة العلمية التي يشرف عليها، فأرسل السيد لوكيله السيد محمد بن السيد حسين العلي «القاضي» يطلب منه تمويل حوزة الشيخ صالح السلطان مالياً، وأبلغه إذا لم يتوفر لديه المال الكافي أن يبلغ السيد بذلك ليتكفل هو بنفسه لتمويل حوزة الشيخ صالح في ذلك، فبدأ السيد محمد يمول حوزة الشيخ صالح بمبلغ 60 ريالا في الشهر، وهو غير كاف، إلا أن طلبته كانوا يمارسون أعمالهم المعيشية إضافة للدراسة الحوزوية. ويشير الشيخ يوسف الشقاق للدور الذي قدمه الشيخ صالح السلطان في تلك الفترة الزاهرة بنشاطه وعطائه إذا يقول «والشيخ صالح قدمّ ما يستطيع في خدمة مجتمعه، فقد فرجت له الساحة الأحسائية بعد وفاة السيد محمد العلي، وغالبية العلماء الأحسائيين في النجف الأشرف، ولا يوجد في الأحساء إلا القليل ومنهم كالشيخ حسين الشواف، والشيخ عبد الوهاب الغريري، والشيخ حسن الجزيري)

وقال السيد إبراهيم البطاط: (برز بنشاطه الديني بشكل واضح في الثمانينات، وكان يحاضر في المسجد لتعليم المؤمنين المسائل الشرعية، فلم نكن نعرف مرجعاً أو تقليداً إلا ببركته، فقد نوّرنا ودرّسنا الرسالة العملية وقطر الندى، وكلفنا بتعليم المؤمنين أحكام الدين، ثم شجعنا للسفر إلى النجف الأشرف لإكمال الدراسة الحوزوية، وعندما رجعنا إلى المنطقة أمرنا بإقامة صلاة الجماعة في القرى، وانقطعت علاقتنا بالشيخ صالح عام 1389هـ، ولقد كان شجاعاً ولولا شجاعته ما اشتهر)

وقال الشيخ محمد بن الشيخ حسن الجزيري: (صاحب فضيلة علمية، ومن أساتذة الحوزة العلمية النجفية في أيامه، وكان له طلاب معروفون في النجف الأشرف وفي البلاد، ويعرف الجميع عنه ذلك، وهو شاعر وأديب)

وقال الشيخ حسين بن أحمد الأحمد: (هو أول شخصية في الأحساء فتح الباب على مصراعيه للدراسة الدينية بعد رجوعه من النجف الأشرف، رأيت كثيراً من طلبة العلوم الدينية يدرسون عنده، ما يزيد عن سبعين طالباً ولم أر ذلك عند غيره من علماء المنطقة. بابه مفتوح طوال النهار، أقام صلاة الجماعة في معظم مساجد مدن وقرى الأحساء. تعلمنا منه أهمية الخطبة بعد أداء صلاة الجماعة بهدف تعليم المؤمنين مسائل الدين. شجع الكثير من المؤمنين على طلب العلم. وهو رجل يسعى لإصلاح المجتمع ويحارب ما جاء به الاستعمار، ولم أر منه أكثر من ذلك في فكره، وكل من اتهمه بأكثر من ذلك فذلك يرجع إلى مرض المجتمع وحزبيته)

وقال عنه الشيخ عبد الأمير الخرس: (كان أمة وحده عاش المبدأ وعنه دافع وعليه مات)

وقال السيد هاشم بن السيد محمد السلمان: (كان غيوراً على الدين، ناشرا لفضائل أهل البيت ، مجاهرا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، محاربا للتقاليد والمشاريع الغريبة، متمسكا بالسنن والآداب الإسلامية، زاهدا في عيشه، راضيا بقدره)

وقال الشيخ حسن بن الشيخ باقر بو خمسين: (عرف عنه التواضع والفضيلة العلمية، ورجل لا تأخذه في الله لومة لائم)

وقال الشيخ صادق الجبران: (العلامة الخال الشيخ صالح السلطان رحمه الله كأبي ذر الغفاري رضوان الله عليه فيما يعتقد أنه حق صلب ثابت لا يبالي ما يقول فيه أو عنه الآخرون، فالمهم لديه هو المبدأ الذي آمن به مهما كلفه الأمر، وقد دفع في سبيل ذلك أغلى ما يملك دون أن يبالي بالجاه والسلطان).

وقال السيد علي بن السيد أحمد الشخص: (له دور كبير في التبليغ الديني، وهو أول شخص بالمنطقة يبدأ بإلقاء محاضرات فقهية بعد أداء صلاة الجماعة، وكان معروفا عند العلماء كالسيد الحكيم بالنشاط الديني وهو رجل تقي ورع).

وقال السيد عدنان بن السيد محمد الهادي: (لا أحد ينكر فضل الشيخ صالح السلطان علينا وله فكره وتوجهه الخاص، استفدنا منه في العربية والأدب).

وقال السيد موسى الهاشم: (قال أمير المؤمنين يا طالب العلم أعلم أن العلم فضائل كثير فرأسه التواضع وعينه البراءة من الحسد ولسانه الصدق وأذنه الفهم ولو تأملنا في شخصية وسيرة فقيدنا الراحل لوجدنا أن ذلك من صفاته. فقد عرف عنه التواضع والإخلاص والغيرة على الدين رحمه الله).

وقال الشيخ عبد الرؤوف القرقوش: (في زمان تغترب الأصالة فيه من ثقافتنا وتهمش الأصول من معتقداتنا نحن أحوج ما نكون فيه إلى مثل الشيخ صالح السلطان ليقول للباطل لا بكل جرأة ولكل مستخف كلا بكل قوة).

وقال الشيخ محمد بن علي الحرز: (فقد كان رجلاً عظيماً يمتلك فكر ورؤية يفتقدها الكثير من رجال العلم، وإن اختلفوا معه، فهو لم يقبل أن يكون ذيلاً ولا تابعاً لغيره وإنما حافظ على رأيه واستقلاليته في فكره ومنهجه فتحمل في سبيل ذلك الأمرين، ولكن استطاع أن يثبت أنه مثال رجل العلم المكافح الذي ينبغي أن يناضل لما يؤمن به مهما كانت العواقب ما دام مقتنعاً بصحة مذهبه وميوله).

وقال الشيخ محمد الشريدة: (مؤمن مخلص، لا يقبل المداهنة، وفكره لا يناسب جيل اليوم وذلك من كثرة قيوده على الكثير من المشاريع في الساحة مما يجعل البعض يرفضها لصعوبة هضمها.

وقال الشيخ عبد الله الجنوبي: (هو الشيخ الذي صال وجال طوال حياته في ترسيخ المفاهيم والقيم الدينية في عقول الناس لإيصالهم إلى الحق، رغم مواجهته التيارات المعاكسة له).

وقال الحاج أحمد بن عبد الوهاب بو عامر: (رجل فاضل ناصح قام بدور في وقت لم يكن أحد يعرف شيئا والكثير من طلبة الأحساء تخرجوا على يديه، لا يجامل نهائيا بعيدا عن الدنيا، لا يرغب في إجراء عقود الزواج وإيقاع الطلاق).

وقد نهل من علومه ودرس على يديه كثير من طلاب العلم منهم:

الشيخ محمد اللويم، السيد باقر بن هاشم السلمان، الشيخ محمد المهنا، السيد حسين بن السيد محمد العلي، السيد محمد بن السيد أحمد العلي، الشيخ عبدالله بومرة، الشيخ جواد بوحليقة، الشيخ علي الدندن، الشيخ جواد الدندن، الشيخ عبدالله الدندن، الشيخ واصل الدندن، الشيخ إبراهيم الخزعل، الشيخ عبدالحميد السلمان، الشيخ حسين الظالمي، السيد حسين الياسين، السيد ناصر بن صالح، السيد عبد الله الصالح، الشيخ حسن بو خمسين، السيد هاشم الشخص، الشيخ عبد الله السمين، الشيخ عيسى الحاجي، الشيخ حجي السلطان، الشيخ يوسف الشقاق، الشيخ جواد السلطان، الشيخ محمد الشريدة، الشيخ جاسم الشملان، الشيخ حسين الأحمد، إضافة إلى ابنه الشيخ حسين بن صالح السلطان. (4)

شعره

قال من قصيدته التي قدمناها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

بـكـتِ الـسـمـا والكونُ حزناً مظلمُ      والأرضُ فـــيـهـا كـلُّ نـادٍ مـأتـمُ

وتـدكـدكـتْ شمُّ الرواسي من أسىً      وتـساقطتْ من هولِ ذاكَ الأنجمُ

والـروحُ جـبـريـلُ الأمينُ لـقدْ نعى      بــيـنَ الـمـلا قتلَ الإمامِ الأعظمُ

أضـحـى الوجودُ بدهشةٍ قد طبقتْ      مــن أجـلِـها الأرزاءُ نارٌ تضرمُ

يـا مـرتـضـى يـبـكـيـكَ دينُ محمدٍ      فــربـيـعُـه مـن بـعـد ذاكَ مُحرَّمُ

يـبـكـيـكَ حـزنـاً تـارةً مـمـا عــرا      من عـظمِ ما لاقى وطـوراً يلطمُ

يا مـرتـضـى يـشـكـو إلـيكَ نوائباً      عـزَّ الــنـصـيـرُ أما مُجيرٌ يرحمُ

يا مـظـهـرَ الـديـنِ الـحنيفِ بسيفِهِ     قد حـلَّ بـالـديـنِ الـبـلاءُ الـمُبرَمُ

هذا الحسينُ بـ (كربلاء) محاصَرٌ     والناسُ عن نصرِ ابن بنتِكَ نُوَّمُ

أضـحـى غـريـباً يشتكي لكَ حالَه     مـن نـكـبـةٍ جـاشتْ وجرحٌ يُؤلمُ

وقال في التوسل بالإمام المهدي (عليه السلام)

يا صاحبَ العصرِ قد ضاقتْ بنا السبلُ      فالـديـنُ فــي كـربـةٍ يـدعــو ويبـتهلُ

أدركْ محـبِّـيـكَ قـــد ذابــــتْ قـلـوبـهـمُ      مما دهى قـد عراهـا الوجـدُ والوجلُ

فـي لجَّـةِ الشـوقِ تجـري فــلـكُ ودِّكــمُ      فيهـا القـلـوبُ إلــى رؤيــاكَ والمُـقلُ

عـجِّـلْ فديـتُـكَ إنَّ الأرضَ قــد مُلـئـتْ      بالظلمِ والجورِ ضاقَ السهـلُ والجبلُ

والمسلمونَ غدوا فـي فتنـةٍ عـــصفـتْ      قد ساسها الغربُ فيها الكفرُ والدجلُ

بـاسـمِ التـقـدُّمِ قــد جـــاءتْ فباطــنُـهـا      فيـهِ السـمـومُ ولـكـن ظـاهـراً عـسـلُ

والمبـطـلـونَ لــقــد لــبَّــوا دعـايــتَـهـا      قــد غـرَّهـمْ فـتـنـةُ الـديـنـارِ والأمـلُ (5)

.................................................................

1 ــ كتاب (دفتر الشجي) لناجي الحرز ص 176 ــ 179 وهو مختارات من مراثي 100 شاعر إحسائي للإمام الحسين (عليه السلام) من مطبوعات الأمانة العامة للعتبة الحسينية المقدسة 1438 هـ / 2007 م ص 176 ــ 177

2 ــ سلمان حسين الحجي ــ الشيخ محمد بن محمد بن مهنا المهنا ــ صحيفة بشائر الألكترونية بتاريخ 19 / 7 / 2021 / سلمان حسين الحجي ــ العالم الفاضل الشيخ صالح بن محمد السلطان قدس سره ــ موقع سعفات هجر بتاريخ 21 / 10 / 2010 / سلمان حسين الحجي ــ الشيخ صالح بن الملا محمد السلطان، موقع المطيرفي بتاريخ 5 / 10 / 2012

3 ــ كتاب (دفتر الشجي) لناجي الحرز ص 176

4 ــ الشيخ صالح بن محمد السلطان ومحاربة الفكر الاستعماري / موقع سعفات هجر بتاريخ 25 / 2 / 2011

5 ــ موقع المطيرفي بتاريخ 1 / 8 / 2021

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار