زين العابدين الكويتي (1282 ــ 1369 هــ / 1866 ــ 1950 م)
قال من قصيدة تبلغ (41) بيتاً يخاطب فيها كربلاء ويهنئ أهلها لما حوى تاريخها المجيد من مآثر في طليعتها الوقفة الخالدة لسيد الشهداء (عليه السلام) واحتضانها جسده الطاهر، كما ضمّ تاريخها احتضان كثير من العلماء الأعلام ومنهم السيد إسماعيل بن صدر الدين العاملي الذي سكن كربلاء فقال الشاعر أثناء وجوده فيها:
فيحـقّ للأبـرارِ طـرَّاً تـرتـدي برداءِ شـكرٍ عندَ كلِّ مساءِ
حـيـثُ الإلـهُ أمـدَّهمْ في نعمةٍ بوجودِه في (كربلا) الغرَّاءِ
مولايَ يا مَنْ لا يُقاسُ جلالُه في مشـمـخرِ مناهجٍ بيضاءِ (1)
الشاعر
زين العابدين بن حسن بن باقر الجهرمي البيرمي، المعروف بـ (الملا عابدين) شاعر وخطاط ومعلم من أصل فارسي، ولد في الكويت ومات بها، سافر إلى الهند وعُمان وقطر والبحرين وإيران ونجد والحجاز، وكان يتقن الفارسية إضافة إلى العربية ويكتب الشعر بهما، وقد افتتح مدرسة لتعليم الصبية في بيته. لم يدرس عند أحد من الشيوخ والأساتذة بل اكتسب ثقافته ذاتياً فتعلّم القراءة والكتابة وكان قارئاً نهماً ثم بدأ يكتب الشعر. (2)
وعن رحلته وتجربته مع الشعر يقول:
(وكنت مُولعاً بنظم الشعر الاصطلاحي العراقي والنبطي، ومع عدم اطلاعي على فنون العربية كالنحو والصرف وغيره اندرجت في نظم الشعر العربي اللغوي الذي عليه مدار الكلام العربي بدون درس وتدريس، ولم أتتلمذ قط على يد أحد الأساتذة من أهل العلم، بل أخذته من أفواه الرجال بكثرة المجالسة والمخالطة والمحاورة والمذاكرة مع أرباب الفن، وأهل العلم والفضل والأدب والكمال، في أبهى درجات الاستقبال، ثم اتخذت الكتب اللغوية كالقاموس للفيروز آبادي، ومجمع البحرين للطريحي النجفي، والمنتخب للشاه الجهاني وتوفقت بمعرفة العروض والموازين الشعرية). (3)
يقول عنه الكاتب شريف صالح: (لقب ملا عابدين بذي الرياستين (الرئاستين). ويقال إن هذا اللقب أطلق عليه إما الشيخ مبارك الصباح أو الشيخ خزعل بن جابر بن مرداو حاكم المحمرة. ويروى أن السبب في تسميته بهذا اللقب معرفته وإلمامه بكتابة وإلقاء الشعر باللغتين العربية والفارسية الفصيحة والارتجالية الشعبية التي كان مضمونها قصائد الفرائد التي تتضمن التخميس والتسبيع والتضمين والتوشيح والتشطير وغيرها، التي تحتوي على التواريخ المتضمنة من حساب الجمل.
وإلى جانب سعيه الدؤوب في التعلم، برع ملا عابدين في كتابة القصائد الفارسية وإلقائها؛ نتيجة نشأته بين أحضان أسرة كويتية من ذوي الأصول الفارسية في أغلب الظن. ويعتبر الشاعر الملا عابدين شاعراً سابقاً لعصره وفريداً من نوعه لأنه كان الشاعر الوحيد في الكويت الذي يستطيع أن يلقي شعراً عربيّاً تارة وفارسياً تارة أخرى. بل قام بالجمع بينهما في الكثير من المناسبات، كما فعل في مناسبة تأسيس حسينية معرفي في عام 1906م. وهي ملكة وخاصية تميزه عن معاصريه من الشعراء.
ولم تكن خاصية إلقائه للشعر باللغتين العربية والفارسية هي الوحيدة التي تميزه عن غيره من الشعراء، بل كان خطاطاً ورساماً بارعاً. لذا ليس من الغريب أن يختاره الشيخ سالم بن مبارك الصباح ليخط على قصر السيف عبارة «لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك» في عام 1337هـ (1919م). كما كانت له لوحات فنية (رسمات باللهجة الكويتية على شكل مخطوطات بحجم كبير غير واضحة المعالم وتصعب قراءتها، ولكن عند طي تلك اللوحات من الصفحة الكاملة إلى نصف صفحة تظهر عبارات جميلة في ظهر الصفحة المرسومة عليها نوضح مدى براعته في فني الخط والرسم.
توفي الملا عابدين في عام 1950م مخلفا وراءه الكثير من القصائد التي ما زالت في أذهان الكثير من الأسر الكويتية على الرغم من فقدان أغلب دواوينه. كما حفظ، بكل فخر، بعض من قصائده في بعض من المساجد والحسينيات الكويتية مثل حسينية معرفي، وحسينية عاشور، وحسينية سيد علي الموسوي والحسينية العباسية ومسجد عبد الله العالم، لأنها دونت جزءا من أحداث تاريخية مهمة مرتبطة بتاريخ بناء وافتتاح هذه المساجد والحسينيات في الكويت). (4)
ويقول عنه السيد سلمان هادي آل طعمة: (صقلت النوادي الأدبية ذهنه، وشحذت فكره، وهو منذ حداثته استهوته اللغة العربية، وشغف بالشعر العربي، فبرز فارساً مجلياً في ميدان القريض، وحاز قصب السبق بذهنه الوقّاد وعلمه الواسع وسرعة الحافظة وقوة الإدراك والفهم ...) (5)
دواوينه ومؤلفاته
يقول صالح: (رغم فقدان وضياع أغلب دواوينه العربية والفارسية التي طُبع معظمها في بومباي في الهند وفي مصر على نفقة بعض تجار الكويت، لحسن الحظ ذَكرت أسماء دواوينه في فهرس أحد دواوينه المسمَّى (منهج الذاكرين). وهي كالتالي:
1- المواكب الحسينية في المراثي ومدائح الأئمة.
2- الفرائد الهجرية.
3- الفرائد الحائرية.
4- روضة العارفين.
5- عشرة الأسفار «فارسي»
6- بهجة الأنظار.
7- آيات الصباح.
8- موعظة الرجال وُبلْغة الماّل.
9- الروض الرزين بطرز مثنوي (فارسي).
10- مجد الملوك سيرة الأحمدية حالات عجمها الكويت وجماعة إحسائية عربية.
11- سراج الوهاج في مسافرة الحجاج (فارسي وعربي).
12- الدرر المنيفة في سجايا مشايخ الخليفة.
13- الرحلة الكويتية الفيلكاوية الخضرية.
14- بُردة المحسنين في مدائح ومراثي الأئمة (فارسي).
15- درر الفضلا در مدائح وتاريخ علما سنة وفاة ايشان با سائر سادات امامية (فارسي).
16- رسالة إثبات الروابط في الرد على منكرى الوسائط بأدلة وبراهين قاطعة.
17- مرءاتِ العارفين (فارسي).
18- ارمغان نامه (فارسي).
19- زهور الزائرين ورفتن مصنف بازوار بزيارت بي بي حكيمة دركوه ديلم (فارسي).
20- بهجة الناظر في أحوال المسافر.
21- جامع الآيات عصري (فارسي).
22- تذكار المنعمين.
23- تغذية الأرواح ومنشئة الأفراح.
24- المحاورات الخليلية.
25- منهج الذاكرين (فارسي).
26- قبائح وفضائح فسقة العجم (فارسي).
27- داستان هنكامه قصر كنار ومحاربه شيخ مذكور خان باشيخ محمد ابن احمد خلفان حرمي (فارسي).
28- كوكبة السعودية.
29- عصريات البديعة (فارسي وعربي).
30- الرحلة العمانية.
31- الرحلة القطرية.
32- الرحلة العبادانية
33- القرايض والعمانية.
34-. الرحلة الرياضية.
35- جسيم التواريخ.
36. مراتب على حضرت رضا شاه بهلوي (فارسي).
37- الرحلة الشابورية: اسمها تاريخها.
38- الرحلة الهندية.
39- سحر بابل ونديم كامل.
40- موعظة الرجال وبلغة
ثم يقول: تكمن الأهمية التاريخية لمؤلفات الملا عابدين الشعرية، ليس فقط في قيمتها التعبيرية، من مديح وثناء على شخصيات عرفناها في تاريخ الكويت، بل بمجرد التمعن في تلك الأشعار التي ذكرت هؤلاء الشخصيات وتلك المناسابات والتواريخ التي عبّر عنها لسان الملا عابدين تارة وقلمه تارة أخرى، نستطيع تتبّع بعض الأحداث التاريخية المهمة، سواء تلك التي تخص الكويت أو تلك التي تخص منطقة الخليج، خاصة وأن الملا عابدين في الكثير من شعره يذكر المناسبة التي حثته على كتابة بعض من تلك الأبيات...) (6)
شعره
احتل مدح ورثاء أهل البيت (عليهم السلام) حيزاً كبيراً في شعر الملا عابدين وله فيهم قصائد كثيرة، كما حفظت بعض أشعاره في حسينيات الكويت حيث كان يدون تاريخ بنائها وتشييدها وافتتاحها
قال من قصيدة في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وأهل البيت (عليهم السلام):
خـاتـمُ الـرسـلِ والـنـبـيُّ الـمـنبَّى عـلّـةُ الـكـونِ أشـرفُ الشرفـاءِ
مـن بــهِ قــامَ لـلــوجــودِ وجــودٌ واستقامَ الخضرا على الغبـراءِ
الـبـشــيــرُ الــنــذيـرُ أحـمـد طـه صـفـوةُ الـخـلـقِ سـيِّـدُ الأنـبياءِ
من رقى في معراجِهِ السبعَ طرَّاً وكـذا حُـجْـبَـهـا بـغـيـرِ امتـراءِ
فـدنـا نـحـوَ قـابِ قـوسـيـنِ أو أد نـى بـجـسـمٍ مـطهَّرِ الأعـضـاءِ
كـلّـمَ اللهَ فـي حــضــيــرةِ قـدسٍ بغيوبِ الـخـفى عـلى استقـصاءِ
وحــبــاهُ الإلـــهُ دونَ الــبــرايــا واصـطـفـاهُ بـرتـبـةٍ قــعــــسـاءِ
قِسْ بـ (لولاكَ) شأنه من خطابٍ قـد أتـاهُ مـن أحكـمِ الـحـكـــمـاءِ
فإنِ اختارَ نجلَ عمرانَ في الطو رِ كـلـيـمـاً وخـصَّـه بـاهــتــداءِ
فـلـقـدْ كـلّـمَ الـحـبــيــبَ ونــاجــا هُ عـيـانـاً بـجــمــلـةِ الأشـــيــاءِ
بالـمـقـامِ الـمـحمودِ قد خصَّه اللهُ وأعـطـاهُ عـصـمـةَ الـكـبــريـاءِ
واجـتـبـاهُ عـلـى الـنـبـيـيـنَ طرَّاً مـن لـدنِ بـدئـهـا إلـى الانـتـهاءِ
واجـتـبـى آلَـهُ الـمـيامينَ من دو نِ الـبـرايـا عـلـى سـبيلِ الـولاءِ
فـهـمُ الـطاهرونَ من كلِّ رجسٍ حـجـجُ اللهِ الـخـمـسـة الـنـجـبـاءِ
ومنها في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام):
هـوَ نـفـسُ الـنـبـيِّ والـدُ ســبــطــيـ ـهِ وزوجُ الـبـضـعـةِ الزهـراءِ
أسـدُ اللهِ مـــن رقــى كــتــفَ طــه خـاتـمِ الـرسـلِ عـلـةُ الأشــيـاءِ
وأبــادَ الأصـــنـــامَ عــــن حــــرمِ اللهِ بـأمـرٍ لـســيــدِ الــبـطـحـاءِ
من له اللهُ نـصَّ فـي مـحـكـمِ الـتـنـ ـزيـلِ فـي هـلْ أتى بغيرِ مراءِ
كـان لـلمـصـطـفـى بـمنـزلةِ الـرو حِ من الـجسمِ إي وربِّ السماءِ
قــالَ فــي حــقِّــهِ الــنـبـيُّ مِـراراً ذا عـلـيٌّ وخــيــرةُ الأصــفـيـاءِ
صـالـحُ الـمـؤمـنيـنَ مولى البرايا ووزيــرٌ لأشــرفِ الأنـــبـــيــاءِ
هـوَ بـابُ مــديــنـةِ الـعـلـمِ حــقــاً كـيـفَ لا وهوَ سيدُ الأوصياءِ ؟
كاشفُ الكربِ عنه في معضلاتٍ مُـذْ أديـرتْ بـه رَحـى الـهـيجاءِ
ولــذا لــيــلــةُ الــمــبــيــتِ فــداهُ روحَـه فـي مــلـــــمَّــةٍ نــكـبــاءِ
وبـــبـــدرٍ وخـــيــبـرٍ وحــنــيــنٍ شـــنَّ طـرفـاً بــغـارةٍ شــعــواءِ
قـمـعَ الـكـفـرَ فـي يـدٍ هـيَ تـنبي عـن يـدِ اللهِ مــــن يــدٍ عــلــيــاءِ
عـنـه سـلْ عـمَّ مـع قـدَ أفلحَ والآ ي الـمـرجّى في سورةِ الشعراءِ
وكــذا آيــةُ الــغــديـرِ الــتـي خـ ـصِّ بـهـا اللهُ أشـرفَ الأولــيـاءِ
ثــمّ ســلْ إنَّــمــا ولــيُّــــكـــمْ اللهُ عـن الـمـرتـضـى إمـامَ الــهـداءِ
فــعــلــيــهِ مــن الــســلامِ سـلامٌ مـا أضـا كـوكـبٌ بـأفـقِ الـسماءِ
وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) واستنهاض الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من قصيدة تربو على الخمسين بيتا:
حتى متى يا ابنَ الأطائبْ تـبــقــى كــذا يـا لـلـعـجـائـبْ
لـكَ شـيـعـةٌ يـا ابـنَ الألى قـد طـالــهــمْ جُــمُّ الــنــوائـبْ
كـرهـوا الـحـياةَ لعظـمِ ما نـالـوا الأذى والـقـلـبُ ذائــبْ
عـجـبـاً لحلمكَ يا ابـنَ طـ ـه أن تـكـونَ الــيــومَ غـائـبْ
أو مـا سـمعتَ بما جـرى في الطفِّ من نُوَبِ المصائبْ
ومنها:
لم أنسَ سـبـطَ مـحـمدٍ إذ قامَ فـيـهـم وهـو خاطبْ
يـدعـو لرشدٍ وهوَ لـم يرَ مسمعاً غير الـمـحاربْ
ويرى له صحباً على وجهِ الثرى مـثل الكـواكبْ
يرنو الفراتَ بطـرفِهِ والـدمـعُ مـن عـينيهِ ساكبْ
فهناكَ جـرَّدَ صـارماً يبري الرواسي والأخاشبْ
فـسـقـاهـمُ مــن حـدِّهِ كـأسَ الـمـنـيَّـةِ غيرَ راهبْ
ومنها في رجوع جواد الإمام الحسين (عليه السلام) إلى المخيم وهو ينادي بالظليمة:
فمضى له طرفٌ إلـى نحوِ النساءِ والـمـضاربْ
يشكو الظليمةَ ثم يصـ ـهلُ ناعياً والـقلبُ لاهـبْ
فخرجنَ ربَّاتُ الحـجا من خـدرِهـا ثكلى نوادبْ
فرأينَ منه السرجَ خا لٍ من حسينٍ ذي المناقـبْ
وقال من حسينية أخرى تبلغ (36) بيتاً:
يا وقـعـةً أوقـدتْ فـي قـلـبِ فـاطـمـةٍ لـهـيـبَ حـزنٍ ونيراناً من العطبِ
يـومُ ابـنُ طـه أتـتـه الـرسلُ معْ كتبٍ لـكـنـهـا رُقِّـمـتْ بـالأفـكِ والـكذبِ
قد كـاتـبـوهُ فـحـثّ الـركـبَ نـحـوهـمُ بالأهلِ جمعاً وبالأبناءِ والصـحبِ
لم أنـسَ سـبـطَ رسـولِ اللهِ حيث أتى يسري على قتبِ الأكوارِ والنجبِ
فخيَّمَ الطهرُ في أرضِ الطفوفِ وقد سـلّـتْ عليه حدادُ البيضِ والقضبِ (7)
...........................................................................
1 ــ شعراء كربلاء ج 2 ص 112 ــ 114
2 ــ مقال لشريف صالح بعنوان برع في كتابة القصائد الفارسية ومدح العديد من الشيوخ ورجال الدين الملا زين العابدين علَّم نفسه القراءة ونظم الشعر، جريدة النهار العدد 3681 بتاريخ 14 / 5 / 2019
3 ــ نفس المصدر
4 ــ نفس المصدر
5 ــ شعراء كربلاء ج 2 ص 107
6 ــ مقال لشريف صالح بعنوان برع في كتابة القصائد الفارسية ومدح العديد من الشيوخ ورجال الدين الملا زين العابدين علَّم نفسه القراءة ونظم الشعر، جريدة النهار العدد 3681 بتاريخ 14 / 5 / 2019
7 ــ قصائده في شعراء كربلاء ج 2 ص 108 ــ 120
ترجم له:
إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 1 ص 462
الدكتور أحمد عبد الله العلي ــ معجم شعراء الكويت
خالد سعود الزيد / أدباء الكويت في قرنين ج 1 ص 85 ــ 86
مدونة يحيى الكندري بتاريخ 10 / 8 / 2016
الدكتور فهد الراشد / شاعر «البلاط الكويتي» في زمن الإمارة موقع فهد الراشد بتاريخ 25 / 2 / 2016
اترك تعليق