محمد النقدي: (1346 ــ 1424 هـ / 1927 ــ 2004 م)
قال من قصيدته (درس فـي الجهاد) في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (64) بيتاً:
قسماً تصدِّقه الدماء بـ (كربلا) ويـعـيـدُه الـتــأريــخُ فـي أجيالِهِ
ما طـهّـرَ الإسـلامَ مـن خـذّالـه إلاّ نـجـيـعٌ سـالَ فــوقَ رمـــالِهِ
مُـتـدفَّـقـاً كـالـسـيـلِ في أرجائِهِ يسقي الحقائقَ في نفوسِ رجالِهِ (1)
الشاعر
محمد بن الشيخ جعفر بن محمد بن عبد الله محمد تقي بن الحسن بن الحسين بن علي التقي الربعي النقدي، شاعر وقاص، ومترجم ومسرحي، ولد في مدينة العمارة ودرس علوم الدين والأدب واللغة على يد والده العالم الكبير الشيخ جعفر النقدي، ثم انتقل إلى الكاظمية وأكمل دراسته فيها وتخرج من دار المعلمين الابتدائية عام 1945، وزاول مهنة التعليم في عدة مدارس ثانوية في الكاظمية حتى إحالته على التقاعد عام 1977.
صدرت له أربعة دواوين شعرية هي:
طعام النار ــ 1950
الأشباح الظالمة ــ 1951
من أجلك يا وطني ــ 1960
المراحل الثلاث
وقصة بعنوان: من ليالي نيرون
ومجموعة قصص بعنوان: تماثيل متحركة
ورواية بعنوان: الرجل الذي فاته القطار
ومسرحية شعرية بعنوان: الغجر والسلطان
وله كتاب: مرآة العرب، وهو (مفردات ومقطوعات من شعر العرب قديماً وحديثاً، مع تراجم الشعراء)
كما ترجم مسرحية (الرجل الذي قتلته) للكاتب الفرنسي موريس روستان
كتب عنه مارون عبود في (دمقس وأرجوان)، وداود سلوم في (تطور الشعر المعاصر في العراق)، ويوسف الصائغ في (الشعر الحر في العراق) وكوركيس عواد في (معجم المؤلفين العراقيين) وأحمد أبو سعد في (شعراء العراق المعاصرون) وحميد المطبعي في (موسوعة أعلام وعلماء العراق).
وترجمت بعض أعماله إلى اللغات الروسية والفرنسية والفارسية والانكليزية
قال عنه الأستاذ عباس علي: (شاعر مجيد يؤمن بدور الشاعر في اكتشاف مجاهل الطريق برؤيته الواضحة وتطلعه البناء)
وقال عنه حميد المطبعي: (من الشعراء الرواد، اصطف مع مدرسة بدر شاكر السياب في تطوير نغمية الشعر العربي ونقله إلى السياق الذي يلهم وجدان الذاكرة المعاصرة، وبدأ على عمود الشعر العربي، وفضله الجواهري على مائة شاعر نسجوا على العمود في زمانه، وكبار النقاد صرحوا بتفوقه الشعري).
وكتب عنه صديقه الشاعر الكبير طالب الحيدري ترجمة وافية رأينا نقلها حيث قال عنه: (كان شاعراً مجدداً، لم تنصفه الأيام، وبقي مغموراً لأنه كان زاهداً لا يركض وراء الظهور والشهرة كما يفعل الآخرون، وكان دمث الأخلاق، عالي النفس، بدأ في مسيرته مبكراً وهو من لداتنا، وبيننا وبينه رابطة محبة، وود صادق.
كان أبوه يعيش مع زوجته الأولى في دار خاصة، وكان هو ــ أي محمد ــ يعيش مع أمه وأخوته في دار أخرى، وهو الذي يشرف عليهم، ويتحمل المسؤولية كاملة، مما أثقل كتفيه، وشغله حتى عن التفكير في الزواج، وداره ودار أبيه في الكاظمية.
ولظروفي الخاصة، ومراعاة لمكانة أبي الدينية، فقد كنت امتنع عن الالتقاء مع أقراني من الأدباء والشعراء في المقاهي وغيرها.
ولأجلي كان محمد النقدي يفتح داره صباح كل جمعة للكثيرين من الشعراء والنقاد الشباب، فأتعرف عليهم، واستمع إلى ما يلقيه هذا وذاك من الشعر بمدارسه المختلفة.
وبقي محمد النقدي يواصل مسيرته الابداعية في عزلة وانزواء، خاصة حينما خرج هو ومن معه إلى دار أخرى خارج الكاظمية، في مكان معزول وكان بالنسبة له أشبه بالمنفى، والظروف ــ خاصة الاقتصادية ــ تتحكم بالإنسان فتلقي به بعيدا، وفي مستوى لا يرتقي إلى مستواه، ومع ذلك ظل يبدع ويكتب القصائد، وينشر ما يسمح له وضعه الخاص من دواوين ومن قصص، قد يكون أهمها (الرجل الذي فاته القطار) وهي قصة مؤثرة لو كانت لغيره لصنع منها مسلسلاً تلفزيونياً بل فيلماً سينمائياً.
وبالرغم من بعد المسافة بيني وبينه، وكثرة مشاكله، وتردي صحته، فقد كان يزورني من حين إلى حين، وحين وصلني نبأ وفاته ــ الذي لم يُعلن عنه في صحيفة أو إذاعة أو فضائية ــ شعرت بفداحة الخسارة.
وكل الذي استطعت أن أرثيه بمرثية كانت دليل وفائي له كأخ وصديق ورفيق درب.
كان مثلاً للوفاء والمحبة، عاش من غير تهريج، وما أشك في أن الأيام ستنصفه بعد أن تناسته، لأنه شاعر يستحق الدراسة، وإنسان من حقه أن يذكر بالحمد الذي هو أهله
رحمه الله وأحسن إليه، وقيّض له من المنصفين من ينشرون ما طواه الزمان من نفحاته)
توفي النقدي في بغداد وكان يسكن حي الرسالة ودفن في النجف الأشرف.
وقد رثاه السيد طالب الحيدري بقصيدة طويلة تبلغ (137) بيتاً يقول منها:
أيها الفارسُ الذي كان يــجري بالقــــــوافي مختالةٍ كالخيولِ
بعدما جدتَ بالمعانــــــي فريدا تٍ وأطرفتَ بالجديدِ الأصيلِ
وتواريتَ مُؤثــــــــراً لذّةَ النسـ ـيانِ مُستسلماً لطيفِ الخمولِ
تاركاً ساحــــــةَ التكالبِ للمطـ ـعون فـي عرضهِ وللمركولِ
عشتَ مثلي في عزلةٍ لم تدنّسـ ـكَ الدنايــــا في عالمٍ مخبولِ
قد أتــــــــينا بالمستحيلِ ونبقى في عيونِ الزمانِ كالمستحيلِ
شعره
يقول من قصيدته (درس فـي الجهاد):
حـــيِّ الشهيدَ وخُذ بـسيــــــــفِ نـــضالِهِ وتعلَّمِ الإخــــلاصَ مِن أبطالِهِ
الرافعينَ إلى التـحرُّرِ مـــــــــــــــــشعلاً فاقَ الــضـــحى بسنائهِ ومنالهِ
الآسرينَ لدى الـخـــــــصــــــومةِ باطلاً المطــلقيـــــنَ الحقَّ مِن أغلالهِ
المنزلينَ عــــــــــلى العـــــدوَّ صـواعقاً لا يــحـــــــفلونَ بخيلهِ ورجالهِ
الــــــــــــــــــساهرينَ حـــــمايةً لإبائهمْ وهــــدى النبيِّ وصحبهِ وعيالهِ
المفتدينَ كـرامـةً بــــــــــــــــــــــدمائهمْ الظــــامئينَ إلى الرَّوى بـزلالهِ
اللابثينَ مَـــــــــــــعَ الحقوبِ وذكـــرهمْ يُــتلـى ومـجدُهـمُ يُرى بكمــالهِ
لا تبـــــــــــــــكِ لا يُجدي البـــكاءَ باُمّةٍ ثكلى ولكــن سـِرْ على منــوالهِ
رامَ الـخـلـــــــــــــودَ بـأن يــــقـوَّمَ اُمَّـةً ولو اَنّ نـيــلَ مـــرامِـه بـــقتالِه
إنّ الخــــــــلـودَ لمَن يذودُ عـــن الحمى بـدمــائِـه وبـــــولـدِه وبـــمـالِـه
والمجدُ غــــرسٌ ما رواهُ ســـوى الطلا مـن لا يجــودُ به لقـطفِ نوالِه
قـسماً بـــــــــــأرضِ الـــطفَّ والدمُ نيَّرٌ والـدمعُ مــنتشرٌ عـــلى أطلالِه
وصــــوارمٌ حــــــــــــمراءُ عندَ اُسودِه بــاتـت مـــؤرَّقـــة على أشـبالِه
وزفـيـــرُ أرملةٍ يــــــــــروحُ إلى السما يــشكو عـــتـــوَّ مـحرّمٍ لـهلالِه
قسماً تصـــدقه الـدمــــــــــــــاءُ بكربلا ويعيده التــــــــأريخُ في أجـيالهِ
ما طـــهّرَ الإســـــــــــــــلامَ من خذّاله إلّا نــجيـــعٌ ســـالَ فوقَ رمـاله
مُــــتدفَّقاً كـالسيلِ فـــي أرجــــــــــــائهِ يسقي الحقائقَ في نفوسِ رجالهِ
حيّ الشهـيدَ مُــــــــــــــــرتّلاً آياتِكَ الـ ـغرا تحــــــــيَّة مـعجبٍ بنضالهِ
وقُمِ احتفـــــــــــــــــــــاءً بالدماءِ فإنها عــــــنوانُ مجدٍ خـطَّ في أسمالهِ
وسَلِ القـرونَ المــــبصراتِ فهلْ رأتْ كأبا الحسيـنِ وهل رأتْ كـمثاله
من ذا يـخـــــــــــــاطبُ حـتفَه بيمينهِ؟ ويهزُّ سيــــــــــفاً مصلتاً بشمالهِ
(إن كـان ديـــنُ محــــــــــمّدٍ لم يستقمْ إلّا بقتلي) فليعُــــــــــــــــدْ لمآلهِ
أنا لســــــــــــتُ ممَّن يغرمونَ لسلطةٍ كلا ولا أنا للنضـــــــــــارِ بوالهِ
لكنّ لـي جنباً حمـــــــــــلتُ به الهوى حباً إلى نيــــــــلِ العُلا ووصالهِ
لمْ يخـشَ عدَّةَ خصمِــــــــــــه وعديدَه ويعيـــــــــذهُ الإيـمانُ مِن أهوالهِ
والمرءُ بالإيـمـــــــــــــانِ يدركُ غايةً كبـــــــــــرى ويبـلغُ مُنتهى آمالهِ
ذكرى الحـسيـــــــــــنِ تطلّعي بجهادِه فـالـدهرُ قـد ألــــــقى نقابَ خيالِه
فوحي عـلينا كــــــــــالزهورِ ونوَّري كالشـمـــسِ أو فاسمي كغرِّ فعالِه
صبَّي الـجهادَ مـــن السمـــــــاءِ فكلّنا صـديـــــــــانُ مـنـتظرٌ سنا إقبالِه
محلـــــتْ ريــــاضُ المجدِ بعدَ ربيعهِ وتــــــــساقطتْ أوراقُــها بزوالِه
أينَ الـفتــــــــــــوحُ وأينَ زهوُ رجالهِ والمُلكُ تـيّـــــــــــــاهٌ ببردِ جلالهِ
وعـزائمٌ كالخيــــــــــــلِ مسرعةٌ بهمْ صـوبَ الـردى فرحـينَ لاستقبالهِ
وشـرائعٌ ركـــعتْ (أثينـــــــة) عندها ورنــــــا لها (سقراط) مِن تمثالهِ
مـثلٌ ســـرتْ والذكرياتُ تـعيــــــدُها أملاً يخـــــادعُنا الزمانُ بآله (١)
شـعَّ الـــتمدُّن في البلادِ ولــــــمْ يزل وطنـــــــي يسيرُ على بعيدِ خيالهِ
الغــــربُ أدركَ في سنا أســــــحارِهِ قصداً وضــــلَّ الشرقُ في آصالهِ
والغـربُ جـــرّدَ سيفَه وبمـــــوطني غمدَ اليــــــــــراعِ صيانةً لضلالِهِ
والـغربُ قـــد بلغَ السماءَ مجــــاهداً في حين لم تبـــــــلغْ ظهورَ جبالِهِ
حتّـامَ نلـــبثُ حائــــــــــــرين بضلة والكلُّ يعلمُ ما يجــــــــــــولُ ببالهِ
طـمعٌ يـــطوفُ على الممــالكِ مُتلِفاً زرع الشعـــــــوبِ مخرّباً لظلالهِ
هــــــــــــذي شهيدَ الحقِّ نفثةُ شاعرٍ يرثي لحــــــــــــــالِ بلادِهِ ولحالهِ
ألقـى بذكــــــــراكَ الـــشجيةَ أنَّةَ الـ ـقلبِ الشجي مُحــــــــــرِّداً بعقالهِ
سِـيمَ الشقاءُ بفكـــــــــــــــــرةٍ وقّادةٍ تأبى لرفعتِها على اسـتــــــــغلالهِ
كـم وقفةٍ فيها صـــرخــــــتَ باُمتَّي صوتاً أهزَّ الجيـــــــلَ مِن زلزالهِ
يـا قومُ قد جـــارَ الغريبُ بـأرضِكمْ فحذارِ من أشراكهِ وحــــــــــــبالهِ
يـبدو بسربـــــــــــالِ الصديقِ إليكمُ والكيـــــــــدُ مرسومٌ على سربالهِ
أبديتمُ وهــــناً فـــــــــــراحَ يقودُكمْ ويخوضُ وهــــــــــــنكمُ إلى آمالهِ
ما (القــــدسُ) تأسوهُ الجراحُ ألـيمةٌ إلّا ضحيةَ رشقةٍ لنبــــــــــــــــالهِ
وضحيــــةُ الأربابِ بيــــنَ جـوارِه المقتفيــــــــــــنَ خُطاهُ في أعمالهِ
واللاغطينَ إذا تفوَّهَ مصــــــــــــلحٌ يرمي لفكَّ الحــــــــرَّ مـِن أغلالهِ
من ذا يروقُ له السكوتُ بمــــعشرٍ أضحى يعربدُ من طـــــلى جهّالهِ
حمماً عليه مـــن الفؤاد صببتـــــها أيروم يخمـــــــــــــدها أخٌ بجداله
دعه يجدَّ إلـــى المحـــــالِ بخـطبهِ أو هل ينالُ المرءُ بـعـــضَ مُحالهِ
لا بدَّ للبــــركـــــــانِ فترةُ غمـضةٍ ويعــــــــــــــودُ بعد زوالِها بوباله
قُلْ للشــــبـــابِ وقد تهاونَ عـزمُه واليــــــــــــأسُ عوَّده على إهمالهِ
واســــتُبدلَ الخــــلقُ القويمُ بـغيرِهِ ويدُ الغريبِ ســــــــعتْ إلى إبدالهِ
لُــــذ بالحسينِ وخُـذ لنفسِكَ مـنهلاً مِن خُلْقه الزاكي وطــــــيبِ خلالهِ
وليرتوِ العقلُ الغليـــــلُ بـــــرشفةٍ ما دامَ ظمآناً إلى ســــــــــــــلسالهِ
الدينُ والقسطاسُ ســـــــــــرُّ نقائهِ والعلمُ والأخلاقُ رمزُ جـــــــمالهِ
ما جلَّ للأقطارِ صرحُ مــــــفاخرٍ إلّا وكــــــــــــانَ العـلمُ اُسُّ جلالهِ
وبسلّمِ الأخلاقِ يُـرفعُ مـــــــوطنٌ وبدونهِ يهوي لأســـــــــــــوأ حالهِ
واربأ بنفسِكَ أن تـكـــــونَ مُسالماً لمن اعتدى بل فانصـــرفْ لنزالهِ
سِرْ في النضالِ فتـلكَ خيرُ وسيلةٍ للمرءِ تبلغه مدى استــــــــــــقلالهِ
فهو الذي يســــــدي البلادَ أمانَها ويعيدُ حــــــــــــقَّ الفردِ من خذالهِ
........................................
1 ــ ترجمته وشعره عن: موسوعة الشعراء الكاظميين ج 6 ص 100 ــ 124
كما ترجم له:
عبد الكريم الدباغ / حميد المطبعي / موسوعة أعلام وعلماء العراق ص 744
إميل يعقوب / معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة ج 3 ص 1188
وقد وردت قصيدة النقدي (درس فـي الجهاد) في كتاب (يوم الحسين) والذي تضمن مجموعة من القصائد والخطب التي ألقيت في ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) للسنوات (1367 ــ 1370 هـ / 1947 ــ 1950 م) المطبوع في مؤسسة دار السلام في لندن (1420 هـ / 1999 م) وقد ألقيت قصيدته في مساء يوم العاشر من محرم سنة (1367 هـ / 1947 م) ألقاها الأستاذ حاتم جريء السامر وذكرت في الصفحة (97) من الكتاب المذكور وذيلت باسم النقدي ومكان كتابتها في مدينة العمارة، والعمارة هي مسقط رأس أبيه العلامة الشيخ جعفر النقدي، وقد عد الدكتور حسين علي محفوظ في موسوعة العتبات المقدسة / قسم الكاظمين ج 3 ص 116 بيت النقدي من بيوتات الكاظمية.
اترك تعليق